سورة الشورى: الآية 7 - وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا...

تفسير الآية 7, سورة الشورى

وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۚ فَرِيقٌ فِى ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِى ٱلسَّعِيرِ

الترجمة الإنجليزية

Wakathalika awhayna ilayka quranan AAarabiyyan litunthira omma alqura waman hawlaha watunthira yawma aljamAAi la rayba feehi fareequn fee aljannati wafareequn fee alssaAAeeri

تفسير الآية 7

وكما أوحينا إلى الأنبياء قبلك أوحَيْنا إليك قرآنا عربيًّا؛ لتنذر أهل "مكة" ومَن حولها مِن سائر الناس، وتنذر عذاب يوم الجمع، وهو يوم القيامة، لا شك في مجيئه. الناس فيه فريقان: فريق في الجنة، وهم الذين آمنوا بالله واتبعوا ما جاءهم به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ومنهم فريق في النار المستعرة، وهم الذين كفروا بالله، وخالفوا ما جاءهم به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.

«وكذلك» مثل ذلك الإيحاء «أوحينا إليك قرآناً عربيا لتنذر» تخوّف «أم القرى ومن حولها» أي أهل مكة وسائر الناس «وتنذر» الناس «يوم الجمع» يوم القيامة فيه الخلائق «لا ريب» شك «فيه فريق» منهم «في الجنة وفريقٌ في السعير» النار.

ثم ذكر منته على رسوله وعلى الناس، حيث أنزل الله قُرْآنًا عَرَبِيًّا بين الألفاظ والمعاني لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وهي مكة المكرمة وَمَنْ حَوْلَهَا من قرى العرب، ثم يسري هذا الإنذار إلى سائر الخلق. وَتُنْذِرَ الناس يَوْمَ الْجَمْعِ الذي يجمع الله به الأولين والآخرين، وتخبرهم أنه لَا رَيْبَ فِيهِ وأن الخلق ينقسمون فيه فريقين فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وهم الذين آمنوا بالله، وصدقوا المرسلين، وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ وهم أصناف الكفرة المكذبين.

يقول تعالى : وكما أوحينا إلى الأنبياء قبلك ، ( أوحينا إليك قرآنا عربيا ) أي : واضحا جليا بينا ، ( لتنذر أم القرى ) وهي مكة ، ( ومن حولها ) أي : من سائر البلاد شرقا وغربا ، وسميت مكة " أم القرى " ; لأنها أشرف من سائر البلاد ، لأدلة كثيرة مذكورة في مواضعها . ومن أوجز ذلك وأدله ما قال الإمام أحمد :حدثنا أبو اليمان ، حدثنا شعيب ، عن الزهري ، أخبرنا أبو سلمة بن عبد الرحمن أن عبد الله بن عدي بن الحمراء الزهري أخبره : أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول - وهو واقف بالحزورة في سوق مكة - : " والله ، إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت " .وهكذا رواية الترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ، من حديث الزهري ، به وقال الترمذي : حسن صحيح .وقوله : ( وتنذر يوم الجمع ) ، وهو يوم القيامة ، يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد .وقوله : ( لا ريب فيه ) أي : لا شك في وقوعه ، وأنه كائن لا محالة . وقوله : ( فريق في الجنة وفريق في السعير ) ، كقوله : ( يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ) [ التغابن : 9 ] أي : يغبن أهل الجنة أهل النار ، وكقوله تعالى : ( ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود وما نؤخره إلا لأجل معدود يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد ) [ هود : 103 - 105 ] .قال الإمام أحمد : حدثنا هاشم بن القاسم ، حدثنا ليث ، حدثني أبو قبيل المعافري ، عن شفي الأصبحي ، عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال : خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي يده كتابان ، فقال : " أتدرون ما هذان الكتابان ؟ " قال : قلنا : لا إلا أن تخبرنا يا رسول الله قال للذي في يده اليمنى : " هذا كتاب من رب العالمين ، بأسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم ، ثم أجمل على آخرهم - لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا " ثم قال للذي في يساره : " هذا كتاب أهل النار بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم ، ثم أجمل على آخرهم - لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا " فقال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فلأي شيء إذا نعمل إن كان هذا أمرا قد فرغ منه ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " سددوا وقاربوا ، فإن صاحب الجنة يختم له بعمل الجنة ، وإن عمل أي عمل ، وإن صاحب النار يختم له بعمل النار ، وإن عمل أي عمل " ثم قال بيده فقبضها ، ثم قال : " فرغ ربكم عز وجل من العباد " ثم قال باليمنى فنبذ بها فقال : " فريق في الجنة " ، ونبذ باليسرى فقال : " فريق في السعير "وهكذا رواه الترمذي والنسائي جميعا ، عن قتيبة عن الليث بن سعد وبكر بن مضر ، كلاهما عن أبي قبيل ، عن شفي بن ماتع الأصبحي ، عن عبد الله بن عمرو ، به .وقال الترمذي : حسن صحيح غريب .وساقه البغوي في تفسيره من طريق بشر بن بكر ، عن سعيد بن عثمان ، عن أبي الزاهرية ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكره بنحوه . وعنده زيادات منها : ثم قال : " فريق في الجنة وفريق في السعير ، عدل من الله عز وجل " .ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه ، عن عبد الله بن صالح - كاتب الليث - عن الليث ، به .ورواه ابن جرير عن يونس ، عن ابن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن أبي قبيل ، عن شفي ، عن رجل من الصحابة ، فذكره .ثم روي عن يونس ، عن ابن وهب ، عن عمرو بن الحارث وحيوة بن شريح ، عن يحيى بن أبي أسيد ; أن أبا فراس حدثه : أنه سمع عبد الله بن عمرو يقول : إن الله لما خلق آدم نفضه نفض المزود ، وأخرج منه كل ذريته ، فخرج أمثال النغف ، فقبضهم قبضتين ، ثم قال : شقي وسعيد ، ثم ألقاهما ، ثم قبضهما فقال : ( فريق في الجنة ، وفريق في السعير .وهذا الموقوف أشبه بالصواب ، والله أعلم .وقال الإمام أحمد ، رحمه الله : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا حماد - يعني ابن سلمة - أخبرنا الجريري ، عن أبي نضرة ، أن رجلا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يقال له : أبو عبد الله - دخل عليه أصحابه يعودونه وهو يبكي ، فقالوا له : ما يبكيك ؟ ألم يقل لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " خذ من شاربك ثم أقره حتى تلقاني " قال : بلى ، ولكن سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن الله قبض بيمينه قبضة ، وأخرى باليد الأخرى ، قال : هذه لهذه ، وهذه لهذه ولا أبالي " فلا أدري في أي القبضتين أنا .وأحاديث القدر في الصحاح والسنن والمسانيد كثيرة جدا ، منها حديث علي ، وابن مسعود ، وعائشة ، وجماعة جمة .

والكاف في قوله- تعالى-: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا.. في محل نصب على المصدرية، واسم الإشارة يعود إلى مصدر أَوْحَيْنا.أى: ومثل ذلك الإيحاء البديع الواضح، أوحينا إليك- أيها الرسول الكريم- قرآنا عربيا، لا لبس فيه ولا غموض.وقوله- سبحانه- لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها تعليل لهذا الإيحاء. والمراد بأم القرى: أهلها.وسميت مكة بأم القرى، لأنها مكان أول بيت وضع للناس، ولأنها قبلة أهل القرى كلها ومحجهم، ولأنها أعظم القرى شأنا وغيرها كالتبع لها، كما يتبع الفرع الأصل، أى: أوحينا إليك هذا القرآن لتنذر به أهل أم القرى، ولتنذر به- أيضا- من حولها من أهل القرى الأخرى.وخص أهل أم القرى ومن حولها بالذكر في الإنذار، لأنهم أقرب الناس إليه صلّى الله عليه وسلّم كما قال- تعالى- في آية أخرى وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ.وليس معنى هذا التخصيص أن رسالته صلّى الله عليه وسلّم كانت إليهم وحدهم، لأن هناك آيات أخرى كثيرة قد صرحت بأن رسالته صلّى الله عليه وسلّم كانت إلى الناس كافة، ومن هذه الآيات:وقوله- تعالى-: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً وقوله- سبحانه-:وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ وقوله- عز وجل-: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ.فهذه الآيات وغيرها تنطق وتشهد بأن رسالته صلّى الله عليه وسلّم كانت للناس جميعا، بل للإنس وللجن، كما يشير إلى ذلك قوله- تعالى-: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا، فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ.وجملة وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ معطوفة على ما قبلها. والمراد بيوم الجمع: يوم القيامة، لأنه اليوم الذي يجتمع فيه الأولون والآخرون بين يدي الله- تعالى- للحساب والجزاء، والثواب والعقاب.أى: أوحينا إليك هذا القرآن لتنذر به أهل مكة ومن حولها، وتنذر الناس جميعا وتخوفهم من أهوال يوم القيامة، الذي يجتمع فيه الخلائق للحساب.وقوله: لا رَيْبَ فِيهِ كلام معترض لتقرير ما قبله وتأكيده، أو صلة ليوم الجمع.وقوله: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ بيان للنتيجة التي ترتبت على هذا الإنذار.أى: بعد هذا الإنذار الذي أنذرته للناس- أيها الرسول الكريم- هناك فريق آمن بك وصدقك فكان مصيره إلى الجنة، وهناك فريق أعرض عنك وكذبك، فكان مصيره إلى النار.

( وكذلك ) مثل ما ذكرنا ، ( أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ) مكة ، يعني : أهلها ، ( ومن حولها ) يعني قرى الأرض كلها ، ( وتنذر يوم الجمع ) أي : تنذرهم بيوم الجمع وهو يوم القيامة يجمع الله الأولين والآخرين وأهل السماوات وأهل الأرضين ( لا ريب فيه ) لا شك في الجمع أنه كائن ثم بعد الجمع يتفرقون . ( فريق في الجنة وفريق في السعير ) .أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، حدثنا أبو منصور الخشماذي ، حدثنا أبو العباس الأصم ، حدثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان التنوخي ، حدثنا بشر بن بكر ، حدثني سعيد بن عثمان عن أبي الزاهر ، حدثنا جرير بن كريب عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال الثعلبي : وأخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه الدينوري ، حدثنا أبو بكر بن مالك القطيعي ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، حدثنا هاشم بن القاسم ، حدثنا ليث ، حدثني أبو قبيل المعافري عن شفي الأصبحي عن عبد الله بن عمرو قال : خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم قابضا على كفيه ومعه كتابان ، فقال : " أتدرون ما هذان الكتابان ؟ " قلنا : لا يا رسول الله ، فقال للذي في يده اليمنى : هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وعشائرهم وعدتهم قبل أن يستقروا نطفا في الأصلاب ، وقبل أن يستقروا نطفا في الأرحام إذ هم في الطينة منجدلون فليس بزائد فيهم ولا ناقص منهم ، إجمال من الله عليهم إلى يوم القيامة . ثم قال للذي في يساره : هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وعشائرهم وعدتهم قبل أن يستقروا نطفا في الأصلاب ، وقبل أن يستقروا نطفا في الأرحام إذ هم في الطينة منجدلون ، فليس بزائد فيهم ولا بناقص منهم ، إجمال من الله عليهم إلى يوم القيامة . فقال عبد الله بن عمرو : ففيم العمل إذا يا رسول الله ؟ فقال : " اعملوا وسددوا وقاربوا ، فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة ، وإن عمل أي عمل ، وإن صاحب النار يختم له بعمل أهل النار وإن عمل أي عمل . ثم قال : " فريق في الجنة " فضل من الله ، " وفريق في السعير " عدل من الله عز وجل " .

قوله تعالى : وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير .قوله تعالى : وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا أي وكما أوحينا إليك وإلى من قبلك هذه المعاني فكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا بيناه بلغة العرب . قيل : أي : أنزلنا عليك قرآنا عربيا بلسان قومك ، كما أرسلنا كل رسول بلسان قومه . والمعنى واحد . لتنذر أم القرى يعني مكة . قيل لمكة أم القرى لأن الأرض دحيت من تحتها . ومن حولها من سائر الخلق . وتنذر يوم الجمع أي بيوم الجمع ، وهو يوم القيامة . لا ريب فيه لا شك فيه . ( فريق في الجنة وفريق في السعير ) : ابتداء وخبر . وأجاز الكسائي النصب على تقدير : لتنذر فريقا في الجنة وفريقا في السعير .

القول في تأويل قوله تعالى : وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7)يقول تعالى ذكره: وهكذا( أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ) يا محمد ( قُرْآنًا عَرَبِيًّا ) بلسان العرب, لأن الذين أرسلتك إليهم قوم عرب, فأوحينا إليك هذا القرآن بألسنتهم, ليفهموا ما فيه من حجج الله وذكره, لأنا لا نرسل رسولا إلا بلسان قومه, ليبين لهم ( لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى ) وهي مكة ( وَمَنْ حَوْلَهَا ) يقول: ومن حول أم القرى من سائر الناس.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: ( لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى ) قال: مكة.وقوله: ( وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ ) يقول عزّ وجلّ: وتنذر عقاب الله في يوم الجمع عباده لموقف الحساب والعرض. وقيل: وتنذر يوم الجمع, والمعنى: وتنذرهم يوم الجمع, كما قيل: يخوّف أولياءه, والمعنى: يخوّفكم أولياءه.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ ) قال: يوم القيامة.وقوله: ( لا رَيْبَ فِيهِ ) يقول: لا شكّ فيه.وقوله: ( فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ) يقول: منهم فريق في الجنة, وهم الذين آمنوا بالله واتبعوا ما جاءهم به رسوله ( وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ) يقول: ومنهم فريق في الموقدة من نار الله المسعورة على أهلها, وهم الذين كفروا بالله, وخالفوا ما جاءهم به رسوله.وقد حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني عمرو بن الحارث, عن أبي قبيل المعافريّ, عن شفيّ الأصبحيّ, عن رجل من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, قال: " خرج علينا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وفى يده كتابان, فقال: " هل تدرون ما هذا؟" فقلنا: لا إلا أن تخبرنا يا رسول الله, قال: " هَذَا كِتابٌ مِنْ رَبّ العَالمِينَ, فِيهِ أسْمَاءُ أهْلِ الجَنَّة, وأسْمَاءُ آبائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ", ثُمَّ أجْمَلَ (2) على آخِرِهِمْ, فَلا يُزَاد فِيهِمْ وَلا يُنْقَصُ مِنْهُمْ أبَدًا, وهَذَا كِتَابُ أهْلِ النَّارِ بأسْمائِهِمْ وأسْمَاءِ آبَائِهِمْ", ثُمَّ أجْمَلَ على آخِرِهِمْ," فَلا يُزَادُ ولا يُنْقَصُ مِنْهُمْ أبَدًا ", قال أصحاب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ففيم إذن نعمل إن كان هذا أمر قد فُرغ منه؟ فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " بَلْ سَدِّدُوا وقَارِبُوا, فإنَّ صَاحبَ الجَنَّة يُخْتَمُ لَهُ بعَمَلِ الْجَنَّةِ وإنْ عَمِلَ أيَّ عَمَلٍ, وَصَاحِبُ النَّارِ يُخْتَمُ لَه بعَمَلِ النَّارِ وإنْ عَمِلَ أيَّ عَمَلٍ, فَرَغَ رَبُّكُمْ مِنَ العِبَادِ" ثم قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بيديه فنبذهما: " فَرَغَ رَبُّكُمْ مِنَ الخَلْقِ, فَرِيقٌ في الجَنَّةِ, وفَرِيقٌ في السَّعِيرِ" قالوا: سبحان الله, فلم نعمل وننصب؟ فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " العَمَلُ إلى خَوَاتِمِهِ".حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني عمرو بن الحارث وحيوة بن شريح, عن يحيى بن أبي أسيد, أن أبا فراس حدثه أنه سمع عبد الله بن عمرو يقول: إن الله تعالى ذكره لما خلق آدم نفضه نفض المزود, فأخرج منه كلّ ذرية, فخرج أمثال النغف, فقبضهم قبضتين, ثم قال: شقي وسعيد, ثم ألقاهما, ثم قبضهما فقال : ( فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ )".قال: أخبرني عمرو بن الحارث, عن أبي شُبُّويه, حدثه عن ابن حجيرة أنه بلغه أن موسى قال: يا ربّ خلقك الذين خلقتهم, جعلت منهم فريقا في الجنة, وفريقا في السعير, لو ما أدخلتهم كلهم الجنة قال: يا موسى ارفع زرعك, فرفع, قال: قد رفعت, قال: ارفع, فرفع, فلم يترك شيئا, قال: يا رب قد رفعت, قال: ارفع, قال: قد رفعت إلا ما لا خير فيه, قال: كذلك أدخل خلقي كلهم الجنة إلا ما لا خير فيه. وقيل: ( فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ) فرفع. وقد تقدم الكلام قبل ذلك بقوله: ( لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا ) بالنصب, لأنه أريد به الابتداء, كما يقال: رأيت العسكر مقتول أو منهزم, بمعنى: منهم مقتول, ومنهم منهزم.------------------------الهوامش:(2) أجمل : أي ذكر جملة عددهم في آخر الكتاب .

وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7)عطف على جملة { كذلك يُوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله } [ الشورى : 3 ] الخ باعتبار المغايرة بين المعطوفة والمعطوف عليها بما في المعطوفة من كون المُوحَى به قرآناً عربيّاً ، وما في المعطوف عليها من كونه من نوع ما أوحي به إلى الذين من قبله . والقول في { وكذلك أوحينا } كالقول في { كذلك يوحِي إليك } [ الشورى : 3 ] .وإنّما أعيد { وكذلك أوحينا } ليبنى عليه { قرآناً عربياً } لِما حجز بينهما من الفصل وأصل النظم : كذلك يوحي إليك الله العزيز الحكيم قرآناً عربياً مع ما حصل بتلك الإعادة من التأكيد لتقرير ذلك المعنى أفضل تقرير .والعدول عن ضمير الغائب إلى ضمير العظمة التفات . وفي هذا إشارة إلى أنه لا فرق بين ما أوحي إليك وما أوحي إلى مَن قبلك ، إلا اختلاف اللّغات كما قال تعالى : { وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم } [ إبراهيم : 4 ] .والقرآن مصدر : قرأ ، مثل : غُفران وسُبحان ، وأطلق هنا على المقروء مبالغة في الاتصاف بالمقروئية لكثرة ما يقرأه القارئون وذلك لحسنه وفائدته ، فقد تضمن هذا الاسم معنى الكمال بين المقروءات . و { عربياً } نسبة إلى العربية ، أي لغة العرب لأنّ كونه قرآناً يدلّ على أنه كلام ، فوصفه بكونه { عربياً } يفيد أنه كلام عربي .وقوله : { لتنذر أم القرى ومن حولها } تعليل ل { أوحينا إليك قرآناً عربياً } لأن كونه عربيّاً يليق بحال المنذَرين به وهم أهل مكّة ومَن حولها ، فأولئك هم المخاطبون بالدِّين ابتداء لما اقتضته الحكمة الإلهية من اختيار الأمة العربية لتكون أوّل من يتلقّى الإسلام وينشره بين الأمم ، ولو روعي فيه جميع الأمم المخاطبين بدعوة الإسلام لاقتضى أن ينزل بلغات لا تُحصى ، فلا جرم اختار الله له أفضل اللّغات واختار إنزاله على أفضل البشر .و { أم القرى } مكّة ، وكنيت : أم القرى لأنها أقدم المدن العربية فدعاها العرب : أم القرى ، لأن الأم تطلق على أصل الشيء مثل : أم الرأس ، وعلى مرجعه مثل قولهم للراية : أم الحرب ، وقولهم : أم الطريق ، للطريق العظيم الذي حوله طرق صغار . ثم إن إنذار أم القرى يقتضي إنذار بقية القُرى بالأحرى ، قال تعالى : { وما كان ربّك مهلك القرى حتى يبعث في أمّها رسولاً } [ القصص : 59 ] ، وتقدم في قوله تعالى : { ولتنذر أم القرى } في سورة الأنعام ( 92 ) .والمراد : لتنذر أهلَ أمّ القُرى ، فأطلق اسم البلد على سكانه كقوله تعالى : { واسألْ القريةَ } [ يوسف : 82 ] . وأهل مكّة هم قريش ، وأما من حولها فهم النازلون حولها من القبائل مثل خُزاعة وكنانة ، ومن الذين حولها قريشٌ الظواهر وهم الساكنون خارج مكة في جبالها .والاقتصار على إنذار أمّ القُرى ومن حولها لا يقتضي تخصيص إنذار الرّسول صلى الله عليه وسلم بأهل مكة ومَن حولها ، ولا تخصيص الرّسول صلى الله عليه وسلم بالإنذار دون التبشير للمؤمنين لأن تعليل الفعل بعلة باعثه لا يقتضي أن الفعل المعلّل مخصص بتلك العلّة ولا بمتعلِّقاتها إذ قد يكون للفعل الواحد عللُ باعثة فإن الرّسول صلى الله عليه وسلم بُعث للنّاس كافة ، كما قال تعالى :{ وما أرسلناك إلا كافّة للنّاس بشيراً ونذيراً } [ سبأ : 28 ] . والاقتصار هنا على إنذار أهل مكّة ومَن حولها لأنهم المقصود بالردّ عليهم لإنكارهم رسالة محمد صلى الله عليه وسلموانتصب { أم القرى } على المفعول به لِفعل { تنذر } بتنزيل الفعل منزلة المعدَّى إلى مفعول واحد إذ لم يذكر معه المنذَر منه وهو الذي يكون مفعولاً ثانياً لفعل الإنذار . لأنّ ( أنذر ) يتعدّى إلى مفعولين كقوله تعالى : { فقل أنذرتكم صاعقةً } [ فصلت : 13 ] ، وفي حديث الدجال : « مَا من نبيء إلاّ أنذَر قومَه » . فالمعنى : لتنذر أهل القرى ومن حولها ما يُنذرونه من العذاب في الدّنيا والآخرة .وقولُه : { وتنذر يوم الجمع } أعيد فعل { تنذر } لزيادة تهويل أمر يوم الجمع لأن تخصيصه بالذكر بعد عموم الإنذار يقتضي تهويله ، ولأن تعدية فعل { وتنذر } إلى { يوم الجمع } تعدية مخالفة لإنذار أم القرى لأن { يوم الجمع } مفعول ثان لفعل { وتنذر } ، أي وتنذر الناس يوم الجمع ، فمفعول { وتنذر } الثاني هو المنذر به ومفعول { لتنذر } الأول هو المنذر .وانتصب { يوم الجمع } على أنّه مفعول ثاننٍ لفعل { تنذر } وحذف مفعوله الأول لدلالة ما تقدم عليه ، أي وتنذرهم ، أي أهل أم القرى يومَ الجمع بالخصوص كقوله { وأنذرهم يوم الآزفة } [ غافر : 18 ] .ويومُ الجمع : يومُ القيامة ، سمي { يوم الجمع } لأن الخلائق تُجمَع فيه للحساب ، قال تعالى : { يوم يجمعكم ليوم الجمع } [ التغابن : 9 ] .والجمع مصدر ، ويجوز أن يكون اسماً للمجتمعين كقوله تعالى : { هذا فَوْجٌ مقتحمٌ معكم } [ ص : 59 ] ، أي يوم جماعة النّاس كلهم .وجملة { فريق في الجنة } مستأنفة استئنافاً بيانياً ، وعطفت عليها جملة { وفريق في السعير } فكان الجملتان جواباً لسؤال سائل عن شأن هذا الجمع إن كان بمعنى المصدر . فقيل : فريق في الجنّة وفريق في السعير ، أي فريق من المجموعين بهذا الجمع في الجنّة وفريق في السعير ، أو لسؤال سائل عن حال هذا الجمع إن كان الجمعُ بمعنى المجموعين . والتقدير : فريق منهم في الجنّة وفريق منهم في السعير . وتقدم السعير عند قوله تعالى : { كُلَّمَا خبت زدناهم سعيراً } في سورة الإسراء ( 97 ) . وسوغ الابتداء ب { فريق } وهو نكرة لوقوعها في معرض التفصيل كقول امرىء القيس: ... فأقبلتُ زحفاً على الركبتينفثوبٌ لبِستُ وثوبٌ أَجُرّ ... وجملة { لا ريب فيه } معترضة بين البيان والمبيَّن . ومعنى { لا ريب فيه } أن دلائله تنفي الشك في أنه سيقع فنزّل ريب المرتابين في منزلة العدم لأن موجبات اليقين بوقوعه بينة كقوله تعالى : { ذلك الكتاب لا ريب فيه } في سورة البقرة ( 2 ) . وظرفية الريب المنفي في ضمير اليوم في قوله : لا ريب فيه } من باب إيقاع الفعل ونحوه على اسم الذات ، والمراد : إيقاعه على بعض أحوالها التي يدل عليها المقام مثل { حُرِّمت عليكم الميتة } [ المائدة : 3 ] ، أي أكلُها ، أي لا ريبَ في وقوعه . وجملة { فريق في الجنة } الخ معترضة و { فريق } خبر مبتدأ محذوف على طريقة الحذف المتابع فيه الاستعمال كما سماه السكاكي ، أي هم فريق في الجنّة الخ .
الآية 7 - سورة الشورى: (وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه ۚ فريق في الجنة...)