سورة القيامة: الآية 10 - يقول الإنسان يومئذ أين المفر...

تفسير الآية 10, سورة القيامة

يَقُولُ ٱلْإِنسَٰنُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ ٱلْمَفَرُّ

الترجمة الإنجليزية

Yaqoolu alinsanu yawmaithin ayna almafarru

تفسير الآية 10

فإذا تحيَّر البصر ودُهش فزعًا مما رأى من أهوال يوم القيامة، وذهب نور القمر، وجُمِع بين الشمس والقمر في ذهاب الضوء، فلا ضوء لواحد منهما، يقول الإنسان وقتها: أين المهرب من العذاب؟

«يقول الإنسان يومئذ أين المفر» الفرار.

يَقُولُ الْإِنْسَانُ حين يرى تلك القلاقل المزعجات: أَيْنَ الْمَفَرُّ أي: أين الخلاص والفكاك مما طرقنا وأصابنا ?

أي إذا عاين ابن آدم هذه الأهوال يوم القيامة حينئذ يريد أن يفر ويقول أين المفر أي هل من ملجإ أو موئل.

يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ أى: فإذا ما تم كل ذلك، يقول الإنسان في هذا الوقت الذي يبرق فيه البصر، ويخسف فيه القمر، ويجمع فيه بين الشمس والقمر: أين المفر. أى: أين الفرار من قضاء الله- تعالى- ومن قدره وحسابه. فالمفر مصدر بمعنى الفرار. والاستفهام بمعنى التمني أى: ليت لي مكانا أفر إليه مما أراه.

"يقول الإنسان"، أي الكافر المكذب "يومئذ أين المفر"، أي: المهرب، وهو موضع الفرار. وقيل: هو مصدر، أي: أين الفرار.

قوله تعالى : يقول الإنسان يومئذ أين المفر أي يقول ابن آدم ، ويقال : أبو جهل ; أي أين المهرب ؟ قال الشاعر :أين المفر والكباش تنتطح وأي كبش حاد عنها يفتضحالماوردي : ويحتمل وجهين : أحدهما : أين المفر من الله استحياء منه . الثاني : أين المفر من جهنم حذرا منها . ويحتمل هذا القول من الإنسان وجهين : أحدهما : أن يكون من الكافر خاصة في عرضة القيامة دون المؤمن ; لثقة المؤمن ببشرى ربه . الثاني : أن يكون من قول المؤمن والكافر عند قيام الساعة لهول ما شاهدوا منها . وقراءة العامة المفر بفتح الفاء واختاره أبو عبيدة وأبو حاتم ; لأنه مصدر . وقرأ ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة بكسر الفاء مع فتح الميم ; قال الكسائي : هما لغتان مثل مدب ومدب ، ومصح ومصح . وعن الزهري بكسر الميم وفتح الفاء . المهدوي : من فتح الميم والفاء من ( المفر ) فهو مصدر بمعنى الفرار ، ومن فتح الميم وكسر الفاء فهو الموضع الذي يفر إليه . ومن كسر الميم وفتح الفاء فهو الإنسان الجيد الفرار ; فالمعنى أين الإنسان الجيد الفرار ولن ينجو مع ذلك .قلت : ومنه قول امرئ القيس :مكر مفر مقبل مدبر معا كجلمود صخر حطه السيل من عليريد أنه حسن الكر والفر جيده .

وقوله : ( يقول الإنسان يومئذ أين المفر ) بفتح الفاء ، قرأ ذلك قراء الأمصار ، لأن العين في الفعل منه مكسورة ، وإذا كانت العين من يفعل مكسورة ، فإن العرب تفتحها في المصدر منه إذا نطقت به على مفعل ، فتقول : فر يفر مفرا ، يعني فرا ، كما قال الشاعر :يا لبكر انشروا لي كليبا يا لبكر أين أين الفرار[ ص: 58 ] إذا أريد هذا المعنى من مفعل قالوا : أين المفر بفتح الفاء ، وكذلك المدب من دب يدب ، كما قال بعضهم :كأن بقايا الأثر فوق متونه مدب الدبى فوق النقا وهو سارحوقد ينشد بكسر الدال ، والفتح فيها أكثر ، وقد تنطق العرب بذلك ، وهو مصدر بكسر العين . وزعم الفراء أنهما لغتان ، وأنه سمع : جاء على مدب السيل ، ومدب السيل ، وما في قميصه مصح ومصح . فأما البصريون فإنهم في المصدر يفتحون العين من مفعل إذا كان الفعل على يفعل ، وإنما يجيزون كسرها إذا أريد بالمفعل المكان الذي يفر إليه ، وكذلك المضرب : المكان الذي يضرب فيه إذا كسرت الراء . وروي عن ابن عباس أنه كان يقرأ ذلك بكسر الفاء ، ويقول : إنما المفر : مفر الدابة حيث تفر .والقراءة التي لا أستجيز غيرها الفتح في الفاء من المفر ، لإجماع الحجة من القراء عليها ، وإنها اللغة المعروفة في العرب إذا أريد بها الفرار ، وهو في هذا الموضع الفرار . وتأويل الكلام : يقول الإنسان يوم يعاين أهوال يوم القيامة : أين المفر من هول هذا الذي قد نزل ، ولا فرار .

يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) و { إذا برق البصر } ظَرف متعلق ب { يقول الإِنسان } ، وإنما قدم على عامله للاهتمام بالظرف لأنه المقصود من سياق مجاوبة قوله :{ يسأل أيّان يوم القيامة } [ القيامة : 6 ] .وطُوي التصريح بأن ذلك حلول يوم القيامة اكتفاء بذكر ما يدل عليه وهو قولهم { أين المَفر } فكأنه قيل : حَلَّ يومُ القيامة وحضرت أهوالُه يقول الإنسان يومئذٍ ثم تأكَّدَ بقوله { إلى ربك يومئذٍ المستقر } .و { يومئذٍ } ظرف متعلق ب { يقول } أيضاً ، أي يومَ إذْ يبرق البصر ويخسف القمر ويُجمع الشمس والقمر ، فتنوين ( إذ ) تنوين عِوض عن الجملة المحذوفة التي دَلت عليها الجملة التي أضيف إليها ( إذ ) .وذُكر { يومئذٍ } مع أن قوله : { إذا بَرَقَ البصر } الخ مُغن عنه للاهتمام بذكر ذلك اليوم الذي كانوا ينكرون وقوعه ويستهزئون فيسألون عن وقته ، وللتصريح بأن حصول هذه الأحوال الثلاثة في وقت واحد .و { الإِنسان } : هو المتحدَّث عنه من قوله : { أيحسب الإِنسان أن لن نجمع عظامه } [ القيامة : 3 ] ، أي يقول الإِنسان الكافر يومئذٍ : أي المفر .و { المَفَر } : بفتح الميم وفتح الفاء مصدر ، والاستفهام مستعمل في التمني ، أي ليت لي فراراً في مكان نجاة ، ولكنه لا يستطيعه .و { أين } ظرف مكان .
الآية 10 - سورة القيامة: (يقول الإنسان يومئذ أين المفر...)