سورة لقمان: الآية 11 - هذا خلق الله فأروني ماذا...

تفسير الآية 11, سورة لقمان

هَٰذَا خَلْقُ ٱللَّهِ فَأَرُونِى مَاذَا خَلَقَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦ ۚ بَلِ ٱلظَّٰلِمُونَ فِى ضَلَٰلٍ مُّبِينٍ

الترجمة الإنجليزية

Hatha khalqu Allahi faaroonee matha khalaqa allatheena min doonihi bali alththalimoona fee dalalin mubeenin

تفسير الآية 11

وكل ما تشاهدونه هو خلق الله، فأروني- أيها المشركون-: ماذا خلقت آلهتكم التي تعبدونها من دون الله؟ بل المشركون في ذهاب بيِّن عن الحق والاستقامة.

«هذا خلق الله» أي مخلوقه «فأروني» أخبروني يا أهل مكة «ماذا خلق الذين من دونه» غيره أي آلهتكم حتى أشركتموها به تعالى، وما استفهام إنكار مبتدأ وذا بمعنى الذي بصلته خبره وأروني معلق عن العمل وما بعده سد مسد المفعولين «بل» للانتقال «الظالمون في ضلالٍ مبينٍ» بيّن بإشراكهم وأنتم منهم.

هَذَا أي: خلق العالم العلوي والسفلي، من جماد، وحيوان، وسَوْقِ أرزاق الخلق إليهم خَلق اللَّه وحده لا شريك له، كل مقر بذلك حتى أنتم يا معشر المشركين. فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ أي: الذين جعلتموهم له شركاء، تدعونهم وتعبدونهم، يلزم على هذا، أن يكون لهم خلق كخلقه، ورزق كرزقه، فإن كان لهم شيء من ذلك فأرونيه، ليصح ما ادعيتم فيهم من استحقاق العبادة.ومن المعلوم أنهم لا يقدرون أن يروه شيئا من الخلق لها، لأن جميع المذكورات، قد أقروا أنها خلق اللّه وحده، ولا ثَمَّ شيء يعلم غيرها، فثبت عجزهم عن إثبات شيء لها تستحق به أن تعبد.ولكن عبادتهم إياها، عن غير علم وبصيرة، بل عن جهل وضلال، ولهذا قال: بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ أي: جَلِيٍّ واضح حيث عبدوا من لا يملك نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، وتركوا الإخلاص للخالق الرازق المالك لكل الأمور.

وقوله : ( هذا خلق الله ) أي : هذا الذي ذكره تعالى من خلق السماوات ، والأرض وما بينهما ، صادر عن فعل الله وخلقه وتقديره ، وحده لا شريك له في ذلك; ولهذا قال : ( فأروني ماذا خلق الذين من دونه ) أي : مما تعبدون وتدعون من الأصنام والأنداد ، ( بل الظالمون ) يعني : المشركين بالله العابدين معه غيره ) في ضلال ) أي : جهل وعمى ، ( مبين ) أي : واضح ظاهر لا خفاء به .

والإشارة في قوله: هذا خَلْقُ اللَّهِ.. تعود إلى ما ذكره- سبحانه- من مخلوقات قبل ذلك. والخلق بمعنى المخلوق.هذا الذي ذكرناه لكم من خلق السموات والأرض والجبال ... هو من مخلوقنا وحدنا، دون أن يشاركنا فيما خلقناه مشارك.والفاء في قوله- تعالى-: فَأَرُونِي ماذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ واقعة في جواب شرط مقدر، أى: إذا علمتم ذلك فأرونى وأخبرونى، ماذا خلق الذين اتخذتموهم آلهة من دونه- سبحانه- إنهم لم يخلقوا شيئا ما، بل هم مخلوقون لله- تعالى-.فالمقصود بهذه الجملة الكريمة تحدى المشركين، وإثبات أنهم في عبادتهم لغير الله، قد تجاوزوا كل حد في الجهالة والضلالة.وقوله- سبحانه-: بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ إضراب عن تبكيتهم وتوبيخهم، إلى تسجيل الضلال الواضح عليهم.أى: بل الظالمون في ضلال بين واضح، لأنهم يعبدون آلهة لا تضر ولا تنفع، ويتركون عبادة الله- تعالى- الخلاق العليم.ثم ساق- سبحانه- على لسان عبد صالح من عباده، جملة من الوصايا الحكيمة، لتكون عظة وعبرة للناس، فقال- تعالى-:

( هذا ) يعني الذي ذكرت مما تعاينون ( خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه ) من آلهتكم التي تعبدونها ( بل الظالمون في ضلال مبين )

قوله تعالى : هذا خلق الله مبتدأ وخبر . والخلق بمعنى المخلوق ; أي هذا الذي ذكرته مما تعاينون خلق الله أي مخلوق الله ، أي خلقها من غير شريك . فأروني معاشر المشركين ماذا خلق الذين من دونه يعني الأصنام . بل الظالمون أي المشركون في ضلال مبين أي خسران ظاهر . ( وما ) استفهام في موضع رفع بالابتداء وخبره ( ذا ) وذا بمعنى الذي . و ( خلق ) واقع على هاء محذوفة ; تقديره فأروني أي شيء خلق الذين من دونه ; والجملة في موضع نصب ب ( أروني ) وتضمر الهاء مع ( خلق ) تعود على الذين ; أي فأروني الأشياء التي خلقها الذين من دونه . وعلى هذا القول تقول : ماذا تعلمت ؛ أنحوا أم شعرا . ويجوز أن تكون ( ما ) في موضع نصب ب ( أروني ) و ( ذا ) زائدة وعلى هذا القول يقول : ماذا تعلمت ، أنحوا أم شعرا ؟

القول في تأويل قوله تعالى : هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (11)يقول تعالى ذكره: هذا الذي أعددت عليكم أيها الناس أني خلقته في هذه الآية خلق الله الذي له ألوهة كل شيء، وعبادة كل خلق، الذي لا تصلح العبادة لغيره، ولا تنبغي لشيء سواه، فأروني أيها المشركون في عبادتكم إياه من دونه من الآلهة والأوثان، أي شيء خلق الذين من دونه من آلهتكم وأصنامكم، حتى استحقت عليكم العبادة فعبدتموها من دونه؟ كما استحقّ ذلك عليكم خالقكم، وخالق هذه الأشياء التي عددتها عليكم.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة قوله: (هَذَا خَلْقُ اللهِ) ما ذكر من خلق السموات والأرض، وما بثّ من الدوابّ، وما أنبت من كلّ زوج كريم (فأرونِي ماذا خلق الذين مِن دُونِه) الأصنام الذين تدعون من دونه.وقوله: (بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) يقول تعالى ذكره: ما عبد هؤلاء المشركون الأوثان والأصنام من أجل أنها تخلق شيئا، ولكنهم دعاهم إلى عبادتها ضلالهم، وذهابهم عن سبيل الحقّ، فهم في ضلال: يقول: فهم في جور عن الحقّ، وذهاب عن الاستقامة مبين: يقول: يبين لمن تأمله، ونظر فيه وفكَّر بعقل أنه ضلال لا هدى.

هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11)وجملة { هذا خلق الله } إلى آخرها نتيجة الاستدلال بخلق السماء والأرض والجبال والدواب وإنزال المطر . واسم الإشارة إلى ما تضمنه قوله { خلق السماوات } إلى قوله { من كل زوج كريم . } والإتيان به مفرداً بتأويل المذكور . والانتقال من التكلم إلى الغيبة في قوله { خلق الله } التفاتاً لزيادة التصريح بأن الخطاب وارد من جانب الله بقرينة قوله { هذا خلق الله } وكذلك يكون الانتقال من التكلم إلى الغيبة في قوله { ماذا خلق الذين من دونه } التفاتاً لمراعاة العود إلى الغيبة في قوله { خَلق الله . } ويجوز أن تكون الرؤية من قوله { فأروني } علمية ، أي فأنْبِئُوني ، والفعل معلقاً عن العمل بالاستفهام ب { ماذا } .فيتعين أن يكون { فأروني } تهكماً لأنهم لا يمكن لهم أن يكافحوا الله زيادة على كون الأمر مستعملاً في التعجيز ، لكن التهكم أسبق للقطع بأنهم لا يتمكنون من مكافحة الله قبل أن يقطعوا بعجزهم عن تعيين مخلوق خلقه من دون الله قطعاً نظرياً .وصوغ أمر التعجيز من مادة الرؤية البصرية أشد في التعجيز لاقتضائها الاقتناع منهم بأن يحضروا شيئاً يدّعون أن آلهتهم خلقته . وهذا كقول حُطائط بن يعفر النهشلي وقيل حاتم الطائي :أريني جواداً مات هَزلاً لعلني ... أرى ما تزين أو بخيلا مخلَّداأي : أحضرني جواداً مات من الهزال وأرينيه لعلي أرى مثل ما رأيتيه .والعرب يقصدون في مثل هذا الغرض الرؤية البصرية ، ولذلك يكثر أن يقول : ما رأتْ عيني ، وانظر هل ترى . وقال امرؤ القيس :فللَّه عيناً من رأى من تفرق ... أشتّ وأنأى من فراق المحصبوإجراء اسم موصول العقلاء على الأصنام مجاراة للمشركين إذ يعدُّونهم عقلاء . و { مِنْ دونه } صلة الموصول . و ( دون ) كناية عن الغير ، و { مِن } جارّة لاسم المكان على وجه الزيادة لتأكيد الاتصال بالظرف .و { بل } للإضراب الانتقالي من غرض المجادلة إلى غرض تسجيل ضلالهم ، أي في اعتقادهم إلهية الأصنام ، كما يقال في المناظرة : دع عنك هذا وانتقل إلى كذا .و { الظالمون : المشركون . والضلال المبين : الكفر الفظيع ، لأنهم أعرضوا عن دعوة الإسلام للحق ، وذلك ضلال ، وأشركوا مع الله غيره في الإلهية ، فذلك كفر فظيع . وجيء بحرف الظرفية لإفادة اكتناف الضلال بهم في سائر أحوالهم ، أي : شدة ملابسته إياهم .
الآية 11 - سورة لقمان: (هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه ۚ بل الظالمون في ضلال مبين...)