سورة السجدة: الآية 7 - الذي أحسن كل شيء خلقه...

تفسير الآية 7, سورة السجدة

ٱلَّذِىٓ أَحْسَنَ كُلَّ شَىْءٍ خَلَقَهُۥ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ ٱلْإِنسَٰنِ مِن طِينٍ

الترجمة الإنجليزية

Allathee ahsana kulla shayin khalaqahu wabadaa khalqa alinsani min teenin

تفسير الآية 7

الله الذي أحكم خلق كل شيء، وبدأ خَلْقَ الإنسان، وهو آدم عليه السلام من طين.

«الذي أحسن كل شيءٍ خلقه» بفتح اللام فعلا ماضيا صفة، وبسكونها بدل اشتمال «وبدأ خلق الإنسان» آدم «من طين».

الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ أي: كل مخلوق خلقه اللّه، فإن اللّه أحسن خلقه، وخلقه خلقًا يليق به، ويوافقه، فهذا عام.ثم خص الآدمي لشرفه وفضله فقال: وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ وذلك بخلق آدم عليه السلام، أبي البشر.

يقول تعالى : إنه الذي أحسن خلق الأشياء وأتقنها وأحكمها .وقال مالك ، عن زيد بن أسلم : ( الذي أحسن كل شيء خلقه ) قال : أحسن خلق كل شيء . كأنه جعله من المقدم والمؤخر .ثم لما ذكر خلق السماوات والأرض ، شرع في ذكر خلق الإنسان فقال : ( وبدأ خلق الإنسان من طين ) يعني : خلق أبا البشر آدم من طين .

الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ أى: الذي أحكم وأتقن كل شيء خلقه وأوجده في هذا الكون، لأنه- سبحانه- أوجده على النحو الذي تقتضيه حكمته، وتستدعيه مصلحة عباده.قال الشوكانى: وقرأ الجمهور خَلَقَهُ- بفتح اللام- على أنه فعل ماض صفة لشيء، فهو في محل جر. أو صفة للمضاف فيكون في محل نصب.وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ابن عامر: خَلَقَهُ- بسكون اللام- وفي نصبه أوجه:الأول: أن يكون بدلا من كُلَّ شَيْءٍ بدل اشتمال، والضمير عائد على كل شيء، وهذا هو المشهور ....والمراد بالإنسان في قوله- تعالى-: وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ آدم- عليه السلام-، أى وبدأ خلق أبيكم آدم من طين، فصار على أحسن صورة، وأبدع شكل

( الذي أحسن كل شيء خلقه ) قرأ نافع وأهل الكوفة : " خلقه " بفتح اللام على الفعل وقرأ الآخرون بسكونها ، أي : أحسن خلق كل شيء ، قال ابن عباس : أتقنه وأحكمه . قال قتادة : حسنه . وقال مقاتل : علم كيف يخلق كل شيء ، من قولك : فلان يحسن كذا إذا كان يعلمه . وقيل : خلق كل حيوان على صورته لم يخلق البعض على صورة البعض ، فكل حيوان كامل في خلقه حسن ، وكل عضو من أعضائه مقدر بما يصلح به معاشه . ( وبدأ خلق الإنسان من طين ) يعني آدم .

قوله تعالى : الذي أحسن كل شيء خلقه قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر : ( خلقه ) بإسكان اللام . وفتحها الباقون . واختاره أبو عبيد وأبو حاتم طلبا لسهولتها . وهو فعل ماض في موضع خفض نعت ل ( شيء ) . والمعنى على ما روي عن ابن عباس : أحكم كل شيء خلقه ، أي جاء به على ما أراد ، لم يتغير عن إرادته .وقول آخر : إن كل شيء خلقه حسن ; لأنه لا يقدر أحد أن يأتي بمثله ; وهو دال على خالقه . ومن أسكن اللام فهو مصدر عند سيبويه ; لأن قوله : أحسن كل شيء خلقه يدل على : خلق كل شيء خلقا ; فهو مثل : صنع الله و كتاب الله عليكم . وعند غيره منصوب على البدل من ( كل ) ؛ أي الذي أحسن خلق كل شيء . وهو مفعول ثان عند بعض النحويين ، على أن يكون معنى : أحسن أفهم وأعلم ; فيتعدى إلى مفعولين ، أي أفهم كل شيء خلقه . وقيل : هو منصوب على التفسير ; والمعنى : أحسن كل شيء خلقا . وقيل : هو منصوب بإسقاط حرف الجر ، والمعنى : أحسن كل شيء في خلقه . وروي معناه عن ابن عباس وأحسن أي أتقن وأحكم ; فهو ( أحسن ) من جهة ما هو لمقاصده التي أريد لها . ومن هذا المعنى قال ابن عباس وعكرمة : ليست است القرد بحسنة ، ولكنها متقنة محكمة . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد أحسن كل شيء خلقه قال : أتقنه . وهو مثل قوله تبارك وتعالى : الذي أعطى كل شيء خلقه أي لم يخلق الإنسان على خلق البهيمة ، ولا خلق البهيمة على خلق الإنسان . ويجوز : خلقه بالرفع ; على تقدير ذلك خلقه . وقيل : هو عموم في اللفظ خصوص في المعنى ; والمعنى : حسن خلق كل شيء حسن . وقيل : هو عموم في اللفظ والمعنى ، أي جعل كل شيء خلقه حسنا ، حتى جعل الكلب في خلقه حسنا ; قاله ابن عباس . وقال قتادة : في است القرد حسنة .قوله تعالى : وبدأ خلق الإنسان من طين يعني آدم .

وقوله: ( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه بعض قراء مكة والمدينة والبصرة (أحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ) بسكون اللام. وقرأه بعض المدنيين وعامة الكوفيين ( أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ) بفتح اللام.والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء صحيحتا المعنى، وذلك أن الله أحكم خلقه، وأحكم كل شيء خلَقه، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.واختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: أتقن كلّ شيء وأحكمه.* ذكر من قال ذلك:حدثني العباس بن أبي طالب، قال: ثنا الحسين بن إبراهيم إشكاب (2) قال: ثنا شريك، عن خَصيف عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: ( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ) قال: أما إن است القرد ليست بحسنة، ولكن أحكم خلقها.حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو النضر، قال: ثنا أبو سعيد المؤدّب، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس، أنه كان يقرؤها: ( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ) قال: أما إن است القرد ليست بحسنة ولكنه أحكمها.حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ) قال: أتقن كلّ شيء خلقه.حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا عبد الله بن موسى، قال: ثنا إسرائيل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ ) : أحصى كلّ شيء.وقال آخرون: بل معنى ذلك: الذي حسن خلق كل شيء.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة قوله: ( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ) حسن على نحو ما خلق.وذُكر عن الحجاج، عن ابن جُرَيج، عن الأعرج، عن مجاهد قال: هو مثل أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى قال: فلم يجعل خلق البهائم في خلق الناس، ولا خلق الناس في خلق البهائم ولكن خلق كلّ شيء فقدّره تقديرا.وقال آخرون: بل معنى ذلك: أعلم كل شيء خلقه، كأنهم وجهوا تأويل الكلام إلى أنه ألهم خلقه ما يحتاجون إليه، وأن قوله: ( أَحْسَنَ ) إنما هو من قول القائل: فلان يحسن كذا، إذا كان يعلمه.* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن شريك، عن خصيف، عن مجاهد ( أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ) قال: أعطى كلّ شيء خلقه، قال: الإنسان إلى الإنسان، والفرس للفرس، والحمار للحمار وعلى هذا القول الخَلْق والكلّ منصوبان بوقوع أحسن عليهما.وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب على قراءة من قرأه: ( الَّذِي أحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) بفتح اللام قول من قال: معناه أحكم وأتقن؛ لأنه لا معنى لذلك إذ قرئ كذلك إلا أحد وجهين: إما هذا الذي قلنا من معنى الإحكام والإتقان، أو معنى التحسين الذي هو في معنى الجمال والحُسن، فلما كان في خلقه ما لا يشكّ في قُبحه وسماجته، علم أنه لم يُعن به أنه أحسن كلّ ما خلق، ولكن معناه أنه أحكمه وأتقن صنعته، وأما على القراءة الأخرى التي هي بتسكين اللام، فإن أولى تأويلاته به قول من قال: معنى ذلك: أعلم وألهم كلّ شيء خلقه، هو أحسنهم، كما قال: (الَّذِي أعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)؛ لأن ذلك أظهر معانيه. وأما الذي وجه تأويل ذلك إلى أنه بمعنى: الذي أحسن خلق كلّ شيء، فإنه جعل الخلق نصبا بمعنى التفسير، كأنه قال: الذي أحسن كلّ شيء خلقا منه. وقد كان بعضهم يقول: هو من المقدّم الذي معناه التأخير، ويوجهه إلى أنه نظير قول الشاعر:وَظَعْنِي إلَيْكَ للَّيْل حِضْيَنْةِ أنَّنِيلِتِلْكَ إذَا هابَ الهِدَانُ فَعُولُ (3)يعني: وظعني حضني الليل إليك؛ ونظير قول الآخر:كأنَّ هِنْدًا ثناياها وَبهْجَتَهَايَوْمَ الْتَقَيْنا عَلى أدْحالِ دَبَّاب (4)أي: كأن ثنايا هند وبهجتها.وقوله: ( وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ) يقول تعالى ذكره: وبدأ خلق آدم من طين

الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ خبر آخر عن اسم الإشارة أو وصف آخر ل { عالم الغيب } [ السجدة : 6 ] ، وهو ارتقاء في الاستدلال مشوبٌ بامتنان على الناس أنْ أحْسنَ خلقهم في جملة إحسان خلق كل شيء وبتخصيص خلق الإنسان بالذكر . والمقصود : أنه الذي خلق كل شيء وخاصة الإنسان خلقاً بعد أن لم يكن شيئاً مذكوراً ، وأخرج أصله من تراب ثم كوَّن فيه نظام النسل من ماء ، فكيف تعجزه إعادة أجزائه .والإحسان : جعل الشي حَسناً ، أي محموداً غير معيب ، وذلك بأن يكون وافياً بالمقصود منه فإنك إذا تأملت الأشياء رأيتها مصنوعة على ما ينبغي؛ فصلابة الأرض مثلاً للسير عليها ، ورقة الهواء ليسهل انتشاقه للتنفس ، وتوجه لهيب النار إلى فوقُ لأنها لو كانت مثل الماء تلتهب يميناً وشمالاً لكثرت الحرائق فأما الهواء فلا يقبل الاحتراق .وقوله { خَلَقَه } قرأه نافع وعاصم وحمزة والكسائي وخلف بصيغة فعل المضي على أن الجملة صفة ل { شيء } أي : كل شيء من الموجودات التي خلقها وهم يعرفون كثيراً منها . وقرأه الباقون بسكون اللام على أنه اسم هو بدل من { كل شيء } بدل اشتمال . وتخلص من هذا الوصف العام إلى خلْق الإنسان لأن في خلقة الإنسان دقائق في ظاهره وباطنه وأعظمها العقل .و { الإنسان أُريد به الجنس ، وبَدْءُ خلقه هو خلق أصله آدم كما في قوله تعالى : { ولقد خلقناكم ثم صوّرناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم } [ الأعراف : 11 ] ، أي : خلقنا أباكم ثم صورناه ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم . ويدل على هذا المعنى هنا قوله : { ثم جَعَل نسله من سلالة } فإن ذلك بُدِىء من أول نسل لآدم وحواء ، وقد تقدم خلْق آدم في سورة البقرة . و { من } في قوله { مِن طِين } ابتدائية .والنسل : الأبناء والذرية . سمي نسلاً لأنه ينسل ، أي : ينفصل من أصله وهو مأخوذ من نَسَلَ الصوفُ والوَبَر إذا سقط عن جلد الحيوان ، وهو من بابي كتب وضرب .
الآية 7 - سورة السجدة: (الذي أحسن كل شيء خلقه ۖ وبدأ خلق الإنسان من طين...)