سورة التكوير: الآية 16 - الجوار الكنس...

تفسير الآية 16, سورة التكوير

ٱلْجَوَارِ ٱلْكُنَّسِ

الترجمة الإنجليزية

Aljawari alkunnasi

تفسير الآية 16

أقسم الله تعالى بالنجوم المختفية أنوارها نهارًا، الجارية والمستترة في أبراجها، والليل إذا أقبل بظلامه، والصبح إذا ظهر ضياؤه، إن القرآن لَتبليغ رسول كريم- هو جبريل عليه السلام-، ذِي قوة في تنفيذ ما يؤمر به، صاحبِ مكانة رفيعة عند الله، تطيعه الملائكة، مؤتمن على الوحي الذي ينزل به.

«الجوار الكنَّس» هي النجوم الخمسة: زحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد، تخنس بضم النون، أي ترجع في مجراها وراءها، بينما نرى النجم في آخر البرج إذ كَّر راجعا إلى أوله، وتكنس بكسر النون: تدخل في كناسها، أي تغيب في المواضع التي تغيب فيها.

فأقسم الله بها في حال خنوسها أي: تأخرها، وفي حال جريانها، وفي حال كنوسها أي: استتارها بالنهار، ويحتمل أن المراد بها جميع النجوم الكواكب السيارة وغيرها.

روى مسلم في صحيحه ، والنسائي في تفسيره عند هذه الآية من حديث مسعر بن كدام عن الوليد بن سريع عن عمرو بن حريث قال صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم الصبح فسمعته يقرأ ( فلا أقسم بالخنس الجواري الكنس والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس ) .ورواه النسائي عن بندار عن غندر عن شعبة عن الحجاج بن عاصم عن أبي الأسود عن عمرو بن حريث به نحوه .قال ابن أبي حاتم وابن جرير من طريق الثوري عن أبي إسحاق عن رجل من مراد عن علي ( فلا أقسم بالخنس الجواري الكنس ) قال هي النجوم تخنس بالنهار وتظهر بالليلوقال ابن جرير حدثنا ابن المثنى حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن سماك بن حرب سمعت خالد بن عرعرة سمعت عليا وسئل عن ( فلا أقسم بالخنس الجواري الكنس ) فقال هي النجوم تخنس بالنهار وتكنس بالليل .وحدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن إسرائيل عن سماك عن خالد عن علي قال هي النجوموهذا إسناد جيد صحيح إلى خالد بن عرعرة وهو السهمي الكوفي قال أبو حاتم الرازي روى عن علي وروى عنه سماك والقاسم بن عوف الشيباني ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا والله أعلموروى يونس عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي أنها النجوم . رواه ابن أبي حاتم وكذا روي عن ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة والسدي وغيرهم أنها النجوموقال ابن جرير حدثنا محمد بن بشار حدثنا هوذة بن خليفة حدثنا عوف عن بكر بن عبد الله في قوله ( فلا أقسم بالخنس الجواري الكنس ) قال هي النجوم الدراري التي تجري تستقبل المشرق .وقال بعض الأئمة إنما قيل للنجوم الخنس " أي في حال طلوعها ثم هي جوار في فلكها وفي حال غيبوبتها يقال لها كنس من قول العرب أوى الظبي إلى كناسة إذا تغيب فيهوقال الأعمش عن إبراهيم قال : قال عبد الله ( فلا أقسم بالخنس ) قال بقر الوحش وكذا قال الثوري عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة عن عبد الله ( فلا أقسم بالخنس الجواري الكنس ) ما هي يا عمرو قلت البقر . قال وأنا أرى ذلكوكذا روى يونس عن أبي إسحاق عن أبيهوقال أبو داود الطيالسي عن عمرو عن أبيه ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ( الجواري الكنس ) قال البقر [ الوحش تكنس إلى الظل وكذا قال سعيد بن جبيروقال العوفي عن ابن عباس هي الظباء وكذا قال سعيد أيضا ومجاهد والضحاكوقال أبو الشعثاء جابر بن زيد هي الظباء والبقروقال ابن جرير حدثنا يعقوب حدثنا هشيم أخبرنا مغيرة عن إبراهيم ومجاهد أنهما تذاكرا هذه الآية ( فلا أقسم بالخنس الجواري الكنس ) فقال إبراهيم لمجاهد قل فيها بما سمعت قال فقال مجاهد كنا نسمع فيها شيئا وناس يقولون إنها النجوم قال فقال إبراهيم قل فيها بما سمعت قال فقال مجاهد كنا نسمع أنها بقر الوحش حين تكنس في حجرتها قال فقال إبراهيم إنهم يكذبون على علي ، هذا كما رووا عن علي أنه ضمن الأسفل الأعلى والأعلى الأسفلوتوقف ابن جرير في قوله ( الخنس الجواري الكنس ) هل هو النجوم أو الظباء وبقر الوحش ؟ قال ويحتمل أن يكون الجميع مرادا

والْجَوارِ جمع جارية، وهي التي تجرى بسرعة، من الجري بمعنى الإسراع في السير.والْكُنَّسِ جمع كانس. يقال: كنس الظبى، إذا دخل كناسه- بكسر الكاف- وهو البيت الذي يتخذه للمبيت، وسمى بذلك لأنه يتخذه من أغصان الأشجار، ويكنس الرمل إليه حتى يكون مختفيا عن الأعين.وهذه الصفات، المراد بها النجوم، لأنها بالنهار تكون مختفية عن الأنظار، ولا تظهر إلا بالليل، فشبهت بالظباء التي تختفى في بيوتها ولا تظهر إلا في أوقات معينة.أى: إذا كان الأمر كما ذكرت لكم من أن البعث حق ... فأقسم بالنجوم التي تخنس بالنهار، أى: يغيب ضوؤها عن العيون بالنهار، ويظهر بالليل، والتي تجرى من مكان إلى آخر بقدرة الله- تعالى- ثم تكنس- أى: تستتر وقت غروبها- كما تتوارى الظباء في كنسها ... إن هذا القرآن لقول رسول كريم.قال ابن كثير ما ملخصه: قوله- تعالى- فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ، الْجَوارِ الْكُنَّسِ:هي النجوم تخنس بالنهار، وتظهر بالليل، روى ذلك عن على بن أبى طالب وابن عباس ومجاهد.وقال بعض الأئمة: وإنما قيل للنجوم «الخنس» أى: في حال طلوعها، ثم هي جوار في فلكها، وفي حال غيبوبتها، يقال لها «كنس» ، من قول العرب. أوى الظبى إلى كناسه:إذا تغيب فيه.وفي رواية عن ابن عباس: أنها الظباء، وفي أخرى أنها بقر الوحش حين تكنس إلى الظل أو إلى بيوتها.وتوقف ابن جرير في قوله: بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْكُنَّسِ هل هي النجوم أو الظباء وبقر الوحش قال: ويحتمل أن يكون الجميع مرادا.. .

( الجوار الكنس ) قال قتادة : هي النجوم تبدو بالليل وتخنس بالنهار ، فتخفى فلا ترى .وعن علي أيضا : أنها الكواكب تخنس بالنهار فلا ترى ، وتكنس تأوي إلى مجاريها .وقال قوم : هي النجوم الخمسة : زحل ، والمشتري ، والمريخ ، والزهرة ، وعطارد ، تخنس في مجراها ، أي : ترجع وراءها وتكنس : تستتر وقت اختفائها وغروبها ، كما تكنس الظباء في مغارها .وقال ابن زيد : معنى " الخنس " أنها تخنس أي : تتأخر عن مطالعها في كل عام تأخرا تتأخره عن تعجيل ذلك الطلوع ، تخنس عنه . و " الكنس " أي تكنس بالنهار فلا ترى . وروى الأعمش عن إبراهيم ، عن عبد الله أنها هي الوحش .وقال سعيد بن جبير : هي الظباء . وهي رواية العوفي عن ابن عباس .وأصل الخنوس : الرجوع إلى وراء ، والكنوس : أن تأوي إلى مكانسها ، وهي المواضع التي تأوي إليها الوحوش .

الجواري الكنس : إنها النجوم الخمسة ; زحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد ; لأنها تخنس في مجراها ، وتكنس ، أي تستتر كما تكنس الظباء في المغار ، وهو الكناس . ويقال : سميت خنسا لتأخرها ، لأنها الكواكب المتحيرة التي ترجع وتستقيم ، يقال : خنس عنه يخنس بالضم خنوسا : تأخر ، وأخنسه غيره : إذا خلفه ومضى عنه . والخنس تأخر الأنف عن الوجه مع ارتفاع قليل في الأرنبة ، والرجل أخنس ، والمرأة خنساء ، والبقر كلها خنس . وقد روي عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى : فلا أقسم بالخنس هي بقر الوحش . روى هشيم عن زكريا عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل قال : قال لي عبد الله بن مسعود : إنكم قوم عرب فما الخنس ؟ قلت : هي بقر الوحش ; قال : وأنا أرى ذلك . وقال إبراهيم وجابر بن عبد الله . وروي عن ابن عباس : إنما أقسم الله ببقر الوحش . وروى عنه عكرمة قال : الخنس : البقر و ( الكنس ) : هي الظباء ، فهي خنس إذا رأين الإنسان خنسن وانقبضن وتأخرن ودخلن كناسهن . القشيري : وقيل على هذا الخنس من الخنس في الأنف ، وهو تأخر الأرنبة وقصر القصبة ، وأنوف البقر والظباء خنس . والأصح الحمل على النجوم ، لذكر الليل والصبح بعد هذا ، فذكر النجوم أليق بذلك .قلت : لله أن يقسم بما شاء من مخلوقاته من حيوان وجماد ، وإن لم يعلم وجه الحكمة في ذلك . وقد جاء عن ابن مسعود وجابر بن عبد الله وهما صحابيان والنخعي أنها بقر الوحش .وعن ابن عباس وسعيد بن جبير أنها الظباء . وعن الحجاج بن منذر قال : سألت جابر بن زيد عن الجواري الكنس ، فقال : الظباء والبقر ، فلا يبعد أن يكون المراد النجوم . وقد قيل : إنها الملائكة ; حكاه الماوردي .والكنس الغيب ; مأخوذة من الكناس ، وهو كناس الوحش الذي يختفي فيه . قال أوس بن حجر :ألم تر أن الله أنزل مزنه وعفر الظباء في الكناس تقمعوقال طرفة :كأن كناسي ضالة يكنفانها وأطر قسي تحت صلب مؤيدوقيل : الكنوس أن تأوي إلى مكانسها ، وهي المواضع التي تأوي إليها الوحوش والظباء . قال الأعشى في ذلك :فلما أتينا الحي أتلع أنس كما أتلعت تحت المكانس ربربيقال : تلع . النهار ارتفع وأتلعت الظبية من كناسها : أي سمت بجيدها . وقال امرؤ القيس :تعشى قليلا ثم أنحى ظلوفه ويثير التراب عن مبيت ومكنسوالكنس : جمع كانس وكانسة ، وكذا الخنس جمع خانس وخانسة . والجواري : جمع جارية من جرى يجري .

حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، في قوله: ( الْجَوَارِ الْكُنَّسِ ) قال: هي بقر الوحش .حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، قال: سُئل مجاهد ونحن عند إبراهيم، عن قوله: ( الْجَوَارِ الْكُنَّسِ ) قال: لا أدري، فانتهره إبراهيم وقال: لِمَ لا تدري؟ فقال: إنهم يروُون عن عليّ رضي الله عنه: وكنا نسمع أنها البقر، فقال إبراهيم: هي البقر، الجواري الكنس: حِجَرة بقر الوحش التي تأوي إليها، والخنس الجوارى: البقر .حدثنا يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم ومجاهد أنهما تذاكرا هذه الآية ( فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ ) فقال إبراهيم لمجاهد: قل فيها ما سمعت، قال: فقال مجاهد: كنا نسمع فيها شيئا، وناس يقولون: إنها النجوم، قال: فقال إبراهيم: إنهم يكذبون على عليّ رضي الله عنه ، هذا كما رَوَوْا عن علي رضي الله عنه ، أنه ضمَّن الأسفل الأعلى، والأعلى الأسفل.حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن المغيرة، قال: سُئل مجاهد عن الجواري الكنس قال: لا أدري يزعمون أنها البقر؛ قال: فقال إبراهيم: ما لا تدري هي البقر، قال: يذكرون عن عليّ رضي الله عنه أنها النجوم، قال: يكذبون على عليّ عليه السلام .وقال آخرون: هي الظباء.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: ( فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ ) يعني: الظباء .حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث بن إسحاق، عن جعفر، عن سعيد بن جُبير ( فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ) قال: الظباء .حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلية، قال: ثنا ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ( فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ ) قال: كنا نقول: " أظنه قال ": الظباء، حتى زعم سعيد بن جُبير أنه سأل ابن عباس عنها، فأعاد عليه قراءتها.حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (الْخُنَّسِ *الْجَوَارِ الْكُنَّسِِ) يعني الظباء .وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: أن يقال: إن الله تعالى ذكره أقسم بأشياء تخنس أحيانا: أي تغيب، وتجري أحيانا وتكنس أخرى، وكنوسها: أن تأوي في مكانسها، والمكانس عند العرب: هي المواضع التي تأوي إليها بقر الوحش والظباء، واحدها: مَكْنِس وكناس، كما قال الأعشى:فلَمَّا لَحِقْنا الْحَيَّ أتْلَعَ أُنَّسٌكمَا أتْلَعَتْ تَحْتَ المَكانِسِ رَبْرَبُ (6)فهذه جمع مَكْنِس، وكما قال في الكناس طَرَفة بن العبد:كأنَّ كِناسَيْ ضَالَةٍ يَكْنُفانِهَاوأطْرَ قِسِيٍّ تَحْتَ صُلْبٍ مُؤَيَّدِ (7)وأما الدلالة على أن الكناس قد يكون للظباء، فقول أوس بن حَجَر:أَلَمْ تَرَ أنَّ اللهَ أنزلَ مُزْنَةًوعُفْرُ الظِّباءِ في الكِناسِ تَقَمَّعُ (8)فالكناس في كلام العرب ما وصفت، وغير مُنكر أن يستعار ذلك في المواضع التي تكون بها النجوم من السماء، فإذا كان ذلك كذلك، ولم يكن في الآية دلالة على أن المراد بذلك النجوم دون البقر، ولا البقر دون الظباء، فالصواب أن يُعَمّ بذلك كلّ ما كانت صفته الخنوس أحيانا والجري أخرى، والكنوس بآنات على ما وصف جلّ ثناؤه من صفتها.------------------الهوامش :(6) البيت لأعشى بني قيس بن ثعلبة ( ديوانه بتحقيق الدكتور محمد حسين 201 ) من قصيدة يهجو بها الحارث ابن وعلة ، والبيت هو التاسع فيها وفيه " فلما أدركت الحي " أي لحقته . وأتلع : رفع رأسه . والأنس : جمع آنسة ، كركع جمع راكعة ، وهي الطيبة النفس . والمكانس : جمع مكنس ، وهو مدخل الظبي أو البقرة الوحشية . في أصل شجرة تسكن فيه من الحر . والربرب : القطيع من البقر الوحشي . يقول : فلما بلغت الحي تطلع الفتيات ينظرن إلى وقد تطاولت أعناقهن ومددنها ، كأنهن قطيع من البقر الوحشي المستظل بالأشجار وقد مد الرقاب . ومحل الشاهد في قوله المكانس فإنها جمع مكنس وهو الكناس أيضا ، كما فسرناه .(7) البيت من معلقة طرفة ( مختار الشعر الجاهلي بشرح مصطفى السقا طبعة الحلبي 312 ) قال شارحه : الكناس : بيت يتخذه الوحش في أصل شجرة . والثور يتخذ كناسين : لظل الغداة ، وفيء العشي . والضال : هو السدر البري . ويكنفانها: يكونان في ناحيتها . والأطر : العطف . والمؤيد : المقوى . شبه إبطيها في السعة ببيتين من بيوت الوحش في أصل ضالة . وشبه أضلاعها . بقسي معطوفة تحت صلب قوي . وسعة الإبط أبعد لها من العثار . ا ه . وقال الفراء في معاني القرآن عند قوله تعالى : فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس قال : وهي النجوم تخنس في مجراها : ترجع . وتكنس : تستتر كما تكنس الظباء في المغار ، وهو الكناس . ا ه .(8) البيت لأوس بن حجر التميمي كما قال المؤلف وكما في ( اللسان : قمع ) . والكناس والمكنس : بيت يتخذه الظبي أو الثور الوحشي في أصل شجرة ليتقي به حر الشمس ، وقد تقدم . وتقمع ، يقال قمعت الظبية قمعا ، وتقمعت : لسعتها القمعة ( بالتحريك ، وهي ذباب أزرق عظيم يدخل في أنف الدواب ، فيؤذيها ، والجمع : قمع ومقامع ) ودخلت في أنفها ، فحركت رأسها عن ذلك . وتقمع الحمار : حرك رأسه من القمعة ، ليطرد النعرة عن وجهه أو من أنفه ، قال أوس بن حجر : " ألم تر أن أرسل مزنة ... " البيت . أي تحرك رءوسها من القمع . ا ه . والبيت شاهد على أن الكناس يكون للظباء ، كما يكون لبقر الوحش . ا ه .

الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16) و ( الجواري ) : جمع جارية ، وهي التي تجري ، أي تسير سيراً حثيثاً .و { الكنس } : جمع كانسة ، يقال : كَنسَ الظبي ، إذا دخل كِناسه ( بكسر الكاف ) وهو البيت الذي يتخذه للمبيت .وهذه الصفات أريد بها صفات مجازية لأن الجمهور على أن المراد بموصوفاتها الكواكب ، وصفن بذلك لأنها تكون في النهار مختفية عن الأنظار فشبهت بالوحشية المختفية في شجر ونحوه ، فقيل : الخُنَّس وهو من بديع التشبيه ، لأن الخنوس اختفاء الوحش عن أنظار الصيادين ونحوهم دون سكون في كناس ، وكذلك الكواكب لأنها لا تُرى في النهار لغلبة شعاع الشمس على أفقها وهي مع ذلك موجودة في مطالعها .وشبه ما يبدو للأنظار من تنقلها في سمت الناظرين للأفق باعتبار اختلاف ما يسامتها من جزء من الكرة الأرضية بخروج الوحش ، فشبهت حالة بُدُوّها بعد احتجابها مع كونها كالمتحركة بحالة الوحش تجري بعد خنوسها تشبيه التمثيل . وهو يقتضي أنها صارت مرئية فلذلك عقب بعد ذلك بوصفها بالكُنّس ، أي عند غروبها تشبيهاً لغروبها بدخول الظبي أو البقرة الوحشية كِناسها بعد الانتشار والجري .فشبه طلوع الكوكب بخروج الوحشية من كناسها ، وشبه تنقل مَرآها للناظر بجري الوحشية عند خروجها من كناسها صباحاً ، قال لبيد: ... حتى إذا انحسر الظلام وأسفرتبَكَرَتْ تَزل عن الثرى أزلامُها ... وشبه غروبها بعد سيرها بكنوس الوحشية في كناسها وهو تشبيه بديع فكان قوله : { بالخنس } استعارة وكان { الجوار الكنس } ترشيحين للاستعارة .وقد حصل من مجموع الأوصاف الثلاث ما يشبه اللغز يحسب به أن الموصوفات ظباء أو وحوش لأن تلك الصفات حقائقها من أحوال الوحوش ، والإِلغاز طريقة مستملحة عند بلغاء العرب وهي عزيزة في كلامهم ، قال بعض شعرائهم وهو من شواهد العربية: ... فقلت أعيراني القَدوم لعلّنيأخُطُّ بها قبْراً لأبيض ماجد ... أراد أنه يصنع بها غِمداً لسيف صقيل مهند .وعن ابن مسعود وجابر بن عبد الله وابن عباس : حمل هذه الأوصاف على حقائقها المشهورة ، وأن الله أقسم بالظباء وبقر الوحش .والمعروف في إقسام القرآن أن تكون بالأشياء العظيمة الدالة على قدرة الله تعالى أو الأشياء المباركة .
الآية 16 - سورة التكوير: (الجوار الكنس...)