سورة الطارق: الآية 4 - إن كل نفس لما عليها...

تفسير الآية 4, سورة الطارق

إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ

الترجمة الإنجليزية

In kullu nafsin lamma AAalayha hafithun

تفسير الآية 4

أقسم الله سبحانه بالسماء والنجم الذي يطرق ليلا وما أدراك ما عِظَمُ هذا النجم؟ هو النجم المضيء المتوهِّج. ما كل نفس إلا أوكل بها مَلَك رقيب يحفظ عليها أعمالها لتحاسب عليها يوم القيامة.

«إن كل نفس لمَا عليها حافظ» بتخفيف ما فهي مزيدة وإن مخففة من الثقيلة واسمها محذوف، أي إنه واللام فارقة وبتشديدها فإن نافية ولما بمعنى إلا والحافظ من الملائكة يحفظ عملها من خير وشر.

والمقسم عليه قوله: إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ يحفظ عليها أعمالها الصالحة والسيئة، وستجازى بعملها المحفوظ عليها.

وقوله : ( إن كل نفس لما عليها حافظ ) أي : كل نفس عليها من الله حافظ يحرسها من الآفات ، كما قال تعالى : ( له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله ) الآية [ الرعد : 11 ] .

وقوله- سبحانه-: إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ جواب القسم وما بينهما كلام معترض لتفخيم شأن المقسم به.. والحافظ: هو الذي يحفظ ما كلف بحفظه، لمقصد معين.أى: وحق السماء البديعة الصنع، وحق النجم الذي يطلع فيها فيبدد ظلام الليل، ما كل نفس من الأنفس إلا وعليها من الملائكة من يحفظ عملها ويسجله، سواء أكان هذا العمل خيرا أم شرا.قال الإمام الشوكانى ما ملخصه: قرأ الجمهور بتخفيف الميم في قوله: لما، فتكون «إن» مخففة من الثقيلة، فيها ضمير الشأن المقدر، وهو اسمها، واللام هي الفارقة- بين «إن» النافية، و «إن» المخففة من الثقيلة- وما مزيدة. أى: إن الشأن كل نفس لعليها حافظ.وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة بتشديد الميم في قوله لَمَّا، فتكون «إن» نافية، و «لما» بمعنى إلا. أى: ما كل نفس إلا عليها حافظ.والحافظ: هم الحفظة من الملائكة الذين يحفظون عليها عملها وقولها وفعلها. وقيل:الحافظ هو الله- تعالى- وقيل: هو العقل يرشدهم إلى المصالح.والأول أولى لقوله- تعالى-: وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً وقوله: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ. وحفظ الملائكة إنما هو من حفظه- تعالى-، لأنهم لا يحفظون إلا بأمره- عز وجل-.والمقصود من الآية الكريمة: تحقيق تسجيل أعمال الإنسان عليه، وأنه سيحاسب عليها وسيجازى عليها بما يستحقه من ثواب أو عقاب.

( إن كل نفس ) جواب القسم ( لما عليها حافظ ) قرأ أبو جعفر ، وابن عامر ، وعاصم ، وحمزة : " لما " بالتشديد ، يعنون : ما كل نفس إلا عليها حافظ ، وهي لغة هذيل يجعلون " لما " بمعنى " إلا " يقولون : نشدتك الله لما قمت ، أي إلا قمت .وقرأ الآخرون بالتخفيف ، جعلوا " ما " صلة ، مجازه : إن كل نفس لعليها حافظ [ من ربها ] [ وتأويل الآية : كل نفس عليها حافظ من ربها ] يحفظ عملها ويحصي عليها ما تكتسب من خير وشر .قال ابن عباس : هم الحفظة من الملائكة . قال الكلبي : حافظ من الله يحفظها ويحفظ قولها وفعلها حتى يدفعها ويسلمها إلى المقادير ، ثم يخلي عنها .

قوله تعالى : إن كل نفس لما عليها حافظقال قتادة : حفظة يحفظون عليك رزقك وعملك وأجلك . وعنه أيضا قال : قرينه يحفظ عليه عمله : من خير أو شر . وهذا هو جواب القسم . وقيل : الجواب إنه على رجعه لقادر في قول الترمذي : محمد بن علي . و ( إن ) : مخففة من الثقيلة ، و ( ما ) : مؤكدة ، أي إن كل نفس لعليها حافظ . وقيل : المعنى إن كل نفس إلا عليها حافظ : يحفظها من الآفات ، حتى يسلمها إلى القدر . قال الفراء : الحافظ من الله ، يحفظها حتى يسلمها إلى المقادير ، وقال الكلبي . وقال أبو أمامة : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : وكل بالمؤمن مائة وستون ملكا يذبون عنه ما لم يقدر عليه من ذلك البصر ، سبعة أملاك يذبون عنه ، كما يذب عن قصعة العسل الذباب . ولو وكل العبد إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الشياطين . وقراءة ابن عامر وعاصم وحمزة لما بتشديد الميم ، أي ما كل نفس إلا عليها حافظ ، وهي لغة هذيل : يقول قائلهم : نشدتك لما قمت . الباقون بالتخفيف ، على أنها زائدة مؤكدة ، كما ذكرنا . ونظير هذه الآية قوله تعالى : له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله ، على ما تقدم . وقيل : الحافظ هو الله سبحانه فلولا حفظه لها لم تبق . وقيل : الحافظ عليه عقله ، يرشده إلى مصالحه ، ويكفه عن مضاره .قلت : العقل وغيره وسائط ، والحافظ في الحقيقة هو الله جل وعز قال الله - عز وجل - : فالله خير حافظا ، وقال : قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن . وما كان مثله .

وقوله: ( إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ ) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه من قرّاء المدينة أبو جعفر، ومن قرّاء الكوفة حمزة ( لَمَّا عَلَيْهَا ) بتشديد الميم. وذُكِر عن الحسن أنه قرأ ذلك كذلك.حدثني أحمد بن يوسف، قال: ثنا أبو عبيد، قال: ثنا حجاج، عن هارون، عن الحسن أنه كان يقرؤها( إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ ) مشدّدة، ويقول: إلا ليها حافظ، وهكذا كلّ شيءٍ في القرآن بالتثقيل . وقرأ ذلك من أهل المدينة نافع، ومن أهل &; 24-353 &; البصرة أبو عمرو: ( لَمَا ) بالتخفيف، بمعنى: إن كلّ نفس لعليها حافظ، وعلى أن اللام جواب " إن " و " ما " التي بعدها صلة. وإذا كان ذلك كذلك لم يكن فيه تشديد.والقراءة التي لا أختار غيرَها في ذلك التخفيف، لأن ذلك هو الكلام المعروف من كلام العرب، وقد أنكر التشديد جماعةٌ من أهل المعرفة بكلام العرب؛ أن يكون معروفًا من كلام العرب، غير أن الفرّاء كان يقول: لا نعرف جهة التثقيل في ذلك، ونرى أنها لغةٌ في هذيلٍ، يجعلون " إلا " مع " إن المخففة ": لَمَّا، ولا يجاوزون ذلك، كأنه قال: ما كلّ نفس إلا عليها حافظ، فإن كان صحيحًا ما ذكر الفرّاء من أنها لغة هُذَيلٍ، فالقراءة بها جائزةٌ صحيحةٌ، وإن كان الاختيار أيضًا - إذا صحّ ذلك عندنا - القراءة الأخرى وهي التخفيف؛ لأن ذلك هو المعروف من كلام العرب، ولا ينبغي أن يُترك الأعرف إلى الأنكر.وقد حدثني أحمد بن يوسف، قال: ثنا أبو عبيد، قال: ثنا معاذ، عن ابن عون، قال: قرأت عند ابن سيرين: ( إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ ) فأنكره، وقال: سبحان الله، سبحان الله .فتأويل الكلام إذن: إن كلّ نفس لعليها حافظ من ربها، يحفظ عملها، ويُحصي عليها ما تكسب من خير أو شرّ.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( إنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَا عَلَيْهَا حَافِظٌ ) قال: كلّ نفس عليها حفظة من الملائكة .حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( إنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَا عَلَيْهَا حَافِظٌ ): حفظة يحفظون عملك ورزقك وأجلك، إذا توفيته يا ابن آدم قُبِضت إلى ربك .

إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4)وجواب القسم هو قوله : { إنْ كل نفس لمَا عليها حافظ } جُعل كناية تلويحية رمزية عن المقصود . وهو إثبات البعث فهو كالدليل على إثباته ، فإن إقامة الحافظ تستلزم شيئاً يحفظه وهو الأعمال خيرُها وشرُّها ، وذلك يستلزم إرادة المحاسبة عليها والجزاء بما تقتضيه جزاء مُؤخراً بعد الحياة الدنيا لئلا تذهب أعمال العاملين سدى وذلك يستلزم أن الجزاء مؤخر إلى ما بعد هذه الحياة إذ المُشَاهَدُ تخلُّف الجزاء في هذه الحياة بكثرة ، فلو أهمل الجزاء لكان إهماله منافياً لحكمة الإله الحكيم مبدع هذا الكون كما قال : { أفحسبتم إنما خلقناكم عبثاً } [ المؤمنون : 115 ] وهذا الجزاء المؤخر يستلزم إعادة حياة للذوات الصادرة منها الأعمالُ .فهذه لوازم أربعة بها كانت الكناية تلويحية رمزية .وقد حصل مع هذا الاستدلال إفادةُ أن على الأنفس حفظةً فهو إدماج .والحافظ : هو الذي يحفظ أمراً ولا يهمله ليترتب عليه غرض مقصود .وقرأ الجمهور : { لَمَا } بتخفيف الميم ، وقرأه ابن عامر وحمزة وأبو جعفر وخلَف بتشديد الميم .فعلى قراءة تخفيف الميم تكون ( إنْ ) مخففة من الثقيلة و { لَمَا } مركبة من اللام الفارقة بين ( إنْ ) النافية و ( إنْ ) المخففةِ من الثقيلة ومعها ( مَا ) الزائدة بعد اللام للتأكيد وأصل الكلام : إن كل نفس لَعَليْها حافظ .وعلى قراءة تشديد الميم تكون ( إنْ ) نافية و { لمَّا } حرف بمعنى ( إلاّ ) فإن ( لَمَّا ) ترد بمعنى ( إلاّ ) في النفي وفي القَسم ، تقول : سألتُك لَمَّا فعلت كذا أي إلاّ فعلت ، على تقدير : ما أسألك إلاّ فعل كذا فآلت إلى النفي وكلٌ من ( إنْ ) المخففة و ( إنْ ) النافية يُتلقَّى بها القسم .وقد تضمن هذا الجواب زيادةً على إفادته تحقيق الجزاء إنذاراً للمشركين بأن الله يعلم اعتقادهم وأفعالهم وأنه سيجازيهم على ذلك .
الآية 4 - سورة الطارق: (إن كل نفس لما عليها حافظ...)