سورة القيامة: الآية 18 - فإذا قرأناه فاتبع قرآنه...

تفسير الآية 18, سورة القيامة

فَإِذَا قَرَأْنَٰهُ فَٱتَّبِعْ قُرْءَانَهُۥ

الترجمة الإنجليزية

Faitha qaranahu faittabiAA quranahu

تفسير الآية 18

لا تحرك -أيها النبي- بالقرآن لسانك حين نزول الوحي؛ لأجل أن تتعجل بحفظه، مخافة أن يتفلَّت منك. إن علينا جَمْعه في صدرك، ثم أن تقرأه بلسانك متى شئت. فإذا قرأه عليك رسولنا جبريل فاستمِعْ لقراءته وأنصت له، ثم اقرأه كما أقرأك إياه، ثم إن علينا توضيح ما أشكل عليك فهمه من معانيه وأحكامه.

«فإذا قرأناه» عليك بقراءة جبريل «فاتبع قرآنه» استمع قراءته فكان صلى الله عليه وسلم يستمع ثم يقرؤه.

فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ أي: إذا كمل جبريل قراءة ما أوحى الله إليك، فحينئذ اتبع ما قرأه وأقرأه.

"فإذا قرأناه" أي إذا تلاه عليك الملك عن الله تعالى "فاتبع قرآنه" أي فاستمع له ثم اقرأه كما أقرأك.

أى: لا تتعجل- أيها الرسول الكريم- بقراءة القرآن الكريم عند ما تسمعه من أمين وحينا جبريل- عليه السلام-، بل تريث وتمهل حتى ينتهى من قراءته ثم اقرأ من بعده، فإننا قد تكفلنا بجمعه في صدرك وبقراءته عليك عن طريق وحينا، وما دام الأمر كذلك، فمتى قرأ عليك جبريل القرآن فاتبع قراءته ولا تسبقه بها،

"فإذا قرأناه فاتبع قرآنه"، فإذا أنزلناه فاستمع.

قال فاستمع له وأنصت .ثم إن علينا أن نقرأه ; قال : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا أتاه جبريل عليهما السلام استمع , وإذا انطلق جبريل عليه السلام قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما أقرأه ; خرجه البخاري أيضا .ونظير هذه الآية قوله تعالى : " ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه " [ طه : 114 ] وقد تقدم وقال عامر الشعبي : إنما كان يعجل بذكره إذا نزل عليه من حبه له , وحلاوته في لسانه , فنهي عن ذلك حتى يجتمع ; لأن بعضه مرتبط ببعض , وقيل : كان عليه السلام إذا نزل عليه الوحي حرك لسانه مع الوحي مخافة أن ينساه , فنزلت " ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه " [ طه : 114 ] ونزل : " سنقرئك فلا تنسى " [ الأعلى : 6 ] ونزل : " لا تحرك به لسانك " قاله ابن عباس : " وقرآنه " أي وقراءته عليك .والقراءة والقرآن في قول الفراء مصدران .وقال قتادة : " فاتبع قرآنه " أي فاتبع شرائعه وأحكامه .

وقوله : ( فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ) اختلف أهل التأويل في تأويله . فقال بعضهم : تأويله : فإذا أنزلناه إليك فاستمع قرآنه .ذكر من قال ذلك :حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور وابن أبي عائشة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ( فإذا قرأناه ) : فإذا أنزلناه إليك ( فاتبع قرآنه ) قال : فاستمع قرآنه .حدثنا سفيان بن وكيع ، قال : ثنا جرير ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ) : فإذا أنزلناه إليك فاستمع له .وقال آخرون : بل معنى ذلك : إذا تلي عليك فاتبع ما فيه من الشرائع والأحكام .ذكر من قال ذلك :حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ) يقول : إذا تلي عليك فاتبع ما فيه .حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ) يقول : اتبع حلاله ، واجتنب حرامه .حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ) يقول : فاتبع حلاله ، واجتنب حرامه .حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( فاتبع قرآنه ) يقول : اتبع ما فيه .وقال آخرون : بل معناه : فإذا بيناه فاعمل به . [ ص: 70 ]ذكر من قال ذلك :حدثنا علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ) يقول : اعمل به .وأولى هذه الأقوال بالصواب في ذلك قول من قال : فإذا تلي عليك فاعمل به من الأمر والنهي ، واتبع ما أمرت به فيه ، لأنه قيل له : ( إن علينا جمعه ) في صدرك ( وقرآنه ) ودللنا على أن معنى قوله : ( وقرآنه ) : وقراءته ، فقد بين ذلك عن معنى قوله

فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ (18) وقوله : { فإذا قرأناه } ، أي إذا قَرأه جبريل عنا ، فأُسْنِدَتْ القراءةُ إلى ضمير الجلالة على طريقة المجاز العقلي ، والقرينة واضحة .ومعنى { فاتَّبع قرآنه } ، أي أنْصِتْ إلى قِرَاءتِنَا . فضمير { قَرأناه } راجع إلى ما رجع إليه ضمير الغائب في { لا تُحرك به } وهو القرآن بالمعنى الأسمي ، فيكون وقوع هذه الآية في هذه السورة مثل وقوع { ومَا نتنزّل إلاّ بأمر ربك } في سورة مريم ( 64 ) ، ووقوع { حافظوا على الصلوات والصلاةِ الوسطى في أثناء أحكام الزوجات } في سورة البقرة ( 238 ) . قالوا : نزلت هذه الآية في أثناء سورة القيامة : هذا ما لا خلاف فيه بين أهل الحديث وأيمة التفسير . وذكر الفخر عن القفال أنه قال : إن قوله : لا تُحرك به لسانك } ليس خطاباً مع الرسول صلى الله عليه وسلم بل هو خطاب مع الإِنسان المذكور في قوله : { ينبَّأ الإِنسان } [ القيامة : 13 ] فكان ذلك للإِنسان حا لَما يُنَبَّأُ بقبائح أفعاله فيقال له : اقرأ كتابك ، فإذا أخذ في القراءة تلجلج لسانه فيقال له : لا تحرك به لسانك لتعجل به فإنه يجب علينا بحكم الوعد أو بحكم الحكمة أن نجمع أعمالك وأن نقرأها عليك فإذا قرأناه عليك فاتبع قرآنه بالإِقرار
الآية 18 - سورة القيامة: (فإذا قرأناه فاتبع قرآنه...)