سورة الشمس: الآية 9 - قد أفلح من زكاها...

تفسير الآية 9, سورة الشمس

قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّىٰهَا

الترجمة الإنجليزية

Qad aflaha man zakkaha

تفسير الآية 9

أقسم الله بالشمس ونهارها وإشراقها ضحى، وبالقمر إذا تبعها في الطلوع والأفول، وبالنهار إذا جلَّى الظلمة وكشفها، وبالليل عندما يغطي الأرض فيكون ما عليها مظلمًا، وبالسماء وبنائها المحكم، وبالأرض وبَسْطها، وبكل نفس وإكمال الله خلقها لأداء مهمتها، فبيَّن لها طريق الشر وطريق الخير، قد فاز مَن طهَّرها ونمَّاها بالخير، وقد خسر مَن أخفى نفسه في المعاصي.

«قد أفلح» حذفت منه اللام لطول الكلام «مَنْ زكَّاها» طهرها من الذنوب.

وقوله: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا أي: طهر نفسه من الذنوب، ونقاها من العيوب، ورقاها بطاعة الله، وعلاها بالعلم النافع والعمل الصالح.

وقوله : ( قد أفلح من زكاها ) يحتمل أن يكون المعنى : قد أفلح من زكى نفسه ، أي : بطاعة الله - كما قال قتادة - وطهرها من الأخلاق الدنيئة والرذائل . ويروى نحوه عن مجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير . وكقوله : ( قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى ) [ الأعلى : 14 ، 15 ] .

وقوله - سبحانه - : ( قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا . وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ) يصح أن يكون جوابا للقسم . والفلاح : الظفر بالمطلوب .والتزكية : التزود من الخير والطاعة ، والحرص على تطهير النفس من كل سوء .

"قد أفلح من زكاها"، وهذا موضع القسم، أي فازت وسعدت نفس زكاها الله، أي أصلحها وطهرها من الذنوب ووفقها للطاعة.

قوله تعالى : قد أفلح من زكاها هذا جواب القسم ، بمعنى : لقد أفلح . قال الزجاج : اللام حذفت ; لأن الكلام طال ، فصار طوله عوضا منها . وقيل : الجواب محذوف أي والشمس وكذا وكذا لتبعثن . الزمخشري : تقديره ليدمدمن الله عليهم أي على أهل مكة ، لتكذيبهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما دمدم على ثمود ; لأنهم كذبوا صالحا . وأما قد أفلح من زكاها فكلام تابع لأوله لقوله : فألهمها فجورها وتقواها على سبيل الاستطراد ، وليس من جواب القسم في شيء . وقيل : هو على التقديم والتأخير بغير حذف والمعنى : قد أفلح من زكاها ، وقد خاب من دساها ، والشمس وضحاها . أفلح فاز . من زكاها أي من زكى الله نفسه بالطاعة .

القول في تأويل قوله تعالى : قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9)قوله: ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ) يقول: قد أفلح من زكَّى الله نفسه، فكثَّر تطهيرها من الكفر والمعاصي، وأصلحها بالصالحات من الأعمال.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ) يقول: قد أفلح من زكَّى اللهُ نفسه.حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن خَصِيفٍ، عن مجاهد وسعيد بن جُبير وعكرِمة: ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ) قالوا: من أصلحها.حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد وسعيد بن جُبير، ولم يذكر عكرِمة.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ) من عمل خيرا زكَّاها بطاعة الله.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ) قال: قد أفلح من زكَّى نفسَه بعمل صالح.حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ) يقول: قد أفلح من زكى اللهُ نفسَه .وهذا هو موضع القسم؛ كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، &; 24-457 &; عن قتادة، قال: قد وقع القسم ها هنا( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ) وقد ذكرتُ ما تقول أهل العربية في ذلك فيما مضى من نظائره قبل.

قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) يجوز أن تكون الجملة جواب القسم ، وإن المعنى تحقيق فلاح المؤمنين وخَيبة المشركين كما جُعل في سورة الليل ( 4 ، 5 ) جوابَ القسم قولْه : { إن سعيكم لشتى فأما من أعطى } الخ .ويجوز أن تكون جملةً معترضة بين القَسم والجواب لمناسبة ذكر إلهام الفجور والتقوى ، أي أفلح من زكّى نفسه واتّبع ما ألهمه الله من التقوى ، وخاب من اختار الفجور بعد أن ألهم التمييز بين الأمرين بالإِدراك والإِرشاد الإلهي .وهذه الجملة توطئة لجملة : { كذبت ثمود بطغواها } [ الشمس : 11 ] فإن ما أصاب ثمودا كان من خيبتهم لأنهم دَسَّوا أنفسهم بالطغوى .وقدم الفلاح على الخيبة لمناسبته للتقوى ، وأردف بخيبة من دسى نفسه لتهيئة الانتقال إلى الموعظة بما حصل لثمود من عقاب على ما هو أثر التدسية .و { مَن } صادقة على الإِنسان ، أي الذي زكى نفسه بأن اختار لها ما به كمالها ودفع الرذائل عنها ، فالإِنسان والنفس شيء واحد ، ونزلا منزلة شيئين باختلاف الإِرادة والاكتساب .والتزكية : الزيادة من الخير .
الآية 9 - سورة الشمس: (قد أفلح من زكاها...)