سورة التغابن: الآية 9 - يوم يجمعكم ليوم الجمع ۖ...

تفسير الآية 9, سورة التغابن

يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ ٱلْجَمْعِ ۖ ذَٰلِكَ يَوْمُ ٱلتَّغَابُنِ ۗ وَمَن يُؤْمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَٰلِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّـَٔاتِهِۦ وَيُدْخِلْهُ جَنَّٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ

الترجمة الإنجليزية

Yawma yajmaAAukum liyawmi aljamAAi thalika yawmu alttaghabuni waman yumin biAllahi wayaAAmal salihan yukaffir AAanhu sayyiatihi wayudkhilhu jannatin tajree min tahtiha alanharu khalideena feeha abadan thalika alfawzu alAAatheemu

تفسير الآية 9

اذكروا يوم الحشر الذي يحشر الله فيه الأولين والآخرين، ذلك اليوم الذي يظهر فيه الغُبْن والتفاوت بين الخلق، فيغبن المؤمنون الكفار والفاسقين: فأهل الإيمان يدخلون الجنة برحمة الله، وأهل الكفر يدخلون النار بعدل الله. ومن يؤمن بالله ويعمل بطاعته، يمح عنه ذنوبه، ويدخله جنات تجري من تحت قصورها الأنهار، خالدين فيها أبدًا، ذلك الخلود في الجنات هو الفوز العظيم الذي لا فوز بعده.

اذكر «يوم يجمعكم ليوم الجمع» يوم القيامة «ذلك يوم التغابن» يغبن المؤمنون الكافرين بأخذ منازلهم وأهليهم في الجنة لو آمنوا «ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله» وفي قراءة بالنون في الفعلين «جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم».

يعني: اذكروا يوم الجمع الذي يجمع الله به الأولين والآخرين، ويقفهم موقفًا هائلاً عظيمًا، وينبئهم بما عملوا، فحينئذ يظهر الفرق والتفاوت بين الخلائق، ويرفع أقوام إلى أعلى عليين، في الغرف العاليات، والمنازل المرتفعات، المشتملة على جميع اللذات والشهوات، ويخفض أقوام إلى أسفل سافلين، محل الهم والغم، والحزن، والعذاب الشديد، وذلك نتيجة ما قدموه لأنفسهم، وأسلفوه أيام حياتهم، ولهذا قال: ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ .أي: يظهر فيه التغابن والتفاوت بين الخلائق، ويغبن المؤمنون الفاسقين، ويعرف المجرمون أنهم على غير شيء، وأنهم هم الخاسرون، فكأنه قيل: بأي شيء يحصل الفلاح والشقاء والنعيم والعذاب؟فذكر تعالى أسباب ذلك بقوله: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ [أي:] إيمانًا تامًا، شاملاً لجميع ما أمر الله بالإيمان به، وَيَعْمَلْ صَالِحًا من الفرائض والنوافل، من أداء حقوق الله وحقوق عباده. يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، وتختاره الأرواح، وتحن إليه القلوب، ويكون نهاية كل مرغوب، خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ .

وقوله : ( يوم يجمعكم ليوم الجمع ) وهو يوم القيامة ، سمي بذلك لأنه يجمع فيه الأولون والآخرون في صعيد واحد ، يسمعهم الداعي ، وينفذهم البصر ، كما قال تعالى : ( ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود ) [ هود : 103 ] وقال تعالى : ( قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم ) [ الواقعة : 49 ، 50 ]وقوله : ( ذلك يوم التغابن ) قال ابن عباس : هو اسم من أسماء يوم القيامة . وذلك أن أهل الجنة يغبنون أهل النار . وكذا قال قتادة ، ومجاهد .وقال مقاتل بن حيان : لا غبن أعظم من أن يدخل هؤلاء إلى الجنة ، ويذهب بأولئك إلى النار .

ثم حذرهم- سبحانه- من أهوال يوم القيامة فقال- تعالى-: يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ.والظرف يَوْمَ متعلق بقوله- تعالى- قبل ذلك: ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ.والمراد بيوم الجمع: يوم القيامة. سمى بذلك لأنه اليوم الذي يجتمع فيه الأولون والآخرون في مكان واحد للحساب والجزاء.وسمى- أيضا بيوم التغابن، لأنه اليوم الذي يغبن فيه أهل الحق أهل الباطل.والتغابن تفاعل من الغبن بمعنى الخسران والنقص، يقال غبن فلان فلانا إذا بخسه حقه، بأن أخذ منه سلعة بثمن أقل من ثمنها المعتاد، وأكثر ما يستعمل الغبن في البيع والشراء، وفعله من باب ضرب، ويطلق الغبن على مطلق الخسران أى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء الجاحدين للبعث: لتبعثن يوم القيامة ثم لتنبؤن بما عملتم يوم القيامة يوم يجتمع الخلائق للحساب فيغبن فيه أهل الحق أهل الباطل، ويغبن فيه المؤمنون الكافرين، لأن أهل الإيمان ظفروا بالجنة، وبالمقاعد التي كان سيظفر بها الكافرون لو أنهم آمنوا، ولكن الكافرين استمروا على كفرهم فخسروا مقاعدهم في الجنة، ففاز بها المؤمنون.قال القرطبي: يَوْمُ التَّغابُنِ أى: يوم القيامة ... وسمى يوم القيامة بيوم التغابن، لأنه غبن أهل الجنة أهل النار.أى: أن أهل الجنة أخذوا الجنة، وأهل النار أخذوا النار على طريق المبادلة فوقع الغبن على الكافرين لأجل مبادلتهم الخير بالشر، والنعيم بالعذاب.يقال: غبنت فلانا، إذا بايعته أو شاريته، فكان النقص عليه، والغلبة لك.فإن قيل: فأى معاملة وقعت بينهما حتى يقع الغبن فيها؟ قيل له: هو تمثيل الغبن في الشراء والبيع .وقال الآلوسى ما ملخصه: ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ أى يوم غبن فيه أهل الجنة أهل النار، فالتفاعل ليس على ظاهره، كما في التواضع والتحامل لوقوعه من جانب واحد، واختير للمبالغة.وقد ورد هذا التفسير عن ابن عباس ومجاهد وقتادة. واختاره الواحدي.وقال غير واحد: ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ أى: اليوم الذي غبن فيه بعض الناس بعضا، بنزول السعداء منازل الأشقياء لو كانوا سعداء، وبالعكس ففي الحديث الصحيح: «ما من عبد يدخل الجنة إلا أرى مقعده من النار- لو أساء- ليزداد شكرا، وما من عبد يدخل النار إلا أرى مقعده من الجنة- لو أحسن ليزداد حسرة- وهو مستعار من تغابن القوم في التجارة، وفيه تهكم بالأشقياء لأنهم لا يغبنون حقيقة السعداء، بنزولهم في منازلهم من النار .ثم فصل- سبحانه- أحوال الناس في هذا اليوم الهائل الشديد فقال وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً، يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ، وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ.أى: ومن يؤمن بالله- تعالى- إيمانا حقا، ويعمل عملا صالحا، يكفر الله- تعالى- عنه سيئاته التي عملها في الدنيا بأن يزيلها من صحيفة عمله- فضلا منه- تعالى- وكرما- وفوق ذلك يدخله بفضله وإحسانه جنات تجرى من تحت ثمارها الأنهار خالِدِينَ فِيها أَبَداً أى: خلودا أبديا.ذلِكَ الذي ذكرناه لكم من تكفير السيئات، ومن دخول الجنات.. هو الْفَوْزُ الْعَظِيمُ الذي لا فوز يقاربه أو يدانيه.

( يوم يجمعكم ليوم الجمع ) يعني يوم القيامة يجمع فيه أهل السماوات والأرض ( ذلك يوم التغابن ) وهو تفاعل من الغبن وهو فوت الحظ ، والمراد بالمغبون من غبن عن أهله ومنازله في الجنة ، فيظهر يومئذ غبن كل كافر بتركه الإيمان ، وغبن كل مؤمن بتقصيره في الإحسان ( ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ) قرأ أهل المدينة والشام : " نكفر " " وندخله " وفي سورة الطلاق " ندخله " بالنون فيهن ، وقرأ الآخرون بالياء ( خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم ) .

يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِالعامل في " يوم " " لتنبؤن " أو " خبير " لما فيه من معنى الوعيد ; كأن قال : والله يعاقبكم يوم يجمعكم .أو بإضمار اذكر .والغبن : النقص .يقال : غبنه غبنا إذا أخذ الشيء منه بدون قيمته .وقراءة العامة " يجمعكم " بالياء ; لقوله تعالى : " والله بما تعملون خبير " فاخبر .ولذكر اسم الله أولا .وقرأ نصر وابن أبي إسحاق والجحدري ويعقوب وسلام " نجمعكم " بالنون ; اعتبارا بقوله : " والنور الذي أنزلنا " .ويوم الجمع يوم يجمع الله الأولين والآخرين والإنس والجن وأهل السماء وأهل الأرض .وقيل : هو يوم يجمع الله بين كل عبد وعمله .وقيل : لأنه يجمع فيه بين الظالم والمظلوم .وقيل : لأنه يجمع فيه بين كل نبي وأمته .وقيل : لأنه يجمع فيه بين ثواب أهل الطاعات وعقاب أهل المعاصي .ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِأي يوم القيامة .قال : وما أرتجي بالعيش في دار فرقة ألا إنما الراحات يوم التغابن وسمى يوم القيامة يوم التغابن ; لأنه غبن فيه أهل الجنة أهل النار .أي أن أهل الجنة أخذوا الجنة , وأخذ أهل النار النار على طريق المبادلة ; فوقع الغبن لأجل مبادلتهم الخير بالشر , والجيد بالرديء , والنعيم بالعذاب .يقال : غبنت فلانا إذا بايعته أو شاريته فكان النقص عليه والغلبة لك .وكذا أهل الجنة وأهل النار ; على ما يأتي بيانه .ويقال : غبنت الثوب وخبنته إذا طال عن مقدارك فخطت منه شيئا ; فهو نقصان أيضا .والمغابن : ما انثنى من الخلق نحو الإبطين والفخذين .قال المفسرون : فالمغبون من غبن أهله ومنازله في الجنة .ويظهر يومئذ غبن كل كافر بترك الإيمان , وغبن كل مؤمن بتقصيره في الإحسان وتضييعه الأيام .قال الزجاج : ويغبن من ارتفعت منزلته في الجنة من كان دون منزلته .فإن قيل : فأي معاملة وقعت بينهما حتى يقع الغبن فيها .قيل له : هو تمثيل الغبن في الشراء والبيع ; كما قال تعالى : " أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى " [ البقرة : 16 ] .ولما ذكر أن الكفار اشتروا الضلالة بالهدى وما ربحوا في تجارتهم بل خسروا , ذكر أيضا أنهم غبنوا ; وذلك أن أهل الجنة اشتروا الآخرة بترك الدنيا , واشترى أهل النار الدنيا بترك الآخرة .وهذا نوع مبادلة اتساعا ومجازا .وقد فرق الله سبحانه وتعالى الخلق فريقين : فريقا للجنة وفريقا للنار .ومنازل الكل موضوعة في الجنة والنار .فقد يسبق الخذلان على العبد - كما بيناه في هذه السورة وغيرها - فيكون من أهل النار , فيحصل الموفق على منزل المخذول ومنزل الموفق في النار للمخذول ; فكأنه وقع التبادل فحصل التغابن .والأمثال موضوعة للبيان في حكم اللغة والقرآن .وذلك كله مجموع من نشر الآثار وقد جاءت مفرقة في هذا الكتاب .وقد يخبر عن هذا التبادل بالوراثة كما بيناه في " قد أفلح المؤمنون " [ المؤمنون : 1 ] والله أعلم .وقد يقع التغابن في غير ذلك اليوم على ما يأتي بيانه بعد ; ولكنه أراد التغابن الذي لا جبران لنهايته .وقال الحسن وقتادة : بلغنا أن التغابن في ثلاثة أصناف : رجل علم علما فعلمه وضيعه هو ولم يعمل به فشقي به , وعمل به من تعلمه منه فنجا به .ورجل اكتسب مالا من وجوه يسأل عنها وشح عليه , وفرط في طاعة ربه بسببه , ولم يعمل فيه خيرا , وتركه لوارث لا حساب عليه فيه ; فعمل ذلك الوارث فيه بطاعة ربه .ورجل كان له عبد فعمل العبد بطاعة ربه فسعد , وعمل السيد بمعصية ربه فشقي .وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن الله تعالى يقيم الرجل والمرأة يوم القيامة بين يديه فيقول الله تعالى لهما قولا فما أنتما بقائلين فيقول الرجل يا رب أوجبت نفقتها علي فتعسفتها من حلال وحرام وهؤلاء الخصوم يطلبون ذلك ولم يبق لي ما أوفي به فتقول المرأة يا رب وما عسى أن أقول اكتسبه حراما وأكلته حلالا وعصاك في مرضاتي ولم أرض له بذلك فبعدا له وسحقا فيقول الله تعالى قد صدقت فيؤمر به إلى النار ويؤمر بها إلى الجنة فتطلع عليه من طبقات الجنة وتقول له غبناك غبناك سعدنا بما شقيت أنت به ) فذلك يوم التغابن .قال ابن العربي : استدل علماؤنا بقوله تعالى : " ذلك يوم التغابن " على أنه لا يجوز الغبن في المعاملة الدنيوية ; لأن الله تعالى خصص التغابن بيوم القيامة فقال : " ذلك يوم التغابن " وهذا الاختصاص يفيد أنه لا غبن في الدنيا ; فكل من اطلع على غبن في مبيع فإنه مردود إذا زاد على الثلث .واختاره البغداديون واحتجوا عليه بوجوه : منها قوله صلى الله عليه وسلم لحبان بن منقذ : ( إذا بايعت فقل لا خلابة ولك الخيار ثلاثا ) .وهذا فيه نظر طويل بيناه في مسائل الخلاف .نكتته أن الغبن في الدنيا ممنوع بإجماع في حكم الدين ; إذ هو من باب الخداع المحرم شرعا في كل ملة , لكن اليسير منه لا يمكن الاحتراز عنه لأحد , فمضى في البيوع ; إذ لو حكمنا برده ما نفذ بيع أبدا ; لأنه لا يخلو منه , حتى إذا كان كثيرا أمكن الاحتراز منه فوجب الرد به .والفرق بين القليل والكثير أصل في الشريعة معلوم , فقدر علماؤنا الثلث لهذا الحد ; إذ رأوه في الوصية وغيرها .ويكون معنى الآية على هذا : ذلك يوم التغابن الجائز مطلقا من غير تفصيل .أو ذلك يوم التغابن الذي لا يستدرك أبدا ; لأن تغابن الدنيا يستدرك بوجهين : إما برد في بعض الأحوال , وإما بربح في بيع آخر وسلعة أخرى .فأما من خسر الجنة فلا درك له أبدا .وقد قال بعض علماء الصوفية : إن الله كتب الغبن على الخلق أجمعين , فلا يلقى أحد ربه إلا مغبونا , لأنه لا يمكنه الاستيفاء للعمل حتى يحصل له استيفاء الثواب .وفي الأثر قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يلقى الله أحد إلا نادما إن كان مسيئا إن لم يحسن , وإن كان محسنا إن لم يزدد ) .وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍوالجنات : البساتين , وإنما سميت جنات لأنها تجن من فيها أي تستره بشجرها , ومنه : المجن والجنين والجنة .تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًاأي من تحت أشجارها , ولم يجر لها ذكر , لأن الجنات دالة عليها ." الأنهار " أي ماء الأنهار , فنسب الجري إلى الأنهار توسعا , وإنما يجري الماء وحده فحذف اختصارا , كما قال تعالى : " واسأل القرية " [ يوسف : 82 ] أي أهلها .وقال الشاعر : نبئت أن النار بعدك أوقدت واستب بعدك يا كليب المجلس أراد : أهل المجلس ; فحذف .والنهر : مأخوذ من أنهرت , أي وسعت , ومنه قول قيس بن الخطيم : ملكت بها كفي فأنهرت فتقها يرى قائم من دونها ما وراءها أي وسعتها , يصف طعنة .ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه ) .معناه : ما وسع الذبح حتى يجري الدم كالنهر .وجمع النهر : نهر وأنهار .ونهر نهر : كثير الماء ; قال أبو ذؤيب : أقامت به فابتنت خيمة على قصب وفرات نهر وروي : أن أنهار الجنة ليست في أخاديد , إنما تجري على سطح الجنة منضبطة بالقدرة حيث شاء أهلها .والوقف على " الأنهار " حسن وليس بتامذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُالكبير

يقول تعالى ذكره: والله بما تعملون خبير (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ) الخلائق للعرض (ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ ) يقول: الجمع يوم غَبْن أهل الجنة أهلَ النار.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعًا عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ ) قال: هو غبن أهلَ الجنة أهل النار.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ) هو يوم القيامة، وهو يوم التغابن: يوم غَبن أهلِ الجنة أهلَ النار.حدثني عليّ ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: (ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ ) من أسماء يوم القيامة، عظَّمه وحذّره عبادَه.وقوله: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا ) يقول تعالى ذكره: ومن يصدّق بالله ويعمل بطاعته، وينته إلى أمره ونهيه (يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ ) يقول: يمح عنه ذنوبه (وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ ) يقول: ويُدخله بساتين تجري من تحت أشجارها الأنهار.وقوله: (خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ) يقول: لابثين فيها أبدًا، لا يموتون ، ولا يخرجون منها.وقوله: (ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) يقول: خلودهم في الجنات التي وصفنا النجاء العظيم.

يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) { يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ } .متعلقٌ بفعل { لتنبؤن بما عملتم } [ التغابن : 7 ] الذي هو كناية عن «تُجَازوْنَ» على تكذيبكم بالبعث فيكون من تمام ما أُمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقوله لهم ابتداء من قوله تعالى : { قل بلى وربي لتبعثن } [ التغابن : 7 ] .والضمير المستتر في { يجمعكم } عائد إلى اسم الجلالة في قوله : { والله بما تعملون خبير } [ التغابن : 8 ] .ومعنى { يجمعكم } يجمع المخاطبين والأمم من الناس كلهم ، قال تعالى : { هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين } [ المرسلات : 38 ] .ويجوز أن يراد الجمع الذي في قوله تعالى : { أيحسب الإِنسان أن لن نجمع عظامه } [ القيامة : 3 ] ، وهذا زيادة تحقيق للبعث الذي أنكروه .واللام في { ليوم الجمع } يجوز أن يكون للتعليل ، أي يجمعكم لأجل اليوم المعروف بالجمع المخصوص . وهو الذي لأجل جمع الناس ، أي يبعثكم لأجل أن يجمع الناس كلهم للحساب ، فمعنى { الجمع } هذا غيرُ معنى الذي في { يجمعكم } . فليس هذا من تعليل الشيء بنفسه بل هو من قبيل التجنيس .ويجوز أن يكون اللام بمعنى ( في ) على نحو ما قيل في قوله تعالى : { لا يجليها لوقتها إلا هو } [ الأعراف : 187 ] ، وقوله : { يا ليتني قدمت لحياتي } [ الفجر : 24 ] وقول العرب : مضى لسبيله ، أي في طريقه وهو طريق الموت .والأحسن عندي أن يكون اللام للتوقيت ، وهي التي بمعنى ( عند ) كالتي في قولهم : كُتب لكَذا مَضِينَ مثلاً ، وقوله تعالى : { أقم الصلاة لدلوك الشمس } [ الإسراء : 78 ] . وهو استعمال يدل على شدة الاقتراب ولذلك فسروه بمعنى ( عند ) ، ويفيد هنا : أنهم مجموعون في الأجل المعين دون تأخير ردّاً على قولهم : { لن يبعثوا } [ التغابن : 7 ] ، فيتعلق قوله : { ليوم الجمع } بفعل { يجمعكم } .ف«يوم الجمع» هو يوم الحشر . وفي الحديث " يجمع الله الأولين والآخرين " الخ . جعل هذا المركب الإِضافي لقباً ليوم الحشر ، قال تعالى : { وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير } [ الشورى : 7 ] .وقرأ الجمهور { يجمعكم } بياء الغائب . وقرأه يعقوب بنون العظمة .{ الجمع ذَلِكَ يَوْمُ } .اعتراض بين جملة { ثم لتنبؤن بما عملتم } [ التغابن : 7 ] بمتعلقها وبين جملة { ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً نكفر عنه سيئاته } اعتراضاً يفيد تهويل هذا اليوم تعريضاً بوعيد المشركين بالخسارة في ذلك اليوم : أي بسوء المنقلب .والإِتيان باسم الإِشارة في مقام الضمير لقصد الاهتمام بهذا اليوم بتمييزه أكمل تمييز مع ما يفيده اسم إشارة البعيد من علوّ المرتبة على نحو ما تقدم في قوله : { ذلك الكتاب } في سورة [ البقرة : 2 ] .والتغابن } : مصدر غابَنه من باب المفاعلة الدالة على حصول الفعل من جانبين أو أكثر .وحقيقة صيغة المفاعلة أن تدل على حصول الفعل الواحد من فاعلين فأكثر على وجه المشاركة في ذلك الفعل .والغبن أن يعطى البائع ثمَناً لمبيعه دون حَقِّ قيمته التي يعوَّض بها مثلُه .فالغبن يؤول إلى خسارة البائع في بيعه ، فلذلك يطلق الغبن على مطلق الخسران مجازاً مرسلاً كما في قول الأعشى: ... لا يقبَلُ الرَشْوَة في حُكمهولا يبالي غَبن الخَاسر ... فليست مادة التغابن في قوله : { يوم التغابن } مستعملة في حقيقتها إذ لا تعارض حتى يكون فيه غبن بل هو مستعمل في معنى الخسران على وجه المجاز المرسل .وأما صيغة التفاعل فحملها جمهور المفسرين على حقيقتها من حصول الفعل من جانبين ففسروها بأن أهل الجنة غبنوا أهل النار إذ أهل الجنة أخذوا الجنة وأهل جهنم أخذوا جهنم قاله مجاهد وقتادة والحسن . فحمل القرطبي وغيره كلام هؤلاء الأيمة على أن التغابن تمثيل لحال الفريقين بحال مُتَبايَعَيْن أخذ أحدهما الثمن الوافيَ ، وأخذ الآخر الثمنَ المغبون ، يعني وقوله عقبه { ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً نكفر عنه سيئاته } ، إلى قوله : { وبئس المصير } قرينة على المراد من الجانبين وعلى كلا المعنيين يكون قوله : { ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً } إلى قوله : { وبئس المصير } تفصيلاً للفريقين ، فيكون في الآية مجاز وتشبيه وتمثيل ، فالمجاز في مادة الغبن ، والتمثيل في صيغة التغابن ، وهو تشبيه مركب بمنزلة التشبيه البليغ إذ التقدير : ذلك يوم مِثْل التغَابن .وحمل قليل من المفسرين ( وهو ما فسر إليه كلام الراغب في مفرداته ) وصرح ابن عطية صيغَة التفاعل على معنى الكثرة وشدة الفعل ( كما في قولنا : عافاك الله وتبارك الله ) فتكون استعارة ، أي خسارة للكافرين إذ هم مناط الإِنذار . وهذا في معنى قوله تعالى : { أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم } في سورة [ البقرة : 16 ] ، وقوله : { يأيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم } الآية في سورة [ الصف : 10 ] .فصيغة التفاعل مستعملة مجازاً في كثرة حصول الغبن تشبيهاً للكثرة بفعل من يحصل من متعدد .والكلام تهديد للمشركين بسوء حالتهم في يوم الجمع ، إذ المعنى : ذلك يوم غبنكم الكثير الشديد بقرينة قوله قبله { فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا } [ التغابن : 8 ] . والغابن لهم هو الله تعالى .ولولا قصد ذلك لما اقتصر على أن ذلك يوم تغابن فإن فيه ربحاً عظيماً للمؤمنين بالله ورسوله والقرآن ، فوزان هذا القصر وزان قوله : { فما ربحت تجارتهم } [ البقرة : 16 ] وقول النبي صلى الله عليه وسلم « إنما المُفلس الذي يفلس يوم القيامة »وأفاد تعريف جزأي جملة { ذلك يوم التغابن } قصرَ المسند على المسند إليه أي قصر جنس يوم التغابن على يوم الجمعة المشار إليه باسم الإِشارة ، وهو من قبيل قصر الصفة على الموصوف قصراً ادعائياً ، أي ذلك يوم الغبن لا أيام أسواقكم ولا غيرُها ، فإن عدم أهمية غبن الناس في الدنيا جعل غبن الدنيا كالعدم وجعل يوم القيامة منحصراً فيه جنس الغبن .وأما لام التعريف في قوله : { التغابن } فهي لام الجنس ، ومن هذا المعنى قوله تعالى : { قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة }[ الزمر : 15 ] . وقوله في ضده { يرجون تجارة لن تبور } [ فاطر : 29 ] . هذا هو المتعين في تفسير هذه الآية وأكثر المفسرين مرّ بها مَرّاً . ولم يحتلب منها دَرّاً . وها أنا ذَا كددت ثمادي ، فعَسَى أن يقع للناظر كوقْع القراححِ من الصادي ، والله الهادي .{ } لله .معطوفة على جملة { فآمنوا بالله ورسوله خَبِيرٌ * يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الجمع ذَلِكَ يَوْمُ التغابن وَمَن يُؤْمِن بالله وَيَعْمَلْ صالحا يُكَفِّرْ عَنْهُ سيئاته وَيُدْخِلْهُ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانهار خالدين فِيهَآ أَبَداً ذَلِكَ الفوز العظيم *
الآية 9 - سورة التغابن: (يوم يجمعكم ليوم الجمع ۖ ذلك يوم التغابن ۗ ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري...)