سورة التين: الآية 8 - أليس الله بأحكم الحاكمين...

تفسير الآية 8, سورة التين

أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَحْكَمِ ٱلْحَٰكِمِينَ

الترجمة الإنجليزية

Alaysa Allahu biahkami alhakimeena

تفسير الآية 8

أليس الله الذي جعل هذا اليوم للفصل بين الناس بأحكم الحاكمين في كل ما خلق؟ بلى. فهل يُترك الخلق سدى لا يؤمرون ولا يُنهون، ولا يثابون ولا يعاقبون؟ لا يصحُّ ذلك ولا يكون.

(أليس الله بأحكم الحاكمين) هو أقضى القاضين وحكمه بالجزاء من ذلك وفي الحديث: "" من قرأ والتين إلى آخرها فليقل: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين "".

أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ فهل تقتضي حكمته أن يترك الخلق سدى لا يؤمرون ولا ينهون، ولا يثابون ولا يعاقبون؟أم الذي خلق الإنسان أطوارًا بعد أطوار، وأوصل إليهم من النعم والخير والبر ما لا يحصونه، ورباهم التربية الحسنة، لا بد أن يعيدهم إلى دار هي مستقرهم وغايتهم، التي إليها يقصدون، ونحوها يؤمون. تمت ولله الحمد.

وقوله : ( أليس الله بأحكم الحاكمين ) أي : أما هو أحكم الحاكمين ، الذي لا يجور ولا يظلم أحدا ، ومن عدله أن يقيم القيامة فينصف المظلوم في الدنيا ممن ظلمه . وقد قدمنا في حديث أبي هريرة مرفوعا : " فإذا قرأ أحدكم ( والتين والزيتون ) فأتى على آخرها : ( أليس الله بأحكم الحاكمين ) فليقل : بلى ، وأنا على ذلك من الشاهدين " .آخر تفسير [ سورة ] " والتين والزيتون " ولله الحمد .

والاستفهام في قوله- تعالى-: أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ للتقرير: إذ الجملة الكريمة تحقيق لما ذكر من خلق الإنسان في أحسن تقويم، ثم رده إلى أسفل سافلين.فكأنه- تعالى- يقول: إن الذي فعل ذلك كله هو أحكم الحاكمين خلقا وإيجادا. وصنعا وتدبيرا، وقضاء وتقديرا، فيجب على كل عاقل أن يخلص له العبادة والطاعة، وأن يتبع رسوله صلى الله عليه وسلم في كل ما جاء به من عند ربه- عز وجل-.وقد روى الإمام الترمذي عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من قرأ منكم وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ... ثم انتهى إلى قوله- تعالى- أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ فليقل: بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين» .نسأل الله- تعالى- أن يجعلنا جميعا من عباده الصالحين.وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

( أليس الله بأحكم الحاكمين ) بأقضى القاضين ، قال مقاتل : [ أليس الله ] يحكم بينك وبين أهل التكذيب [ بك ] يا محمد .وروينا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من قرأ والتين والزيتون فانتهى إلى آخرها : " أليس الله بأحكم الحاكمين " فليقل : بلى ، وأنا على ذلك من الشاهدين " .أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا أبو الوليد ، حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت الأنصاري قال : سمعت البراء بن عازب قال : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في سفر فقرأ في العشاء في إحدى الركعتين بالتين والزيتون .

قوله تعالى : أليس الله بأحكم الحاكمينأي أتقن الحاكمين صنعا في كل ما خلق . وقيل : بأحكم الحاكمين قضاء بالحق ، وعدلا بين الخلق . وفيه تقدير لمن اعترف من الكفار بصانع قديم . وألف الاستفهام إذا دخلت على النفي وفي الكلام معنى التوقيف صار إيجابا ، كما قال :ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راحوقيل : فما يكذبك بعد بالدين أليس الله بأحكم الحاكمين : منسوخة بآية السيف . وقيل : هي ثابتة ; لأنه لا تنافي بينهما . وكان ابن عباس وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - إذا قرأ : أليس الله بأحكم الحاكمين قالا : بلى ، وأنا على ذلك من الشاهدين فيختار ذلك . والله أعلم . ورواه الترمذي عن أبي هريرة قال : من قرأ سورة ( والتين والزيتون ) فقرأ أليس الله بأحكم الحاكمين فليقل : بلى ، وأنا على ذلك من الشاهدين . والله أعلم .

وقوله: ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ) يقول تعالى ذكره: أليس الله يا محمد بأحكم من حكم في أحكامه، وفصل قضائه بين عباده؟ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ ذلك فيما بلغنا قال: بَلى.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ) ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأها قال: " بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين " .حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا وكيع، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جُبير، قال: كان ابن عباس إذا قرأ: ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ) قال: سبحانك اللهمّ، و بلى.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: كان قتادة إذا تلا( أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ) قال: بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين، أحسبه كان يرفع ذلك؛ وإذا قرأ: أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى ؟ قال: بلى، وإذا تلا فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ قال: آمنت بالله، وبما أنزل.آخر تفسير سورة والتين

أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8)، أي يجعلك مكذباً بدين الإِسلام ، أو مكذباً بالجزاء إن حمل الدين على معنى الجزاء وجملة : { أليس الله بأحكم الحاكمين } مستأنفة للتهديد والوعيد .و { الدين } يجوز أن يكون بمعنى الملة والشريعة ، كقوله تعالى : { إن الدين عند الله الإسلام } [ آل عمران : 19 ] وقوله : { ومن يبتغ غير الإسلام ديناً } [ آل عمران : 85 ] .وعليه تكون الباء للسببية ، أي فمن يكذبك بعد هذا بسبب ما جئتَ به من الدين فالله يحكم فيه . ومعنى { يكذبك } : ينسبك للكذب بسبب ما جئت به من الدين أو ما أنذرت به من الجزاء ، وأسلوب هذا التركيب مؤذن بأنهم لم يكونوا ينسبون النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكذب قبل أن يجيئهم بهذا الدين .ويجوز أن يكون «الدين» بمعنى الجزاء في الآخرة كقوله : { مالك يوم الدين } [ الفاتحة : 4 ] وقوله : { يصلونها يوم الدين } [ الانفطار : 15 ] وتكون الباء صلة ( يكذب ) كقوله : { وكذب به قومك وهو الحق } [ الأنعام : 66 ] وقوله : { قل إني على بينة من ربي وكذبتم به } [ الأنعام : 57 ] .ويجوز أن تكون ( ما ) موصولة وما صدْقُها المكذب ، فهي بمعنى ( مَن ) ، وهي في محل مبتدإ ، والخطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم والضمير المستتر في { يكذبك } عائد إلى ( مَا ) وهو الرابط للصلة بالموصول ، والباء للسببية ، أي ينسبك إلى الكذب بسبب ما جئت به من الإِسلام أو من إثبات البعث والجزاء .وحذف ما أضيف إليه { بعدُ } فبنيت بعدُ على الضم والتقدير : بعدَ تبيُّن الحق أو بعد تبيُّن ما ارتضاه لنفسه من أسفل سافلين .وجملة : { أليس الله بأحكم الحاكمين } يجوز أن تكون خبراً عن ( ما ) والرابط محذوف تقديره : بأحكم الحاكمين فيه .ويجوز أن تكون الجملة دليلاً على الخبر المخبر به عن ( مَا ) الموصولة وحُذف إيجازاً اكتفاء بذكر ما هو كالعلة له فالتقدير فالذي يكذبك بالدين يتولى الله الانتصاف منه أليس الله بأحكم الحاكمين .والاستفهام تقريري .و«أحكم» يجوز أن يكون مأخوداً من الحكم ، أي أقضى القضاة ، ومعنى التفضيل أن حكمه أسد وأنفذ .ويجوز أن يكون مشتقاً من الحكمة . والمعنى : أنه أقوى الحاكمين حِكمةً في قضائه بحيث لا يخالط حكمه تفريط في شيء من المصلحة ونَوْطِ الخبر بذي وصف يؤذن بمراعاة خصائص المعنى المشتقِّ منه الوصفُ فلما أخبر عن الله بأنه أفضل الذين يحكمون ، عُلم أن الله يفوق قضاؤه كل قضاء في خصائص القضاء وكمالاته ، وهي : إصابة الحق ، وقطع دابر الباطل ، وإلزام كل من يقضي عليه بالامتثال لقضائه والدخول تحت حكمه .روى الترمذي وأبو داود عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من قرأ منكم { والتين والزيتون } [ التين : 1 ] فانتهى إلى قوله : { أليس الله بأحكم الحاكمين } فليقل : بلى وأنا على ذلك من الشاهدين » .
الآية 8 - سورة التين: (أليس الله بأحكم الحاكمين...)