سورة ابراهيم: الآية 5 - ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن...

تفسير الآية 5, سورة ابراهيم

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِـَٔايَٰتِنَآ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّىٰمِ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ

الترجمة الإنجليزية

Walaqad arsalna moosa biayatina an akhrij qawmaka mina alththulumati ila alnnoori wathakkirhum biayyami Allahi inna fee thalika laayatin likulli sabbarin shakoorin

تفسير الآية 5

ولقد أرسلنا موسى إلى بني إسرائيل وأيدناه بالمعجزات الدالة على صدقه، وأمرناه بأن يدعوهم إلى الإيمان؛ ليخرجهم من الضلال إلى الهدى، ويذكِّرهم بنعم الله ونقمه في أيامه، إن في هذا التذكير بها لَدلالات لكل صبَّار على طاعة الله، وعن محارمه، وعلى أقداره، شكور قائم بحقوق الله، يشكر الله على نعمه، وخصَّهم بذلك؛ لأنهم هم الذين يعتبرون بها، ولا يَغْفُلون عنها.

«ولقد أرسلنا موسى بآياتنا» التسع وقلنا له «أن أخرج قومك» بني إسرائيل «من الظلمات» الكفر «إلى النور» الإيمان «وذكّرهم بأيام الله» بنعمه «إن في ذلك» التذكير «لآيات لكل صبار» على الطاعة «شكور» للنعم.

يخبر تعالى: أنه أرسل موسى بآياته العظيمة الدالة على صدق ما جاء به وصحته، وأمره بما أمر الله به رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بل وبما أمر به جميع الرسل قومهم أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ أي: ظلمات الجهل والكفر وفروعه، إلى نور العلم والإيمان وتوابعه. وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ أي: بنعمه عليهم وإحسانه إليهم، وبأيامه في الأمم المكذبين، ووقائعه بالكافرين، ليشكروا نعمه وليحذروا عقابه، إِنَّ فِي ذَلِكَ أي: في أيام الله على العباد لآيات لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ أي: صبار في الضراء والعسر والضيق، شكور على السراء والنعمة.

يقول تعالى : وكما أرسلناك يا محمد وأنزلنا عليك الكتاب ، لتخرج الناس كلهم ، تدعوهم إلى الخروج من الظلمات إلى النور ، كذلك أرسلنا موسى في بني إسرائيل بآياتنا .قال مجاهد : وهي التسع الآيات .( أن أخرج قومك من الظلمات ) أي : أمرناه قائلين له : ( أخرج قومك من الظلمات إلى النور ) أي : ادعهم إلى الخير ، ليخرجوا من ظلمات ما كانوا فيه من الجهل والضلال إلى نور الهدى وبصيرة الإيمان .( وذكرهم بأيام الله ) أي : بأياديه ونعمه عليهم ، في إخراجه إياهم من أسر فرعون وقهره وظلمه وغشمه ، وإنجائه إياهم من عدوهم ، وفلقه لهم البحر ، وتظليله إياهم بالغمام ، وإنزاله عليهم المن والسلوى ، إلى غير ذلك من النعم . قال ذلك مجاهد ، وقتادة ، وغير واحد .وقد ورد فيه الحديث المرفوع الذي رواه عبد الله ابن الإمام أحمد بن حنبل في مسند أبيه حيث قال : حدثني يحيى بن عبد الله مولى بني هاشم ، حدثنا محمد بن أبان الجعفي ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير [ عن ابن عباس ، عن أبي بن كعب ، عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، في قوله تبارك وتعالى : ( وذكرهم بأيام الله ) قال : " بنعم الله تبارك وتعالى ] " .[ ورواه ابن جرير ] وابن أبي حاتم ، من حديث محمد بن أبان ، به ورواه عبد الله ابنه أيضا موقوفا وهو أشبه .وقوله : ( إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ) أي : إن فيما صنعنا بأوليائنا بني إسرائيل حين أنقذناهم من يد فرعون ، وأنجيناهم مما كانوا فيه من العذاب المهين ، لعبرة لكل صبار ، أي : في الضراء ، شكور ، أي : في السراء ، كما قال قتادة : نعم العبد ، عبد إذا ابتلي صبر ، وإذا أعطي شكر .وكذا جاء في الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إن أمر المؤمن كله عجب ، لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيرا له ، إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له " .

قال الإمام الرازي: «اعلم أنه- تعالى- لما بين أنه أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الناس ليخرجهم من الظلمات إلى النور وذكر كمال إنعامه عليه وعلى قومه في ذلك الإرسال وفي تلك البعثة، أتبع ذلك بشرح بعثة سائر الأنبياء إلى أقوامهم، وكيفية معاملة أقوامهم معهم.تصبيرا له صلى الله عليه وسلم على أذى قومه، وبدأ- سبحانه- بقصة موسى فقال: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ ... .وموسى- عليه السلام- هو ابن عمران، بن يصهر، بن ماهيث ... وينتهى نسبه إلى لاوى بن يعقوب عليه السلام.وكانت ولادة موسى- عليه السلام- في حوالى القرن الرابع عشر قبل الميلاد.والمراد بالآيات في قوله: بِآياتِنا الآيات التسع التي أيده الله تعالى بها قال تعالى:وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ ... .وهي: العصا، واليد، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والجدب- أى في بواديهم، والنقص من الثمرات- أى في مزارعهم.قال- تعالى-: فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ .وقال- تعالى-: وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ .وقال- تعالى-: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ، آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ .ومنهم من يرى أنه يصح أن يراد بالآيات هنا آيات التوراة التي أعطاها الله- تعالى- لموسى- عليه السلام-.قال الآلوسى ما ملخصه: «قوله: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أى: ملتبسا بها.وهي كما أخرج ابن جرير وغيره، عن مجاهد وعطاء وعبيد بن عمير، الآيات التسع التي أجراها الله على يده- عليه السلام- وقيل: يجوز أن يراد بها آيات التوراة» .ويبدو لنا أنه لا مانع من حمل الآيات هنا على ما يشمل الآيات التسع، وآيات التوراة، فالكل كان لتأييد موسى- عليه السلام- في دعوته.و «أن» في قوله أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ تفسيرية بمعنى أى: لأن في الإرسال معنى القول دون حروفه.والمراد بقومه: من أرسل لهدايتهم وإخراجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، وهم: بنو إسرائيل وفرعون وأتباعه.وقيل: المراد بقومه: بنو إسرائيل خاصة، ولا نرى وجها لهذا التخصيص، لأن رسالة موسى- عليه السلام- كانت لهم ولفرعون وقومه.والمعنى: وكما أرسلناك يا محمد لتخرج الناس من الظلمات إلى النور، أرسلنا من قبلك أخاك موسى إلى قومه لكي يخرجهم- أيضا- من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان. فالغاية التي من أجلها أرسلت- أيها الرسول الكريم- هي الغاية التي من أجلها أرسل كل نبي قبلك، وهي دعوة الناس إلى إخلاص العبادة لله- تعالى- وخص- سبحانه- موسى بالذكر من بين سائر الرسل. لأن أمته أكثر الأمم المتقدمة على هذه الأمة الاسلامية.وأكد- سبحانه- الإخبار عن إرسال موسى بلام القسم وحرف التحقيق قد، لتنزيل المنكرين لرسالة النبي صلى الله عليه وسلم منزلة من ينكر رسالة موسى- عليه السلام- وقوله- تعالى-: وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ معطوف على قوله أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ.والتذكير: إزالة نسيان الشيء، وعدى بالباء لتضمينه معنى الإنذار والوعظ: أى ذكرهم تذكير عظة بأيام الله.ومن المفسرين من يرى أن المراد بأيام الله: نعمه وآلاؤه.قال ابن كثير: قوله: وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ أى: بأياديه ونعمه عليهم، في إخراجه إياهم من أسر فرعون وقهره وظلمه وغشمه، وإنجائه إياهم من عدوهم، وفلقه لهم البحر، وتظليله إياهم بالغمام، وإنزاله عليهم المن والسلوى» .ومنهم من يرى أن المراد بها، نقمه وبأساؤه.قال صاحب الكشاف: قوله: «وذكرهم بأيام الله» أى: وأنذرهم بوقائعه التي وقعت على الأمم قبلهم، كما وقع على قوم نوح وعاد وثمود، ومنه أيام العرب لحروبها وملاحمها، كيوم ذي قار، ويوم الفجار، وهو الظاهر» .ومنهم من يرى أن المراد بها ما يشمل أيام النعمة، وأيام النقمة.قال الإمام الرازي ما ملخصه: «أما قوله «وذكرهم بأيام الله» فاعلم أنه- تعالى- أمر موسى في هذا المقام بشيئين، أحدهما: أن يخرجهم من الظلمات إلى النور. والثاني: أن يذكرهم بأيام الله.ويعبر عن الأيام بالوقائع العظيمة التي وقعت فيها ... وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ.فالمعنى: عظهم بالترغيب والترهيب والوعد والوعيد، فالترغيب والوعد، أن يذكرهم بنعم الله عليهم وعلى من قبلهم ممن آمن بالرسل ... والترهيب والوعيد. أن يذكرهم بأس الله وعذابه وانتقامه، ممن كذب الرسل من الأمم السالفة ...ثم قال: واعلم أن أيام الله في حق موسى- عليه السلام- منها ما كان أيام المحنة والبلاء، وهي الأيام التي كانت بنو إسرائيل فيها تحت قهر فرعون، ومنها ما كان أيام الراحة والنعماء مثل إنزال المن والسلوى عليهم ... » .وقال الآلوسى: «قوله: وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ أى: بنعمائه وبلائه، كما روى عن ابن عباس- رضى الله عنهما- واختاره الطبري، لأنه الأنسب بالمقام والأوفق بما سيأتى من الكلام» .وما ذهب إليه الإمامان الرازي والآلوسي، هو الذي تسكن إليه النفس، لأن الأيام كلها وإن كانت لله، إلا أن المراد بها هنا أيام معينة، وهي التي برزت فيها السراء أو الضراء بروزا ظاهرا، كانت له آثاره على الناس الذين عاشوا في تلك الأيام.وبنو إسرائيل- على سبيل المثال- مرت عليهم في تاريخهم الطويل، أيام غمروا فيها بالنعم، وأيام أصيبوا فيها بالنقم.فالمعنى: ذكر يا موسى قومك بنعم الله لمن آمن وشكر، وبنقمه على من جحد وكفر، لعل هذا التذكير يجعلهم يثوبون إلى رشدهم، ويتبعونك فيما تدعوهم إليه.واسم الإشارة في قوله: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ يعود على التذكير بأيام الله.والصبار: الكثير الصبر على البلاء، والصبر حبس النفس على ما يقتضيه الشرع فعلا أو تركا. يقال: صبره عن كذا يصبره إذا حبسه.والشكور: الكثير الشكر لله- تعالى- على نعمه، والشكر: عرفان الإحسان ونشره والتحدث به، وأصله من شكرت الناقة- كفرح- إذا امتلأ ضرعها باللبن، ومنه أشكر الضرع إذا امتلأ باللبن.أى: إن في ذلك التذكير بنعم الله ونقمه، لآيات واضحات، ودلائل بينات على وحدانية الله- تعالى- وقدرته وعلمه، وحكمته، لكل إنسان كثير الصبر على البلاء، وكثير الشكر على النعماء.وتخصيص الآيات بالصبار والشكور لأنهما هما المنتفعان بها وبما تدل عليه من دلائل على وحدانية الله وقدرته، لا لأنها خافية على غيرهما، فإن الدلائل على ذلك واضحة لجميع الناس.وجمع- سبحانه- بينهما، للإشارة إلى أن المؤمن الصادق لا يخلو حاله عن هذين الأمرين ففي الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن أمر المؤمن كله عجب، لا يقضى الله له قضاء إلا كان خيرا له، إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له» .وقدم- سبحانه- صفة الصبر على صفة الشكر، لما أن الصبر مفتاح الفرج المقتضى للشكر، أو لأن الصبر من قبيل الترك، والتخلية مقدمة على التحلية.

( ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور ) أي : من الكفر إلى الإيمان بالدعوة ( وذكرهم بأيام الله ) قال ابن عباس وأبي بن كعب ، ومجاهد ، وقتادة : بنعم اللهوقال مقاتل : بوقائع الله في الأمم السالفة . يقال : فلان عالم بأيام العرب ، أي بوقائعهم ، وإنما أراد بما كان في أيام الله من النعمة والمحنة ، فاجتزأ بذكر الأيام عنها لأنها كانت معلومة عندهم .( إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ) و " الصبار " : الكثير الصبر ، و " الشكور " : الكثير الشكر ، وأراد : لكل مؤمن ، لأن الصبر والشكر من خصال المؤمنين .

قوله تعالى : ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكورقوله تعالى : ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أي بحجتنا وبراهيننا ; أي بالمعجزات الدالة على صدقه . قال مجاهد : هي التسع الآياتأن أخرج قومك من الظلمات إلى النور نظيره قوله تعالى : لنبينا - عليه السلام - أول السورة : لتخرج الناس من الظلمات إلى النور وقيل : " أن " هنا بمعنى أي ، كقوله تعالى : وانطلق الملأ منهم أن امشوا أي امشوا .قوله تعالى : وذكرهم بأيام الله أي قل لهم قولا يتذكرون به أيام الله تعالى . قال ابن عباس ومجاهد وقتادة : بنعم الله عليهم ; وقاله أبي بن كعب ورواه مرفوعا ; أي بما أنعم الله عليهم من النجاة من فرعون ومن التيه إلى سائر النعم ، وقد تسمى النعم الأيام ; ومنه قول عمرو بن كلثوم :وأيام لنا غر طوالوعن ابن عباس أيضا ومقاتل : بوقائع الله في الأمم السالفة ; يقال : فلان عالم بأيام العرب ، أي بوقائعها . قال ابن زيد : يعني الأيام التي انتقم فيها من الأمم الخالية ; وكذلك روى ابن وهب عن مالك قال : بلاؤه . وقال الطبري : وعظهم بما سلف في الأيام الماضية لهم ، أي بما كان في أيام الله من النعمة والمحنة ; وقد كانوا عبيدا مستذلين ; واكتفى بذكر الأيام عنه لأنها كانت معلومة عندهم . وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : بينا موسى - عليه السلام - في قومه يذكرهم بأيام الله ، وأيام الله بلاؤه ونعماؤه وذكر حديث الخضر ; ودل هذا على جواز الوعظ المرقق للقلوب ، المقوي لليقين . الخالي من كل بدعة ، والمنزه عن كل ضلالة وشبهة .إن في ذلك أي في التذكير بأيام الله " لآيات " أي دلالات . لكل صبار أي كثير الصبر على طاعة الله ، وعن معاصيه . شكور لنعم الله . وقال قتادة : هو العبد ; إذا أعطي شكر ، وإذا ابتلي صبر . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر - ثم تلا هذه الآية - إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور . ونحوه عن الشعبي موقوفا . وتوارى الحسن البصري عن الحجاج سبع سنين ، فلما بلغه موته قال : اللهم قد أمته فأمت سنته ، وسجد شكرا ، وقرأ : إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور . وإنما خص بالآيات كل صبار شكور ; لأنه يعتبر بها ولا يغفل عنها ; كما قال : إنما أنت منذر من يخشاها وإن كان منذرا للجميع .

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: ولقد أرسلنا موسى بأدلتنا وحُجَجنا من قبلك يا محمد ، كما أرسلناك إلى قومك بمثلها من الأدلة والحجج (39) كما:20561- حدثنا محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ح (40) وحدثني الحارث قال ، حدثنا الحسن الأشيب ، قال ، حدثنا ورقاء ، عن أبي نجيح ، عن مجاهد ح (41) وحدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجَاهد ، في قول الله: ( ولقد أرسلنا موسى بآياتنا ) قال: بالبينات.20562- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( ولقد أرسلنا موسى بآياتنا ) قال: التسعُ الآيات ، الطُّوفانُ وما معه.20563- حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : ( أرسلنا موسى بآياتنا ) قال: التسعُ البَيِّناتُ.20564- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله.* * *وقوله: ( أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور ) ،كما أنزلنا إليك ، يا محمد ، هذا الكتاب لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم . ويعني بقوله: ( أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور ) ، أن ادعهم ، (42) من الضلالة إلى الهدى ، ومن الكفر إلى الإيمان ، كما:-20565- حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله: ( ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور ) يقول: من الضلالة إلى الهدى.20566- حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا هشام ، عن عمرو ، عن سعيد ، عن قتادة ، مثله.* * *وقوله: ( وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ) يقول عز وجلّ: وعِظْهُم بما سلف من نِعَمِي عليهم في الأيام التي خلت فاجتُزِئ بذكر " الأيام " من ذكر النعم التي عناها ، لأنها أيام كانت معلومة عندهم ، أنعم الله عليهم فيها نعمًا جليلةً ، أنقذهم فيها من آل فرعون بعدَ ما كانوا فيما كانوا [فيه] من العذاب المُهِين ، وغرَّق عدوَّهم فرعونَ وقومَه ، وأوْرَثهم أرضهم وديارَهم وأموالَهم.* * *وكان بعض أهل العربية يقول: معناه: خوَّفهم بما نزل بعادٍ وثمودَ وأشباههم من العذاب ، وبالعفو عن الآخرين: قال: وهو في المعنى كقولك: " خُذْهم بالشدة واللين ".* * *وقال آخرون منهم: قد وجدنا لتسمية النّعم بالأيام شاهدًا في كلامهم. ثم استشهد لذلك بقول عمرو بن كلثوم:وَأَيَّامِ لَنَا غُرٍّ طِوَالٍعَصَيْنَا الْمَلْكَ فِيهَا أَنْ نَدِينَا (43)وقال: فقد يكون إنما جَعَلها غُرًّا طِوالا لإنعامهم على الناس فيها. وقال: فهذا شاهدٌ لمن قال: ( وذكرهم بأيام الله ) بنعم الله. ثم قال: وقد يكون تَسْميتُها غُرًّا ، لعلوّهم على المَلِكِ وامتناعهم منه ، فأيامهم غرّ لهم ، وطِوالٌ على أعدائهم. (44)* * *قال أبو جعفر: وليس للذي قال هذا القول ، من أنّ في هذا البيت دليلا على أن " الأيام " معناها النعم ، وجهٌ . لأنَّ عمرو بن كلثوم إنما وصفَ ما وصف من الأيام بأنها " غُرّ" ، لعزّ عشيرته فيها ، وامتناعهم على المَلِك من الإذعان له بالطاعة ، وذلك كقول الناس: " ما كان لفلان قطُّ يومٌ أبيض " ، يعنون بذلك: أنه لم يكن له يومٌ مذكورٌ بخير. وأمّا وصفه إياها بالطولِ ، فإنها لا توصف بالطول إلا في حال شدَّة ، كما قال النابغة:كِلِينِي لِهَمٍّ يَا أُمَيْمَةَ نَاصِبِوَلَيْلٍ أُقَاسِيهِ بَطِيء الكَوَاكِبِ (45)فإنما وصفها عَمْرٌو بالطول ، لشدة مكروهها على أعداء قومه . ولا وجه لذلك غيرُ ما قلت.* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:20567- حدثني يحيى بن طلحة اليربوعيّ قال ، حدثنا فُضَيْل بن عِيَاض ، عن ليث ، عن مجاهد: ( وذكرهم بأيام الله ) ، قال: بأنْعُم الله.20568- حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال ، حدثنا يحيى بن يمان ، عن سفيان ، عن عُبَيْدٍ المُكْتِب ، عن مجاهد: ( وذكرهم بأيام الله ) ، قال: بنعم الله. (46)20569- حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا سفيان ، عن عبيدٍ المُكْتِب، عن مجاهد ، مثله.20570- حدثنا أحمد قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا عبثر ، عن حصين ، عن مجاهد ، مثله. (47)20571- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ح وحدثني الحارث قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا ورقاء جميعًا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( بأيام الله ) قال: بنعم الله.20572- حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله.20573- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله.20574- حدثني المثنى قال ، أخبرنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( وذكرهم بأيام الله ) قال: بالنعم التي أنعم بها عليهم ، أنجاهم من آل فرعون ، وفَلَق لهم البحر ، وظلَّل عليهم الغمَام ، وأنزل عليهم المنَّ والسَّلوَى.20575-حدثنا أحمد قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا حبيب بن حسان ، عن سعيد بن جبير: ( وذكرهم بأيام الله ) قال: بنعم الله. (48)20576- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة: ( وذكرهم بأيام الله ) يقول: ذكرهم بنعم الله عليهم.20577- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة: ( وذكرهم بأيام الله ) قال: بنعم الله.20578- حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قول الله: ( وذكرهم بأيام الله ) قال: أيامُه التي انتقم فيها من أهل مَعاصيه من الأمم خَوَّفهم بها ، وحذَّرهم إياها ، وذكَّرهم أن يصيبهم ما أصابَ الذين من قبلهم.20579- حدثني المثنى قال ، حدثنا الحِمَّاني قال ، حدثنا محمد بن أبان ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس. عن أبيّ ، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( وذكرهم بأيام الله ) ، قال: نعم الله . (49)20580- حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن عبيد الله أو غيره ، عن مجاهد: ( وذكرهم بأيام الله ) قال: بنعم الله.* * *( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ) ، يقول: إن في الأيام التي سلفت بنِعَمِي عليهم يعني على قوم موسى(لآيات )، يعني: لعِبرًا ومواعظ (50) (لكل صبار شكور) ، : يقول: لكل ذي صبر على طاعة الله ، وشكرٍ له على ما أنعم عليه من نِعَمه. (51)20581- حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا هشام ، عن عمرو ، عن سعيد ، عن قتادة ، في قول الله عز وجلّ: ( إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ) قال: نعمَ العبدُ عَبْدٌ إذا ابتلى صَبَر ، وإذا أعْطِي شَكَر.-------------------------الهوامش :(39) انظر تفسير " الآية " فيما سلف من فهارس اللغة ( أيي ) .(40) هذه أول مرة يستعمل رمز ( ح ) في هذه المخطوطة . وهو اصطلاح للمحدثين وغيرهم ، يراد به : تحويل الإسناد ، أي رواية الأثر بإسناد آخر قبل تمام الكلام .(41) هذه أول مرة يستعمل رمز ( ح ) في هذه المخطوطة . وهو اصطلاح للمحدثين وغيرهم ، يراد به : تحويل الإسناد ، أي رواية الأثر بإسناد آخر قبل تمام الكلام .(42) في المطبوعة : " أي ادعهم " ، أساء التصرف ، وأراد : أن ادعهم ، ليخرجوا من الضلالة إلى الهدى ، فحذف واختصر .(43) من قصيدته البارعة المشهورة ، انظر شرح القصائد السبع لابن الأنباري : 388 .(44) هذا قول أبي عبيدة بلا شك عندي ، نقله عنه بنصه ابن الأنباري في شرح السبع الطوال : 389 ، من أول الصفحة ، إلى السطر السابع ، مع اختلاف في ترتيب الأقوال . و هو بلا شك أيضًا من كتابه " مجاز القرآن " ، بيد أني لم أجده في المطبوعة 1 : 335 ، في تفسير هذه السورة ، ولا في مكان غير هذا المكان . وأكاد أقطع أن نسخة مجاز القرآن ، قد سقط منها شيء في أول تفسير " سورة إبراهيم " كما تدل عليه تعليقات ناشره الأخ الفاضل الأستاذ محمد فؤاد سزكين . فالذي نقله الطبري غير منسوب ، والذي نقله ابن الأنباري منسوبًا إلى أبي عبيدة ، ينبغي تنزيله في هذا الموضع من الكتاب . والحمد لله رب العالمين . وانظر ما سيأتي : 535 ، تعليق : 4 .(45) ديوانه : 42 ، مطلع قصيدته النابغة ، في تمجيد عمرو بن الحارث الأعرج ، حين هرب إلى الشأم من النعمان بن المنذر ، وسيأتي البيت في التفسير بعد 14 : 15 / 23 : 106 ( بولاق ) .(46) الأثر : 20568 - " إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد " ، شيخ الطبري ، سلفت ترجمته رقم : 2418 ، مثل هذا الإسناد . وانظر رقم : 1962 ، 13899 .و " عبيد المكتب " ، هو " عبيد بن مهران الكوفي " ، ثقة ، أخرج له مسلم ، سلف برقم : 2417 ، وفيه ضبط " المكتب " .(47) الأثر : 20570 - " عبثر " ، هو " عبثر بن القاسم الزبيدي " ، " أبو زبيد الكوفي " ، روى له الجماعة ، سلفت ترجمته برقم : 12336 ، 13255 ، وانظر : 12402 ، 17106 ، 19995 .(48) الأثر : 20575 - " حبيب بن حسان " ، هو و " حبيب بن أبي الأشرس " . و " حبيب بن أبي هلال " ، منكر الحديث ، متروك ، سلف برقم : 16528 .(49) الأثر : 20579 - " الحماني " ( بكسر الحاء وتشديد الميم ) ، هو " يحيي بن عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني " ، متكلم فيه ، ووثقه يحيي بن معين . وانظر ما قاله أخي السيد أحمد رحمه الله في توثيقه فيما سلف رقم : 6892 .و " محمد بن أبان بن صالح بن عمير الجعفي " ، متكلم في حفظه ، سلف برقم : 2720 ، 11515 ، 11516 .و " أبو إسحق " ، هو السبيعي ، مضى مرارًا .هذا إسناد أبي جعفر . وقد رواه عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائده على مسند أبيه ( المسند 5 : 122 ) ، وإسناده :" حدثنا عبد الله ، حدثني أَبي ، حدثنا يحيى بن عبد الله ، مولى بني هاشم ، حدثنا محمد بن أبان الجعفيّ ، عن أَبي إِسحق ، عن سعيد بن جبير ..."و " يحيى بن عبد الله ، مولى بني هاشم " ، هو " يحيى بن عبدويه ، مولى عبيد الله ابن المهدي " ، متكلم فيه ، سئل عنه يحيى بن معين فقال : هو في الحياة ؟ فقالوا : نعم . فقال : كذاب ، رجل سوء . وروى الخطيب في تاريخ بغداد أن أحمد بن حنبل حث ولده عبد الله على السماع من يحيى بن عبدويه ، وأثنى عليه . مترجم في ابن أبي حاتم 4 / 2 / 173 ، وتاريخ بغداد 14 : 165 ، وتعجيل المنفعة : 443 ، وميزان الاعتدال 3 : 296 .وهذا الخبر نقله ابن كثير في تفسيره : 5 : 545 ، عن المسند ، وخرجه السيوطي في الدر المنثور 4 : 70 ، وزاد نسبته إلى النسائي ، وابن أبي حاتم ، وابن المنذر ، وابن مردويه ، والبيهقي في شعب الإيمان .وقد روى عبد الله بن أحمد في المسند 5 : 122 قال : "حدثنا أبو عبد الله العنبري ، حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، حدثنا محمد بن أبان ، عن أبي إسحق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس عن أبي ، نحوه ولم يرفعه " .قال ابن كثير ، وأشار على هذا الخبر : " ورواه عبد الله بن أحمد أيضًا موقوفًا ، وهو أشبه " .قلت : ومدار هذه الأسانيد على " محمد بن أبان الجعفي " ، وقد قيل في سوء حفظه وضعفه ما قيل .(50) انظر تفسير " الآية " فيما سلف من فهارس اللغة ( أيي ) .(51) انظر تفسير " الصبر " فيما سلف 13 : 35 ، تعليق : 4 ، والمراجع هناك .وتفسير " الشكر " فيما سلف 3 : 212 ، 213 .

لما كانت الآيات السابقة مسوقة للرد على من أنكروا أن القرآن منزل من الله أعقب الرد بالتمثيل بالنظير وهو إرسال موسى عليه السلام إلى قومه بمثل ما أرسل به محمد صلى الله عليه وسلم وبمثل الغاية التي أرسل لها محمد صلى الله عليه وسلم ليخرج قومه من الظلمات إلى النور .وتأكيد الإخبار عن إرسال موسى عليه السلام بلام القسم وحرف التحقيق لتنزيل المنكرين رسالة محمد صلى الله عليه وسلم منزلة من ينكر رسالة موسى عليه السلام لأن حالهم في التكذيب برسالة محمد صلى الله عليه وسلم يقتضي ذلك التنزيل ، لأن ما جاز على المِثل يجوز على المماثل ، على أن منهم من قال : { ما أنزلَ الله على بشر من شيء .والباء في { بآياتنا } للمصاحبة ، أي إرسالاً مصاحباً للآيات الدالة على صدقه في رسالته ، كما أرسل محمد صلى الله عليه وسلم مصاحباً لآية القرآن الدال على أنه من عند الله ، فقد تمّ التنظير وانتهض الدليل على المنكرين .و { أنْ } تفسيرية ، فسر الإرسال بجملة «أخْرِج قومك» الخ ، والإرسال فيه معنى القول فكان حقيقاً بموقع { أن } التفسيرية .و { الظلمات } مستعار للشرك والمعاصي ، و { النور } مستعار للإيمان الحق والتقوى ، وذلك أن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد في مصر بعد وفاة يوسف عليه السلام سَرَى إليهم الشرك واتّبعوا دين القبط ، فكانت رسالة موسى عليه السلام لإصلاح اعتقادهم مع دعوة فرعون وقومه للإيمان بالله الواحد ، وكانت آيلة إلى إخراج بني إسرائيل من الشرك والفساد وإدخالهم في حظيرة الإيمان والصلاح .والتذكير : إزالة نسيان شيء . ويستعمل في تعليم مجهول كانَ شأنُه أن يُعلم . ولما ضمن التذكير معنى الإنذار والوعظ عُدّي بالباء ، أي ذكرهم تذكير عظة بأيام الله .و { أيام الله } أيام ظهور بطشه وغلبه من عصوا أمره ، وتأييده المؤمنين على عدوّهم ، فإن ذلك كله مظهر من مظاهر عزّة الله تعالى . وشاع إطلاق اسم اليوم مضافاً إلى اسم شخص أو قبيلة على يوم انتصر فيه مسمى المضاف إليه على عدوه ، يقال : أيام تميم ، أي أيام انتصارهم ، { فأيّام الله } أيام ظهور قدرته وإهلاكه الكافرين به ونصْره أولياءه والمطيعين له .فالمراد بِ { أيام الله } هنا الأيام التي أنجى الله فيها بني إسرائيل من أعدائهم ونصرهم وسخر لهم أسباب الفوز والنصر وأغدق عليهم النعم في زمن موسى عليه السلام ، فإن ذلك كله مما أمر موسى عليه السلام بأن يذكرهمُوه ، وكله يصح أن يكون تفسيراً لمضمون الإرسال ، لأن إرسال موسى عليه السلام ممتدّ زمنه ، وكلما أوحى الله إليه بتذكيرٍ في مدة حياته فهو من مضمون الإرسال الذي جاء به فهو مشمول لتفسير الإرسال .فقول موسى عليه السلام { يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكاً وآتاكم ما لم يؤت أحداً من العالمين يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم } [ سورة المائدة : 20 ، 21 ] هو من التذكير المفسّر به إرسال موسى عليه السلام . وهو وإن كان واقعاً بعد ابتداء رسالته بأربعين سنة فما هو إلا تذكير صادر في زمن رسالته ، وهو من التذكير بأيام نعم الله العظيمة التي أعطاهم ، وما كانوا يحصلونها لولا نصر الله إياهم ، وعنايتِه بهم ليعلموا أنه رُبّ ضعيففٍ غلب قوياً ونجا بضعفه ما لم ينجُ مثلَه القوي في قوته .واسم الإشارة في قوله : إن في ذلك لآيات } عائد إلى ما ذكر من الإخراج والتذكير ، فالإخراج من الظلمات بعد توغلهم فيها وانقضاء الأزمنة الطويلة عليها آية من آيات قدرة الله تعالى .والتذكير بأيام الله يشتمل على آيات قدرة الله وعزته وتأييد مَن أطاعه ، وكل ذلك آيات كائنة في الإخراج والتذكير على اختلاف أحواله .وقد أحاط بمعنى هذا الشمول حرف الظرفية من قوله : { في ذلك } لأن الظرفية تجمع أشياء مختلفة يحتويها الظرف ، ولذلك كان لحرف الظرفية هنا موقع بليغ .ولكون الآيات مختلفة ، بعضها آيات موعظة وزجر وبعضها آيات منة وترغيب ، جُعلت متعلقة ب { كل صبار شكور } إذ الصبر مناسب للزجر لأن التخويف يبعث النفس على تحمل معاكسة هواها خيفة الوقوع في سوء العاقبة ، والإنعام يبعث النفس على الشكر ، فكان ذكر الصفتين توزيعاً لما أجمله ذكر أيام الله من أيام بؤس وأيام نعيم .
الآية 5 - سورة ابراهيم: (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله ۚ إن في ذلك لآيات لكل...)