سورة الشعراء: الآية 17 - أن أرسل معنا بني إسرائيل...

تفسير الآية 17, سورة الشعراء

أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ

الترجمة الإنجليزية

An arsil maAAana banee israeela

تفسير الآية 17

قال الله لموسى: كلا لن يقتلوك، وقد أجبت طلبك في هارون، فاذهبا بالمعجزات الدالة على صدقكما، إنا معكم بالعلم والحفظ والنصرة مستمعون. فأتِيَا فرعون فقولا له: إنا مرسَلان إليك وإلى قومك من رب العالمين: أن اترك بني إسرائيل؛ ليذهبوا معنا.

«أن» أي: بأن «أرسل معنا» إلى الشام «بني إسرائيل» فأتياه فقالا له ما ذكر.

أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فكف عنهم عذابك وارفع عنهم يدك ليعبدوا ربهم ويقيموا أمر دينهم.

( أن أرسل معنا بني إسرائيل ) أي : أطلقهم من إسارك وقبضتك وقهرك وتعذيبك ، فإنهم عباد الله المؤمنون ، وحزبه المخلصون ، وهم معك في العذاب المهين . فلما قال له موسى ذلك أعرض فرعون عما هنالك بالكلية ، ونظر بعين الازدراء والغمص فقال :

و «أن» في قوله أَنْ أَرْسِلْ مفسرة. لتضمن الإرسال المفهوم من الرسول معنى القول.أى: اذهبا وأنتما متسلحان بآياتنا الدالة على صدقكما، فنحن معكم برعايتنا وقدرتنا.فأتيا فرعون بدون خوف أو وجل منه قُولا له بكل شجاعة وجراءةنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ أى: رب جميع العوالم التي من بينها عالم الجن. وعالم الملائكة.وقد أرسلنا- سبحانه- إليك، لكي تطلق سراح بنى إسرائيل من ظلمك وبغيك، وتتركهم يذهبون معنا إلى أرض الله الواسعة لكي يعبدوا الله- تعالى- وحده.قال الآلوسى: «وإفراد الرسول في قوله نَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَلأنه مصدر بحسب الأصل، وصف به كما يوصف بغيره من المصادر للمبالغة، كرجل عدل.. أو لوحدة المرسل أو المرسل به- أى: لأنهما ذهبا برسالة واحدة وفي مهمة واحدة» .وإلى هنا تكون الآيات الكريمة قد قصت علينا، ما أمر الله- تعالى- به نبيه موسى- عليه السلام- وما زوده به- سبحانه- من إرشاد وتعليم، بعد أن التمس منه- سبحانه- العون والتأييد.ثم حكى- سبحانه- بعد ذلك ما دار بين موسى وفرعون من محاورات فقال- تعالى-

( أن أرسل ) أي : بأن أرسل ( معنا بني إسرائيل ) إلى فلسطين ، ولا تستعبدهم ، وكان فرعون استعبدهم أربعمائة سنة ، وكانوا في ذلك الوقت ستمائة وثلاثين ألفا ، فانطلق موسى إلى مصر وهارون بها فأخبره بذلك .وفي القصة أن موسى رجع إلى مصر وعليه جبة صوف وفي يده عصا ، والمكتل معلق في رأس العصا ، وفيه زاده ، فدخل دار نفسه وأخبر هارون بأن الله أرسلني إلى فرعون وأرسلني إليك حين تدعو فرعون إلى الله ، فخرجت أمهما وصاحت وقالت : إن فرعون يطلبك ليقتلك فلو ذهبتما إليه قتلكما فلم يمتنع موسى لقولها ، وذهبا إلى باب فرعون ليلا ودقا الباب ، ففزع البوابون وقالوا : من بالباب ؟ وروي أنه اطلع البواب عليهما فقال : من أنتما ؟ فقال موسى : أنا رسول رب العالمين ، فذهب البواب إلى فرعون وقال : إن مجنونا بالباب يزعم أنه رسول رب العالمين ، فترك حتى أصبح ، ثم دعاهما . وروي أنهما انطلقا جميعا إلى فرعون فلم يؤذن لهما سنة في الدخول عليه ، فدخل البواب فقال لفرعون : هاهنا إنسان يزعم أنه رسول رب العالمين ، فقال فرعون : ائذن له لعلنا نضحك منه ، فدخلا عليه وأديا رسالة الله - عز وجل - ، فعرف فرعون موسى لأنه نشأ في بيته .

أن أرسل معنا بني إسرائيل أي أطلقهم وخل سبيلهم حتى يسيروا معنا إلى فلسطين ولا تستعبدهم ; وكان فرعون استعبدهم أربعمائة سنة ، وكانوا في ذلك الوقت ستمائة ألف وثلاثين ألفا . فانطلقا إلى فرعون فلم يؤذن لهما سنة في الدخول عليه ، فدخل البواب على فرعون فقال : هاهنا إنسان يزعم أنه رسول رب العالمين . فقال فرعون : ايذن له لعلنا نضحك منه ; فدخلا عليه وأديا الرسالة . وروى وهب وغيره : أنهما لما دخلا على فرعون وجداه وقد أخرج سباعا من أسد ونمور وفهود يتفرج عليها ، فخاف سواسها أن تبطش بموسى وهارون ، فأسرعوا إليها ، وأسرعت السباع إلى موسى وهارون ، فأقبلت تلحس أقدامهما ، وتبصبص إليهما بأذنابها ، وتلصق خدودها بفخذيهما ، فعجب فرعون من ذلك فقال : ما أنتما ؟ قالا : إنا رسول رب العالمين فعرف موسى لأنه نشأ في بيته ،

أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ

أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17{ كلاَّ } حرف إبطال . وتقدم في قوله تعالى : { كلا سنكتب ما يقول } في سورة [ مريم : 79 ] . والإبطال لقوله : { فأخاف أن يقتلون } [ الشعراء : 14 ] ، أي لا يقتلونك . وفي هذا الإبطال استجابة لما تضمنه التعريض بالدعاء حين قال : { وَلَهم عليَّ ذنب فأخاف أن يقتلون } [ الشعراء : 14 ] .وقوله : { فاذهبا بآياتنا } تفريع على مُفاد كلمة { كلاّ } . والأمر لموسى أن يذهبَ هو وهارُون يقتضي أن موسى مأمور بإبلاغ هارون ذلك فكان موسَى رسولاً إلى هارون بالنبوءة . ولذلك جاء في التوراة أن موسى أبلغَ أخاه هارون ذلك عندما تلقّاه في حوريب إذ أوحى الله إلى هارون أن يتلقاه ، والباء للمصاحبة ، أي مصاحبَيْن لآياتنا ، وهو وعد بالتأييد بمعجزات تظهر عند الحاجة . ومن الآيات : العصا التي انقلبت حية عند المناجاة ، وكذلك بياض يده كما في آية سورة [ طه : 17 ] { وما تلك بيمينك يا موسى } الآيات .وجملة : { إنا معكم مستمعون } مستأنفة استئنافاً بيانياً لأن أمرهما بالذهاب إلى فرعون يثير في النفس أن يتعامى فرعون عن الآيات ولا يَرعوي عند رؤيتها عن إلحاق أذى بهما فأجيب بأن الله معهما ومستمع لكلامهما وما يجيب فرعونُ به . وهذا كناية عن عدم إهمال تأييدهما وكفِّ فرعون عن أذاهما . فضمير { معكم } عائد إلى موسى وهارون وقوم فرعون . والمعية معية علم كالتي في قوله تعالى : { إلاّ هو معهم أين ما كانوا } [ المجادلة : 7 ] .و { مستمعون } أشدّ مبالغة من ( سامعون ) لأن أصل الاستماع أنه تكلف السماع والتكلف كناية عن الاعتناء ، فأريد هنا علم خاص بما يجري بينها وبين فرعون وملئه وهو العلم الذي توافقه العناية واللطف .والجمع بين قوله : { بآياتنا } وقوله : { إنا معكم مستمعون } تأكيد للطمأنة ورباطة لجأشهما .والرسول : فَعُول بمعنى مُفعَل ، أي مُرسل . والأصل فيه مطابقة موصوفه ، بخلاف فعول بمعنى فاعل فحقه عدم المطابقة سماعاً ، وفعول بمعنى اسم المفعول قليل في كلامهم ومنه : بقرة ذَلول ، وقولهم : صَبُوح ، لما يشرب في الصباح ، وغبوق ، لما يشرب في العشي ، والنَّشوق ، لما ينشق من دواء ونحوه . ولكن رسول يجوز فيه أن يُجرى مجرى المصدر فلا يطابق ما يجري عليه في تأنيث وما عدا الإفراد ، وورد في كلامهم بالوجهين تارة مُلازماً الإفراد والتذكير كما في هذه الآية ، وورد مطابقاً كما في قوله تعالى : { فقولا إنّا رسولا ربك } في سورة [ طَه : 47 ] ، فذهب الجوهري إلى أنه مشترك بين كونه اسماً بمعنى مَفعول وبين كونه اسم مصدر ولم يجعله مصدراً إذ لا يعرف فعول مصدراً لغير الثلاثي ، واحتج بقول الأشْعَر الجعفي :ألاَ أَبلِغ بني عَمرو رسولاً ... بأني عن فُتاحتِكُم غَنِيُّ[ الفتاحة : الحكم ] . وتبعه الزمخشري في هذه الآية إذ قال : الرسول يكون بمعنى المرسَل وبمعنى الرسالة فجُعل ثَمَّ ( أي في قوله : { إنا رسولا ربّك } في سورة [ طه : 47 ] ) بمعنى المرْسَل ، وجُعل هنا بمعنى الرسالة .وقد قال أبو ذؤيب الهذلي :ألِكْنِي إليها وخير الرسُو ... ل أعلَمُهُم بنواحي الخبرفهل من ريبة في أن ضمير الرسول في البيت مراد به المرسلون . وتصريح النحاة بأن فَعولاً الذي بمعنى المفعول يجوز إجراؤه على حالة المتّصِففِ به من التذكير والتأنيث فيجوز أن تقول : ناقَة رَكُوبة ورَكُوب ، يقتضي أن التثنية والجمعَ فيه مثل التأنيث . وقد تقدمت الإشارة إلى هذا في سورة طه وأحلنا تحقيقه على ما هنا .ومبادأة خطابهما فرعونَ بأن وصفا الله بصفة ربّ العالمين مجابهة لفرعون بأنه مربوب وليس بربّ ، وإثبات ربوبية الله تعالى للعالمين . والنفي يقتضي وحدانية الله تعالى لأن العالمين شامل جميعَ الكائِنات فيشمل معبودات القبط كالشمس وغيرها ، فهذه كلمة جامعة لما يجب اعتقاده يومئذ .وجملة : { أن أرسل معنا بني إسرائيل } تفسيرية لما تضمنه { رسُول } من الرسالة التي هي في معنى القول ، أي هذا قول ربّ العالمين لك . و { أَرْسِل معنا } أَطلِقْ ولا تحبسهم ، فالإرسال هنا ليس بمعنى التوجيه . وهذا الكلام يتضمن أن موسى أُمر بإخراج بني إسرائيل من بلاد الفراعنة لقصد تحريرهم من استعباد المصريين كما سيأتي عند قوله تعالى : { أن عبَّدْتَ بني إسرائيل } [ الشعراء : 22 ] ، وقد تقدم في سورة البقرة بيان أسباب سكنى بني إسرائيل بأرض مصر ومواطنهم بها وعملهم لفرعون .
الآية 17 - سورة الشعراء: (أن أرسل معنا بني إسرائيل...)