سورة النبإ: الآية 28 - وكذبوا بآياتنا كذابا...

تفسير الآية 28, سورة النبإ

وَكَذَّبُوا۟ بِـَٔايَٰتِنَا كِذَّابًا

الترجمة الإنجليزية

Wakaththaboo biayatina kiththaban

تفسير الآية 28

إنهم كانوا لا يخافون يوم الحساب فلم يعملوا له، وكذَّبوا بما جاءتهم به الرسل تكذيبا، وكلَّ شيء علمناه وكتبناه في اللوح المحفوظ، فذوقوا -أيها الكافرون- جزاء أعمالكم، فلن نزيدكم إلا عذابًا فوق عذابكم.

«وكذبوا بآياتنا» القرآن «كِذَّابا» تكذيبا.

وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا أي: كذبوا بها تكذيبا واضحا صريحا وجاءتهم البينات فعاندوها.

ثم قال : ( إنهم كانوا لا يرجون حسابا ) أي : لم يكونوا يعتقدون أن ثم دارا يجازون فيها ويحاسبون ، ( وكذبوا بآياتنا كذابا ) أي : وكانوا يكذبون بحجج الله ودلائله على خلقه التي أنزلها على رسله ، فيقابلونها بالتكذيب والمعاندة .وقوله : ( كذابا ) أي : تكذيبا ، وهو مصدر من غير الفعل . قالوا : وقد سمع أعرابي يستفتي الفراء على المروة : الحلق أحب إليك أو القصار ؟ وأنشد بعضهم :لقد طال ما ثبطتني عن صحابتي وعن حوج قضاؤها من شفائيا

وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا كِذَّاباً ) أى : إن هؤلاء الطغاة كانوا فى الدنيا لا يخافون حسابنا ، ولا يفكرون فيه ، بل كانوا يكذبون به ، وبكل ما جاءهم به رسولنا تكذيبا عظيما .وقوله : ( كِذَّاباً ) مصدر كذب ، ومجئ فِعَّال بمعنى تفعيل فى مصدر فعَّل فصيح شائع الغاية فى قبحه وإفراطه . وهو منصوب على أنه مفعول مطلق مؤكد لعامله .قال صاحب الكشاف : قوله : ( كِذَّاباً ) أى : تكذيبا . وفِعَّال فى باب فَعَّل ، كله فاش فى كلام فصحاء العرب لا يقولون غيره . وهو مصدر كذَّب . .

"وكذبوا بآياتنا"، أي بما جاءت به الأنبياء، "كذاباً"، تكذيباً، قال الفراء: هي لغة يمانية فصيحة، يقولون في مصدر التفعيل فعال وقال: قال لي أعرابي منهم على المروة يستفتيني: الحلق أحب إليك أم القصار؟.

وكذبوا بآياتنا كذابا أي بما جاءت به الأنبياء . وقيل : بما أنزلنا من الكتب . وقراءة العامة كذابا بتشديد الذال ، وكسر الكاف ، على كذب ، أي كذبوا تكذيبا كبيرا . قال الفراء : هي لغة يمانية فسيحة ; يقولون : كذبت به كذابا ، وخرقت القميص خراقا ; وكل فعل في وزن ( فعل ) فمصدره فعال مشدد في لغتهم ; وأنشد بعض الكلابيين :لقد طال ما ثبطتني عن صحابتي وعن حوج قضاؤها من شفائناوقرأ علي - رضي الله عنه - ( كذابا ) بالتخفيف وهو مصدر أيضا . وقال أبو علي : التخفيف والتشديد جميعا : مصدر المكاذبة ، كقول الأعشى :فصدقتها وكذبتها والمرء ينفعه كذابهأبو الفتح : جاءا جميعا مصدر كذب وكذب جميعا . الزمخشري : ( كذابا ) بالتخفيف مصدر كذب ; بدليل قوله :فصدقتها وكذبتها والمرء ينفعه كذابهوهو مثل قوله : أنبتكم من الأرض نباتا يعني وكذبوا بآياتنا أفكذبوا كذابا . أو تنصبه ب " كذبوا " . لأنه يتضمن معنى كذبوا ; لأن كل مكذب بالحق كاذب ; لأنهم إذا كانوا عند المسلمين كاذبين ، وكان المسلمون عندهم كاذبين ، فبينهم مكاذبة . وقرأ ابن عمر ( كذابا ) بضم الكاف والتشديد ، جمع كاذب ; قاله أبو حاتم . ونصبه على الحال الزمخشري . وقد يكون الكذاب : بمعنى الواحد البليغ في الكذب ، يقال : رجل كذاب ، كقولك حسان وبخال ، فيجعله صفة لمصدر كذبوا أي تكذيبا كذابا مفرطا كذبه . وفي الصحاح : وقوله تعالى : وكذبوا بآياتنا كذابا وهو أحد مصادر المشدد ; لأن مصدره قد يجيء على ( تفعيل ) مثل التكليم وعلى ( فعال ) كذاب وعلى ( تفعلة ) مثل توصية ، وعلى ( مفعل ) ; ومزقناهم كل ممزق .

وقوله: (وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا) يقول تعالى ذكره: وكذّب هؤلاء الكفار بحُججِنا وأدلتنا تكذيبا. وقيل: (كِذَّابًا) ، ولم يقل تكذيبا تصديرا على فعله.وكان بعض نحويِّي البصرة يقول: قيل ذلك لأن فعل منه على أربعة فأراد أن يجعله مثل باب أفعلت، ومصدر أفعلت إفعالا فقال: كذّابا، فجعله على عدد مصدره، قال: وعلى هذا القياس تقول: قاتل قتالا قال: وهو من كلام العرب. وقال بعض نحويِّي الكوفة: هذه لغة يمانية فصيحة، يقولون: كذّبت به كذّابا، وخَرَّقت القميص خِرَّاقا، وكلٌّ فَعَّلْت فمصدرها فِعَّال بلغتهم مشدّدة. قال: وقال لي أعرابي مرّة على المروة يستفتيني: ألحلق أحبّ إليك أم القِصَّار؟ قال: وأنشدني بعض بنِي كلاب:لَقَدْ طالَ ما ثَبَّطَتْنِي عَنْ صَحَابَتِيوَعَنْ حِوَجٍ قِضَّاؤُها مِنْ شِفائِيَا (9)وأجمعت القرّاء على تشديد الذال من الكِذّاب في هذا الموضع. وكان الكسائي خاصة يخفِّف الثانية، وذلك في قوله: لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا كِذَّابًا ويقول: هو من قولهم: كاذبته كِذّابا ومكاذبة، ويشدّد هذه، ويقول قوله: (كَذَّبُوا) يقيد الكذّاب بالمصدر.----------------------الهوامش :(9) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن ( الورقة 355 ) قال : وقوله : وكذبوا بآياتنا كذابا : خففها علي بن أبي طالب ( كذابا ) ، وثقلها عاصم والأعمش وأهل المدينة والحسن البصري ، وهي لغة يمانية فصيحة ، يقولون : كذبت به كذابا ، وخرقت القميص خراقا ، وكل فعلت ( بتشديد العين ) فمصدره فعال في لغتهم مشدد ، وأنشدني بعض بني كلاب : " لقد طال ما ثبطتني ... " البيت . وكان الكسائي يخفف لا يسمهون فيها لغوا ولا كذابا ؛ لأنها ليست مقيدة بفعل يصيرها مصدرا ، ويشدد في وكذبوا بآياتنا كذابا ؛ لأن كذبوا يقيد الكذاب بالمصدر ، والذي قال حسن ، ومعناه : لا يسمعون فيها لغوا يقول : باطلا ، ولا كذابا لا يكذب بعضهم بعضا . وفي ( اللسان : قضي ) وقوله : أنشده أبو زيد : " لقد طالما لبثتني ... " البيت . قال ابن سيده : هو عندي من قضي ( بالتشديد ) ككذاب من كذب . قال : ويحتمل أن يريد : اقتضاؤها ، فيكون من باب قتال ( بتشديد التاء ) كما حكاه سيبويه في اقتتال . ا ه .

وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كِذَّابًا (28)و { كذبوا } عطف على { لا يرجون } ، أي وإنهم كذبوا بآياتنا ، أي بآيات القرآن .والمعنى : كذبوا ما اشتملت عليه الآيات من إثبات الوحدانية ، ورسالة محمد صلى الله عليه وسلمولكون تكذيبهم بذلك قد استقر في نفوسهم ولم يترددوا فيه جيء في جانبه بالفعل الماضي لأنهم قالوا : { قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب } [ فصلت : 5 ] .وكِذَّاب : بكسر الكاف وتشديد الذال مصدر كذَّب . والفِعَّال بكسر أوله وتشديد عينه مصدر فعَّل مثل التفعيل ، ونظائره : القِصَّار مصدر قَصَّر ، والقِضَّاء مصدر قَضَّى ، والخِرَّاق مصدر خَرَّق المضاعف ، والفِسَّار مصدر فَسَّر .وعن الفراء أن أصل هذا المصدر من اللغة اليمنية ، يريد : وتكلم به العرب ، فقد أنشدوا لبعض بني كلاب: ... لقد طال ما ثبّطَتني عن صحابتيوعن حِوجَ قِضَّاؤُها مِن شفائيا ... وأُوثر هذا المصدر هنا دون تكذيب لمراعاة التماثل في فَواصل هذه السورة ، فإنها على نحو ألف التأسيس في القوافي ، والفواصل كالأسجاع ويحسن في الأسجاع ما يحسن في القوافي .وفي «الكشاف» : وفِعَّالُ فَعَّل كلِّه فاش في كلام فصحاء من العرب لا يقولون غيره .وانتصب { كذاباً } على أنه مفعول مطلق مؤكد لعامله لإِفادة شدة تكذيبهم بالآيات .
الآية 28 - سورة النبإ: (وكذبوا بآياتنا كذابا...)