سورة الشمس: الآية 11 - كذبت ثمود بطغواها...

تفسير الآية 11, سورة الشمس

كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَىٰهَآ

الترجمة الإنجليزية

Kaththabat thamoodu bitaghwaha

تفسير الآية 11

كذَّبت ثمود نبيها ببلوغها الغاية في العصيان، إذ نهض أكثر القبيلة شقاوة لعقر الناقة، فقال لهم رسول الله صالح عليه السلام: احذروا أن تمسوا الناقة بسوء؛ فإنها آية أرسلها الله إليكم، تدل على صدق نبيكم، واحذروا أن تعتدوا على سقيها، فإن لها شِرْب يوم ولكم شِرْب يوم معلوم. فشق عليهم ذلك، فكذبوه فيما توعَّدهم به فنحروها، فأطبق عليهم ربهم العقوبة بجرمهم، فجعلها عليهم على السواء فلم يُفْلِت منهم أحد. ولا يخاف- جلت قدرته- تبعة ما أنزله بهم من شديد العقاب.

«كذَّبت ثمود» رسولها صالحا «بطغواها» بسبب طغيانها.

كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا أي: بسبب طغيانها وترفعها عن الحق، وعتوها على رسل الله

يخبر تعالى عن ثمود أنهم كذبوا رسولهم ، بسبب ما كانوا عليه من الطغيان والبغي .وقال محمد بن كعب : ( بطغواها ) أي : بأجمعها .والأول أولى ، قاله مجاهد وقتادة وغيرهما . فأعقبهم ذلك تكذيبا في قلوبهم بما جاءهم به رسولهم من الهدى واليقين .

وبعد هذا الحديث الطويل المؤكد بالقسم، والدال على وحدانيته، وبديع صنعه.. أتبع ذلك ببيان ما حل بالمكذبين السابقين، ليكون هذا البيان عبرة وعظة للمشركين المعاصرين للنبي، فقال- تعالى-: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها. إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها. فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ناقَةَ اللَّهِ وَسُقْياها. فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها. فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها. وَلا يَخافُ عُقْباها.والمراد بثمود: تلك القبيلة التي أرسل الله- تعالى- إلى أهلها صالحا- عليه السلام- لكي يأمرهم بإخلاص العبادة لله وحده. ومفعول «كذبت» محذوف للعلم به.والباء في قوله «بطغواها» للسببية، والطّغوى: اسم مصدر من الطغيان، وهو مجاوزة الحد المعتاد.أى: كذبت قبيلة ثمود- نبيهم صالحا- عليه السلام بسبب طغيانهم وإفراطهم في الجحود والتكبر والعناد. وقيل: إن الباء للتعدية، والطغوى: اسم للعذاب الذي نزل بهم، والذي توعدهم به نبيهم.أى: كذبت ثمود بعذابها، الذي توعدهم رسولهم به، إذا ما استمروا في كفرهم وطغيانهم.

قوله عز وجل: "كذبت ثمود بطغواها"، بطغيانها وعدوانها، أي الطغيان حملهم على التكذيب.

قوله تعالى : كذبت ثمود بطغواها أي بطغيانها ، وهو خروجها عن الحد في العصيان قاله مجاهد وقتادة وغيرهما . وعن ابن عباس بطغواها أي بعذابها الذي وعدت به . قال : وكان اسم العذاب الذي جاءها الطغوى ; لأنه طغى عليهم . وقال محمد بن كعب : بطغواها بأجمعها . وقيل : هو مصدر ، وخرج على هذا المخرج ; لأنه أشكل برءوس الآي . وقيل : الأصل بطغياها ، إلا أن فعلى إذا كانت من ذوات الياء أبدلت في الاسم واوا ، ليفصل بين الاسم والوصف . وقراءة العامة بفتح الطاء . وقرأ الحسن والجحدري وحماد بن سلمة ( بضم الطاء ) على أنه مصدر كالرجعى والحسنى وشبههما في المصادر . وقيل : هما لغتان .

وقوله: ( كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا ) يقول: كذَّبت ثمود بطغيانها، يعني: بعذابها الذي وعدهموه صالح عليه السلام، فكان ذلك العذاب طاغيا طغى عليهم، كما قال جلّ ثناؤه: فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ .وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وإن كان فيه اختلاف بين أهل التأويل.* ذكر من قال القول الذي قلنا في ذلك:حدثني سعيد بن عمرو السَّكونّي، قال: ثنا الوليد بن سَلَمة الفِلَسْطِينيّ، قال: ثني يزيد بن سمرة المَذحِجيّ عن عطاء الخُراسانيّ، عن ابن عباس، في قول الله: ( كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا ) قال: اسم العذاب الذي جاءها، الطَّغْوَى، فقال: كذّبت ثمود بعذابها.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا ) : أي الطغيان.وقال آخرون: كذّبت ثمود بمعصيتهم الله.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد &; 24-459 &; ( كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا ) قال: معصيتها.حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا ) قال: بغيانهم وبمعصيتهم.وقال آخرون: بل معنى ذلك بأجمعها.* ذكر من قال ذلك:حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يحيى بن أيوب وابن لَهِيعة، عن عُمارة بن غزية، عن محمد ب رفاعة القُرَظِيّ، عن محمد بن كعب، أنه قال: ( كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا ) قال: بأجمعها.حدثني ابن عيد الرحيم الْبَرِقيّ، قال: ثنا ابن أبي مَرْيم، قال: أخبرني يحيى بن أيوب، قال: ثني عمارة بن غزية، عن محمد بن رفاعة القُرَظِيّ، عن محمد بن كعب، مثله.وقيل ( طَغْوَاهَا ) بمعنى: طغيانهم، وهما مصدران للتوفيق بين رءوس الآي، إذ كانت الطغْوَى أشبه بسائر رءوس الآيات في هذه السورة، وذلك نظير قوله: وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ بمعنى: وآخر دعائهم.

كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11) { دساها * كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ * إِذِ انبعث أشقاها * فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ الله } { وسقياها * فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا } .إن كانت جملة { قد أفلح من زكاها } [ الشمس : 9 ] الخ معترضة كانت هذه جواباً للقسم باعتبار ما فرع عليها بقوله : { فدمدم عليهم ربهم بذنبهم } أي حقاً لقد كان ذلك لِذلك ، ولام الجواب محذوف تخفيفاً لاستطالة القسم ، وقد مثلوا لحذف اللام بهذه الآية وهو نظير قوله تعالى : { والسماء ذات البروج } إلى قوله : { قتل أصحاب الأخدود } [ البروج : 1 4 ] .والمقصود : التعريض بتهديد المشركين الذين كذّبوا الرسول طغياناً هم يعلمونه من أنفسهم كما كذبت ثمود رسولهم طغياناً ، وذلك هو المحتاج إلى التأكيد بالقَسَم لأن المشركين لم يهتدوا إلى أن ما حل بثمود من الاستئصال كان لأجل تكذيبهم رسول الله إليهم ، فنبههم الله بهذا ليتدبروا أو لتنزيل علم من علم ذلك منهم منزلة الإِنكار لعدم جَرْي أمرهم على موجَب العلم ، فكأنه قيل : أقسم لَيصيبكم عذابٌ كما أصاب ثمود ، ولقد أصاب المشركين عذاب السيف بأيدي الذين عادَوْهم وآذوهم وأخرجوهم ، وذلك أقسى عليهم وأنكى .فمفعول { كذبت } محذوف لدلالة قوله بعده : { فقال لهم رسول الله } والتقدير : كذبوا رسول الله .وتقدم ذكْر ثمود ورسولهم صالح عليه السلام في سورة الأعراف .وباء { بطغواها } للسببية ، أي كانت طغواها سبب تكذيبهم رسول الله إليهم .والطغوى : اسم مصدر يقال : طغا طَغْوا وطُغياناً ، والطغيان : فرط الكِبر ، وقد تقدم عند قوله تعالى : { ويمدهم في طغيانهم يعمهون } في سورة البقرة ( 15 ) ، وفيه تعريض بتنظير مشركي قريش في تكذيبهم بثمود في أن سبب تكذيبهم هو الطغيان والتكبر عن اتباع من لا يرون له فضلاً عليهم : { وقالوا لولا نزّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } [ الزخرف : 31 ] .و { إذْ } ظرف للزمن الماضي يتعلق ب { طغواها } لأن وقت انبعاث أشقاها لعقر الناقة هو الوقت الذي بدت فيه شدة طغواها فبعثوا أشقاهم لعقر الناقة التي جُعلت لهم آية وذلك منتهى الجُرأة .و { انبعث } : مطاوع بَعَث ، فالمعنى : إذ بعثوا أشقاهم فانبعث وانتدب لذلك . و { إذ } مضاف إلى جملة : { انبعث أشقاها } .وقدم ذكر هذا الظرف عن موقعه بعد قوله : { فقال لهم رسول الله ناقة الله } لأن انبعاث أشقاها لعقر الناقة جُزئي من جزئيات طغواهم فهو أشد تعلقاً بالتكذيب المسبب عن الطغوى ففي تقديمه قضاء لحق هذا الاتصال ، ولإفادة أن انبعاث أشقاهم لعقر الناقة كان عن إغراء منهم إياه ، ولا يفوت مع ذلك أنه وقع بعد أن قال لهم رسول الله ناقة الله ، ويستفاد أيضاً من قوله : { فعقروها } .و { أشقاها } : أشدها شِقوة ، وعني به رجل منهم سماه المفسرون قُدار ( بضم القاف وتخفيف الدال المهملة ) بن سالف ، وزيادته عليهم في الشقاوة بأنه الذي باشر الجريمة وإن كان عن ملإ منهم وإغراء .والفاء من قوله : { فقال لهم رسول الله } عاطفة على { كذبت } فتفيد الترتيب والتعقيب كما هو الغالب فيها ، ويَكون معنى الكلام : كذبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحداهم بآية الناقة وحذَّرهم من التعرض لها بسوء ومِن منعهم شربها في نوبتها من السُّقيا ، وعطف على { فكذبوه } ، أي فيما أنذرهم به فعقروها بالتكذيب المذكور أول مرة غير التكذيب المذكور ثانياً . وهذا يقتضي أن آية الناقة أرسلت لهم بعد أن كذبوا وهو الشأن في آيات الرسل ، وهو ظاهر ما جاء في سورة هود .ويجوز أن تكون الفاء للترتيب الذكري المجرد وهي تفيد عطف مفصل على مجمل مثل قوله تعالى : { فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه } [ البقرة : 36 ] فإن إزلالهما إبعادهما وهو يحصل بعد الإِخراج لا قبله . وقوله : { وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا } [ الأعراف : 4 ] ، فيكون المعنى : كذبت ثمود بطغواها إذ انبعث أشقاها . ثم فُصل ذلك بقوله : { فقال لهم رسول اللَّه } إلى قوله : { فعقروها } ، والعقر عند انبعاث أشقاها ، وعليه فلا ضرورة إلى اعتبار الظرف وهو : { إذ انبعث أشقاها } مقدَّماً من تأخير .وأعيدت عليهم ضمائر الجمع باعتبار أنهم جمع وإن كانت الضمائر قبله مراعىً فيها أن ثمود اسم قبيلة .وانتصب { ناقة اللَّه } على التحذير ، والتقدير : احذروا ناقة الله . والمراد : التحذير من أن يؤذوها ، فالكلام من تعليق الحكم بالذوات ، والمرادُ : أحوالها .وإضافة { ناقة } إلى اسم الجلالة لأنها آية جعلها الله على صدق رسالة صالح عليه السلام ولأن خروجها لهم كان خارقاً للعادة .والسقيا : اسم مصدر سَقى ، وهو معطوف على التحذير ، أي احذروا سقيها ، أي احذروا غصب سقيها ، فالكلام على حذف مضاف ، أو أطلق السقيا على الماء الذي تسقى منه إطلاقاً للمصدر على المفعول فيرجع إلى إضافة الحكم إلى الذات . والمراد : حالة تعرف من المقام ، فإن مادة سقيا تؤذن بأن المراد التحذير من أن يسقوا إبلهم من الماء الذي في يوم نوبتها .والتكذيب المعقب به تحذيره إياهم بقوله : { ناقة اللَّه } ، تكذيب ثاننٍ وهو تكذيبهم بما اقتضاه التحذير من الوعيد . والإِنذار بالعذاب إن لم يحذروا الاعتداء على تلك الناقة ، وهو المصرح به في آية سورة الأعراف ( 73 ) في قوله : { ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم . } وبهذا الاعتبار استقام التعبير عن مقابلة التحذير بالتكذيب مع أن التحذير إنشاء ، فالتكذيب إنما يتوجه إلى ما في التحذير من الإِنذار بالعذاب .والعَقْر : جرح البعير في يديه ليبرك على الأرض من الألم فينحَر في لبته ، فالعقر كناية مشهورة عن النحر لتلازمهما .
الآية 11 - سورة الشمس: (كذبت ثمود بطغواها...)