سورة النازعات: الآية 6 - يوم ترجف الراجفة...

تفسير الآية 6, سورة النازعات

يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ

الترجمة الإنجليزية

Yawma tarjufu alrrajifatu

تفسير الآية 6

أقسم الله تعالى بالملائكة التي تنزع أرواح الكفار نزعا شديدا، والملائكة التي تقبض أرواح المؤمنين بنشاط ورفق، والملائكة التي تَسْبَح في نزولها من السماء وصعودها إليها، فالملائكة التي تسبق وتسارع إلى تنفيذ أمر الله، فالملائكة المنفذات أمر ربها فيما أوكل إليها تدبيره من شؤون الكون -ولا يجوز للمخلوق أن يقسم بغير خالقه، فإن فعل فقد أشرك- لتُبعثَنَّ الخلائق وتُحَاسَب، يوم تضطرب الأرض بالنفخة الأولى نفخة الإماتة، تتبعها نفخة أخرى للإحياء.

«يوم ترجف الراجفة» النفخة الأولى بها يرجف كل شيء، أي يتزلزل فوصفت بما يحدث منها.

يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ وهي قيام الساعة،

وقوله : ( يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة ) قال ابن عباس هما النفختان الأولى والثانية . وهكذا قال مجاهد ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، وغير واحد .وعن مجاهد : أما الأولى - وهي قوله : ( يوم ترجف الراجفة ) - فكقوله جلت عظمته : ( يوم ترجف الأرض والجبال ) [ المزمل : 14 ] ، والثانية - وهي الرادفة - فهي كقوله : ( وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة ) [ الحاقة : 14 ] .وقد قال الإمام أحمد حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن الطفيل بن أبي بن كعب ، عن أبيه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " جاءت الراجفة ، تتبعها الرادفة ، جاء الموت بما فيه " . فقال رجل : يا رسول الله ، أرأيت إن جعلت صلاتي كلها عليك ؟ قال : " إذا يكفيك الله ما أهمك من دنياك وآخرتك " .وقد رواه الترمذي ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، من حديث سفيان الثوري ، بإسناده مثله ولفظ الترمذي وابن أبي حاتم : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ذهب ثلث الليل قام فقال : " يا أيها الناس اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه " .

ثم شرع - سبحانه - فى بيان علامات القيامة وأهوالها فقال : ( يَوْمَ تَرْجُفُ الراجفة . تَتْبَعُهَا الرادفة . . . ) والراجفة : من الرجف وهو الاضطراب الشديد ، والحركة القوية ، لأن بسببها تضطرب الأمور ، وتختل الشئون . يقال : رجفت الأرض والجبال ، إذا اهتزت اهتزازا شديدا .والمراد بها : ما يحدث فى هذا الكون عند النفخة الأولى التى يموت بعدها جميع الخلائق .

قوله عز وجل: "يوم ترجف الراجفة"، يعني النفخة الأولى، يتزلزل ويتحرك لها كل شيء، ويموت منها جميع الخلائق.

وقيل : الجواب يوم ترجف الراجفة على تقدير ليوم ترجف ، فحذف اللام . وقيل : فيه تقديم وتأخير ، وتقديره يوم ترجف الراجفة وتتبعها الرادفة والنازعات غرقا . وقال السجستاني : يجوز أن يكون هذا من التقديم والتأخير ، كأنه قال : فإذا هم بالساهرة والنازعات . ابن الأنباري : وهذا خطأ ; لأن الفاء لا يفتح بها الكلام ، والأول الوجه . وقيل : إنما وقع القسم على أن قلوب أهل النار ترجف ، وأبصارهم تخشع ، فانتصاب يوم ترجف الراجفة على هذا المعنى ، ولكن لم يقع عليه . قال الزجاج : أي قلوب واجفة يوم ترجف ، وقيل : انتصب بإضمار اذكر و ( ترجف ) أي تضطرب . والراجفة : أي المضطربة كذا قالعبد الرحمن بن زيد ; قال : هي الأرض ، والرادفة الساعة . مجاهد : الراجفة الزلزلة .

وقوله: يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ يقول تعالى ذكره: يوم ترجف الأرض والجبال للنفخة الأولى تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ تتبعها الأخرى بعدها، هي النفخة الثانية التي ردفت الأولى لبعث يوم القيامة.* ذكر من قال ذلك:حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ يقول: النفخة الأولى.

يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) وجملة { يوم ترجف الراجفة } إلى { خاشعة } جوابُ القسم وصريحُ الكلام موعظة . والمقصود منه لازمه وهو وقوع البعث لأن القلوب لا تكون إلا في أجسام . وقد علم أن المراد ب { يوم ترجف الراجفة } هو يوم القيامة لأنه قد عُرِّف بمثل هذه الأحوال في آيات كثيرة مما سبق نزوله مثل قوله : { إذا رجت الأرض } فكان في هذا الجواب تهويل ليوم البعث وفي طيه تحقيق وقوعه فحصل إيجاز في الكلام جامع بين الإِنذار بوقوعه والتحذير مما يجري فيه .و { يوم ترجف الراجفة } ظرف متعلق ب { واجفة } فآل إلى أن المقسم عليه المراد تحقيقه هو وقوع البعث بأسلوب أوقع في نفوس السامعين المنكرين من أسلوب التصريح بجواب القسم ، إذ دل على المقسم عليه بعض أحواله التي هي من أهواله فكان في جواب القسم إنذار .ولم تقرن جملة الجواب بلام جواب القسم لبعد ما بين الجواب وبين القسم بطول جملة القسم ، فيظهر لي من استعمال البلغاء أنه إذا بعد ما بين القسم وبين الجواب لا يأتون بلام القسم في الجواب ، ومن ذلك قوله تعالى : { والسماء ذات البروج } إلى { قتل أصحاب الأخدود } [ البروج : 1 4 ] . ومثله كثير في القرآن فلا يؤتى بلام القسم في جوابه إلا إذا كان الجواب موالياً لجملة القسم نحو { وتالله لأكيدن أصنامكم } [ الأنبياء : 57 ] { فوربك لنسألنهم أجمعين } [ الحجر : 92 ] ، ولأن جواب القسم إذا كان جملة اسمية لم يكثر اقترانه بلام الجواب ولم أر التصريح بجوازه ولا بمنعه ، وإن كان صاحب «المغني» استظهر في مبحث لام الجواب في قوله تعالى : { ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند اللَّه خير } [ البقرة : 103 ] أن اللام لام جواب قسم محذوف وليست لام جواب ( لو ) بدليل كون الجملة اسمية ، والاسمية قليلة من جواب ( لو ) فلم يرَ جملة الجواب إذا كانت اسمية أن تقترن باللام . وجعل صاحب «الكشاف» تبعاً للفراء وغيره جواب القسم محذوفاً تقديره : لتُبعثُنَّ .وقُدم الظرف على متعلقة لأن ذلك الظرف هو الأهمّ في جواب القَسَم لأنه المقصود إثبات وقوعه ، فتقديم الظرف للاهتمام به والعناية به فإنه لما أكد الكلام بالقسم شمل التأكيدُ متعلقات الخبر التي منها ذلك الظرف ، والتأكيد اهتمام ، ثم أكد ذلك الظرف في الأثناء بقوله : { يومئذ } الذي هو يوم ترجف الراجفة فحصلت عناية عظيمة بهذا الخبر .والرجف : الاضطراب والاهتزاز وفعله من باب نصَر . وظاهر كلام أهل اللغة أنه فعل قاصر ولم أر من قال : إنه يستعمل متعدياً ، فلذلك يجوز أن يكون إسناد { ترجف } إلى { الراجفة } حقيقياً ، فالمراد ب { الراجفة } : الأرض لأنها تضطّرب وتهتزّ بالزلازل التي تحصل عند فناء العالم الدنيوي والمصير إلى العالم الأخروي قال تعالى : { يوم ترجف الأرض والجبال } [ المزمل : 14 ] وقال : { إذا رجت الأرض رجاً } [ الواقعة : 4 ] وتأنيث { الراجفة } لأنها الأرض ، وحينئذ فمعنى { تتبعها الرادفة } أن رجفة أخرى تتبع الرجفة السابقة لأن صفة { الراجفة } تقتضي وقوع رجفة ، فالرادفة رجفة ثانية تتبع الرجفة الأولى .ويجوز أن يكون إسناد { ترجف } إلى { الراجفة } مجازاً عقلياً ، أطلق { الراجفة } على سبب الرجف .فالمراد ب { الراجفة } الصيحة والزلزلة التي ترجف الأرض بسببها جعلت هي الراجفة مبالغة كقولهم : عيشة راضية ، وهذا هو المناسب لقوله : { تتبعها الرادفة } أي تتبع تلك الراجفة ، أي مسبّبة الرجف رادفة ، أي واقعة بعدها .ويجوز أن يكون الرجف مستعاراً لشدة الصوت فشبه الصوت الشديد بالرجف وهو التزلزل .وتأنيث { الراجفة } على هذا لتأويلها بالواقعة أو الحادثة .
الآية 6 - سورة النازعات: (يوم ترجف الراجفة...)