سورة الصافات: الآية 11 - فاستفتهم أهم أشد خلقا أم...

تفسير الآية 11, سورة الصافات

فَٱسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَآ ۚ إِنَّا خَلَقْنَٰهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍۭ

الترجمة الإنجليزية

Faistaftihim ahum ashaddu khalqan am man khalaqna inna khalaqnahum min teenin lazibin

تفسير الآية 11

فاسأل -أيها الرسول- منكري البعث أَهُم أشد خلقًا أم من خلقنا من هذه المخلوقات؟ إنا خلقنا أباهم آدم من طين لزج، يلتصق بعضه ببعض.

«فاستفتهم» استخبر كفار مكة تقريرا أو توبيخا «أهم أشد خلقا أم من خلقنا» من الملائكة والسماوات والأرضين وما فيهما وفي الإتيان بمن تغليب العقلاء «إنا خلقناهم» أي أصلهم آدم «من طين لازب» لازم يلصق باليد: المعنى أن خلقهم ضعيف فلا يتكبروا بإنكار النبي والقرآن المؤدي إلى هلاكهم اليسير.

ولما بين هذه المخلوقات العظيمة قال: فَاسْتَفْتِهِمْ أي: اسأل منكري خلقهم بعد موتهم. أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أي: إيجادهم بعد موتهم، أشد خلقا وأشق؟. أَمْ مَنْ خَلَقْنَا من [هذه] المخلوقات؟ فلا بد أن يقروا أن خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس.فيلزمهم إذا الإقرار بالبعث، بل لو رجعوا إلى أنفسهم وفكروا فيها، لعلموا أن ابتداء خلقهم من طين لازب، أصعب عند الفكر من إنشائهم بعد موتهم، ولهذا قال: إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ أي: قوي شديد كقوله تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ

يقول تعالى : فسل هؤلاء المنكرين للبعث : أيما أشد خلقا هم أم السماوات والأرض ، وما بينهما من الملائكة والشياطين والمخلوقات العظيمة ؟ - وقرأ ابن مسعود : " أم من عددنا " - فإنهم يقرون أن هذه المخلوقات أشد خلقا منهم ، وإذا كان الأمر كذلك فلم ينكرون البعث ؟ وهم يشاهدون ما هو أعظم مما أنكروا . كما قال تعالى : ( لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) [ غافر : 57 ] ثم بين أنهم خلقوا من شيء ضعيف ، فقال ( إنا خلقناهم من طين لازب )قال مجاهد ، وسعيد بن جبير ، والضحاك : هو الجيد الذي يلتزق بعضه ببعض . وقال ابن عباس ، وعكرمة : هو اللزج . وقال قتادة : هو الذي يلزق باليد .

والفاء في قوله- تعالى-: فَاسْتَفْتِهِمْ.. هي الفصيحة، والاستفتاء: الاستخبار عن الشيء ومعرفة وجه الصواب فيه.والمراد من الاستفهام في الآية: توبيخ المشركين على إصرارهم على شركهم وجهلهم.وتعجيب العقلاء من أحوالهم.واللازب: أى: الملتصق بعضه ببعض. يقال: لزب الشيء يلزب لزبا ولزوبا، إذا تداخل بعضه في بعض، والتصق بعضه ببعض. والطين اللازب: هو الذي يلزق باليد- مثلا- إذا ما التقت به قال النابغة الذبياني:فلا تحسبون الخير لا شر بعده ... ولا تحسبون الشر ضربة لازبأى: ضربة ملازمة لا مفارقة لها.والمعنى: إذا كان الأمر كما أخبرناك أيها الرسول الكريم- من أن كل شيء في هذا الكون يشهد بوحدانيتنا وقدرتنا، فاسأل هؤلاء المشركين «أهم أشد خلقا» أى: أهم أقوى خلقة وأمتن بنية، وأضخم أجسادا.. «أم من خلقنا» من ملائكة غلاظ شداد، ومن سماوات طباق، ومن أرض ذات فجاج.لا شك أنهم لن يجدوا جوابا يردون به عليك، سوى قولهم: إن خلق الملائكة والسموات والأرض. أشد من خلقنا.وقوله- تعالى- إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ إشارة إلى المادة الأولى التي خلقوا منها في ضمن خلق أبيهم آدم- عليه السلام-.أى: إنا خلقناهم من طين ملتصق بعضه ببعض، ومتداخل بعضه في بعض.فأنت ترى أن الآية الكريمة قد ساقت دليلين واضحين على صحة البعث الذي أنكره المشركون.أما الدليل الأول فهو ما يعترفون به من أن خلق السموات والأرض والملائكة.. أعظم وأكبر منهم ... ومن كان قادرا على خلق الأعظم والأكبر كان من باب أولى قادرا على خلق الأقل والأصغر.وقد ذكر- سبحانه- هذه الحقيقة في آيات كثيرة منها قوله- تعالى- لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ .وأما الدليل الثاني فهو قوله- تعالى-: إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ وذلك لأن من خلقهم أولا من طين لازب، قادر على أن يعيدهم مرة أخرى بعد أن يصيروا ترابا وعظاما.إذ من المعروف لدى كل عاقل أن الإعادة أيسر من الابتداء. وقد قرر- سبحانه- هذه الحقيقة في آيات منها قوله- تعالى-: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ، وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ، وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

( فاستفتهم ) أي : سلهم ، يعني : أهل مكة ، ( أهم أشد خلقا أم من خلقنا ) يعني : من السماوات والأرض والجبال ، وهذا استفهام بمعنى التقرير ، أي : هذه الأشياء أشد خلقا كما قال : " لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس " ( غافر - 57 ) وقال : " أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها " ( النازعات - 27 ) .وقيل : " أم من خلقنا " يعني : من الأمم الخالية ؛ لأن " من " يذكر فيمن يعقل ، يقول : إن هؤلاء ليسوا بأحكم خلقا من غيرهم من الأمم ، وقد أهلكناهم بذنوبهم فما الذي يؤمن هؤلاء من العذاب ؟ ثم ذكر خلق الإنسان ، فقال :( إنا خلقناهم من طين لازب ) يعني : جيد حر لاصق يعلق باليد ، ومعناه اللازم ، أبدل الميم باء كأنه يلزم اليد . وقال مجاهد والضحاك : منتن .

قوله تعالى : فاستفتهم أي سلهم يعني أهل مكة ، مأخوذ من استفتاء المفتي . أهم أشد خلقا أم من خلقنا قال مجاهد : أي : من خلقنا من السماوات والأرض والجبال والبحار . وقيل : يدخل فيه الملائكة ومن سلف من الأمم الماضية . يدل على ذلك أنه أخبر عنهم " بمن " قال سعيد بن جبير : الملائكة . وقال غيره : " من " الأمم الماضية وقد هلكوا وهم أشد خلقا منهم . نزلت في أبي الأشد بن كلدة ، وسمي بأبي الأشد لشدة بطشه وقوته . وسيأتي في [ البلد ] ذكره . ونظير هذه : لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس وقوله : ( أأنتم أشد خلقا أم السماء ) .قوله تعالى : إنا خلقناهم من طين لازب أي لاصق ، قاله ابن عباس . ومنه قول علي - رضي الله عنه - :تعلم فإن الله زادك بسطة وأخلاق خير كلها لك لازبوقال قتادة وابن زيد : معنى لازب : لازق . الماوردي : والفرق بين اللاصق واللازق أن اللاصق : هو الذي قد لصق بعضه ببعض ، واللازق : هو الذي يلتزق بما أصابه . وقال عكرمة : لازب : لزج . سعيد بن جبير : أي : جيد حر يلصق باليد . مجاهد : لازب : لازم . والعرب تقول : طين لازب ولازم ، تبدل الباء من الميم . ومثله قولهم : لاتب ولازم . على إبدال الباء بالميم . واللازب الثابت ، تقول : صار الشيء ضربة لازب ، وهو أفصح من لازم . قال النابغة :ولا يحسبون الخير لا شر بعده ولا يحسبون الشر ضربة لازبوحكى الفراء عن العرب : طين لاتب بمعنى لازم . واللاتب الثابت ، تقول منه : لتب يلتب لتبا ولتوبا ، مثل لزب يلزب بالضم لزوبا ، وأنشد أبو الجراح في اللاتب :فإن يك هذا من نبيذ شربته فإني من شرب النبيذ لتائبصداع وتوصيم العظام وفترة وغم مع الإشراق في الجوف لاتبواللاتب أيضا : اللاصق مثل اللازب ، عن الأصمعي حكاه الجوهري . وقال السدي والكلبي في اللازب : إنه الخالص . مجاهد والضحاك : إنه المنتن .

القول في تأويل قوله تعالى : فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ (11)يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم : فاستفت يا محمد هؤلاء المشركين الذي يُنكرون البعث بعد الممات والنشور بعد البلاء: يقول: فسَلْهم: أهم أشد خلقا؟ يقول: أخلقُهم أشد أم خلق من عددنا خلقه من الملائكة والشياطين والسموات والأرض؟وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله بن مسعود: " أهُمْ أشَدُّ خَلْقا أمْ مَنْ عَدَدْنَا "؟.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( أهُمْ أشَدُّ خَلْقا أمْ مَنْ خَلَقْنَا )؟ قال: السموات والأرض والجبال.حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح ،قال: ثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك أنه قرأ " أهُمْ أَشَدُّ خَلْقا أمْ مَنْ عَدَدْنَا "؟ وفي قراءة عبد الله بن مسعود " عَدَدْنَا " يقول: رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ يقول: أهم أشد خلقا، أم السموات والأرض؟ يقول: السموات والأرض أشد خلقا منهم.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَاسْتَفْتِهِمْ أهُمْ أَشَدُّ خَلْقا أمْ مَنْ عَدَدْنَا) من خلق السموات والأرض، قال اللهُ: لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ... الآية.حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي (فَاسْتَفْتِهِمْ أهُمْ أشَدُّ خَلْقَا ) قال: يعني المشركين، سلهم أهم أشد خلقا( أمْ مَنْ خَلَقْنَا )وقوله ( إنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ ) يقول: إنا خلقناهم من طين لاصق. وإنما وصفه جل ثناؤه باللُّزوب، لأنه تراب مخلوط بماء، وكذلك خَلْق ابن آدم من تراب وماء ونار وهواء; والتراب إذا خُلط بماء صار طينا لازبا، والعرب تُبدل أحيانًا هذه الباء ميما، فتقول: طين لازم; ومنه قول النجاشي الحارثي:بنى اللؤم بيتا فاستقرت عمادهعليكم بني النجار ضربة لازم (3)ومن اللازب قول نابغة بني ذُبيان:ولا يحسبون الخير لا شرَّ بعدهُولا يحسبون الشر ضربة لازب (4)وربما أبدلوا الزاي التي في اللازب تاء، فيقولون: طين لاتب، وذُكر أن ذلك في قَيس ، زعم الفرّاء أن أبا الجراح أنشده:صداعٌ وتوصيمُ العظامِ وفترةوغثي مع الإشراق في الجوف لاتب (5)بمعنى: لازم، والفعل من لازب: لَزِبَ يَلْزُب، لزْبا ولُزوبا (6)------------------------الهوامش:(3) البيت من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن ( مصورة الجامعة الورقة ص 208 - 1 ) قال في قوله تعالى"من طين لازب" مجازه مجاز لازم . قال النجاشي:" بنى اللؤم ... البيت" .اه.(4) وهذا البيت من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن ( مصورة الجامعة ص 208 - 1 ) . وهو كالشاهد الذي قبله على أن معنى اللازب اللازم . قال نابغة بني ذبيان:"لا يحسبون الخير .... البيت": اه.(5) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن ( مصورة الجامعة ص 271 ) قال اللازب اللاصق . قال: وقيس تقول:"طين لاتب" أنشدني بعضهم:صداع وتوصيم ............................................. البيت. قال والعرب تقول: ليس هذا بضربة لازب، ولازم؛ يبدلون الباء ميما، لتقارب المخرج.اه. (وفي اللسان:"لتب" اللاتب: الثابت؛ تقول منه لتب يلتب) . (بوزن يقتل) لتبا ولتوبا، وأنشد أبو الجراح:فإن يك هذا من نبيذ شربتهفإني من شرب النبيذ لتائبصداع وتوصيم ................ . . . . . . . . . . . . . . . . . .وفي اللسان عن الفرّاء في قوله تعالى" من طين لازب": قال: اللازب واللاتب واحد. قال: وقيس تقول: طين لاتب. واللاتب: اللازق، مثل اللازب. وهذا الشيء ضربة لاتب كضربة لازم .اه.(6) في الأصل: ويلزب وهو تحريف عما أثبتناه؛ لتصريحهم بأن الفعل من باب نفد، وأن المصدر لزبا ولزوبا . ( انظر اللسان والمصباح: لزب ) وضبط في التاج ككرم.

فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا دِيَارِهِمْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ (11)الفاء تفريع على قوله : { إنَّا زيَّنا السَّماء الدنيا بزينةٍ الكواكب } [ الصافات : 6 ] باعتبار ما يقتضيه من عظيم القدرة على الإِنشاء ، أي فسَلْهُم عن إنكارهم البعث وإحالتِهم إعادةَ خلقهم بعد أن يصيروا عظاماً ورفاتاً ، أخَلْقُهم حينئذٍ أشدّ علينا أم خلق تلك المخلوقات العظيمة؟وضمير الغيبة في قوله : { فَاستفتِهِم } عائد إلى غير مذكور للعلم به من دلالة المقام وهم الذين أحالوا إعادة الخلق بعد الممات . وكذلك ضمائر الغيبة الآتية بعده وضمير الخطاب منه موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أي فسَلْهم ، وهو سؤال محاجة وتغليط .والاستفتاء : طلب الفَتوى بفتح الفاء وبالواو ، ويقال : الفُتْيَا بضم الفاء وبالياء . وهي إخبار عن أمر يخفَى عن غير الخواصّ في غرض مَّا . وهي :إمّا إخبار عن علم مختص به المخبِر قال تعالى : { يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات } [ يوسف : 46 ] الآية ، وقال : { يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة } [ النساء : 176 ] ، وتقدم في قوله : { الذي فيه تستفتيان } في سورة [ يوسف : 41 ] .وإمَّا إخبار عن رأي يطلب من ذي رأي موثوق به ومنه قوله تعالى : { قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري } في سورة [ النمل : 32 ] .والمعنى : فاسألهم عن رأيهم فلما كان المسؤول عنه أمراً محتاجاً إلى إعمال نظر أطلق على الاستفهام عنه فعل الاستفتاء .وهمزة : أهُم أشدُّ خَلْقاً } للاستفهام المستعمل للتقرير بضعف خلق البشر بالنسبة للمخلوقات السماوية لأن الاستفهام يؤول إلى الإقرار حيث إنه يُلجىء المستفهم إلى الإِقرار بالمقصود من طرفي الاستفهام ، فالاستفتاء في معنى الاستفهام فهو يستعمل في كل ما يستعمل فيه الاستفهام . و { أشدّ } بمعنى : أصعب وأعسر .و { خَلْقاً } تمييز ، أي أخلقهم أشدّ أم خَلْق من خلقنا الذي سمعتم وصفه .والمراد ب { مَن خَلَقْنا } ما خَلَقَه الله من السماوات والأرض وما بينهما الشامل للملائكة والشياطين والكواكب المذكورة آنفاً بقرينة إيراد فاء التعقيب بعد ذكر ذلك ، وهذا كقوله تعالى : { أأنتم أشد خلقاً أم السماء } [ النازعات : 27 ] ونحوه .وجيء باسم العاقل وهو { مَن } الموصولة تغليباً للعاقلين من المخلوقات .وجملة { إنا خلقناهم من طين لازب } في موضع العلة لما يتولد من معنى الاستفهام في قوله : { أهم أشد خلقاً أم من خلقنا } من الإِقرار بأنهم أضعف خلقاً من خلق السماوات وعوالمها احتجاجاً عليهم بأن تأتِّي خلقهم بعد الفناء أهون من تَأتي المخلوقات العظيمة المذكورة آنفاً ولم تكن مخلوقة قبلُ فإنهم خلقوا من طين لأن أصلهم وهو آدم خلق من طين كما هو مقرر لدى جميع البشر فكيف يحيلون البعث بمقالاتهم التي منها قولُهم : { أإذَا مِتنا وكنا تُراباً وعِظاماً أءِنَّا لَمَبْعُوثونَ } [ الصافات : 16 ] .والطينُ : التراب المخلوط بالماء .واللازب : اللاصق بغيره ومنه أطلق على الأمر الواجب «لازب» في قول النابغة :ولا يحسبون الشر ضَربةَ لازب ... وقد قيل : إن باء لازب بدل من ميم لازم ، والمعنى : أنه طين عتيق صار حَمْأة . وضمير { إنَّا خلقناهُم } عائد إلى المشركين وهو على حذف مضاف ، أي خلقنا أصلهم وهو آدم فإنه الذي خلق من طين لازب ، فإذا كان أصلهم قد أنشىء من تراب فكيف ينكرون إمكان إعادة كل آدمي من تراب .
الآية 11 - سورة الصافات: (فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا ۚ إنا خلقناهم من طين لازب...)