سورة النور: الآية 3 - الزاني لا ينكح إلا زانية...

تفسير الآية 3, سورة النور

ٱلزَّانِى لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَٱلزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَآ إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ

الترجمة الإنجليزية

Alzzanee la yankihu illa zaniyatan aw mushrikatan waalzzaniyatu la yankihuha illa zanin aw mushrikun wahurrima thalika AAala almumineena

تفسير الآية 3

الزاني لا يرضى إلا بنكاح زانية أو مشركة لا تُقِرُّ بحرمة الزنى، والزانية لا ترضى إلا بنكاح زان أو مشرك لا يُقِرُّ بحرمة الزنى، أما العفيفون والعفيفات فإنهم لا يرضون بذلك، وحُرِّم ذلك النكاح على المؤمنين. وهذا دليل صريح على تحريم نكاح الزانية حتى تتوب، وكذلك تحريم إنكاح الزاني حتى يتوب.

«الزاني لا ينكح» يتزوج «إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك» أي المناسب لكل منهما ما ذكر «وحرم ذلك» أي نكاح الزواني «على المؤمنين» الأخيار، نزل ذلك لما همَّ فقراء المهاجرين أن يتزوجوا بغيا المشركين وهن موسرات لينفقن عليهم فقيل التحريم خاص بهم وقيل عام ونسخ بقوله تعالى (وأنكحوا الأيامى منكم).

هذا بيان لرذيلة الزنا، وأنه يدنس عرض صاحبه، وعرض من قارنه ومازجه، ما لا يفعله بقية الذنوب، فأخبر أن الزاني لا يقدم على نكاحه من النساء، إلا أنثى زانية، تناسب حاله حالها، أو مشركة بالله، لا تؤمن ببعث ولا جزاء، ولا تلتزم أمر الله، والزانية كذلك، لا ينكحها إلا زان أو مشرك وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ْ أي: حرم عليهم أن ينكحوا زانيا، أو ينكحوا زانية.ومعنى الآية: أن من اتصف بالزنا، من رجل أو امرأة، ولم يتب من ذلك، أن المقدم على نكاحه، مع تحريم الله لذلك، لا يخلو إما أن لا يكون ملتزما لحكم الله ورسوله، فذاك لا يكون إلا مشركا، وإما أن يكون ملتزما لحكم الله ورسوله، فأقدم على نكاحه مع علمه بزناه، فإن هذا النكاح زنا، والناكح زان مسافح، فلو كان مؤمنا بالله حقا، لم يقدم على ذلك، وهذا دليل صريح على تحريم نكاح الزانية حتى تتوب، وكذلك إنكاح الزاني حتى يتوب، فإن مقارنة الزوج لزوجته، والزوجة لزوجها، أشد الاقترانات والازدواجات، وقد قال تعالى: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ ْ أي: قرناءهم، فحرم الله ذلك، لما فيه من الشر العظيم، وفيه من قلة الغيرة، وإلحاق الأولاد، الذين ليسوا من الزوج، وكون الزاني لا يعفها بسبب اشتغاله بغيرها، مما بعضه كاف للتحريم وفي هذا دليل أن الزاني ليس مؤمنا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " فهو وإن لم يكن مشركا، فلا يطلق عليه اسم المدح، الذي هو الإيمان المطلق.

هذا خبر من الله تعالى بأن الزاني لا يطأ إلا زانية أو مشركة . أي : لا يطاوعه على مراده من الزنى إلا زانية عاصية أو مشركة ، لا ترى حرمة ذلك ، وكذلك : ( الزانية لا ينكحها إلا زان ) أي : عاص بزناه ، ( أو مشرك ) لا يعتقد تحريمه .قال سفيان الثوري ، عن حبيب بن أبي عمرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة ) قال : ليس هذا بالنكاح ، إنما هو الجماع ، لا يزني بها إلا زان أو مشرك .وهذا إسناد صحيح عنه ، وقد روي عنه من غير وجه أيضا . وقد روي عن مجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، وعروة بن الزبير ، والضحاك ، ومكحول ، ومقاتل بن حيان ، وغير واحد ، نحو ذلك .وقوله تعالى : ( وحرم ذلك على المؤمنين ) أي : تعاطيه والتزويج بالبغايا ، أو تزويج العفائف بالفجار من الرجال .وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا قيس ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( وحرم ذلك على المؤمنين ) قال : حرم الله الزنى على المؤمنين .وقال قتادة ، ومقاتل بن حيان : حرم الله على المؤمنين نكاح البغايا ، وتقدم في ذلك فقال : ( وحرم ذلك على المؤمنين )وهذه الآية كقوله تعالى : ( محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان ) [ النساء : 25 ] وقوله ( محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ) الآية [ المائدة : 5 ] ومن هاهنا ذهب الإمام أحمد بن حنبل ، رحمه الله ، إلى أنه لا يصح العقد من الرجل العفيف على المرأة البغي ما دامت كذلك حتى تستتاب ، فإن تابت صح العقد عليها وإلا فلا وكذلك لا يصح تزويج المرأة الحرة العفيفة بالرجل الفاجر المسافح ، حتى يتوب توبة صحيحة; لقوله تعالى : ( وحرم ذلك على المؤمنين )وقال الإمام أحمد : حدثنا عارم ، حدثنا معتمر بن سليمان قال : قال أبي : حدثنا الحضرمي ، عن القاسم بن محمد ، عن عبد الله بن عمرو ، رضي الله عنهما ، أن رجلا من المسلمين استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة يقال لها : " أم مهزول " كانت تسافح ، وتشترط له أن تنفق عليه - قال : فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم - أو : ذكر له أمرها - قال : فقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ) .وقال النسائي : أخبرنا عمرو بن علي ، حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن الحضرمي ، عن القاسم بن محمد ، عن عبد الله بن عمرو قال : كانت امرأة يقال لها : " أم مهزول " وكانت تسافح ، فأراد رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها ، فأنزل الله عز وجل : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ) .[ و ] قال الترمذي : حدثنا عبد بن حميد ، حدثنا روح بن عبادة بن عبيد الله بن الأخنس ، أخبرني عمرو بن شعيب عن أبيه ، عن جده قال : كان رجل يقال له " مرثد بن أبي مرثد " وكان رجلا يحمل الأسارى من مكة حتى يأتي بهم المدينة . قال : وكانت امرأة بغي بمكة يقال لها " عناق " ، وكانت صديقة له ، وأنه واعد رجلا من أسارى مكة يحمله . قال : فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة ، قال : فجاءت " عناق " فأبصرت سواد ظلي تحت الحائط ، فلما انتهت إلي عرفتني ، فقالت : مرثد؟ فقلت : مرثد فقالت : مرحبا وأهلا هلم فبت عندنا الليلة . قال : فقلت يا عناق ، حرم الله الزنى . فقالت يا أهل الخيام ، هذا الرجل يحمل أسراكم . قال : فتبعني ثمانية ودخلت الحندمة فانتهيت إلى غار - أو كهف فدخلت فيه فجاءوا حتى قاموا على رأسي فبالوا ، فظل بولهم على رأسي ، فأعماهم الله عني - قال : ثم رجعوا ، فرجعت إلى صاحبي فحملته ، وكان رجلا ثقيلا حتى انتهيت إلى الإذخر ، ففككت عنه أكبله ، فجعلت أحمله ويعينني ، حتى أتيت به المدينة ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، أنكح عناقا؟ أنكح عناقا؟ - مرتين - فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يرد علي شيئا ، حتى نزلت ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا مرثد ، ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة [ والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك ] ) فلا تنكحها " ثم قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه .وقد رواه أبو داود والنسائي ، في كتاب النكاح من سننهما من حديث عبيد الله بن الأخنس ، به .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا مسدد أبو الحسن ، حدثنا عبد الوارث ، عن حبيب المعلم ، حدثني عمرو بن شعيب ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله " .وهكذا أخرجه أبو داود في سننه ، عن مسدد وأبي معمر - عبد الله بن عمرو - كلاهما ، عن عبد الوارث ، به .وقال الإمام أحمد : حدثنا يعقوب ، حدثنا عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، عن أخيه عمر بن محمد ، عن عبد الله بن يسار - مولى ابن عمر - قال : أشهد لسمعت سالما يقول : قال عبد الله : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة لا يدخلون الجنة ، ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة : العاق لوالديه ، والمرأة المترجلة - المتشبهة بالرجال - والديوث . وثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة : العاق لوالديه ، ومدمن الخمر ، والمنان بما أعطى " .ورواه النسائي ، عن عمرو بن علي الفلاس ، عن يزيد بن زريع ، عن عمر بن محمد العمري ، عن عبد الله بن يسار ، به .وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا يعقوب ، حدثنا أبي ، حدثنا الوليد بن كثير ، عن قطن بن وهب ، عن عويمر بن الأجدع ، عمن حدثه ، عن سالم بن عبد الله بن عمر قال : حدثني عبد الله بن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاثة حرم الله عليهم الجنة : مدمن الخمر ، والعاق ، والديوث الذي يقر في أهله الخبث " .وقال أبو داود الطيالسي في مسنده : حدثنا شعبة ، حدثني رجل - من آل سهل بن حنيف - ، عن محمد بن عمار ، عن عمار بن ياسر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة ديوث " .يستشهد به لما قبله من الأحاديث .وقال ابن ماجه : حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا سلام بن سوار ، حدثنا كثير بن سليم ، عن الضحاك بن مزاحم : سمعت أنس بن مالك يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم [ يقول ] " من أراد أن يلقى الله طاهرا مطهرا ، فليتزوج الحرائر " .في إسناده ضعف .قال الإمام أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري في كتاب " الصحاح في اللغة : " الديوث القنذع وهو الذي لا غيرة له .فأما الحديث الذي رواه الإمام أبو عبد الرحمن النسائي في كتاب " النكاح " من سننه : أخبرنا محمد بن إسماعيل بن علية ، عن يزيد بن هارون ، عن حماد بن سلمة وغيره ، عن هارون بن رئاب ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير - وعبد الكريم ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير ، عن ابن عباس - عبد الكريم رفعه إلى ابن عباس ، وهارون لم يرفعه - قالا جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن عندي امرأة [ هي ] من أحب الناس إلي وهي لا تمنع يد لامس قال : " طلقها " . قال : لا صبر لي عنها قال : " استمتع بها " ، ثم قال النسائي : هذا الحديث غير ثابت ، وعبد الكريم ليس بالقوي ، وهارون أثبت منه ، وقد أرسل الحديث وهو ثقة ، وحديثه أولى بالصواب من حديث عبد الكريم . .قلت : وهو ابن أبي المخارق البصري المؤدب تابعي ضعيف الحديث ، وقد خالفه هارون بن رئاب ، وهو تابعي ثقة من رجال مسلم ، فحديثه المرسل أولى كما قال النسائي . لكن قد رواه النسائي في كتاب " الطلاق " ، عن إسحاق بن راهويه ، عن النضر بن شميل عن حماد بن سلمة ، عن هارون بن رئاب ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير ، عن ابن عباس مسندا ، فذكره بهذا الإسناد ، رجاله على شرط مسلم ، إلا أن النسائي بعد روايته له قال : " وهذا خطأ ، والصواب مرسل " ورواه غير النضر على الصواب .وقد رواه النسائي أيضا وأبو داود ، عن الحسين بن حريث ، أخبرنا الفضل بن موسى ، أخبرنا الحسين بن واقد ، عن عمارة بن أبي حفصة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره . وهذا إسناد جيد .وقد اختلف الناس في هذا الحديث ما بين مضعف له ، كما تقدم ، عن النسائي ، وكما قال الإمام أحمد : هو حديث منكر .وقال ابن قتيبة : إنما أراد أنها سخية لا تمنع سائلا . وحكاه النسائي في سننه ، عن بعضهم فقال : وقيل : " سخية تعطي " ، ورد هذا بأنه لو كان المراد لقال : لا ترد يد ملتمس .وقيل : المراد أن سجيتها لا ترد يد لامس ، لا أن المراد أن هذا واقع منها ، وأنها تفعل الفاحشة; فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأذن في مصاحبة من هذه صفتها . فإن زوجها - والحالة هذه - يكون ديوثا ، وقد تقدم الوعيد على ذلك . ولكن لما كانت سجيتها هكذا ليس فيها ممانعة ولا مخالفة لمن أرادها لو خلا بها أحد ، أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بفراقها . فلما ذكر أنه يحبها أباح له البقاء معها; لأن محبته لها محققة ، ووقوع الفاحشة منها متوهم فلا يصار إلى الضرر العاجل لتوهم الآجل ، والله سبحانه وتعالى أعلم .قالوا : فأما إذا حصلت توبة فإنه يحل التزويج ، كما قال الإمام أبو محمد بن أبي حاتم رحمه الله :حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو خالد ، عن ابن أبي ذئب ، قال : سمعت [ شعبة ] - مولى ابن عباس ، رضي الله عنه - قال : سمعت ابن عباس وسأله رجل قال : إني كنت ألم بامرأة آتي منها ما حرم الله عز وجل علي ، فرزق الله عز وجل من ذلك توبة ، فأردت أن أتزوجها ، فقال أناس : إن الزاني لا ينكح إلا زانية . فقال ابن عباس : ليس هذا في هذا ، انكحها فما كان من إثم فعلي .وقد ادعى طائفة آخرون من العلماء أن هذه الآية منسوخة ، قال ابن أبي حاتم :حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو خالد ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب . قال : ذكر عنده ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك ) قال : كان يقال : نسختها [ الآية ] التي بعدها : ( وأنكحوا الأيامى منكم ) [ النور : 32 ] قال : كان يقال الأيامى من المسلمين .وهكذا رواه الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب " الناسخ والمنسوخ " له ، عن سعيد بن المسيب . ونص على ذلك أيضا الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي ، رحمه الله .

ثم أضاف- سبحانه- إلى تقبيح أمر الزنا تقبيحا آخر أشد وأخزى فقال: الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً، وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ...والظاهر أن المراد بالنكاح هنا: العقد الذي تترتب عليه المعاشرة الزوجية، لأن أكثر ورود لفظ النكاح في القرآن. أن يكون بمعنى العقد، بل قال بعضهم إنه لم يرد إلا بهذا المعنى.أى: أنه جرت العادة أن الشخص الزاني لا يتزوج إلا زانية مثله أو مشركة وكذلك المرأة الزانية لا تميل بطبعها إلا إلى الزواج من رجل زان مثلها أو من رجل مشرك وذلك لأن المؤمن بطبعه ينفر من الزواج بالمرأة الزانية، وكذلك المرأة المؤمنة تأنف من الزواج بالرجل الزاني.فالآية الكريمة تحكى بأسلوب بديع ما تقتضيه طبيعة الناس في التآلف والتزاوج، وتبين أن المشاكلة في الطباع علة للتلاقي، وأن التنافر في الطباع علة للاختلاف.وصدق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حيث يقول: الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف.وبدئ هنا بالزاني، لأن الآية مسوقة للحديث عن النكاح، والرجل هو الذي يتولاه، وهو الأصل فيه، لأنه هو الذي يلتمسه عن طريق الخطبة وما يتبعها من خطوات توصله إلى إتمام عقد الزواج، والمرأة- في هذا الباب- تكون في العادة مطلوبة لا طالبة، ومرغوبة لا راغبة.وجمع- سبحانه- بين رغبة الزاني ورغبة الزانية لتأكيد ما يليق بكليهما من الميل الدنىء.والطبع الوضيع. والسلوك الخبيث. وأن كل واحد منهما ألعن من صاحبه في ولوج الطريق القبيح.واسم الإشارة في قوله- تعالى-: وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ يعود على الزنا. وعلى الزواج من الزواني، لما فيه من التشبيه بالفاسقين، ومن التعرض للعقوبة وسوء السيرة.أى: وحرم ذلك الذي نهيناكم عنه- وهو الزنا والاقتران بمن يرتكبه- على المؤمنين الأطهار، الذين ينزهون أنفسهم عن الوقوع في السوء والفحشاء.هذا. وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية روايات منها: ما رواه الترمذي وأبو داود والنسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده قال: كان رجل يقال له «مرثد بن أبى مرثد» كان يحمل الأسارى من مكة حتى يأتى بهم المدينة. قال: وكانت امرأة بغىّ بمكة يقال لها «عناق» وكانت صديقة له- أى في الجاهلية- وأنه واعد رجلا من أسارى مكة يحمله، قال: فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة قال:فجاءت «عناق» فأبصرت سواد ظلي تحت الحائط، فلما انتهت إلى عرفتني، فقالت: مرثد؟فقلت: مرثد فقالت: مرحبا وأهلا. هلم فبت عندنا الليلة. فقال: فقلت: يا عناق.حرم الله الزنا. فقالت: يا أهل الخيام هذا الرجل يحمل أسراكم. قال: فتبعني ثمانية ودخلت الخندمة- أى جبل بمكة- فانتهيت إلى غار ... فأعماهم الله- تعالى- عنى. ثم رجعوا فرجعت إلى صاحبي فحملته إلى المدينة، فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله، أنكح عناقا؟ أنكح عناقا؟ - مرتين-، فأمسك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم يرد شيئا حتى نزلت هذه الآية: الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً.. فقال: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:يا مرثد. الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً.. فلا تنكحها.هذا. ومن الأحكام والآداب التي أخذها العلماء من هاتين الآيتين ما يأتى:1- ظاهر قوله- تعالى-: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ..يفيد أن هذا الجلد لكل من ارتكب هذه الفاحشة سواء أكان محصنا أم غير محصن.ولكن هذا الظاهر قد فصلته السنة الصحيحة. حيث بينت أن هذا الحد، إنما هو لغير المحصن. أما المحصن- وهو المتزوج أو من سبق له الزواج- فإن حده الرجم حتى يموت.قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه: «هذه الآية الكريمة فيها حكم الزاني في الحد» .وللعلماء فيه تفصيل ونزاع، فإن الزاني لا يخلو إما أن يكون بكرا: وهو الذي لم يتزوج، أو محصنا: وهو الذي قد وطئ في نكاح صحيح، وهو حر بالغ عاقل.فأما إذا كان بكرا لم يتزوج فإن حده مائة جلدة كما في الآية. ويزاد على ذلك أن يغرّب عاما عند جمهور العلماء.وحجتهم في ذلك ما ثبت في الصحيحين عن أبى هريرة، أن أعرابيين أتيا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال أحدهما: يا رسول الله، إن ابني كان عسيفا- أى أجيرا- عند هذا فزنى بامرأته فافتديت ابني منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبرونى أن على ابني جلد مائة وتغريب عام. وأن على امرأة هذا الرجم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله: الوليدة والغنم رد عليك. وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام واغد يا أنيس- وهو رجل من قبيلة أسلم- إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها، فغدا عليها، فاعترفت فرجمها.ففي هذا دلالة على تغريب الزاني مع جلده مائة. إذا كان بكرا لم يتزوج فأما إذا كان محصنا فإنه يرجم.وثبت في الصحيحين من حديث مالك- مطولا-، أن عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- قام فخطب الناس فقال: «أيها الناس، إن الله بعث محمدا صلّى الله عليه وسلّم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها ووعيناها، ورجم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورجمنا بعده، فأخشى أن يطول بالناس زمان فيقول قائل: لا نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة قد أنزلها الله، فالرجم في كتاب الله حق على من زنى من الرجال والنساء، إذا قامت البينة أو الحبل أو الاعتراف» .وقد رجم النبي صلّى الله عليه وسلّم ما عزا والغامدية، إلا أن جمهور الفقهاء يرون أنه يكتفى بالرجم، ولا يجلد قبل الرجم، لأنه لم ينقل عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أنه جلد أحدا من الزناة المحصنين قبل أن يرجمهم، ومن الفقهاء من يرى أنهم يجلدون ثم يرجمون بعد ذلك وقال بعض العلماء ما ملخصه: اعلم أن رجم الزانيين المحصنين، دلت عليه آيتان من كتاب الله- تعالى-، إحداهما: نسخت تلاوتها وبقي حكمها، والثانية: باقية التلاوة والحكم.أما التي نسخت تلاوتها وبقي حكمها، فهي قوله- تعالى-: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة- وقد ورد ذلك في روايات متعددة- وتدل هذه الروايات على أن الصحابة قرءوها ووعوها. وعقلوها. وأن حكمها باق لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم فعله، والصحابة فعلوه من بعده.وأما الآية التي هي باقية التلاوة والحكم، فهي قوله- تعالى-: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ ، على القول بأنها نزلت في رجم اليهوديين الزانيين بعد الإحصان، وقد رجمهما النبي صلّى الله عليه وسلّم وقصة رجمه لهما مشهورة، ثابتة في الصحيح. وعليه فقوله: ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ أى: عما في التوراة من حكم الرجم، وذم المعرض عن الرجم في هذه الآية.يدل على أنه ثابت في شرعنا فدلت الآية- على هذا القول- أن الرجم ثابت في شرعنا.وهي باقية التلاوة ...2- كذلك أخذ العلماء من قوله- تعالى-: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ...أنه لا تجوز الشفاعة في الحدود، كما لا يجوز إسقاط الحد لأن في ذلك تعطيلا لتنفيذ شرع الله- تعالى- على الوجه الأكمل.قال الآلوسى ما ملخصه: «قوله- تعالى-: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ..أى في طاعته وإقامة حده الذي شرعه. والمراد النهى عن التخفيف في الجلد. بأن يجلدوهما جلدا غير مؤلم، أو بأن يكون أقل من مائة جلدة. أو بإسقاط الحد بشفاعة أو نحوها.لما صح أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أنكر على حبّه أسامة بن زيد حين شفع في فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد المخزومية، التي سرقت قطيفة أو حليا، وقال له: «يا أسامة، أتشفع في حد من حدود الله- تعالى-، ثم قام صلّى الله عليه وسلّم فخطب فقال: «أيها الناس، إنما ضل من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله- تعالى- لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» .وكما تحرم الشفاعة، يحرم قبولها، فعن الزبير بن العوام- رضى الله عنه- قال: «إذا بلغ الحد إلى الإمام، فلا عفا الله- تعالى- عنه إن عفا»3- يرى كثير من الفقهاء أن التحريم في قوله- تعالى-: وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ للتنزيه، وعبر عنه بلفظ «حرّم» للتغليظ والتنفير من الإقدام على زواج المؤمن من الزانية، أو على زواج المؤمنة من الزاني.ويرى آخرون أن التحريم على ظاهره، وأنه لا يجوز للمؤمن أن يتزوج بالزانية. وكذلك لا يجوز للمؤمنة أن تتزوج بالزاني.وقد فصل القول في هذه المسألة بعض العلماء فقال ما ملخصه: اعلم أن العلماء اختلفوا في جواز نكاح العفيف بالزانية ونكاح العفيفة بالزاني.فذهب جماعة من أهل العلم منهم الأئمة الثلاثة- أبو حنيفة ومالك والشافعى- إلى جواز نكاح الزانية مع الكراهة التنزيهية.. لأن الله- تعالى- قال: ... وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ .. وهو شامل بعمومه الزانية والعفيفة.وقالت جماعة أخرى من أهل العلم: لا يجوز تزويج الزاني العفيفة، ولا عكسه، وهو مذهب الإمام أحمد. وقد روى عن الحسن وقتادة.ومن أدلتهم الآية التي نحن بصددها، وهي قوله- تعالى-: الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً لأنها قد حرمت في نهايتها أن يتزوج التقى بالزانية، أو التقية بالزاني .وعلى أية حال فالمتدبر في هاتين الآيتين يراهما، تشددان العقوبة على من يرتكب جريمة الزنا، وتنفران من الاقتراب منها وممن يقع فيها أعظم تنفير، لأن الإسلام حرص على أن ينتشر العفاف والطهر بين أفراد المجتمع الإسلامى، وشرع من وسائل الوقاية ما يحمى الأفراد والجماعات من الوقوع في هذه الرذيلة.وبعد أن نفر- سبحانه- من جريمة الزنا أعظم تنفير، وأمر بتنفيذ عقوبته في مرتكبها بدون رأفة أو تساهل ... أتبع ذلك بتشريعات أخرى من شأنها أن تحمى أعراض الناس وأنفسهم من اعتداء المعتدين، فقال- تعالى-:

قوله - عز وجل - : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ) اختلف العلماء في معنى الآية وحكمها . فقال قوم : قدم المهاجرون المدينة وفيهم فقراء لا مال لهم ولا عشائر ، وبالمدينة نساء بغايا يكرين أنفسهن ، وهن يومئذ أخصب أهل المدينة ، فرغب أناس من فقراء المسلمين في نكاحهن لينفقن عليهم ، فاستأذنوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزلت هذه الآية ( وحرم ذلك على المؤمنين ) أن يتزوجوا تلك البغايا ؛ لأنهن كن مشركات . وهذا قول مجاهد وعطاء بن أبي رباح وقتادة والزهري والشعبي ، ورواية العوفي عن ابن عباس .وقال عكرمة : نزلت في نساء بمكة والمدينة ، منهن تسع لهن رايات كرايات البيطار يعرفن بها . منهن أم مهزول جارية السائب بن أبي السائب المخزومي ، وكان الرجل ينكح الزانية في الجاهلية يتخذها مأكلة ، فأراد ناس من المسلمين نكاحهن على تلك الجهة ، فاستأذن رجل من المسلمين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نكاح أم مهزول واشترطت له أن تنفق عليه ، فأنزل الله هذه الآية .وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : كان رجل يقال له مرثد بن أبي مرثد الغنوي كان يحمل الأسارى من مكة حتى يأتي بهم المدينة ، وكانت بمكة بغي يقال لها : عناق ، وكانت صديقة له في الجاهلية ، فلما أتى مكة دعته عناق إلى نفسها ، فقال مرثد : إن الله حرم الزنا . قالت : فانكحني ، فقال : حتى أسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا رسول الله أنكح عناق ؟ فأمسك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يرد شيئا ، فنزلت : ( والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك ) فدعاني فقرأها علي وقال لي : لا تنكحها . فعلى قول هؤلاء كان التحريم خاصا في حق أولئك دون سائر الناس .وقال قوم : المراد من النكاح هو الجماع ، ومعناه : الزاني لا يزني إلا بزانية أو مشركة ، والزانية لا تزني إلا بزان أو مشرك . وهو قول سعيد بن جبير والضحاك بن مزاحم . ورواية الوالبي عن ابن عباس . قال يزيد بن هارون : إن جامعها وهو مستحل فهو مشرك ، وإن جامعها وهو محرم فهو زان ، وكان ابن مسعود يحرم نكاح الزانية ويقول : إذا تزوج الزاني بالزانية فهما زانيان أبدا . وقال الحسن : الزاني المجلود لا ينكح إلا زانية مجلودة ، والزانية المجلودة لا ينكحها إلا زان مجلود . قال سعيد بن المسيب وجماعة : إن حكم الآية منسوخ ، فكان نكاح الزانية حراما بهذه الآية فنسخها قوله تعالى : " وأنكحوا الأيامى منكم " فدخلت الزانية في أيامى المسلمين .واحتج من جوز نكاح الزانية بما أخبرنا أبو الفرج المظفر بن إسماعيل التميمي ، أخبرنا أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي ، أخبرنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ ، أخبرنا الحسن بن فرج ، أخبرنا عمرو بن خالد الحراني ، أخبرنا عبيد الله عن عبد الكريم الجزري ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله إن امرأتي لا تدفع يد لامس ؟ قال : طلقها ، قال : فإني أحبها وهي جميلة ، قال : استمتع بها . وفي رواية غيره " فأمسكها إذا " .وروي أن عمر بن الخطاب ضرب رجلا وامرأة في زنى وحرص أن يجمع بينهما فأبى الغلام .

قوله تعالى : الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنينفيه سبع مسائل :الأولى : اختلف العلماء في معنى هذه الآية على ستة أوجه من التأويل :( الأول ) : أن يكون مقصد الآية تشنيع الزنا ، وتبشيع أمره ، وأنه محرم على المؤمنين . واتصال هذا المعنى بما قبل حسن بليغ . ويريد بقوله لا ينكح أي لا يطأ ؛ فيكون النكاح بمعنى الجماع . وردد القصة مبالغة وأخذا من كلا الطرفين ، ثم زاد تقسيم المشركة والمشرك من حيث الشرك أعم في المعاصي من الزنا ؛ فالمعنى : الزاني لا يطأ في وقت زناه إلا زانية من المسلمين ، أو من هي أحسن منها من المشركات . وقد روي عن ابن عباس ، وأصحابه أن النكاح في هذه الآية الوطء . وأنكر ذلك الزجاج وقال : لا يعرف النكاح في كتاب الله تعالى إلا بمعنى التزويج . وليس كما قال ؛ وفي القرآن حتى تنكح زوجا غيره وقد بينه النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه بمعنى الوطء ، وقد تقدم في ( البقرة ) . وذكر الطبري ما ينحو إلى هذا التأويل عن سعيد بن جبير ، وابن عباس ، وعكرمة ، ولكن غير مخلص ، ولا مكمل . وحكاه الخطابي ، عن ابن عباس ، وأن معناه الوطء أي لا يكون زنى إلا بزانية ، ويفيد أنه زنا في الجهتين ؛ فهذا قول .( الثاني ) ما رواه أبو داود ، والترمذي ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده أن مرثد بن أبي مرثد كان يحمل الأسارى بمكة ، وكان بمكة بغي يقال لها ( عناق ) وكانت صديقته ، قال : فجئت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا رسول الله ؛ أنكح عناق ؟ قال : فسكت عني ؛ فنزلت والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك ؛ فدعاني فقرأها علي وقال : لا تنكحها . لفظ أبي داود ، وحديث الترمذي أكمل . قال الخطابي : هذا خاص بهذه المرأة إذ كانت كافرة ، فأما الزانية المسلمة فإن العقد عليها لا يفسخ .( الثالث ) : أنها مخصوصة في رجل من المسلمين أيضا استأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نكاح امرأة يقال لها ( أم مهزول ) وكانت من بغايا الزانيات ، وشرطت أن تنفق عليه ؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية ؛ قاله عمرو بن العاص ، ومجاهد .( الرابع ) : أنها نزلت في أهل الصفة وكانوا قوما من المهاجرين ، ولم يكن لهم في المدينة مساكن ، ولا عشائر ، فنزلوا صفة المسجد ، وكانوا أربعمائة رجل يلتمسون الرزق بالنهار ويأوون إلى الصفة بالليل ، وكان بالمدينة بغايا متعالنات بالفجور ، مخاصيب بالكسوة والطعام ؛ فهم أهل الصفة أن يتزوجوهن فيأووا إلى مساكنهن ، ويأكلوا من طعامهن وكسوتهن ؛ فنزلت هذه الآية صيانة لهم عن ذلك ؛ قاله ابن أبي صالح .( الخامس ) : ذكره الزجاج ، وغيره عن الحسن ، وذلك أنه قال : المراد الزاني المحدود ، والزانية المحدودة ، قال : وهذا حكم من الله ، فلا يجوز لزان محدود أن يتزوج إلا محدودة . وقال إبراهيم النخعي نحوه . وفي مصنف أبي داود ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا ينكح الزاني المحدود إلا مثله . وروى أن محدودا تزوج غير محدودة ففرق علي - رضي الله عنه - بينهما . قال ابن العربي : وهذا معنى لا يصح نظرا كما لم يثبت نقلا ، وهل يصح أن يوقف نكاح من حد من الرجال على نكاح من حد من النساء فبأي أثر يكون ذلك ؟ وعلى أي أصل يقاس من الشريعة .قلت : وحكى هذا القول إلكيا عن بعض أصحاب الشافعي المتأخرين ، وأن الزاني إذا تزوج غير زانية فرق بينهما لظاهر الآية . قال إلكيا : وإن هو عمل بالظاهر فيلزمه عليه أن يجوز للزاني التزوج بالمشركة ، ويجوز للزانية أن تزوج نفسها من مشرك ؛ وهذا في غاية البعد ، وهو خروج عن الإسلام بالكلية ، وربما قال هؤلاء : إن الآية منسوخة في المشرك خاصة دون الزانية .( السادس ) أنها منسوخة ؛ روى مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب قال : الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك قال : نسخت هذه الآية التي بعدها وأنكحوا الأيامى منكم ؛ وقاله ابن عمرو ، قال : دخلت الزانية في أيامى المسلمين . قال أبو جعفر النحاس : وهذا القول عليه أكثر العلماء . وأهل الفتيا يقولون : إن من زنى بامرأة فله أن يتزوجها ولغيره أن يتزوجها . وهو قول ابن عمر ، وسالم ، وجابر بن زيد ، وعطاء ، وطاوس ، ومالك بن أنس ، وهو قول أبي حنيفة ، وأصحابه . وقال الشافعي : القول فيها كما قال سعيد بن المسيب ، إن شاء الله هي منسوخة . قال ابن عطية : وذكر الإشراك في هذه الآية يضعف هذه المناحي . قال ابن العربي : والذي عندي أن النكاح لا يخلو أن يراد به الوطء كما قال ابن عباس أو العقد ؛ فإن أريد به الوطء فإن معناه : لا يكون زنا إلا بزانية ، وذلك عبارة عن أن الوطأين من الرجل والمرأة زنا من الجهتين ؛ ويكون تقدير الآية : وطء الزانية لا يقع إلا من زان أو مشرك ؛ وهذا يؤثر عن ابن عباس ، وهو معنى صحيح . فإن قيل : فإذا زنى بالغ بصبية ، أو عاقل بمجنونة ، أو مستيقظ بنائمة فإن ذلك من جهة الرجل زنى ؛ فهذا زان نكح غير زانية ، فيخرج المراد عن بابه الذي تقدم . قلنا : هو زنى من كل جهة ، إلا أن أحدهما سقط فيه الحد والآخر ثبت فيه . وإن أريد به العقد كان معناه : أن متزوج الزانية التي قد زنت ودخل بها ولم يستبرئها يكون بمنزلة الزاني ، إلا أنه لا حد عليه لاختلاف العلماء في ذلك . وأما إذا عقد عليها ولم يدخل بها حتى يستبرئها فذلك جائز إجماعا . وقيل : ليس المراد في الآية أن الزاني لا ينكح قط إلا زانية ؛ إذ قد يتصور أن يتزوج غير زانية ، ولكن المعنى أن من تزوج بزانية فهو زان ، فكأنه قال : لا ينكح الزانية إلا زان ؛ فقلب الكلام ، وذلك أنه لا ينكح الزانية إلا وهو راض بزناها ، وإنما يرضى بذلك إذا كان هو أيضا يزني .الثانية : في هذه الآية دليل على أن التزوج بالزانية صحيح . وإذا زنت زوجة الرجل لم يفسد النكاح ، وإذا زنى الزوج لم يفسد نكاحه مع زوجته ؛ وهذا على أن الآية منسوخة . وقيل إنها محكمة . وسيأتي .الثالثة : روي أن رجلا زنى بامرأة في زمن أبي بكر - رضي الله عنه - فجلدهما مائة جلدة ، ثم زوج أحدهما من الآخر مكانه ، ونفاهما سنة . وروي مثل ذلك عن عمر ، وابن مسعود ، وجابر - رضي الله عنهم - . وقال ابن عباس : أوله سفاح وآخره نكاح . ومثل ذلك مثل رجل سرق من حائط ثمره ثم أتى صاحب البستان فاشترى منه ثمره ، فما سرق حرام وما اشترى حلال . وبهذا أخذ الشافعي ، وأبو حنيفة ، ورأوا أن الماء لا حرمة له . وروي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال : إذا زنى الرجل بالمرأة ثم نكحها بعد ذلك فهما زانيان أبدا . وبهذا أخذ مالك - رضي الله عنه - ؛ فرأى أنه لا ينكحها حتى يستبرئها من مائه الفاسد ؛ لأن النكاح له حرمة ، ومن حرمته ألا يصب على ماء السفاح ؛ فيختلط الحرام بالحلال ، ويمتزج ماء المهانة بماء العزة .الرابعة : قال ابن خويز منداد : من كان معروفا بالزنا ، أو بغيره من الفسوق معلنا به ، فتزوج إلى أهل بيت ستر ، وغرهم من نفسه ، فلهم الخيار في البقاء معه أو فراقه ؛ وذلك كعيب من العيوب ، واحتج بقوله - عليه السلام - : لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله . قال ابن خويز منداد . وإنما ذكر المجلود لاشتهاره بالفسق ، وهو الذي يجب أن يفرق بينه وبين غيره ؛ فأما من لم يشتهر بالفسق فلا .الخامسة : قال قوم من المتقدمين : الآية محكمة غير منسوخة ، وعند هؤلاء : من زنى فسد النكاح بينه وبين زوجته ، وإذا زنت الزوجة فسد النكاح بينها وبين زوجها . وقال قوم من هؤلاء : لا ينفسخ النكاح بذلك ، ولكن يؤمر الرجل بطلاقها إذا زنت ، ولو أمسكها أثم ، ولا يجوز التزوج بالزانية ولا من الزاني ، بل لو ظهرت التوبة فحينئذ يجوز النكاح .السادسة : وحرم ذلك على المؤمنين أي نكاح أولئك البغايا ؛ فيزعم بعض أهل التأويل أن نكاح أولئك البغايا حرمه الله تعالى على أمة محمد - عليه السلام - ، ومن أشهرهن عناق .السابعة : حرم الله تعالى الزنا في كتابه ؛ فحيثما زنى الرجل فعليه الحد . وهذا قول مالك ، والشافعي ، وأبي ثور . وقال أصحاب الرأي في الرجل المسلم إذا كان في دار الحرب بأمان وزنى هنالك ثم خرج لم يحد . قال ابن المنذر : دار الحرب ودار الإسلام سواء ، ومن زنى فعليه الحد ، على ظاهر قوله : الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة .

اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: نزلت هذه الآية في بعض من استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في نكاح نسوة كنّ معروفات بالزنا من أهل الشرك، وكن أصحاب رايات ، يكرين أنفسهنّ، فأنزل الله تحريمهن على المؤمنين، فقال: الزاني من المؤمنين لا يتزوج إلا زانية أو مشركة، لأنهن كذلك; والزانية من أولئك البغايا لا ينكحها إلا زان من المؤمنين أو المشركين أو مشرك مثلها، لأنهن كن مشركات.( وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) فحرم الله نكاحهن في قول أهل هذه المقالة بهذه الآية.*ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، قال: ثني الحضرمي، عن القاسم بن محمد، عن عبد الله بن عمرو: أن رجلا من المسلمين استأذن نبي الله في امرأة يقال لها أم مهزول، كانت تسافح الرجل وتشترط له أن تنفق عليه، وأنه استأذن فيها نبي الله صلى الله عليه وسلم وذكر له أمرها، قال: فقرأ نبي الله صلى الله عليه وسلم: ( وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ) أو قال: فأنزلت ( الزَّانِيَةُ ).حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثني هشيم، عن التيمي، عن القاسم بن محمد، عن عبد الله بن عمرو في قوله: ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ) قال: كنّ نساء معلومات، قال: فكان الرجل من فقراء المسلمين يتزوج المرأة منهن لتنفق عليه، فنهاهم الله عن ذلك.قال: أخبرنا سليمان التيمي، عن سعيد بن المسيب، قال: كنّ نساء موارد بالمدينة.حدثنا أحمد بن المقدام، قال: ثنا المعتمر، قال: سمعت أبي، قال: ثنا قتادة، عن سعيد بن المسيب في هذه الآية: ( وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ) قال: نزلت في نساء موارد كنّ بالمدينة.حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عمرو بن عاصم الكلابي، قال: ثنا معتمر، عن أبيه، عن قتادة، عن سعيد، بنحوه.حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا داود، عن رجل، عن عمرو بن سعيد قال: كان لمرثد صديقة في الجاهلية يقال لها عناق، وكان رجلا شديدا، وكان يقال له دلدل، وكان يأتي مكة فيحمل ضعفة المسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلقي صديقته، فدعته إلى نفسها، فقال: إن الله قد حرّم الزنا، فقالت: أنَّى تبرز، فخشي أن تشيع عليه، فرجع إلى المدينة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، كانت لي صديقة في الجاهلية، فهل ترى لي نكاحها؟ قال: فأنزل الله: ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ) قال: كنّ نساء معلومات يدعون: القيلقيات. (1)حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن إبراهيم بن مهاجر، قال: سمعت مجاهدا يقول في هذه الآية: ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ) قال: كن بغايا في الجاهلية.حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، عن عبد الملك، عمن أخبره، عن مجاهد، نحوا من حديث ابن المثنى، إلا أنه قال: كانت امرأة منهنّ يقال لها: أمّ مهزول; يعني في قوله: ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ) قال: فكنّ نساء معلومات، قال: فكان الرجل من فقراء المسلمين يتزوّج المرأة منهن لتنفق عليه، فنهاهم الله عن ذلك. هذا في حديث التيمي.حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً ) قال: رجال كانوا يريدون الزنا بنساء زوانٍ بغايا متعالمات، كنّ في الجاهلية، فقيل لهم هذا حرام، فأرادوا نكاحهن، فحرّم الله عليهم نكاحهن.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، بنحوه، إلا أنه قال: بغايا معلنات، كنّ كذلك في الجاهلية.حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن هشام بن عروة، عن أبيه وإسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي وابن أبي ذئب، عن شعبة، عن ابن عباس، قال: كنّ بغايا في الجاهلية، على أبوابهنّ رايات مثل رايات البيطار يعرفن بها.حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن قيس بن سعد، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس، قال: نساء بغايا متعالمات، حرّم الله نكاحهن، لا ينكحهنّ إلا زان من المؤمنين، أو مشرك من المشركين.حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) قال: كانت بيوت تسمى المَواخير في الجاهلية، وكانوا يؤاجرون فيها فتياتهن، وكانت بيوتا معلومة للزنا، لا يدخل عليهنّ ولا يأتيهنّ إلا زان من أهل القبلة أو مشرك من أهل الأوثان، فحرّم الله ذلك على المؤمنين.حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن ابن جُرَيج، عن عطاء، في قوله: ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ) قال: بغايا متعالمات كن في الجاهلية، بغيّ آل فلان وبغيّ آل فلان، فأنزل الله: ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) فحكم الله بذلك من أمر الجاهلية على الإسلام. فقال له سليمان بن موسى: أبلغك ذلك عن ابن عباس؟ فقال: نعم.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: سمعت عطاء بن أبي رباح يقول في ذلك: كن بغايا متعالمات، بغيّ آل فلان وبغيّ آل فلان، وكنّ زواني مشركات، فقال: ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) قال: أحكم الله من أمر الجاهلية بهذا. قيل له: أبلغك هذا عن ابن عباس؟ قال: نعم.قال ابن جريج: وقال عكرمة: إنه كان يسمِّي تسعا بعد صواحب الرايات، وكنّ أكثر من ذلك، ولكن هؤلاء أصحاب الرايات: أمّ مهزول جارية السائب بن أبي السائب المخزومي، وأم عُلِيط جارية صفوان بن أمية، وحنة القبطية جارية العاصي بن وائل، ومَرِية جارية مالك بن عميلة بن السباق بن عبد الدار، وحلالة جارية سهيل بن عمرو، وأمّ سويد جارية عمرو بن عثمان المخزومي، وسريفة جارية زمعة بن الأسود، وفرسة جارية هشام بن ربيعة بن حبيب بن حذيفة بن جبل بن مالك بن عامر بن لُؤَيّ، وقريبا جارية هلال بن أنس بن جابر بن نمر بن غالب بن فهر.حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، وقال الزهري وقتادة، قالوا: كان في الجاهلية بغايا معلوم ذلك منهنّ، فأراد ناس من المسلمين نكاحهنّ، فأنزل الله: ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ )... الآية.حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، وقاله الزهريّ وقَتادة، قالوا: كانوا في الجاهلية بغايا، ثم ذكر نحوه.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن القاسم بن أبي بَزّة: كان الرجل ينكح الزانية في الجاهلية التي قد علم ذلك منها يتخذها مأكلة، فأراد ناس من المسلمين نكاحهنّ على تلك الجهة، فنهوا عن ذلك.حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن أبي نجيح، قال: قال القاسم بن أبي بزّة، فذكر نحوه.حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا سليمان التيميّ، عن سعيد بن المسيب ، قال: كنّ نساء مَواردَ بالمدينة.حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان، عن سعيد بن جُبير: أن نساء في الجاهلية كنّ يؤاجرن أنفسهنّ، وكان الرجل إنما ينكح إحداهنّ يريد أن يصيب منها عَرَضا، فنهوا عن ذلك، ونزل: ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ) ومنهنّ امرأة يقال لها :أمّ مهزول.حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، عن إسماعيل، عن الشعبيّ، في قوله: ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ) قال: كنّ نساء يكْرِين أنفسهن في الجاهلية.وقال آخرون: معنى ذلك: الزاني لا يزني إلا بزانية أو مشركة، والزانية لا يزني بها إلا زان أو مشرك. قالوا: ومعنى النكاح في هذا الموضع: الجماع.*ذكر من قال ذلك:حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص ، عن حُصَين، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قول الله: ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ) قال: لا يزني إلا بزانية أو مشركة.حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن يَعْلَى بن مسلم، عن سعيد بن جُبير أنه قال في هذه الآية: ( وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ) قال: لا يزني الزاني إلا بزانية مثله أو مشركة.حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن شُبْرُمة، عن سعيد بن جُبير وعكرمة في قوله: ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ) قالا هو الوطء.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد، عن معمر، قال: قال سعيد بن جُبير ومجاهد: ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ) قالا هو الوطء.حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك بن مزاحم وشعبة، عن يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جبير، قوله: ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ) قالا لا يزني الزاني حين يزني إلا بزانية مثله أو مشركة، ولا تزني مشركة إلا بمثلها.حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ) قال: هؤلاء بغايا كنّ في الجاهلية، والنكاح في كتاب الله الإصابة، لا يصيبها إلا زان أو مشرك، لا يحرم الزنا، ولا تصيب هي إلا مثلها.قال: وكان ابن عباس يقول: بغايا كنّ في الجاهلية.حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن قيس بن سعد، عن سعيد بن جبير، قال: إذا زنى بها فهو زان.حدثنا عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنا معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ) قال: الزاني من أهل القبلة لا يزني إلا بزانية مثله أو مشركة، قال: والزانية من أهل القبلة لا تزني إلا بزان مثلها من أهل القبلة أو مشرك من غير أهل القبلة. ثم قال: ( وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ).وقال آخرون: كان هذا حكم الله في كلّ زان وزانية، حتى نسخه بقوله: وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ ، فأحل نكاح كلّ مسلمة وإنكاح كل مسلم.*ذكر من قال ذلك:حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، في قوله: ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) قال: يرون الآية التي بعدها نسختها: وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ قال: فهن من أيامى المسلمين.حدثنا القاسم، قال ثنا الحسين قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: أخبرني يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ) قال: نسختها التي بعدها: وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وقال: إنهن من أيامى المسلمين.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: وذكر عن يحيى، عن ابن المسيب، قال: نسختها: وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ .حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، قال: نسختها قوله: وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى .حدثني يونس، قال: أخبرنا أنس بن عياض، عن يحيى، قال: ذكر عند سعيد بن المسيب: ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ) قال: فسمعته يقول: إنها قد نسختها التي بعدها، ثم قرأها سعيد، قال: يقول الله: ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ) ثم يقول الله: وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ فهنّ من أيامى المسلمين.قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب، قول من قال: عنى بالنكاح في هذا الموضع الوطء، وأن الآية نزلت في البغايا المشركات ذوات الرايات; وذلك لقيام الحجة على أن الزانية من المسلمات حرام على كل مشرك، وأن الزاني من المسلمين حرام عليه كل مشركة من عبدة الأوثان، فمعلوم إذ كان ذلك كذلك، أنه لم يُعْن بالآية أن الزاني من المؤمنين لا يعقد عقد نكاح على عفيفة من المسلمات، ولا ينكح إلا بزانية أو مشركة، وإذ كان ذلك كذلك، فبين أن معنى الآية: الزاني لا يزني إلا بزانية لا تستحلّ الزنا أو بمشركة تستحله.وقوله: ( وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) يقول: وحرّم الزنا على المؤمنين بالله ورسوله، وذلك هو النكاح الذي قال جلّ ثناؤه: ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً )------------------------الهوامش:(1) كذا جاءت هذه الكلمة في الأصول . ولعل أصلها : القلقيات ، نسبة إلى القلق ، وهو ضرب من القلائد المنظومة باللؤلؤ ، كن يلبسنه يستهوين به الرجال . أو نسبة إلى القلق ، لكثرة اضطرابهن وتحركهن . ( انظر التاج : قلق )

الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3)هذه الآية نزلت مستقلة بأولها ونهايتها كما يأتي قريباً في ذكر سبب نزولها ، سواء كان نزولها قبل الآيات التي افتتحت بها السورة أم كان نزولها بعد تلك الآيات . فهذه الجملة ابتدائية . ومناسبة موقعها بعد الجملة التي قبلها واضحة .وقد أعضل معناها فتطلب المفسرون وجوها من التأويل وبعض الوجوه ينحل إلى متعدد .وسبب نزول هذه الآية ما رواه أبو داود وما رواه الترمذي وصححه وحسنه : «أنه كان رجل يقال له مرثد بن أبي مرثد ( الغنوي من المسلمين) كان يخرج من المدينة إلى مكة يحمل الأسرى فيأتي بهم إلى المدينة . وكانت امرأة بغي بمكة يقال لها : عناق . وكانت خليلة له ، وأنه كان وعد رجلاً من أسارى مكة ليحمله . قال : فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة . قال : فجاءت عناق فقالت : مرثد؟ قلت : مرثد . قالت : مرحباً وأهلاً هلم فبت عندنا الليلة . قال فقلت : حرم الله الزنى . فقالت عناق : يا أهل الخيام هذا الرجل يحمل أسراكم ، فتبعني ثمانية ( من المشركين) . . إلى أن قال : ثم رجعوا ورجعت إلى صاحبي فحملته ففككت عنه كبله حتى قدمت المدينة فأتيت رسول الله فقلت : يا رسول الله أنكح عناق؟ فأمسك رسول الله فلم يرد عليَّ شيئاً حتى نزلت { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين } فقال رسول الله : يا مرثد لا تنكحها» .فتبيّن أن هذه الآية نزلت جواباً عن سؤال مرثد بن أبي مرثد هل يتزوج عناق . ومثار ما يشكل ويعضل من معناها : أن النكاح هنا عقد التزوج كما جزم به المحققون من المفسرين مثل الزجاج والزمخشري وغيرهما . وأنا أرى لفظ النكاح لم يوضع ولم يستعمل إلا في عقد الزواج وما انبثق زعم أنه يطلق على الوطء إلا من تفسير بعض المفسرين قوله تعالى : { فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره } [ البقرة : 230 ] بناء على اتفاق الفقهاء على أن مجرد العقد على المرأة بزوج لا يحلها لمن بَتَّها إلا إذا دخل بها الزوج الثاني . وفيه بحث طويل ، ليس هذا محله .وأنه لا تردد في أن هذه الآية نزلت بعد تحريم الزنى إذ كان تحريم الزنى من أول ما شرع من الأحكام في الإسلام كما في الآيات الكثيرة النازلة بمكة ، وحسبك أن الأعشى عدّ تحريم الزنى في عداد ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من التشريع إذ قال في قصيدته لما جاء مكة بنية الإسلام ومدح النبي صلى الله عليه وسلم فصده أبو جهل فانصرف إلى اليمامة ومات هناك قال: ... أجدَّك لم تسمع وصاة محمدنبيءِ الإله حين أوصى وأشهدا ...إلى أن قال. . . . ... ولا تقربنّ جارة إنّ سرهاعليك حرام فانكحن أو تأبدا ... وقد ذكرنا ذلك في تفسير سورة الإسراء .وأنه يلوح في بادىء النظر من ظاهر الآية أن صدرها إلى قوله أو { مشرك } إخبارٌ عن حال تزوج امرأة زانية وأنه ليس لتشريع حكم النكاح بين الزناة المسلمين ، ولا نكاح بين المشركين . فإذا كان إخباراً لم يستقم معنى الآية إذ الزاني قد ينكح الحصينة والمشرك قد ينكح الحصينة وهو الأكثر فلا يستقيم لقوله تعالى : { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة } معنى ، وأيضاً الزانية قد ينكحها المسلم العفيف لرغبة في جمالها أو لينقذها من عهر الزنى وما هو بزان ولا مشرك فلا يستقيم معنى لقوله : { والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك } وإننا لو تنازلنا وقبلنا أن تكون لتشريع حكم فالإشكال أقوى إذ لا معنى لتشريع حكم نكاح الزاني والزانية والمشرك والمشركة فتعين تأويل الآية بما يفيد معنى معتبراً .والوجه في تأويلها : أن مجموع الآية مقصود منه التشريع دون الإخبار لأن الله تعالى قال في آخرها { وحرم ذلك على المؤمنين } . ولأنها نزلت جواباً عن سؤال مرثد تزويجه عناق وهي زانية ومشركة ومرثد مسلم تقي . غير أن صدر الآية ليس هو المقصود بالتشريع بل هو تمهيد لآخرها مشير إلى تعليل ما شُرع في آخرها ، وفيه ما يفسر مرجع اسم الإشارة الواقع في قوله : { وحرم ذلك } . وأن حكمها عام لمرثد وغيره من المسلمين بحق عموم لفظ { المؤمنين } .وينبني على هذا التأصيل أن قوله : { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة } تمهيد للحكم المقصود الذي في قوله : { وحرم ذلك على المؤمنين } وأنه مسوق مساق الإخبار دون التشريع فيتعين أن المراد من لفظ { الزاني } المعنى الإسمي لاسم الفاعل وهو معنى التلبس بمصدره دون معنى الحدوث؛ إذ يجب أن لا يُغفل عن كون اسم الفاعل له شائبتان : شائبة كونه مشتقاً من المصدر فهو بذلك بمنزلة الفعل المضارع ، فضارب يشبه يضرب في إفادة حصول الحدث من فاعل ، وشائبةُ دلالته على ذات متلبسة بحدث فهو بتلك الشائبة يقْوى فيه جانب الأسماء الدالة على الذوات . وحمله في هذه الآية على المعنى الإسمي تقتضيه قرينة السياق إذ لا يفهم أن يكون المعنى أن الذي يحدث الزنى لا يتزوج إلا زانية لانتفاء جدوى تشريع منع حالة من حالات النكاح عن الذي أتى زنى . وهذا على عكس محمل قوله : { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } [ النور : 2 ] فإنه بالمعنى الوصفي ، أي التلبس بإحداث الزنى حسبما حملناه على ذلك آنفاً بقرينة سياق ترتب الجلد على الوصف إذ الجلد عقوبة إنما تترتب على إحداث جريمة توجبها .فتمحض أن يكون المراد من قوله : { الزاني لا ينكح إلا زانية } إلخ : مَن كان الزنى دأباً له قبل الإسلام وتخلق به ثم أسلم وأراد تزوج امرأة ملازمة للزنى مثل البغايا ومتخذات الأخدان ( ولا يكن إلا غير مسلمات لا محالة) فنهى الله المسلمين عن تزوج مثلها بقوله { وحرم ذلك على المؤمنين } .وقدم له ما يفيد تشويهه بأنه لا يلائم حال المسلم وإنما هو شأن أهل الزنى ، أي غير المؤمنين ، لأن المؤمن لا يكون الزنى له دأباً ، ولو صدر منه لكان على سبيل الفلتة كما وقع لماعز بن مالك .فقوله : { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة } تمهيد وليس بتشريع ، لأن الزاني بمعنى مَن الزنى له عادة لا يكون مؤمناً فلا تشرع له أحكام الإسلام . وهذا من قبيل قوله تعالى : { الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات } [ النور : 26 ] وهذا يتضمن أن المسلم إذا تزوج زانية فقد وضع نفسه في صف الزناة ، أي المشركين .وعطف قوله : { أو مشركة } على { زانية } لزيادة التفظيع فإن الزانية غير المسلمة قد تكون غير مشركة مثل زواني اليهود والنصارى وبغاياهما . وكذلك عطف { أو مشرك } على { إلا زان } لظهور أن المقام ليس بصدد التشريع للمشركات والمشركين أحكام التزوج بينهم إذ ليسوا بمخاطبين بفروع الشريعة .فتمحض من هذا أن المؤمن الصالح لا يتزوج الزانية . ذلك لأن الدربة على الزنى يتكون بها خلق يناسب أحوال الزناة من الرجال والنساء فلا يرغب في معاشرة الزانية إلا من تروق له أخلاق أمثالها ، وقد كان المسلمون أيامئذ قريبي عهد بشرك وجاهلية فكان من مهم سياسة الشريعة للمسلمين التباعد بهم عن كل ما يستروح منه أن يذكرهم بما كانوا يألفونه قصد أن تصير أخلاق الإسلام ملكات فيهم فأراد الله أن يبعدهم عما قد يجدد فيهم أخلاقاً أوْشَكُوا أن ينسوها .فموقع هذه الآية موقع المقصود من الكلام بعد المقدمة ولذلك جاءت مستأنفة كما تقع النتائج بعد أدلتها ، وقدم قبلها حكم عقوبة الزنى لإفادة حكمه وما يقتضيه ذلك من تشنيع فعله . فلذلك فالمراد بالزاني : مَن وصْف الزنى عادته .وفي «تفسير القرطبي» عن عمرو بن العاص ومجاهد : أن هذه الآية خاصة في رجل من المسلمين استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في نكاح امرأة يقال لها : أم مهزول ، وكانت من بغايا الزانيات وشرطت له أن تنفق عليه ( ولعل أم مهزول كنية عناق ولعل القصة واحدة) إذ لم يرو غيرها . قال الخطابي : هذا خاص بهذه المرأة إذ كانت كافرة فأما الزانية المسلمة فإن العقد عليها لا يفسخ .وابتدىء في هذه الآية بذكر الزاني قبل ذكر الزانية على عكس ما تقدم في قوله { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } [ النور : 2 ] فإن وجه تقديم الزانية في الآية السابقة هو ما عرفته ، فأما هنا فإن سبب نزول هذه الآية كان رغبة رجل في تزوج امرأة تعودت الزنى فكان المقام مقتضياً الاهتمام بما يترتب على هذا السؤال من مذمة الرجل الذي يتزوج مثل تلك المرأة .وجملة { وحرم ذلك على المؤمنين } تكميل للمقصود من الجملتين قبلها ، وهو تصريح بما أريد من تفظيع نكاح الزانية وببيان الحكم الشرعي في القضية .والإشارة بقوله : { ذلك } إلى المعنى الذي تضمنته الجملتان من قبل وهو نكاح الزانية ، أي وحرم نكاح الزانية على المؤمنين ، فلذلك عطفت جملة { وحرم ذلك على المؤمنين } لأنها أفادت تكميلاً لما قبلها وشأن التكميل أن يكون بطريق العطف . ومن العلماء من حمل الآية على ظاهرها من التحريم وقالوا : هذا حكم منسوخ نسختها الآية بعدها { وأنكحوا الأيامي منكم } [ النور : 32 ] فدخلت الزانية في الأيامى ، أي بعد أن استقر الإسلام وذهب الخوف على المسلمين من أن تعاودهم أخلاق أهل الجاهلية .وروي هذا عن سعيد بن المسيب وعن عبد الله بن عمرو بن العاص وابن عمر ، وبه أخذ مالك وأبو حنيفة والشافعي ، ولم يؤثر أن أحداً تزوج زانية فيما بين نزول هذه الآية ونزول ناسخها ، ولا أنه فسخ نكاح مسلم امرأة زانية . ومقتضى التحريم الفساد وهو يقتضي الفسخ . وقال الخطابي : هذا خاص بهذه المرأة إذ كانت كافرة فأما الزانية المسلمة فإن العقد عليها لا يفسخ . ومنهم من رأى حكمها مستمراً . ونسب الفخر القول باستمرار حكم التحريم إلى أبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود وعائشة رضي الله عنهم ونسبه غيره إلى التابعين ولم يأخذ به فقهاء الأمصار من بعد .
الآية 3 - سورة النور: (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك ۚ وحرم ذلك على المؤمنين...)