سورة التكوير: الآية 14 - علمت نفس ما أحضرت...

تفسير الآية 14, سورة التكوير

عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّآ أَحْضَرَتْ

الترجمة الإنجليزية

AAalimat nafsun ma ahdarat

تفسير الآية 14

إذا الشمس لُفَّت وذهب ضَوْءُها، وإذا النجوم تناثرت، فذهب نورها، وإذا الجبال سيِّرت عن وجه الأرض فصارت هباءً منبثًا، وإذا النوق الحوامل تُركت وأهملت، وإذا الحيوانات الوحشية جُمعت واختلطت؛ ليقتصَّ الله من بعضها لبعض، وإذا البحار أوقدت، فصارت على عِظَمها نارًا تتوقد، وإذا النفوس قُرنت بأمثالها ونظائرها، وإذا الطفلة المدفونة حية سُئلت يوم القيامة سؤالَ تطييب لها وتبكيت لوائدها: بأيِّ ذنب كان دفنها؟ وإذا صحف الأعمال عُرضت، وإذا السماء قُلعت وأزيلت من مكانها، وإذا النار أوقدت فأضرِمت، وإذا الجنة دار النعيم قُرِّبت من أهلها المتقين، إذا وقع ذلك، تيقنتْ ووجدتْ كلُّ نفس ما قدَّمت من خير أو شر.

«علمت نفس» كل نفس وقت هذه المذكورات وهو يوم القيامة «ما أحضرت» من خير وشر.

عَلِمَتْ نَفْسٌ أي: كل نفس، لإتيانها في سياق الشرط. مَا أَحْضَرَتْ أي: ما حضر لديها من الأعمال [التي قدمتها] كما قال تعالى: وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وهذه الأوصاف التي وصف الله بها يوم القيامة، من الأوصاف التي تنزعج لها القلوب، وتشتد من أجلها الكروب، وترتعد الفرائص وتعم المخاوف، وتحث أولي الألباب للاستعداد لذلك اليوم، وتزجرهم عن كل ما يوجب اللوم، ولهذا قال بعض السلف: من أراد أن ينظر ليوم القيامة كأنه رأي عين، فليتدبر سورة إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ

وقوله ( علمت نفس ما أحضرت ) هذا هو الجواب ، أي إذا وقعت هذه الأمور حينئذ تعلم كل نفس ما عملت وأحضر ذلك لها كما قال تعالى ( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ) آل عمران 30 وقال تعالى ( ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر ) القيامة : 13قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا عبدة حدثنا ابن المبارك أخبرنا محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم عن أبيه قال لما نزلت ( إذا الشمس كورت ) قال عمر لما بلغ ( علمت نفس ما أحضرت ) قال لهذا أجرى الحديث

وقوله : ( عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّآ أَحْضَرَتْ ) هو جواب الشرط لكل تلك الظروف السابقة . أى : إذا الشمس كورت ، وإذا النجوم انكدرت تبين لكل نفس ما عملته من خير أو شر ، ومن حسن أو قبيح . . ورأت ذلك رأى العين ، كما قال - تعالى - : ( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سواء تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيداً . . . ) والمراد بالنفس عموم الأنفس ، لأن النكرة فى سياق النفى تشمل كل نفس وأسند - سبحانه - الإِحضار إلى النفوس ، لأنها هى المباشرة لأعمالها فى الدنيا ، والتى ستجد جزاءها فى الآخرة .وجعلت معرفة النفوس لجزاء أعمالها ، حاصلة عند حصول مجموع الشروط التى ذكرت فى الجمل الاثنتى عشرة ، لأن بعض الزمان والأحوال التى تضمنتها هذه الشروط مقارن لحصول علم النفوس بأعمالها ، كما فى الستة الأخيرة ، فإنها تكون عند فصل القضاء ، وبعضها يحصل قبل ذلك بقليل ، كما فى الأحوال الستة المذكورة أولا ، إلا أنه لما كان بعض هذه الأمور من مبادئ يوم القيامة ، وبعضها من روادفه ، نسب علمها بذلك إلى زمان وقوع هذه الأمور كلها تهويلا للخطب ، وتفظيعا للأمر .وإشعاراً بأن ما يسبق يوم القيامة وما يعقبه ، كل ذلك من الأهوال التى يشب لها الولدان .

"علمت"، عند ذلك "نفس" أي: كل نفس "ما أحضرت"، من خير أو شر، وهذا جواب لقوله: "إذا الشمس كورت" وما بعدها.

قوله تعالى : علمت نفس ما أحضرت يعني ما عملت من خير وشر . وهذا جواب إذا الشمس كورت وما بعدها . قال عمر - رضي الله عنه - لهذا أجري الحديث . وروي عن ابن عباس وعمر - رضي الله عنهما - أنهما قرآها ، فلما بلغا علمت نفس ما أحضرت قالا لهذا أجريت القصة ; فالمعنى على هذا إذا الشمس كورت وكانت هذه الأشياء ، علمت نفس ما أحضرت من عملها .وفي الصحيحين عن عدي بن حاتم قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما منكم من أحد إلا وسيكلمه الله ما بينه وبينه ترجمان ، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدمه [ وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم ] بين يديه ، فتستقبله النار ، فمن استطاع منكم أن : يتقي النار ولو بشق تمرة فليفعل وقال الحسن : إذا الشمس كورت وقع على قوله : علمت نفس ما أحضرت كما يقال : إذا نفر زيد نفر عمرو . والقول الأول أصح . وقال ابن زيد عن ابن عباس في قوله تعالى : إذا الشمس كورت إلى قوله : وإذا الجنة أزلفت اثنتا عشرة خصلة : ستة في الدنيا ، وستة في الآخرة ; وقد بينا الستة الأولى بقول أبي بن كعب .

وقوله: ( عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ ) يقول تعالى ذكره: علمت نفس عند ذلك ما أحضرت من خير، فتصير به إلى الجنة، أو شرّ فتصير به إلى النار، يقول: يتبين له عند ذاك ما كان جاهلا به، وما الذي كان فيه صلاحه من غيره.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ ) من عمل قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : وإلى هذا جرى الحديث .وقوله: ( عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ ) جواب لقوله: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وما بعدها، كما يقال: إذا قام عبد الله قعد عمرو.

عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (14)ومعنى : { علمتْ نفس ما أحضرت } حصول اليقين بما لم يكن لها به علم من حقائق الأعمال التي كان علمها بها أشتاتاً : بَعْضه معلوم على غير وجهه ، وبعضه معلوم صورتُه مجهولةٌ عواقبه ، وبعضه مغفول عنه . فنزّل العلم الذي كان حاصلاً للناس في الحياة الدنيا منزلة عدم العلم ، وأثبت العلم لهم في ذلك اليوم علم أعمالهم من خير أو شر فيعلَم ما لم يكن له به علم مما يحقره من أعماله ويتذكر ما كان قد علمه من قبل ، وتذكُّر المنسي والمغفول عنه نوع من العلم .وما أحضرته هو ما أسلفته من الأعمال . ولما كانت الأعمال تظهر آثارها من ثواب وعقاب يومئذ عبر عن ظهور آثارها بالإحضار لشببه به كما يحضر الزاد للمسافر ففي فعل : { أحضرت } استعارة . ويطلق على ذلك الإعداد كقول النبي صلى الله عليه وسلم للذي سأله متى الساعة : " ماذا أعددت لها " .وأسند الإحضار إلى النفوس لأنها الفاعلة للأعمال التي يظهر جزاؤها يومئذ فهذا الإسناد من إسناد فعل الشيء إلى سَبب فعله ، فحصل هنا مجازان : مجاز لغوي ، ومجاز عقلي ، وحقيقتهما في قوله تعالى : { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء } .وجعلت معرفة النفوس لجزاء أعمالها حاصلة عند حصول مجموع الشروط التي ذكرت في الجمل الثنتي عشرة لأن بعض الأحوال التي تضمنتها الشروط مقارن لحصول علم النفوس بأعمالها وهي الأحوال الستة المذكورة أخيراً ، وبعض الأحوال حاصل من قبل بقليل وهي الأحوال الستة المذكورة أولاً . فنزل القريب منزلة المقارن ، فلذلك جعل الجميع شروطاً ل { إذا } .
الآية 14 - سورة التكوير: (علمت نفس ما أحضرت...)