سورة التكوير: الآية 26 - فأين تذهبون...

تفسير الآية 26, سورة التكوير

فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ

الترجمة الإنجليزية

Faayna tathhaboona

تفسير الآية 26

فأين تذهب بكم عقولكم في التكذيب بالقرآن بعد هذه الحجج القاطعة؟ ما هو إلا موعظة من الله لجميع الناس، لمن شاء منكم أن يستقيم على الحق والإيمان، وما تشاؤون الاستقامة، ولا تقدرون على ذلك، إلا بمشيئة الله رب الخلائق أجمعين.

«فأين تذهبون» فبأي طريق تسلكون في إنكاركم القرآن وإعراضكم عنه.

فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ أي: كيف يخطر هذا ببالكم، وأين عزبت عنكم أذهانكم؟ حتى جعلتم الحق الذي هو في أعلى درجات الصدق بمنزلة الكذب، الذي هو أنزل ما يكون [وأرذل] وأسفل الباطل؟ هل هذا إلا من انقلاب الحقائق.

وقوله ( فأين تذهبون ) ؟ أي : فأين تذهب عقولكم في تكذيبكم بهذا القرآن مع ظهوره ووضوحه وبيان كونه جاء من عند الله عز وجل كما قال الصديق رضي الله عنه لوفد بني حنيفة حين قدموا مسلمين وأمرهم فتلوا عليه شيئا من قرآن مسيلمة الذي هو في غاية الهذيان والركاكة فقال : ويحكم أين يذهب بعقولكم ؟ والله إن هذا الكلام لم يخرج من إل أي من إلهوقال قتادة ( فأين تذهبون ) أي عن كتاب الله وعن طاعته .

وقوله - سبحانه - : ( فَأيْنَ تَذْهَبُونَ ) جملة معترضة بين ما سبقها .

"فأين تذهبون"، أي أين تعدلون عن هذا القرآن، وفيه الشفاء والبيان؟ قال الزجاج: أي طريق تسلكون أبين من هذه الطريقة التي قد بينت لكم.

فأين تذهبون قال قتادة : فإلى أين تعدلون عن هذا القول وعن طاعته . كذا روى معمر عن قتادة ; أي أين تذهبون عن كتابي وطاعتي . وقال الزجاج : فأي طريقة تسلكون أبين من هذه الطريقة التي بينت لكم . ويقال : أين تذهب ؟ وإلى أين تذهب ؟ وحكى الفراء عن العرب : ذهبت الشام وخرجت العراق وانطلقت السوق : أي إليها . قال : سمعناه في هذه الأحرف الثلاثة ; وأنشدني بعض بني عقيل :تصيح بنا حنيفة إذ رأتنا وأي الأرض تذهب بالصياحيريد إلى أي أرض تذهب ، فحذف إلى . وقال الجنيد : معنى الآية مقرون بآية أخرى ; وهي قوله تعالى : وإن من شيء إلا عندنا خزائنه المعنى : أي طريق تسلكون أبين من الطريق الذي بينه الله لكم . وهذا معنى قول الزجاج .

وقوله: ( فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ ) ؟ يقول تعالى ذكره: فأين تذهبون عن هذا القرآن وتعدلون عنه.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ ) يقول: فأين تعدلون عن كتابي وطاعتي . وقيل: ( فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ ) ولم يقل: فإلى أين تذهبون، كما يقال: ذهبت الشأم وذهبت السوق. وحُكي عن العرب سماعا: انطلق به الغَوْرَ، على معنى إلغاء الصفة، وقد ينشد لبعض بني عُقَيل:تَصِيحُ بِنا حَنِيفةُ إذْ رأتْناوأيَّ الأرْضِ تَذْهَبُ للصَّياح (12)بمعنى: إلى أيّ الأرض تذهب واستجيز إلغاء الصفة في ذلك للاستعمال.-------------------الهوامش :(12) البيت لبعض بني عقيل . قال الفراء في معاني القرآن ( 360 ) وقوله : فأين تذهبون العرب تقول : إلى أين تذهب ؟ وأين تذهب ؟ ويقولون : ذهبت الشام ، وذهبت السوق ، وانطلقت الشام ، وانطلقت السوق ، وخرجت الشام . سمعناه في هذه الأحرف الثلاثة : خرجت ، وانطلقت ، وذهبت . وقال الكسائي : سمعت العرب تقول : انظلقت به الغور ، فتنصب على معنى إلقاء الصفة ( حرف الجر عند الكوفيين ) ، وأنشدني بعض بني عقيل : " تصيح بنا حنيفة ... " البيت . يريد إلى أي الأرض تذهب ؟ واستجازوا في هؤلاء الأحرف إلقاء " إلى " لكثرة استعمالهم إياها . قلت : النحويون منعوا نصب اسم المكان على الظرفية ، إذا كان خاصا ( له صورة وحدود محصورة ، وأوجبوا الجر فيه بحرف الجر ، واستثنوا هذه الأحرف التي ذكرها الفراء إذ ورد السماع بها عن العرب بدون حرف الجر ) . وهو كما قال

فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26)جملة : { فأين تذهبون } معترضة بين جملة : { وما هو بقول شيطان رجيم } [ التكوير : 25 ] وقوله : { إن هو إلا ذكر للعالمين } [ التكوير : 27 ] .والفاء لتفريع التوبيخ والتعجيز على الحجج المتقدمة المثبتة أن القرآن لا يجوز أن يكون كلام كاهن وأنَّه وحي من اللَّه بواسطة الملك .وهذا من اقتران الجملة المعترضة بالفاء كما تقدم في قوله تعالى : { فمن شاء ذكره } في سورة عبس ( 12 ) .و ( أين ) اسم استفهام عن المكان . وهو استفهام إنكاري عن مكان ذهابهم ، أي طريق ضلالهم ، تمثيلاً لحالهم في سلوك طرق الباطل بحال من ضل الطريق الجادة فيسأله السائل منكراً عليه سلوكه ، أي اعدلْ عن هذا الطريق فإنه مضلة .ويجوز أن يكون الاستفهام مستعملاً في التعجيز عن طلب طريق يسلكونه إلى مقصدهم من الطعن في القرآن .والمعنى : أنه قد سدت عليكم طرق بهتانكم إذ اتضح بالحجة الدامغة بطلان ادعائكم أن القرآن كلام مجنون أو كلام كاهن ، فماذا تدعون بعد ذلك .واعلم أن جملة أين تذهبون قد أرسلت مثلاً ، ولعله من مبتكرات القرآن وكنت رأيت في كلام بعضهم : أين يذهب بك ، لمن كان في خطأ وعماية .
الآية 26 - سورة التكوير: (فأين تذهبون...)