سورة ابراهيم: الآية 2 - الله الذي له ما في...

تفسير الآية 2, سورة ابراهيم

ٱللَّهِ ٱلَّذِى لَهُۥ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ ۗ وَوَيْلٌ لِّلْكَٰفِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ

الترجمة الإنجليزية

Allahi allathee lahu ma fee alssamawati wama fee alardi wawaylun lilkafireena min AAathabin shadeedin

تفسير الآية 2

(الر) سبق الكلام على الحروف المقطَّعة في أول سورة البقرة.

«الله» بالجر بدل أو عطف بيان وما بعده صفة والرفع مبتدأ خبره «الذي له ما في السماوات وما في الأرض» ملكا وخلقا وعبيدا «وويل للكافرين من عذاب شديد».

وليدل ذلك على أن صراط الله من أكبر الأدلة على ما لله من صفات الكمال، ونعوت الجلال، وأن الذي نصبه لعباده، عزيز السلطان، حميد في أقواله وأفعاله وأحكامه، وأنه مألوه معبود بالعبادات التي هي منازل الصراط المستقيم، وأنه كما أن له ملك السماوات والأرض خلقا ورزقا وتدبيرا، فله الحكم على عباده بأحكامه الدينية، لأنهم ملكه، ولا يليق به أن يتركهم سدى، فلما بيَّن الدليل والبرهان توعد من لم ينقد لذلك، فقال: وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ لا يقدر قدره، ولا يوصف أمره

وقوله : ( الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ) قرأه بعضهم مستأنفا مرفوعا ، وقرأه آخرون على الإتباع صفة للجلالة ، كما قال تعالى : ( قل ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض ) [ الأعراف : 158 ] .وقوله : ( وويل للكافرين من عذاب شديد ) أي : ويل لهم يوم القيامة إذ خالفوك يا محمد وكذبوك .

ثم بين- سبحانه- بعض مظاهر قدرته فقال: اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ....أى: الله- تعالى- وحده هو الذي له ما في السموات وما في الأرض ملكا وملكا وخلقا لا يشاركه في ذلك مشارك، ولا ينازعه منازع.ولفظ الجلالة قرأه الجمهور بالجر على أنه بدل أو عطف بيان من العزيز الحميد.وقرأه نافع وابن عامر بالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف أى: هو الله الذي له ما في السموات وما في الأرض.وجملة «وويل للكافرين من عذاب شديد» تهديد ووعيد لمن كفر بالحق وأعرض عنه.ولفظ «ويل» مصدر لا يعرف له فعل من لفظه مثل «ويح» وجاء مرفوعا للدلالة على الثبات والدوام، ومعناه الهلاك أو الفضيحة أو الحسرة، أى: الله- تعالى- هو الذي له ما في السموات وما في الأرض، وويل للكافرين بما أنزلناه إليك- أيها الرسول الكريم- من عذاب شديد سينزل بهم، فيجعلهم يستغيثون دون أن يجدوا من يغيثهم.

( الله الذي ) قرأ أبو جعفر ، وابن عامر : " الله " بالرفع على الاستئناف ، وخبره فيما بعده . وقرأ الآخرون بالخفض نعتا للعزيز الحميد . وكان يعقوب إذا وصل خفض .وقال أبو عمرو : الخفض على التقديم والتأخير ، مجازه : إلى صراط الله العزيز الحميد ( الذي له ما في السماوات وما في الأرض وويل للكافرين من عذاب شديد ) .

قوله تعالى : الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وويل للكافرين من عذاب شديدقوله تعالى : الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض أي ملكا وعبيدا واختراعا وخلقا . وقرأ نافع وابن عامر وغيرهما : " الله " بالرفع على الابتداء الذي خبره . وقيل : الذي صفة ، والخبر مضمر ; أي الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض قادر على كل شيء . الباقون بالخفض نعتا للعزيز الحميد فقدم النعت على المنعوت ; كقولك : مررت بالظريف زيد . وقيل : على البدل من الحميد وليس صفة ; لأن اسم الله صار كالعلم فلا يوصف ; كما لا يوصف بزيد وعمرو ، بل يجوز أن يوصف به من حيث المعنى ; لأن معناه أنه المنفرد بقدرة الإيجاد . وقال أبو عمرو : والخفض على التقديم والتأخير ، مجازه : إلى صراط الله العزيز الحميد الذي له ما في السماوات وما في الأرض . وكان يعقوب إذا وقف على الحميد رفع ، وإذا وصل خفض على النعت . قال ابن الأنباري : من خفض وقف على وما في الأرض .قوله تعالى : وويل للكافرين من عذاب شديد قد تقدم معنى الويل في " البقرة " وقال الزجاج : هي كلمة تقال للعذاب والهلكة . من عذاب شديد أي من جهنم .

قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك .فقرأته عامة قَرأة المدينة والشأم : " اللهُ الَّذِي لَهُ مَا فِي السماوات " برفع اسم " الله " على الابتداء ، وتصيير قوله: ( الذي له ما في السماوات ) ،خبرَه.* * *وقرأته عامة قرأة أهل العراق والكوفة والبصرة: ( اللهِ الَّذِي ) بخفض اسم الله على إتباع ذلك الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ، وهما خفضٌ.* * *وقد اختلف أهل العربية في تأويله إذ قرئ كذلك .فذكر عن أبي عمرو بن العَلاء أنه كان يقرؤه بالخفض. ويقول: معناه: بإذن ربهم إلى صرَاط [ الله ] العزيز الحميدِ الذي له ما في السماوات . (25) ويقول: هو من المؤخَّر الذي معناه التقديم ، ويمثله بقول القائل: " مررتُ بالظَّريف عبد الله " ، والكلام الذي يوضع مكانَ الاسم النَّعْتُ ، ثم يُجْعَلُ الاسمُ مكان النعت ، فيتبع إعرابُه إعرابَ النعت الذي وُضع موضع الاسم ، كما قال بعض الشعراء:لَوْ كُنْتُ ذَا نَبْلٍ وَذَا شَزِيبِمَا خِفْتُ شَدَّاتِ الخَبِيثِ الذِّيبِ (26)* * *وأما الكسائي فإنه كان يقول فيما ذكر عنه: مَنْ خفضَ أراد أن يجعلَه كلامًا واحدًا ، وأتبع الخفضَ الخفضَ ، وبالخفض كان يَقْرأ.* * *قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي ، أنهما قراءتان مشهورتان ، قد قرأ بكل واحدة منهما أئمة من القُرّاء ، معناهما واحدٌ ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقد يجوز أن يكون الذي قرأه بالرفع أراد مَعْنَى مَنْ خفضَ في إتباع الكلام بعضِه بعضًا ، ولكنه رفع لانفصاله من الآية التي قبله ، كما قال جل ثناؤه: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلى آخر الآية ثم قال: التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ [سورة التوبة : 111 ، 112] . (27)* * *ومعنى قوله: ( اللهِ الذي له ما في السماوات وما في الأرض ) اللهِ الذي يملك جميع ما في السماوات ومَا في الأرض .يقول لنييه محمد صلى الله عليه وسلم: أنزلنا إليك هذا الكتاب لتدعُوَ عِبادي إلى عِبَادة مَنْ هذه صفته ، وَيَدعُو عبادَةَ من لا يملك لهم ولا لنفسه ضَرًّا ولا نفعًا من الآلهة والأوثان. ثم توعّد جل ثناؤه من كفر به ، ولم يستجب لدعاء رسوله إلى ما دعاه إليه من إخلاص التوحيد له فقال: ( وويْلٌ للكافرين من عذاب شديد ) يقول: الوادِي الذي يسيلُ من صديد أهل جهنم ، لمن جحد وحدانيته ، وعبد معه غيره ، مِن عَذَاب الله الشَّدِيد. (28)-----------------------------------الهوامش :(25) زدت ما بين القوسين لأنه حق الكلام ، وإلا لم يكن المعنى على " المؤخر الذي معناه التقديم " كما سيأتي ، بل كان يكون على التطويل والزيادة ، وهو باطل . وهو إغفال من عجلة الناسخ وسبق قلمه .(26) غاب عني مكان الرجز . و " الشزيب " و " الشزبة " ، ( بفتح فسكون ) ، من أسماء القوس ، وهي التي ليست بجديد ولا خلق ، كأنها شزب قضيبها ، أي ذبل . و " الشدة " ، ( بفتح الشين ) الحملة ، يقال : " شد على العدو " ، أي حمل .(27) انظر ما قاله أبو جعفر في الآية ، فيما سلف 14 : 500 ، التعليق رقم : 2 .(28) انظر تفسير " الويل " فيما سلف 2 : 267 - 269 ، 237 .

{ الله الذى لَهُ مَا فِى السماوات وَمَا فِى الارض }.قرأ نافع ، وابن عامر ، وأبو جعفر برفع اسم الجلالة على أنه خبر عن مبتدإ محذوف . والتقدير : هو ( أي العزيزُ الحميد ) اللّهُ الموصوف بالذي له ما في السماوات الأرض . وهذا الحذف جارٍ على حذف المسند إليه المسمى عند علماء المعاني تبعاً للسكاكِي بالحَذف لمتابعة الاستعمال ، أي استعمال العرب عندما يجري ذكر موصوف بصفات أن ينتقلوا من ذلك إلى الإخبار عنه بما هو أعظم مما تقدم ذكره ليكسب ذلك الانتقال تقريراً للغرض ، كقول إبراهيم الصولي :سأشكر عَمْراً إن تراختْ منيتي ... أياديَ لم تُمْنَنْ وإنْ هيَ جَلّتفَتى غيرُ محجوب الغنى عن صديقه ... ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلتأي هو فتى من صفته كيت وكيت .وقرأه الباقون إلاّ رُويْساً عن يعقوب بالجَرّ على البدلية من { العزيز الحميد } ، وهي طريقة عربية . ومآل القراءتين واحد وكلتا الطريقتين تفيد أن المنتقل إليه أجدر بالذكر عقب ما تقدمه ، فإن اسم الجلالة أعظم من بقية الصفات لأنه عَلَم الذات الذي لا يشاركه موجود في إطلاقه ولا في معناه الأصلي المنقول منه إلى العلمية إلا أن الرفع أقوى وأفخم .وقرأه رُوَيْس عن يعقوب بالرفع إذا وقف على قوله : { الحميد } وابتدىء باسم { الله } ، فإذا وصل { الحميد } باسم { الله } جر اسم الجلالة على البدلية .وإجراء الوصف بالموصول على اسم الجلالة لزيادة التفخيم لا للتعريف ، لأن ملك سائر الموجودات صفة عظيمة والله معروف بها عند المخاطبين . وفيه تعريض بأن صراط غير الله من طرق آلهتهم ليس بواصل إلى المقصود لنقصان ذويه . وفي ذكر هذه الصلة إدماجُ تعريض بالمشركين الذين عبدوا ما ليس له السماوات والأرض .لمّا أفاد قوله : { إلى صراط العزيز الحميد الله الذي له ما في السموات وما في الأرض } تعريضاً بالمشركين الذين اتبعوا صراط غير الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض عطف الكلام إلى تهديدهم وإنذارهم بقوله : { وويل للكافرين من عذاب شديد } ، أي للمشركين به آلهة أخرى .وجملة { وويل للكافرين } إنشاء دعاء عليهم في مقام الغضب والذم ، مثل قولهم : ويحك ، فعطفه من عطف الإنشاء على الخبر .{ وويل } مصدر لا يعرف له فعل ، ومعناه الهلاك وما يقرب منه من سوء الحالة ، ولأنه لا يُعرف له فعل كان اسم مصدر وعومل معاملة المصادر ، ينصب على المفعولية المطلقة ويرفع لإفادة الثبات ، كما تقدم في رفع { الحمد لله } في سورة الفاتحة . ويقال : ويل لك وويلك ، بالإضافة . ويقال : يا ويلك ، بالنداء . وقد يذكر بعد هذا التركيب سببه فيؤتى به مجروراً بحرف { مِن } الابتدائية كما في قوله هنا { من عذاب شديد } ، أي هلاكاً ينجر لهم من العذاب الشديد الذي يلاقونه وهو عذاب النار .وتقدم الويل عند قوله تعالى : { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم } في سورة البقرة ( 79 ).والكافرون هم المعهودون وهم الذين لم يخرجوا من الظلمات إلى النور ، ولا اتبعوا صراط العزيز الحميد ، ولا انتفعوا بالكتاب الذي أنزل لإخراجهم من الظلمات إلى النور .
الآية 2 - سورة ابراهيم: (الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ۗ وويل للكافرين من عذاب شديد...)