سورة محمد: الآية 4 - فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب...

تفسير الآية 4, سورة محمد

فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا۟ ٱلْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّۢا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ۚ ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَٱنتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَا۟ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ۗ وَٱلَّذِينَ قُتِلُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَٰلَهُمْ

الترجمة الإنجليزية

Faitha laqeetumu allatheena kafaroo fadarba alrriqabi hatta itha athkhantumoohum fashuddoo alwathaqa faimma mannan baAAdu waimma fidaan hatta tadaAAa alharbu awzaraha thalika walaw yashao Allahu laintasara minhum walakin liyabluwa baAAdakum bibaAAdin waallatheena qutiloo fee sabeeli Allahi falan yudilla aAAmalahum

تفسير الآية 4

فإذا لقيتم- أيها المؤمنون- الذين كفروا في ساحات الحرب فاصدقوهم القتال، واضربوا منهم الأعناق، حتى إذا أضعفتموهم بكثرة القتل، وكسرتم شوكتهم، فأحكموا قيد الأسرى: فإما أن تَمُنُّوا عليهم بفك أسرهم بغير عوض، وإما أن يفادوا أنفسهم بالمال أو غيره، وإما أن يُسْتَرَقُّوا أو يُقْتَلوا، واستمِرُّوا على ذلك حتى تنتهي الحرب. ذلك الحكم المذكور في ابتلاء المؤمنين بالكافرين ومداولة الأيام بينهم، ولو يشاء الله لانتصر للمؤمنين من الكافرين بغير قتال، ولكن جعل عقوبتهم على أيديكم، فشرع الجهاد؛ ليختبركم بهم، ولينصر بكم دينه. والذين قُتلوا في سبيل الله من المؤمنين فلن يُبْطِل الله ثواب أعمالهم، سيوفقهم أيام حياتهم في الدنيا إلى طاعته ومرضاته، ويُصْلح حالهم وأمورهم وثوابهم في الدنيا والآخرة، ويدخلهم الجنة، عرَّفهم بها ونعتها لهم، ووفقهم للقيام بما أمرهم به -ومن جملته الشهادة في سبيله-، ثم عرَّفهم إذا دخلوا الجنة منازلهم بها.

«فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب» مصدر بدل من اللفظ بفعله، أي فاضربوا رقابهم، أي اقتلوهم وعبَّر بضرب الرقاب لأن الغالب في القتل أن يكون بضرب الرقبة «حتى إذا أثخنتموهم» أكثرتم فيهم القتل «فشدوا» فأمسكوا عنهم وأسروهم وشدوا «الوثاق» ما يوثق به الأسرى «فإما منا بعد» مصدر بدل من اللفظ بفعله أي تمنون عليهم بإطلاقهم من غير شيء «وإما فداءً» تفادونهم بمال أو أسرى مسلمين «حتى تضع الحرب» أي أهلها «أوزارها» أثقالها من السلاح وغيره بأن يسلم الكفار أو يدخلوا في العهد وهذه غاية للقتل والأسر «ذلك» خبر مبتدأ مقدر، أي الأمر فيهم ما ذكر «ولو يشاء الله لانتصر منهم» بغير قتال «ولكن» أمركم به «ليبلو بعضكم ببعض» منهم في القتال فيصير من قتل منكم إلى الجنة ومنهم إلى النار «والذين قتلوا» وفي قراءة قاتلوا، الآية نزلت يوم أحد وقد فشا في المسلمين القتل والجراحات «في سبيل الله فلن يضل» يحبط «أعمالهم».

يقول تعالى -مرشدا عباده إلى ما فيه صلاحهم، ونصرهم على أعدائهم-: فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا في الحرب والقتال، فاصدقوهم القتال، واضربوا منهم الأعناق، حَتَّى تثخنوهم وتكسروا شوكتهم وتبطلوا شرتهم، فإذا فعلتم ذلك، ورأيتم الأسر أولى وأصلح، فَشُدُّوا الْوَثَاقَ أي: الرباط، وهذا احتياط لأسرهم لئلا يهربوا، فإذا شد منهم الوثاق اطمأن المسلمون من هربهم ومن شرهم، فإذا كانوا تحت أسركم، فأنتم بالخيار بين المن عليهم، وإطلاقهم بلا مال ولا فداء، وإما أن تفدوهم بأن لا تطلقوهم حتى يشتروا أنفسهم، أو يشتريهم أصحابهم بمال، أو بأسير مسلم عندهم.وهذا الأمر مستمر حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا أي: حتى لا يبقى حرب، وتبقون في المسألة والمهادنة، فإن لكل مقام مقالا، ولكل حال حكما، فالحال المتقدمة، إنما هي إذا كان قتال وحرب.فإذا كان في بعض الأوقات، لا حرب فيه لسبب من الأسباب، فلا قتل ولا أسر. ذَلِكَ الحكم المذكور في ابتلاء المؤمنين بالكافرين، ومداولة الأيام بينهم، وانتصار بعضهم على بعض وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ فإنه تعالى على كل شيء قدير، وقادر على أن لا ينتصر الكفار في موضع واحد أبدا، حتى يبيد المسلمون خضراءهم. وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ليقوم سوق الجهاد، ويتبين بذلك أحوال العباد، الصادق من الكاذب، وليؤمن من آمن إيمانا صحيحا عن بصيرة، لا إيمانا مبنيا على متابعة أهل الغلبة، فإنه إيمان ضعيف جدا، لا يكاد يستمر لصاحبه عند المحن والبلايا. وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لهم ثواب جزيل، وأجر جميل، وهم الذين قاتلوا من أمروا بقتالهم، لتكون كلمة الله هي العليا.فهؤلاء لن يضل الله أعمالهم، أي: لن يحبطها ويبطلها، بل يتقبلها وينميها لهم، ويظهر من أعمالهم نتائجها، في الدنيا والآخرة.

يقول تعالى مرشدا للمؤمنين إلى ما يعتمدونه في حروبهم مع المشركين : ( فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب ) أي : إذا واجهتموهم فاحصدوهم حصدا بالسيوف ، ( حتى إذا أثخنتموهم فشدوا ) أي : أهلكتموهم قتلا ) فشدوا ) [ وثاق ] الأسارى الذين تأسرونهم ، ثم أنتم بعد انقضاء الحرب وانفصال المعركة مخيرون في أمرهم ، إن شئتم مننتم عليهم فأطلقتم أساراهم مجانا ، وإن شئتم فاديتموهم بمال تأخذونه منهم وتشاطرونهم عليه . والظاهر أن هذه الآية نزلت بعد وقعة بدر ، فإن الله ، سبحانه ، عاتب المؤمنين على الاستكثار من الأسارى يومئذ ليأخذوا منهم الفداء ، والتقلل من القتل يومئذ فقال : ( ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ) [ الأنفال : 67 ، 68 ] .ثم قد ادعى بعض العلماء أن هذه الآية - المخيرة بين مفاداة الأسير والمن عليه - منسوخة بقوله تعالى : ( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم [ وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد ] ) الآية [ التوبة : 5 ] ، رواه العوفي عن ابن عباس . وقاله قتادة ، والضحاك ، والسدي ، وابن جريج .وقال الآخرون - وهم الأكثرون - : ليست بمنسوخة .ثم قال بعضهم : إنما الإمام مخير بين المن على الأسير ومفاداته فقط ، ولا يجوز له قتله .وقال آخرون منهم : بل له أن يقتله إن شاء ؛ لحديث قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط من أسارى بدر ، وقال ثمامة بن أثال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قال له : " ما عندك يا ثمامة ؟ " فقال : إن تقتل تقتل ذا دم ، وإن تمنن تمنن على شاكر ، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت .وزاد الشافعي ، رحمه الله ، فقال : الإمام مخير بين قتله أو المن عليه ، أو مفاداته أو استرقاقه أيضا . وهذه المسألة محررة في علم الفروع ، وقد دللنا على ذلك في كتابنا " الأحكام " ، ولله الحمد والمنة .وقوله : ( حتى تضع الحرب أوزارها ) قال مجاهد : حتى ينزل عيسى ابن مريم [ عليه السلام ] . وكأنه أخذه من قوله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يقاتل آخرهم الدجال " .وقال الإمام أحمد : حدثنا الحكم بن نافع ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن إبراهيم بن سليمان ، عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي ، عن جبير بن نفير أن سلمة بن نفيل أخبرهم : أنه أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : إني سيبت الخيل ، وألقيت السلاح ، ووضعت الحرب أوزارها ، وقلت : " لا قتال " فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " الآن جاء القتال ، لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الناس يزيغ الله قلوب أقوام فيقاتلونهم : ويرزقهم الله منهم ، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك . ألا إن عقر دار المؤمنين الشام ، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة " .وهكذا رواه النسائي من طريقين ، عن جبير بن نفير ، عن سلمة بن نفيل السكوني به .وقال أبو القاسم البغوي : حدثنا داود بن رشيد ، حدثنا الوليد بن مسلم ، عن محمد بن مهاجر ، عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي ، عن جبير بن نفير ، عن النواس بن سمعان قال : لما فتح على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتح فقالوا : يا رسول الله ، سيبت الخيل ، ووضعت السلاح ، ووضعت الحرب أوزارها ، قالوا : لا قتال ، قال : " كذبوا ، الآن ، جاء القتال ، لا يزال الله يرفع قلوب قوم يقاتلونهم ، فيرزقهم منهم ، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك ، وعقر دار المسلمين بالشام " .وهكذا رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي عن داود بن رشيد به . والمحفوظ أنه من رواية سلمة بن نفيل كما تقدم . وهذا يقوي القول بعدم النسخ ، كأنه شرع هذا الحكم في الحرب إلى ألا يبقى حرب .وقال قتادة : ( حتى تضع الحرب أوزارها ) حتى لا يبقى شرك . وهذا كقوله تعالى : ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله ) [ البقرة : 193 ] . ثم قال بعضهم : ( حتى تضع الحرب أوزارها ) أي : أوزار المحاربين ، وهم المشركون ، بأن يتوبوا إلى الله عز وجل . وقيل : أوزار أهلها بأن يبذلوا الوسع في طاعة الله ، عز وجل .وقوله : ( ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ) أي : هذا ولو شاء الله لانتقم من الكافرين بعقوبة ونكال من عنده ، ( ولكن ليبلو بعضكم ببعض ) أي : ولكن شرع لكم الجهاد وقتال الأعداء ليختبركم ، ويبلو أخباركم . كما ذكر حكمته في شرعية الجهاد في سورتي " آل عمران " و " براءة " في قوله : ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ) [ آل عمران : 142 ] .وقال في سورة براءة : ( قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم ) [ التوبة : 14 ، 15 ] .ثم لما كان من شأن القتال أن يقتل كثير من المؤمنين ، قال : ( والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم ) أي : لن يذهبها بل يكثرها وينميها ويضاعفها . ومنهم من يجري عليه عمله في طول برزخه ، كما ورد بذلك الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده ، حيث قال :حدثنا زيد بن يحيى الدمشقي ، حدثنا ابن ثوبان ، عن أبيه ، عن مكحول ، عن كثير بن مرة ، عن قيس الجذامي - رجل كانت له صحبة - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يعطى الشهيد ست خصال عند أول قطرة من دمه : يكفر عنه كل خطيئة ، ويرى مقعده من الجنة ، ويزوج من الحور العين ، ويؤمن من الفزع الأكبر ، ومن عذاب القبر ، ويحلى حلة الإيمان " . تفرد به أحمد رحمه الله .حديث آخر : قال أحمد أيضا : حدثنا الحكم بن نافع ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن بحير بن سعيد ، عن خالد بن معدان ، عن المقدام بن معدي كرب الكندي قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن للشهيد عند الله ست خصال : أن يغفر له في أول دفعة من دمه ، ويرى مقعده من الجنة ، ويحلى حلة الإيمان ، ويزوج من الحور العين ، ويجار من عذاب القبر ، ويأمن من الفزع الأكبر ، ويوضع على رأسه تاج الوقار ، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها ، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ، ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه " .وقد أخرجه الترمذي وصححه ابن ماجه .وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو ، وعن أبي قتادة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " يغفر للشهيد كل شيء إلا الدين " . وروي من حديث جماعة من الصحابة . وقال أبو الدرداء : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يشفع الشهيد في سبعين من أهل بيته " . ورواه أبو داود . والأحاديث في فضل الشهيد كثيرة جدا .

والفاء في قوله- تعالى-: فَإِذا لَقِيتُمُ لترتيب ما بعدها من إرشاد المؤمنين إلى ما يجب عليهم فعله عند قتل أعدائهم، على ما قبلها وهو بيان حال الكفار.فالمراد باللقاء هنا: القتال لا مجرد اللقاء والرؤية. كما أن المراد بالذين كفروا هنا المشركون وكل من كان على شاكلتهم ممن ليس بيننا وبينهم عهد بل بيننا وبينهم حرب وقتال.وقوله- سبحانه-: فَضَرْبَ الرِّقابِ أمر للمؤمنين بما يجب فعله عند لقائهم لأعدائهم. وقوله: فَضَرْبَ منصوب على أنه مصدر لفعل محذوف. أى: فإذا كان حال الذين كفروا كما ذكرت لكم من إحباط أعمالهم بسبب اتباعهم الباطل وإعراضهم عن الحق، فإذا لقيتموهم للقتال، فلا تأخذكم بهم رأفة، بل اضربوا رقابهم ضربا شديدا.والتعبير عن القتل بقوله: فَضَرْبَ الرِّقابِ، لتصويره في أفظع صوره. ولتهويل أمر هذا القتال، ولإرشاد المؤمنين إلى ما يجب عليهم فعله.قال صاحب الكشاف: قوله: لَقِيتُمُ من اللقاء وهو الحرب فَضَرْبَ الرِّقابِ أصله: فاضربوا الرقاب ضربا، فحذف الفعل وقدم المصدر، فأنيب منابه مضافا إلى المفعول، وفيه اختصار مع إعطاء معنى التوكيد، لأنك تذكر المصدر، وتدل على الفعل بالنصبة التي فيه.وضرب الرقاب: عبارة عن القتل.. وذلك أن قتل الإنسان أكثر ما يكون بضرب رقبته، فوقع عبارة عن القتل، وإن ضرب بغير رقبته من المقاتل.على أن في هذه العبارة من الغلظة والشدة، ما ليس في لفظ القتل، لما فيها من تصوير القتل بأشنع صورة، وهو حز العنق، وإطارة العضو الذي هو رأس البدن .وقوله- سبحانه-: حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ بيان لما يكون من المؤمنين بعد مثل حركة أعدائهم، وإنزال الهزيمة بهم.وقوله: أَثْخَنْتُمُوهُمْ من الإثخان بمعنى كثرة الجراح، مأخوذ من الشيء الثخين، أى: الغليظ. يقال: أثخن الجيش في عدوه، إذا بالغ في إنزال الجراحة الشديدة به، حتى أضعفه وأزال قوته.والوثاق- بفتح الواو وكسرها- اسم للشيء الذي يوثق به الأسير كالرباط أى: عند لقائكم- أيها المؤمنون- لأعدائكم، فاضربوا أعناقهم، فإذا ما تغلبتم عليهم وقهرتموهم، وأنزلتم بهم الجراح التي تجعلهم عاجزين عن مقاومتكم، فأحكموا قيد من أسرتموه منهم، حتى لا يستطيع التفلت أو الهرب منكم.وقوله- سبحانه- فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً إرشاد لما يفعلونه بعد ذلك.والمن: الإطلاق بغير عوض، يقال: منّ فلان على فلان إذا أنعم عليه بدون مقابل.والفداء: ما يقدمه الأسير من أموال أو غيرها لكي يفتدى بها نفسه من الأسر.وقوله: مَنًّا وفِداءً منصوبان على المصدرية بفعل محذوف: أى: فإما تمنون عليهم بعد الأسر منا بأن تطلقوا سراحهم بدون مقابل، وإما أن تفدوا فداء بأن تأخذوا منهم فدية في مقابل إطلاق سراحهم.وقوله- سبحانه- حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها غاية لهذه الأوامر والإرشادات.وأوزار الحرب: آلاتها وأثقالها التي لا تقوم إلا بها، كالسلاح وما يشبه.قال الشاعر:وأعددت للحرب أوزارها ... رماحا طوالا وخيلا ذكوراأى: افعلوا بهم ما أمرناكم بفعله، واستمروا على ذلك حتى تنتهي الحرب التي بينكم وبين أعدائكم بهزيمتهم وانتصاركم عليهم.وسميت آلات الحرب وأحمالها بالأوزار، لأن الحرب لما كانت لا تقوم إلا بها، فكأنها تحملها وتستقل بها، فإذا انقضت الحرب فكأنها وضعت أحمالها وانفصلت عنها.ثم بين- سبحانه- الحكمة من مشروعية قتال الأعداء، مع أنه- سبحانه- قادر على إهلاك هؤلاء الأعداء، فقال: ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ، وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ.واسم الإشارة: خبر لمبتدأ محذوف، أى: الأمر ذلك، أو في محل نصب على المفعولية بفعل محذوف، أى: افعلوا ذلك الذي أمرناكم به وأرشدناكم إليه واعلموا أنه- سبحانه- لو يشاء الانتصار من هؤلاء الكافرين والانتقام منهم لفعل، أى: لو يشاء إهلاكهم لأهلكهم، ولكنه- سبحانه- لم يفعل ذلك بل أمركم بمحاربتهم ليختبر بعضكم ببعض، فيتميز عن طريق هذا الاختبار والامتحان، قوى الإيمان من ضعيفه. كما قال- تعالى-: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ.ثم بين- سبحانه- بعد ذلك ما أعده للمجاهدين من ثواب عظيم فقال: وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أى: والذين استشهدوا وهم يقاتلون من أجل إعلاء كلمة الله.فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ أى: فلن يضيع أعمالهم ولن يبطلها.

( فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب ) نصب على الإغراء ، أي فاضربوا رقابهم يعني أعناقهم . ( حتى إذا أثخنتموهم ) بالغتم في القتل وقهرتموهم ( فشدوا الوثاق ) يعني في الأسر حتى لا يفلتوا منكم ، والأسر يكون بعد المبالغة في القتل ، كما قال : " ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض " ( الأنفال - 67 ( فإما منا بعد وإما فداء ) يعني : بعد أن تأسروهم فإما أن تمنوا عليهم منا بإطلاقهم من غير عوض ، وإما أن تفادوهم فداء .واختلف العلماء في حكم هذه الآية ، فقال قوم : هي منسوخة بقوله : " فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم " ( الأنفال - 57 ) ، وبقوله : فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ( التوبة - 5 ) . وإلى هذا القول ذهب قتادة والضحاك والسدي وابن جريج ، وهو قول الأوزاعي وأصحاب الرأي ، قالوا : لا يجوز المن على من وقع في الأسر من الكفار ولا الفداء .وذهب آخرون إلى أن الآية محكمة ، والإمام بالخيار في الرجال العاقلين من الكفار إذا وقعوا في الأسر بين أن يقتلهم أو يسترقهم أو يمن عليهم ، فيطلقهم بلا عوض أو يفاديهم بالمال ، أو بأسارى المسلمين ، وإليه ذهب ابن عمر ، وبه قال الحسن ، وعطاء ، وأكثر الصحابة والعلماء ، وهو قول الثوري ، والشافعي ، وأحمد وإسحاق .قال ابن عباس : لما كثر المسلمون واشتد سلطانهم أنزل الله - عز وجل - في الأسارى : " فإما منا بعد وإما فداء " .وهذا هو الأصح والاختيار ، لأنه عمل به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء بعده :أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، حدثنا محمد بن يوسف ، [ حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا عبد الله بن يوسف ] حدثنا الليث ، حدثنا سعيد بن أبي سعيد سمع أبا هريرة قال : بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - خيلا قبل نجد ، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له : ثمامة بن أثال ، فربطوه بسارية [ من سواري ] المسجد ، فخرج إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : ما عندك يا ثمامة ؟ فقال : عندي خير يا محمد إن تقتل تقتل ذا دم ، وإن تنعم تنعم على شاكر ، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت ، حتى كان الغد ، فقال له : ما عندك يا ثمامة ؟ فقال : عندي ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر ، [ وإن تقتل تقتل ذا دم ، وإن كنت تريد المال سل تعط ] فتركه حتى كان بعد الغد ، فقال له : ما عندك يا ثمامة ؟ فقال : عندي ما قلت لك ، فقال : " أطلقوا ثمامة " ، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ، ثم دخل المسجد ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، يا محمد والله ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إلي من وجهك ، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي ، والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك ، فأصبح دينك أحب الدين إلي ، والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد إلي ، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة ، فماذا ترى ؟ فبشره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمره أن يعتمر ، فلما قدم مكة قال له قائل : أصبوت ؟ فقال : لا ولكن أسلمت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا والله لا يأتيكم مناليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، حدثنا أبو العباس الأصم ، أخبرنا الربيع ، أخبرنا الشافعي ، أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أبي المهلب ، عن عمران بن حصين قال : أسر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا من بني عقيل فأوثقوه ، وكانت ثقيف قد أسرت رجلين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ففداه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالرجلين اللذين أسرتهما ثقيف .قوله - عز وجل - : ( حتى تضع الحرب أوزارها ) أي أثقالها وأحمالها ، يعني حتى تضع أهل الحرب السلاح ، فيمسكوا عن الحرب .وأصل " الوزر " : ما يحتمل الإنسان ، فسمى الأسلحة أوزارا لأنها تحمل .وقيل : " الحرب " هم المحاربون ، كالشرب والركب .وقيل : " الأوزار " الآثام ، ومعناه حتى يضع المحاربون آثامها ، بأن يتوبوا من كفرهم فيؤمنوا بالله ورسوله .وقيل : حتى تضع حربكم وقتالكم أوزار المشركين وقبائح أعمالهم بأن يسلموا ، ومعنى الآية : أثخنوا المشركين بالقتل والأسر حتى يدخل أهل الملل كلها في الإسلام ، ويكون الدين كله لله فلا يكون بعده جهاد ولا قتال ، وذلك عند نزول عيسى ابن مريم عليهما السلام ، وجاء في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " الجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال " .وقال الكلبي : حتى يسلموا أو يسالموا .وقال الفراء : حتى لا يبقى إلا مسلم أو مسالم .( ذلك ) الذي ذكرت وبينت من حكم الكفار ( ولو يشاء الله لانتصر منهم ) فأهلكهم وكفاكم أمرهم بغير قتال ( ولكن ) أمركم بالقتال ( ليبلو بعضكم ببعض ) فيصير من قتل من المؤمنين إلى الثواب ومن قتل من الكافرين إلى العذاب ( والذين قتلوا في سبيل الله ) قرأ أهل البصرة وحفص : " قتلوا " بضم القاف وكسر التاء خفيف ، يعني الشهداء ، وقرأ الآخرون : " قاتلوا " بالألف من المقاتلة ، وهم المجاهدون ( فلن يضل أعمالهم ) قال قتادة : ذكر لنا أن هذه الآية نزلت يوم أحد ، وقد فشت في المسلمين الجراحات والقتل .

فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوالما ميز بين الفريقين أمر بجهاد الكفار .قال ابن عباس : الكفار المشركون عبدة الأوثان .وقيل : كل من خالف دين الإسلام من مشرك أو كتابي إذا لم يكن صاحب عهد ولا ذمة , ذكره الماوردي .واختاره ابن العربي وقال : وهو الصحيح لعموم الآية فيه .فَضَرْبَ الرِّقَابِمصدر .قال الزجاج : أي فاضربوا الرقاب ضربا .وخص الرقاب بالذكر لأن القتل أكثر ما يكون بها .وقيل : نصب على الإغراء .قال أبو عبيدة : هو كقولك يا نفس صبرا .وقيل : التقدير اقصدوا ضرب الرقاب .وقال : " فضرب الرقاب " ولم يقل فاقتلوهم ; لأن في العبارة بضرب الرقاب من الغلظة والشدة ما ليس في لفظ القتل , لما فيه من تصوير القتل بأشنع صوره , وهو حز العنق وإطارة العضو الذي هو رأس البدن وعلوه وأوجه أعضائه .حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْأي أكثرتم القتل .وقد مضى في " الأنفال " عند قوله تعالى : " حتى يثخن في الأرض " [ الأنفال : 67 ] .فَشُدُّوا الْوَثَاقَأي إذا أسرتموهم .والوثاق اسم من الإيثاق , وقد يكون مصدرا , يقال : أوثقته إيثاقا ووثاقا .وأما الوثاق ( بالكسر ) فهو اسم الشيء الذي يوثق به كالرباط ; قاله القشيري .وقال الجوهري : وأوثقه في الوثاق أي شده , وقال تعالى : " فشدوا الوثاق " .والوثاق ( بكسر الواو ) لغة فيه .وإنما أمر بشد الوثاق لئلا يفلتوا .فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً" فإما منا " عليهم بالإطلاق من غير فدية " وإما فداء " .ولم يذكر القتل هاهنا اكتفاء بما تقدم من القتل في صدر الكلام , و " منا " و " فداء " نصب بإضمار فعل .وقرئ " فدى " بالقصر مع فتح الفاء , أي فإما أن تمنوا عليهم منا , وإما أن تفادوهم فداء .روي عن بعضهم أنه قال : كنت واقفا على رأس الحجاج حين أتي بالأسرى من أصحاب عبد الرحمن بن الأشعث وهم أربعة آلاف وثمانمائة فقتل منهم نحو من ثلاثة آلاف حتى قدم إليه رجل من كندة فقال : يا حجاج , لا جازاك الله عن السنة والكرم خيرا قال : ولم ذلك ؟ قال : لأن الله تعالى قال : " فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء " في حق الذين كفروا , فوالله ما مننت ولا فديت ؟ وقد قال شاعركم فيما وصف به قومه من مكارم الأخلاق : ولا نقتل الأسرى ولكن نفكهم إذا أثقل الأعناق حمل المغارم فقال الحجاج : أف لهذه الجيف أما كان فيهم من يحسن مثل هذا الكلام ؟ خلوا سبيل من بقي .فخلي يومئذ عن بقية الأسرى , وهم زهاء ألفين , بقول ذلك الرجل .واختلف العلماء في تأويل هذه الآية على خمسة أقوال :الأول : أنها منسوخة , وهي في أهل الأوثان , لا يجوز أن يفادوا ولا يمن عليهم .والناسخ لها عندهم قوله تعالى : " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " [ التوبة : 5 ] وقوله : " فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم " [ الأنفال : 57 ] وقوله : " وقاتلوا المشركين كافة " [ التوبة : 36 ] الآية , قال قتادة والضحاك والسدي وابن جريج والعوفي عن ابن عباس , وقاله كثير من الكوفيين .وقال عبد الكريم الجوزي : كتب إلى أبي بكر في أسير أسر , فذكروا أنهم التمسوه بفداء كذا وكذا , فقال اقتلوه , لقتل رجل من المشركين أحب إلي من كذا وكذا .الثاني : أنها في الكفار جميعا .وهي منسوخة على قول جماعة من العلماء وأهل النظر , منهم قتادة ومجاهد .قالوا : إذا أسر المشرك لم يجز أن يمن عليه , ولا أن يفادى به فيرد إلى المشركين , ولا يجوز أن يفادى عندهم إلا بالمرأة ; لأنها لا تقتل .والناسخ لها : " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " [ التوبة : 5 ] إذ كانت براءة آخر ما نزلت بالتوقيف , فوجب أن يقتل كل مشرك إلا من قامت الدلالة على تركه من النساء والصبيان ومن يؤخذ منه الجزية .وهو المشهور من مذهب أبي حنيفة , خيفة أن يعودوا حربا للمسلمين .ذكر عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة " فإما منا بعد وإما فداء " قال : نسخها " فشرد بهم من خلفهم " .وقال مجاهد : نسخها " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " [ التوبة : 5 ] .وهو قول الحكم .الثالث : أنها ناسخة , قال الضحاك وغيره روى الثوري عن جويبر عن الضحاك : " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " [ التوبة : 5 ] قال : نسخها " فإما منا بعد وإما فداء " .وقال ابن المبارك عن ابن جريج عن عطاء : " فإما منا بعد وإما فداء " فلا يقتل المشرك ولكن يمن عليه ويفادى , كما قال الله عز وجل .وقال أشعث : كان الحسن يكره أن يقتل الأسير , ويتلو " فإما منا بعد وإما فداء " .وقال الحسن أيضا : في الآية تقديم وتأخير , فكأنه قال : فضرب الرقاب حتى تضع الحرب أوزارها .ثم قال : " حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق " .وزعم أنه ليس للإمام إذا حصل الأسير في يديه أن يقتله ; لكنه بالخيار في ثلاثة منازل : إما أن يمن , أو يفادي , أو يسترق .الرابع : قول سعيد بن جبير : لا يكون فداء ولا أسر إلا بعد الإثخان والقتل بالسيف , لقوله تعالى : " ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض " [ الأنفال : 67 ] .فإذا أسر بعد ذلك فللإمام أن يحكم بما رآه من قتل أو غيره .الخامس : أن الآية محكمة , والإمام مخير في كل حال , رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس , وقاله كثير من العلماء منهم ابن عمر والحسن وعطاء , وهو مذهب مالك والشافعي والثوري والأوزاعي وأبي عبيد وغيرهم .وهو الاختيار ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين فعلوا كل ذلك , قتل النبي صلى الله عليه وسلم عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث يوم بدر صبرا , وفادى سائر أسارى بدر , ومن على ثمامة بن أثال الحنفي وهو أسير في يده , وأخذ من سلمة بن الأكوع جارية ففدى بها أناسا من المسلمين , وهبط عليه عليه السلام قوم من أهل مكة فأخذهم النبي صلى الله عليه وسلم ومن عليهم , وقد من على سبي هوازن .وهذا كله ثابت في الصحيح , وقد مضى جميعه في ( الأنفال ) وغيرها .قال النحاس : وهذا على أن الآيتين محكمتان معمول بهما , وهو قول حسن ; لأن النسخ إنما يكون لشيء قاطع , فإذا أمكن العمل بالآيتين فلا معنى للقول بالنسخ , إذا كان يجوز أن يقع التعبد إذا لقينا الذين كفروا قتلناهم , فإذا كان الأسر جاز القتل والاسترقاق والمفاداة والمن , على ما فيه الصلاح للمسلمين .وهذا القول يروى عن أهل المدينة والشافعي وأبي عبيد , وحكاه الطحاوي مذهبا عن أبي حنيفة , والمشهور عنه ما قدمناه , وبالله عز وجل التوفيق .حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَاقال مجاهد وابن جبير : هو خروج عيسى عليه السلام .وعن مجاهد أيضا : أن المعنى حتى لا يكون دين إلا دين الإسلام , فيسلم كل يهودي ونصراني وصاحب ملة , وتأمن الشاة من الذئب .ونحوه عن الحسن والكلبي والفراء والكسائي .قال الكسائي : حتى يسلم الخلق .وقال الفراء : حتى يؤمنوا ويذهب الكفر .وقال الكلبي : حتى يظهر الإسلام على الدين كله .وقال الحسن : حتى لا يعبدوا إلا الله .وقيل : معنى الأوزار السلاح , فالمعنى شدوا الوثاق حتى تأمنوا وتضعوا السلاح .وقيل : معناه حتى تضع الحرب , أي الأعداء المحاربون أوزارهم , وهو سلاحهم بالهزيمة أو الموادعة .ويقال للكراع أوزار .قال الأعشى : وأعددت للحرب أوزارها رماحا طوالا وخيلا ذكورا ومن نسج داود يحدى بها على أثر الحي عيرا فعيرا وقيل : " حتى تضع الحرب أوزارها " أي أثقالها .والوزر الثقل , ومنه وزير الملك لأنه يتحمل عنه الأثقال .وأثقالها السلاح لثقل حملها .قال ابن العربي : قال الحسن وعطاء : في الآية تقديم وتأخير , المعنى فضرب الرقاب حتى تضع الحرب أوزارها فإذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق , وليس للإمام أن يقتل الأسير .وقد روي عن الحجاج أنه دفع أسيرا إلى عبد الله بن عمر ليقتله فأبى وقال : ليس بهذا أمرنا الله , وقرأ " حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق " .قلنا : قد قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله , وليس في تفسير الله للمن والفداء منع من غيره , فقد بين الله في الزنى حكم الجلد , وبين النبي صلى الله عليه وسلم حكم الرجم , ولعل ابن عمر كره ذلك من يد الحجاج فاعتذر بما قال , وربك أعلم .ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ" ذلك " في موضع رفع على ما تقدم , أي الأمر ذلك الذي ذكرت وبينت .وقيل : هو منصوب على معنى افعلوا ذلك .ويجوز أن يكون مبتدأ , المعنى ذلك حكم الكفار .وهي كلمة يستعملها الفصيح عند الخروج من كلام إلى كلام , وهو كما قال تعالى : " هذا وإن للطاغين لشر مآب " .أي هذا حق وأنا أعرفكم أن للظالمين كذا .ومعنى : " لانتصر منهم " أي أهلكهم بغير قتال .وقال ابن عباس : لأهلكهم بجند من الملائكة .وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍأي أمركم بالحرب ليبلو ويختبر بعضكم ببعض فيعلم المجاهدين والصابرين , كما في السورة نفسها .وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْيريد قتلى أحد من المؤمنينقراءة العامة " قاتلوا " وهي اختيار أبي عبيد .وقرأ أبو عمرو وحفص " قتلوا " بضم القاف وكسر التاء , وكذلك قرأ الحسن إلا أنه شدد التاء على التكثير .وقرأ الجحدري وعيسى بن عمر وأبو حيوة " قتلوا " بفتح القاف والتاء من غير ألف , يعني الذين قتلوا المشركين .قال قتادة : ذكر لنا أن هذه الآية نزلت يوم أحد ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب , وقد فشت فيهم الجراحات والقتل , وقد نادى المشركون : اعل هبل .ونادى المسلمون : الله أعلى وأجل .وقال المشركون : يوم بيوم بدر والحرب سجال .فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( قولوا لا سواء .قتلانا أحياء عند ربهم يرزقون وقتلاكم في النار يعذبون ) .فقال المشركون : إن لنا العزى ولا عزى لكم .فقال المسلمون : الله مولانا ولا مولى لكم .وقد تقدم ذكر ذلك في ( آل عمران ) .

القول في تأويل قوله تعالى : فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4)يقول تعالى ذكره لفريق الإيمان به وبرسوله: ( فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) بالله ورسوله من أهل الحرب, فاضربوا رقابهم.وقوله ( حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ ) يقول: حتى إذا غلبتموهم وقهرتم من لم تضربوا رقبته منهم, فصاروا في أيديكم أسرى ( فَشُدُّوا الْوَثَاقَ ) يقول: فشدّوهم في الوثاق كيلا يقتلوكم, فيهربوا منكم.وقوله ( فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً ) يقول: فإذا أسرتموهم بعد الإثخان, فإما أن تمنوا عليهم بعد ذلك بإطلاقكم إياهم من الأسر, وتحرروهم بغير عوض ولا فدية, وإما أن يفادوكم فداء بأن يعطوكم من أنفسهم عوضا حتى تطلقوهم, وتخلوا لهم السبيل.واختلف أهل العلم في قوله ( حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً ) فقال بعضهم: هو منسوخ نسخه قوله فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وقوله فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ .* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن حُمَيد وابن عيسى الدامغانيّ, قالا ثنا ابن المبارك, عن ابن جُرَيج أنه كان يقول, في قوله ( فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً ) نسخها قوله فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ .حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن السديّ( فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً ) قال: نسخها فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ .حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة ( فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً ) نسخها قوله فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ .حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) إلى قوله ( وَإِمَّا فِدَاءً ) كان المسلمون إذا لقوا المشركين قاتلوهم, فإذا أسروا منهم أسيرا, فليس لهم إلا أن يُفادوه, أو يمنوا عليه, ثم يرسلوه, فنسخ ذلك بعد قوله فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ : أي عظ بهم من سواهم من الناس لعلهم يذّكرون.حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن عبد الكريم &; 22-155 &; الجزري, قال: كتب إلى أبي بكر رضي الله عنه في أسير أُسر, فذكر أنهم التمسوه بفداء كذا وكذا, فقال أبو بكر: اقتلوه, لقتلُ رجل من المشركين, أحبّ إليّ من كذا وكذا.حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله ( فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ )... إلى آخر الآية, قال: الفداء منسوخ, نسختها: فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ ... إلى كُلَّ مَرْصَدٍ قال: فلم يبق لأحد من المشركين عهد ولا حرمة بعد براءة, وانسلاخ الأشهر الحرم.حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً ) هذا منسوخ, نسخه قوله: فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ فلم يبق لأحد من المشركين عهد ولا ذمة بعد براءة.وقال آخرون: هي محكمة وليست بمنسوخة, وقالوا: لا يحوز قتل الأسير, وإنما يجوز المن عليه والفداء.* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن المثنى, قال: ثنا أبو عتاب سهل بن حماد, قال: ثنا خالد بن جعفر, عن الحسن, قال: أتى الحجاج بأسارى, فدفع إلى ابن عمر رجلا يقتله, فقال ابن عمر: ليس بهذا أُمرنا, قال الله عزّ وجلّ( حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً ) قال: (1) البكاء بين يديه فقال الحسن: لو كان هذا وأصحابه لابتدروا إليهم.حدثنا ابن حميد وابن عيسى الدامغانيّ, قالا ثنا ابن المبارك, عن ابن جُرَيج, عن عطاء أنه كان يكره قتل المشرك صبرا, قال: ويتلو هذه الآية ( فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً ) .حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن الحسن, قال: لا تقتل الأسارى إلا في الحرب يهيب بهم العدوّ.قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, قال: كان عمر بن عبد العزيز يفديهم الرجل بالرجل, وكان الحسن يكره أن يفادى بالمال.قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن رجل من أهل الشأم ممن كان يحرس عمر بن عبد العزيز, وهو من بني أسد, قال: ما رأيت عمر رحمه الله قتل أسيرا إلا واحدا من الترك كان جيء بأسارى من الترك, فأمر بهم أن يُسترقوا, فقال رجل ممن جاء بهم: يا أمير المومنين, لو كنت رأيت هذا لأحدهم وهو يقتل المسلمين لكثر بكاؤك عليهم, فقال عمر: فدونك فاقتله, فقام إليه فقتله.والصواب من القول عندنا في ذلك أن هذه الآية محكمة غير منسوخة, وذلك أن صفة الناسخ والمنسوخ ما قد بيَّنا في غير موضع في كتابنا إنه ما لم يجز اجتماع حكميهما في حال واحدة, أو ما قامت الحجة بأن أحدهما ناسخ الآخر, وغير مستنكر أن يكون جعل الخيار في المنّ والفداء والقتل إلى الرسول صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم , وإلى القائمين بعده بأمر الأمة, وإن لم يكن القتل مذكورا في هذه الآية, لأنه قد أذن بقتلهم في آية أخرى, وذلك قوله فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ... الآية، بل ذلك كذلك, لأن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كذلك كان يفعل فيمن صار أسيرا في يده من أهل الحرب, فيقتل بعضا, ويفادي ببعض, ويمنّ على بعض, مثل يوم بدر قتل عقبة بن أبي مُعَيْطٍ وقد أتي به أسيرا, وقتل بني قُرَيظة, وقد نزلوا على حكم سعد, وصاروا في يده سلما, وهو على فدائهم, والمنّ عليهم قادر, وفادى بجماعة أسارى المشركين الذين أُسروا ببدر, ومنّ على ثمامة بن أثال الحنفيّ, وهو أسير في يده, ولم يزل ذلك ثابتا من سيره في أهل الحرب من لدن أذن الله له بحربهم, إلى أن قبضه إليه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم دائما ذلك فيهم, وإنما ذكر جلّ ثناؤه في هذه الآية المنّ والفداء في الأسارى, فخصّ ذكرهما فيها, لأن الأمر بقتلهما والإذن منه بذلك قد كان تقدم في سائر آي تنزيله مكرّرا, فأعلم نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بما ذكر في هذه الآية من المنّ والفداء ما له فيهم مع القتل.وقوله ( حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ) يقول تعالى ذكره: فإذا لقيتم الذين كفروا فاضربوا رقابهم, وافعلوا بأسراهم ما بيَّنت لكم, حتى تضع الحرب آثامها وأثقال أهلها, المشركين بالله بأن يتوبوا إلى الله من شركهم, فيؤمنوا به وبرسوله, ويطيعوه في أمره ونهيه, فذلك وضع الحرب أوزارها, وقيل: ( حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ) والمعنى: حتى تلقي الحرب أوزار أهلها. وقيل: معنى ذلك: حتى يضع المحارب أوزاره.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى: وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ووقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله ( حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ) قال: حتى يخرج عيسى ابن مريم, فيسلم كلّ يهودي ونصرانيّ وصاحب ملة, وتأمن الشاة من الذئب, ولا تقرض فأرة جِرابا, وتذهب العداوة من الأشياء كلها, ذلك ظهور الإسلام على الدين كله, وينعم الرجل المسلم حتى تقطر رجله دما إذا وضعها.حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ) حتى لا يكون شرك.حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة ( حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ) قال: حتى لا يكون شرك.ذكر من قال : عني بالحرب في هذا الموضع: المحاربون.حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور عن معمر, عن قتادة ( حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ) قال الحرب: من كان يقاتلهم سماهم حربا.وقوله ( ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ ) يقول تعالى ذكره: هذا الذي أمرتكم به أيها المؤمنون من قتل المشركين إذا لقيتموهم في حرب, وشدّهم وثاقا بعد قهرهم, وأسرهم, والمنّ والفداء ( حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ) هو الحق الذي ألزمكم ربكم ولو يشاء ربكم, ويريد لانتصر من هؤلاء المشركين الذين بين هذا الحكم فيهم بعقوبة منه لهم عاجلة, وكفاكم ذلك كله, ولكنه تعالى ذكره كره الانتصار منهم, وعقوبتهم عاجلا إلا بأيديكم أيها المؤمنون ( لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ) يقول: ليختبركم بهم, فيعلم المجاهدين منكم والصابرين, ويبلوهم بكم, فيعاقب بأيديكم من شاء منهم, ويتعظ من شاء منهم بمن أهلك بأيديكم من شاء منهم حتى ينيب إلى الحقّ.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ ) إي والله بجنوده الكثيرة كلّ خلقه له جند, ولو سلط أضعف خلقه لكان جندا.وقوله ( وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قراء الحجاز والكوفة ( وَالَّذِينَ قَاتَلُوا ) بمعنى: حاربوا المشركين, وجاهدوهم, بالألف; وكان الحسن البصري فيما ذُكر عنه يقرأه ( قُتِّلُوا ) بضم القاف وتشديد التاء, بمعنى: أنه قتلهم المشركون بعضهم بعد بعض, غير أنه لم يُسمّ الفاعلون. وذُكر عن الجحدريّ عاصم أنه كان يقرأه ( وَالَّذِينَ قَتَلُوا ) بفتح القاف وتخفيف التاء, بمعنى: والذين قتلوا المشركون بالله. وكان أبو عمرو يقرأه ( قُتِلُوا ) بضم القاف وتخفيف التاء بمعنى: والذين قتلهم المشركون, ثم أسقط الفاعلين, فجعلهم لم يسمّ فاعل ذلك بهم.وأولى القراءات بالصواب قراءة من قرأه ( وَالَّذِينَ قَاتَلُوا ) لاتفاق الحجة من القرّاء, وإن كان لجميعها وجوه مفهومة.وإذ كان ذلك أولى القراءات عندنا بالصواب, فتأويل الكلام: والذين قاتلوا منكم أيها المؤمنون أعداء الله من الكفار في دين الله, وفي نصرة ما بعث به رسوله محمدا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من الهدى, فجاهدوهم في ذلك ( فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ) فلن يجعل الله أعمالهم التي عملوها في الدنيا ضلالا عليهم كما أضلّ أعمال الكافرين.وذُكر أن هذه الآية عُنِي بها أهل أحد.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ) ذُكر لنا أن هذه الآية أُنزلت يوم أُحد ورسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في الشِّعْب, وقد فَشَت فيهم الجراحات والقتل, وقد نادى المشركون يومئذ: اُعْلُ هُبَلْ, فنادى المسلمون: الله أعلى وأجلّ, فنادى المشركون: يوم بيوم, إن الحرب سجال, إن لنا عُزَّى, ولا عُزَّى لكم, قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم : " اللهُ مَوْلانا وَلا مَوْلَى لَكُمْ. إنَّ القَتْلَى مُخْتَلِفَةٌ, أمَّا قَتْلانا فأَحْيَاءٌ يُرْزَقُونَ, وأمَّا قَتْلاكم فَفِي النَّارِ يُعَذَّبُونَ" .حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة ( وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ) قال: الذين قُتلوا يوم أُحد.------------------------الهوامش:(1) لعله سقط من الأصل هنا كلمة أو نحوها ، مثل اشتد أو علا ، أو ارتفع أي ارتفع : بكاء الأسرى بين يدي الحجاج .

فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4({ أمثالهم * فَإِذَا لَقِيتُمُ الذين كَفَرُواْ فَضَرْبَ الرقاب حتى إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ الوثاق فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً حتى تَضَعَ } .لا شك أن هذه الآية نزلت بعد وقعة بدر لأن فيها قوله : { حتى إذا أثخنتموهم فشُدُّوا الوثاق } . وهو الحكم الذي نزل فيه العقاب على ما وقع يوم بدر من فداء الأسرى التي في قوله تعالى : { ما كان لنبيء أن يكون له أسرى حتى يُثْخِن في الأرض } [ الأنفال : 67 ] الآية إذ لم يكن حكم ذلك مقرراً يومئذٍ ، وتقدم في سورة الأنفال .والفاء لتفريع هذا الكلام على ما قبله من إثارة نفوس المسلمين بتشنيع حال المشركين وظهور خيبة أعمالهم وتنويه حال المسلمين وتوفيق آرائهم .والمقصود : تهوين شأنهم في قلوب المسلمين وإغراؤهم بقطع دابرهم ليكون الدين كله لله ، لأن ذلك أعظم من منافع فداء أسراهم بالمال ليعبد المسلمون ربهم آمنين . وذلك ناظر إلى آية سورة الأنفال وإلى ما يفيده التّعليل من قوله : { حتى تضع الحرب أوزارها } .و ( إذ ( ظرف للمستقبل مضمنة معنى الشرط ، وذلك غالب استعمالها وجواب الشرط قوله : { فضَرْب الرقاب } .واللقاء في قوله : { فإذا لقِيتم الذين كفروا } : المقابلة ، وهو إطلاق شهير للقاء ، يقال : يوم اللقاء ، فلا يفهم منه إلا لقاء الحرب ، ويقال : إن لقيت فلاناً لقيت منه أسداً ، وقال النابغة :تجنب بني حُنّ فإن لقاءهم ... كريهٌ وإن لم تلْق إلا بصائرفليس المعنى : إذا لقيتم الكافرين في الطريق ، أو نحو ذلك وبذلك لا يحتاج لذكر مخصص لفعل { لقيتم } . والمعنى : فإذا قاتلتم المشركين في المستقبل فأمعنوا في قتلهم حتى إذا رأيتم أن قد خضّدتم شوكتهم ، فآسروا منهم أسرى .وضرب الرقاب : كناية مشهورة يعبر بها عن القتل سواء كان بالضرب أم بالطعن في القلوب بالرماح أو بالرمي بالسهام ، وأوثرت على كلمة القتل لأن في استعمال الكناية بلاغة ولأن في خصوص هذا اللفظ غلظة وشدة تناسبان مقام التحريض .والضرب هنا بمعنى : القطع بالسيف ، وهو أحد أحوال القتال عندهم لأنّه أدل على شجاعة المحارب لكونه مواجِهَ عدوه وجهاً لوجه . والمعنى : فاقتلوهم سواء كان القتَل بضرب السيف ، أو طعن الرّماح ، أو رشق النبال ، لأن الغاية من ذلك هو الإثخان .والذين كفروا : هم المشركون لأنّ اصطلاح القرآن من تصاريف مادة الكفر ، نحو : الكافرين ، والكفار ، والذين كفروا ، هو الشرك . و { حتى } ابتدائية . ومعنى الغاية معها يؤول إلى معنى التفريع .والإثخان : الغلبة لأنها تترك المغلوب كالشيء المثخن وهو الثقيل الصُلب الذي لا يخف للحركة ويوصف به المائع الذي جمد أو قارب الجمود بحيث لا يسيل بسهولة ، ووصف به الثوب والحبل إذا كثرت طاقاتهما بحيث يعسر تفككها .وغلب إطلاقه على التوهين بالقتل ، وكلا المعنيين في هذه الآية ، فإذا فسر بالغلبة كان المعنى حتى إذا غلبتم منهم من وقعوا في قبضتكم أسرى فشدوا وثاقهم وعليه فجواز المنّ والفداءِ غيرُ مقيّد .وإذا فسّر الإثخان بكثرة القتل فيهم كان المعنى حتى إذا لم يبق من الجيش إلا القليل فأسروا حينئذٍ ، أي أبقوا الأسرى ، وكلا الاحتمالين لا يخلو من تأويل في نظم الآية إلا أن الاحتمال الأول أظهر . وتقدم بيانه في سورة الأنفال في قوله : { حتى يُثخن في الأرض } .وانتصب { ضرب الرقاب } على المفعولية المطلقة على أنه بدل من فِعله ثم أضيف إلى مفعوله ، والتقدير : فاضربوا الرقاب ضرباً ، فلما حذف الفعل اختصاراً قدم المفعول المطلق على المفعول به وناب مناب الفعل في العمل في ذلك المفعول وأضيف إلى المفعول إضافة الأسماء إلى الأسماء لأن المصدر راجح في الاسمية . والشَدّ : قوة الربط ، وقوة الإمساك .والوثاق بفتح الواو : الشيء الذي يوثق به ، ويجوز فيه كسر الواو ولم يقرأ به . وهو هنا كناية عن الأسر لأن الأسر يستلزم الوضع في القيد يشد به الأسير . والمعنى : فاقتلوهم ، فإن أثخنتم منهم فأسروا منهم .وتعريف { الرقاب } و { الوثاق } يجوز أن يكون للعهد الذهني ، ويجوز أن يكون عوضاً عن المضاف إليه ، أي فضربَ رقابِهم وشُدُّوا وثاقهم .والمنُّ : الإنعام . والمراد به : إطلاق الأسير واسترقاقه فإن الاسترقاق منٌّ عليه إذ لم يُقتل ، والفداء : بكسر الفاء ممدوداً تخليص الأسير من الأسر بعوض من مال أو مبادلة بأسرى من المسلمين في يدي العدّو . وقدم المن على الفداء ترجيحاً له لأنه أعون على امتلاك ضمير الممنون عليه ليستعمل بذلك بغضه .وانتصب { منّا } و { فداء } على المفعولية المطلقة بدلاً من عامليهما ، والتقدير : إما تمّنون وإما تُفدونوقوله { بعْدُ } أي بعد الإثخان وهذا تقييد لإباحة المنّ والفداء . وذلك موكول إلى نظر أمير الجيش بحسب ما يراه من المصلحة في أحد الأمرين كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بعد غزوة هوازن . وهذا هو ظاهر الآية والأصل عدم النسخ ، وهذا رأي جمهور أيمة الفقه وأهل النظر . فقوله : { الذين كفروا } عام في كل كافر ، أي مشرك يشمل الرجال وهم المعروف حَربهم ويشمل من حارَب معهم من النساء والصبيان والرهبان والأحبار . وهذه الآية لتحديد أحوال القتال وما بعده ، لا لبيان وقت القتال ولا لبيان من هم الكافرون ، لأن أوقات القتال مبينة في سورة براءة . ومعرفة الكافرين معلومة من اصطلاح القرآن بقوله : { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } [ التوبة : 5 ] .ثم يظهر أن هذه الآية نزلت بعد آية { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض } في سورة الأنفال ( 67 ( . واختلف العلماء في حكم هذه الآية في القتل والمن والفداء والذي ذهب إليه مالك والشافعي والثوري والأوزاعي وهو أحدُ قولين عن أبي حنيفة رواه الطحاوي ، ومِن السلف عبدُ الله بن عمر ، وعطاءُ ، وسعيدُ بن جبير : أن هذه الآية غير منسوخة ، وأنها تقتضي التخيير في أسرى المشركين بين القتل أو المن أو الفداء ، وأمير الجيش مخيّر في ذلك .. ويشبه أن يكون أصحاب هذا القول يرون أن مورد الآية الإذنُ في المنّ أو الفداء فهي ناسخة أو مُنهية لحكم قوله تعالى : ما كانَ لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض إلى قوله : { لمسَّكُم فيما أخذتم عذاب عظيم } في سورة الأنفال ( 67 ، 68 ( . وهذا أولى من جعلها ناسخة لقوله تعالى : فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } لما علمت من أن مورد تلك هو تعيين أوقات المتاركة ، وأوقات المحاربة ، فلذلك لم يقل هؤلاء بحَظْر قتل الأسير في حين أن التخيير هنا وارد بين المنّ والفداء ، ولم يذكر معهما القتل . وقد ثبت في «الصحيح» ثبوتاً مستفيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَتل من أسرى بدر النضر بنَ الحارث وذلك قبل نزول هذه الآية ، وعقبة بن أبي معيط وقتل أسرى قريظة الذين نزلوا على حكم سعد بن معاذ ، وقتل هلال بن خطل ومقيس بن حبابة يوم فتح مكة ، وقتل بعد أحد أبا عزّة الجمعي الشاعر وذلك كله لا يعارض هذه الآية لأنها جعلت التخيير لولي الأمر . وأيضاً لم يذكر في هذه الآية جواز الاسترقاق ، وهو الأصل في الأسرى ، وهو يدخل في المنّ إذا اعتبر المن شاملاً لترك القتل ، ولأن مقابلة المن بالفداء تقتضي أن الاسترقاق مشروع . وقد روى ابن القاسم وابن وهب عن مالك : أنَّ المنّ من العتق . وقال الحسن وعطاء : التخيير بين المنّ والفداء فقط دون قتل الأسير ، فقتل الأسير يكون محظوراً . وظاهر هذه الآية يعضد ما ذهب إليه الحسن وعطاء . وذهب فريق من أهل العلم إلى أن هذه الآية منسوخة وأنه لا يجوز في الأسير المشرك إلا القتل بقوله تعالى : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } [ التوبة : 5 ] . وهذا قول مجاهد وقتادة والضحاك والسدّي وابن جريج ، ورواه العَوفي عن ابن عباس وهو المشهور عن أبي حنيفة ، وقال أبو يوسف ومحمد من أصحاب أبي حنيفة : لا بأس أن يُفادى أسرى المشركين الذين لم يسلموا بأسرى المسلمين الذين بيد المشركين . وروى الجصّاص أن النبي صلى الله عليه وسلم فدى أسيرين من المسلمين بأسير من المشركين في ثقيف .والغاية المستفادة من { حتى } في قوله : { حتى تضع الحرب أوزارها } للتعليل لا للتقييد ، أي لأجل أن تضع الحرب أوزارها ، أي ليكفّ المشركون عنها فتأمنوا من الحرب عليكم وليست غاية لحكم القتال . والمعنى يستمر هذا الحكم بهذا ليهِن العدوَّ فيتركوا حربكم ، فلا مفهوم لهذه الغاية ، فالتعليل متصل بقوله : { فضرب الرقاب } وما بينهما اعتراض . والتقدير : فضرب الرقاب ، أي لا تتركوا القتل لأجل أن تضع الحرب أوزارها ، فيكون وارداً مورد التعليم والموعظة ، أي فلا تشتغلوا عند اللقاء لا بقتل الذين كفروا لتضع الحرب أوزارها فإذا غلبتموهم فاشتغلوا بالإبقاء على من تغلبونه بالأسر ليكون المنّ بعد ذلك أو الفداء .والأوزار : الأثقال ، ووضع الأوزار تمثيل لانتهاء العمل فشبهت حالة انتهاء القتال بحالة وضع الحمّال أو المسافر أثقاله ، وهذا من مبتكرات القرآن . وأخذ منه عبد ربه السُلمى ، أو سُليم الحنفي قوله :فألقت عصاها واستقرّ بها النوَى ... كما قرّ عينا بالإياب المسافرفشبه حالة المنتهي من كلفة بحالة السائر يلقي عصاه التي استصحبها في سيره .{ أَوْزَارَهَا ذلك وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ ولكن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ } .أعيد اسم الإشارة بعد قوله آنفاً : { ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل } [ محمد : 3 ] للنكتة التي تقدمت هنالك ، وهو خبر لمبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف . وتقدير المحذوف : الأمر ذلك ، والمشار إليه ما تقدم من قوله : { فضرب الرقاب } إلى هنا ، ويفيد اسم الإشارة تقرير الحكم ورسوخه في النفوس .والجملة من اسم الإشارة والمحذوف معترضة و { لو يشاء الله لانتصر منهم } في موضع الحال من الضمير المرفوع المقدر في المصدر من قوله : { فضَرْبَ الرقاب } ، أي أمرتم بضرب رقابهم ، والحال أن الله لو شاء لاستأصلهم ولم يكلفكم بقتالهم ، ولكن الله ناط المسببات بأسبابها المعتادة وهي أن يبلو بعضكم ببعض .وتعدية ( انتصر ( بحرف ( من ( مع أن حقه أن يعدّى بحرف ( على ( لتضمينه معنى : انتقم . والاستدراك راجع إلى ما في معنى المشيئة من احتمال أن يكون الله ترك الانتقام منهم لسبب غير ما بعدَ الاستدراك .والبَلْوْ حقيقته : الاختبار والتجربة ، وهو هنا مجاز في لازمه وهو ظهور ما أراده الله من رفع درجات المؤمنين ووقع بأسهم في قلوب أعدائهم ومن إهانة الكفار ، وهو أن شأنهم بمرأى ومسمع من الناس .{ }هذا من مظاهر بلوى بعضهم ببعض وهو مقابل ما في قوله : { فضرب الرقاببِبَعْضٍ والذين قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ الله فَلَن يُضِلَّ أعمالهم
الآية 4 - سورة محمد: (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها...)