سورة قريش: الآية 1 - لإيلاف قريش...

تفسير الآية 1, سورة قريش

لِإِيلَٰفِ قُرَيْشٍ

الترجمة الإنجليزية

Lieelafi qurayshin

تفسير الآية 1

اعْجَبوا لإلف قريش، وأمنهم، واستقامة مصالحهم، وانتظام رحلتيهم في الشتاء إلى "اليمن"، وفي الصيف إلى "الشام"، وتيسير ذلك؛ لجلب ما يحتاجون إليه.

«لإيلاف قريش».

قال كثير من المفسرين: إن الجار والمجرور متعلق بالسورة التي قبلها أي: فعلنا ما فعلنا بأصحاب الفيل لأجل قريش وأمنهم، واستقامة مصالحهم، وانتظام رحلتهم في الشتاء لليمن، والصيف للشام، لأجل التجارة والمكاسب.

تفسير سورة لإيلاف قريش وهي مكية .ذكر حديث غريب في فضلها : قال البيهقي في كتاب " الخلافيات " : حدثنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا بكر بن محمد بن حمدان الصيرفي بمرو ، حدثنا أحمد بن عبيد الله النرسي ، حدثنا يعقوب بن محمد الزهري ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن ثابت بن شرحبيل ، حدثني عثمان بن عبد الله [ بن ] أبي عتيق ، عن سعيد بن عمرو بن جعدة بن هبيرة ، عن أبيه ، عن جدته أم هانئ بنت أبي طالب ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " فضل الله قريشا بسبع خلال : أني منهم وأن النبوة فيهم ، والحجابة والسقاية فيهم ، وأن الله نصرهم على الفيل ، وأنهم عبدوا الله عز وجل عشر سنين لا يعبده غيرهم ، وأن الله أنزل فيهم سورة من القرآن " ثم تلاها رسول الله : بسم الله الرحمن الرحيم " لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف " .هذه السورة مفصولة عن التي قبلها في المصحف الإمام ، كتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ، وإن كانت متعلقة بما قبلها . كما صرح بذلك محمد بن إسحاق وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ; لأن المعنى عندهما : حبسنا عن مكة الفيل وأهلكنا أهله ( لإيلاف قريش ) أي : لائتلافهم واجتماعهم في بلدهم آمنين .

تفسير سورة قريشمقدمة وتمهيد1- سورة «قريش» تسمى- أيضا- سورة «لإيلاف قريش» وهي من السور المكية عند جماهير العلماء، وقيل مدنية، والأول أصح لأنه المأثور عن ابن عباس وغيره، وعدد آياتها أربع آيات، وعند الحجازيين خمس آيات.وكان نزولها بعد سورة «التين» وقبل سورة «القارعة» ، فهي السورة التاسعة والعشرون في ترتيب النزول.2- ومن أهدافها: تذكير أهل مكة بجانب من نعم الله- تعالى- عليهم لعلهم عن طريق هذا التذكير يفيئون إلى رشدهم، ويخلصون العبادة لخالقهم وما نحهم تلك النعم العظيمة.والإيلاف: مصدر آلفت الشيء إيلافا و «إلفا» إذا لزمته وتعودت عليه. وتقول: آلفت فلانا الشيء، إذا ألزمته إياه. والإيلاف- أيضا- اجتماع الشمل مع الالتئام، ومنه قوله- تعالى-: وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً....ولفظ «إيلاف» مضاف لمفعوله وهو قريش، والفاعل هو الله- تعالى-: و «قريش» هم ولد النضر بن كنانة- على الأرجح- وهو الجد الثالث عشر للنبي صلى الله عليه وسلم.قال القرطبي ما ملخصه: وأما قريش فهم بنو النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس، بن مضر، فكل من كان من ولد النضر فهو قرشي.وسموا قريشا، لتجمعهم بعد التفرق، إذ التقرش: التجمع والالتئام ... أو سموا بذلك لأنهم كانوا تجارا يأكلون من مكاسبهم، والتقرش: التكسب، ويقال: قرش فلان يقرش قرشا- كقتل-، إذا كسب المال وجمعه ... .

مكية( لإيلاف قريش ) قرأ أبو جعفر : " ليلاف " بغير همز " إلافهم " طلبا للخفة ، وقرأ ابن عامر " لئلاف " بهمزة مختلسة من غير ياء بعدها [ على وزن لغلاف ] وقرأ الآخرون بهمزة مشبعة وياء بعدها ، واتفقوا - غير أبي جعفر - في " إيلافهم " أنها بياء بعد الهمزة ، إلا عبد الوهاب بن فليح عن ابن كثير فإنه قرأ : " إلفهم " ساكنة اللام بغير ياء .وعد بعضهم سورة الفيل وهذه السورة واحدة ; منهم أبي بن كعب لا فصل بينهما في مصحفه ، وقالوا : اللام في " لإيلاف " تتعلق بالسورة التي قبلها ، وذلك أن الله تعالى ذكر أهل مكة عظيم نعمته عليهم فيما صنع بالحبشة ، وقال : ( لإيلاف قريش ) .وقال الزجاج : المعنى : جعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش ، أي [ يريد إهلاك أهل ] الفيل لتبقى قريش [ وما ألفوا من ] رحلة الشتاء والصيف .وقال مجاهد : ألفوا ذلك فلا يشق عليهم في الشتاء والصيف .والعامة على أنهما سورتان ، واختلفوا في العلة الجالبة للام في قوله " لإيلاف " ، قال الكسائي والأخفش : هي لام التعجب ، يقول : اعجبوا لإيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف ، وتركهم عبادة رب هذا البيت ، ثم أمرهم بعبادته كما تقول في الكلام لزيد وإكرامنا إياه على وجه التعجب : اعجبوا لذلك : والعرب إذا جاءت بهذه اللام اكتفوا بها دليلا على التعجب من إظهار الفعل منه .وقال الزجاج : هي مردودة إلى ما بعدها تقديره : فليعبدوا رب هذا البيت لإيلافهم رحلة الشتاء والصيف .وقال [ ابن عيينة ] : لنعمتي على قريش .وقريش هم ولد النضر بن كنانة ، وكل من ولده النضر فهو قرشي ، ومن لم يلده النضر فليس بقرشي .أخبرنا أبو الحسن علي بن يوسف الجويني ، أخبرنا أبو محمد محمد بن علي بن محمد بن شريك الشافعي ، أخبرنا عبد الله بن مسلم أبو بكر الجوربذي ، حدثنا يونس بن عبد الأعلى الصدفي ، أخبرنا بشر بن بكر عن الأوزاعي ، حدثني شداد أبو عمار ، حدثنا واثلة بن الأسقع ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى من كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم " .وسموا قريشا من القرش ، والتقرش وهو التكسب والجمع ، يقال : فلان يقرش لعياله ويقترش أي يكتسب ، وهم كانوا تجارا حراصا على جمع المال والإفضال .وقال أبو ريحانة : سأل معاوية عبد الله بن عباس : لم سميت قريش قريشا ؟ قال : لدابة تكون في البحر من أعظم دوابه يقال لها القرش لا تمر بشيء من الغث والسمين إلا أكلته ، وهي تأكل ولا تؤكل ، وتعلو ولا تعلى ، قال : وهل تعرف العرب ذلك في أشعارها ؟ قال : نعم ، فأنشده شعر الجمحي :وقريش هي التي تسكن البحر بها سميت قريش قريشا سلطت بالعلو في لجة البحر على سائر البحور جيوشا تأكل الغث والسمين ولا تتركفيه لذي الجناحين ريشا هكذا في الكتاب حي قريش يأكلون البلاد أكلا [ كميشا ] ولهم في آخر الزمان نبييكثر القتل فيهم والخموشا

تفسير سورة قريشمكية في قول الجمهورومدنية في قول الضحاك والكلبيوهي أربع آياتبسم الله الرحمن الرحيملإيلاف قريشقيل : إن هذه السورة متصلة بالتي قبلها في المعنى . يقول : أهلكت أصحاب الفيل لإيلاف قريش ; أي لتأتلف ، أو لتتفق قريش ، أو لكي تأمن قريش فتؤلف رحلتيها . وممن عد السورتين واحدة أبي بن كعب ، ولا فصل بينهما في مصحفه . وقال سفيان بن عيينة : كان لنا إمام لا يفصل بينهما ، ويقرؤهما معا . وقال عمرو بن ميمون الأودي : صلينا المغرب خلف عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ; فقرأ في الأولى : والتين والزيتون وفي الثانية ألم تر كيف و لإيلاف قريش .وقال الفراء : هذه السورة متصلة بالسورة الأولى ; لأنه ذكر أهل مكة عظيم نعمته عليهم فيما فعل بالحبشة ، ثم قال : لإيلاف قريش أي فعلنا ذلك بأصحاب الفيل نعمة منا على قريش . وذلك أن قريشا كانت تخرج في تجارتها ، فلا يغار عليها ولا تقرب في الجاهلية . يقولون هم أهل بيت الله جل وعز ; حتى جاء صاحب الفيل ليهدم الكعبة ، ويأخذ حجارتها ، فيبني بها بيتا في اليمن يحج الناس إليه ، فأهلكهم الله - عز وجل - ، فذكرهم نعمته . أي فجعل الله ذلك لإيلاف قريش ، أي ليألفوا الخروج ولا يجترأ عليهم ; وهو معنى قول مجاهد وابن عباس في رواية سعيد بن جبير عنه . ذكره النحاس : حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرني عمرو بن علي قال : حدثني عامر بن إبراهيم - وكان ثقة من خيار الناس - قال حدثني خطاب بن جعفر بن أبي المغيرة ، قال : حدثني أبي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، في قوله تعالى : لإيلاف قريش قال : نعمتي على قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف . قال : كانوا يشتون بمكة ، ويصيفون بالطائف . وعلى هذا القول يجوز الوقف على رءوس الآي وإن لم يكن الكلام تاما ; على ما نبينه أثناء السورة . وقيل : ليست بمتصلة ; لأن بين السورتين بسم الله الرحمن الرحيم وذلك دليل على انقضاء السورة وافتتاح الأخرى ، وأن اللام متعلقة بقوله تعالى : فليعبدوا أي : فليعبدوا هؤلاء رب هذا البيت ، لإيلافهم رحلة الشتاء والصيف للامتيار . وكذا قال الخليل : ليست متصلة ; كأنه قال : ألف الله قريشا إيلافا فليعبدوا رب هذا البيت . وعمل ما بعد الفاء فيما قبلها لأنها زائدة غير عاطفة ; كقولك : زيدا فاضرب . وقيل : اللام في قوله تعالى : لإيلاف قريش لام التعجب ; أي اعجبوا لإيلاف قريش ; قاله الكسائي والأخفش . وقيل : بمعنى إلى . وقرأ ابن عامر : ( لإئلاف قريش ) مهموزا مختلسا بلا ياء . وقرأ أبو جعفر والأعرج ( ليلاف ) بلا همز طلبا للخفة . الباقون لإيلاف بالياء مهموزا مشبعا ; من آلفت أولف إيلافا . قال الشاعر :المنعمين إذا النجوم تغيرت والظاعنين لرحلة الإيلافويقال : ألفته إلفا وإلافا . وقرأ أبو جعفر أيضا : ( لإلف قريش ) وقد جمعهما من قال :زعمتم أن إخوتكم قريش لهم إلف وليس لكم إلافقال الجوهري : وفلان قد ألف هذا الموضع ( بالكسر ) يألف إلفا ، وآلفه إياه غيره . ويقال أيضا : آلفت الموضع أولفه إيلافا . وكذلك : آلفت الموضع أؤلفه مؤالفة وإلافا ; فصار صورة أفعل وفاعل في الماضي واحدة . وقرأ عكرمة ( ليألف ) بفتح اللام على الأمر وكذلك هو في مصحف ابن مسعود . وفتح لام الأمر لغة حكاها ابن مجاهد وغيره . وكان عكرمة يعيب على من يقرأ لإيلاف . وقرأ بعض أهل مكة ( إلاف قريش ) استشهد بقول أبي طالب يوصي أخاه أبا لهب برسول الله - صلى الله عليه وسلم - :فلا تتركنه ما حييت لمعظم وكن رجلا ذا نجدة وعفافتذود العدا عن عصبة هاشمية إلافهم في الناس خير إلافوأما قريش فهم بنو النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر . فكل من كان من ولد النضر فهو قرشي دون بني كنانة ومن فوقه . وربما قالوا : قريشي ، وهو القياس ; قال الشاعر :كل قريشي عليه مهابة [ سريع إلى واعي الندى والتكرم ]فإن أردت بقريش الحي صرفته ، وإن أردت به القبيلة لم تصرفه ; قال الشاعر ( عدي بن الرفاع ) :[ غلب المساميح الوليد سماحة ] وكفى قريش المعضلات وسادهاوالتقريش : الاكتساب ، وتقرشوا أي تجمعوا . وقد كانوا متفرقين في غير الحرم ، فجمعهم قصي بن كلاب في الحرم ، حتى اتخذوه مسكنا . قال الشاعر :أبونا قصي كان يدعى مجمعا به جمع الله القبائل من فهروقد قيل : إن قريشا بنو فهر بن مالك بن النضر . فكل من لم يلده فهر فليس بقرشي . والأول أصح وأثبت . وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : إنا ولد النضر بن كنانة لا نقفو أمنا ، ولا ننتفي من أبينا . وقال وائلة بن الأسقع : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى من بني كنانة قريشا ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم . صحيح ثابت ، خرجه البخاري ومسلم وغيرهما .واختلف في تسميتهم قريشا على أقوال : أحدها : لتجمعهم بعد التفرق ، والتقرش : التجمع والالتئام . قال أبو جلدة اليشكري :إخوة قرشوا الذنوب علينا في حديث من دهرهم وقديمالثاني : لأنهم كانوا تجارا يأكلون من مكاسبهم . والتقرش : التكسب . وقد قرش يقرش قرشا : إذا كسب وجمع . قال الفراء : وبه سميت قريش .الثالث : لأنهم كانوا يفتشون الحاج من ذي الخلة ، فيسدون خلته . والقرش : التفتيش . قال الشاعر :أيها الشامت المقرش عنا عند عمرو فهل له إبقاءالرابع : ما روي أن معاوية سأل ابن عباس لم سميت قريش قريشا ؟ فقال : لدابة في البحر من أقوى دوابه يقال لها القرش ; تأكل ولا تؤكل ، وتعلو ولا تعلى . وأنشد قول تبع :وقريش هي التي تسكن البح ر بها سميت قريش قريشاتأكل الرث والسمين ولا تت رك فيها لذي جناحين ريشاهكذا في البلاد حي قريش يأكلون البلاد أكلا كميشاولهم آخر الزمان نبي يكثر القتل فيهم والخموشا

القول في تأويل قوله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه: لإِيلافِ قُرَيْشٍ (1)اختلفت القرّاء في قراءة: ( لإيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ ) , فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار بياء بعد همز لإيلاف وإيلافهم, سوى أبي جعفر, فإنه وافق غيره في قوله ( لإيلافِ ) فقرأه بياء بعد همزة, واختلف عنه في قوله ( إِيلافِهِمْ ) فروي عنه أنه كان يقرؤه: " إلْفِهِمْ" (1) على أنه مصدر من ألف يألف إلفا, بغير ياء. وحَكى بعضهم عنه أنه كان يقرؤه: " إلافِهِمْ" بغير ياء مقصورة الألف.والصواب من القراءة في ذلك عندي: من قرأه: ( لإيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ ) بإثبات الياء فيهما بعد الهمزة, من آلفت الشيء أُولفه إيلافا, لإجماع الحجة من القرّاء عليه. وللعرب في ذلك لغتان: آلفت, وألفت; فمن قال: آلفت بمدّ الألف قال: فأنا أؤالف إيلافا; ومن قال: ألفت بقصر الألف قال: فأنا آلف إلفا, وهو رجل آلف إلفا. وحكي عن عكرمة أنه كان يقرأ ذلك: " لتألف قريش إلفهم رحلة الشتاء والصيف ".حدثني بذلك أبو كُرَيب, قال: ثنا وكيع, عن أبي مكين, عن عكرِمة.وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك, ما حدثنا ابن حميد, قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن ليث, عن شهر بن حوشب, عن أسماء بنت يزيد, قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ: " إلْفَهُمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ" .واختلف أهل العربية في المعنى الجالب هذه اللام في قوله: ( لإيلافِ قُرَيْشٍ ) , فكان بعض نحويي البصرة يقول: الجالب لها قوله: فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ فهي في قول هذا القائل صلة لقوله جعلهم, فالواجب على هذا القول, أن يكون معنى الكلام: ففعلنا بأصحاب الفيل هذا الفعل, نعمة منا على أهل هذا البيت, وإحسانا منا إليهم, إلى نعمتنا عليهم في رحلة الشتاء والصيف, فتكون اللام في قوله ( لإيلافِ ) بمعنى إلى, كأنه قيل: نعمة لنعمة وإلى نعمة, لأن إلى موضع اللام, واللام موضع إلى.وقد قال معنى هذا القول بعض أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى: وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: ( إيلافِهِم رِحْلَة الشتاءِ والصَّيْف ) قال: إيلافهم ذلك فلا يشقّ عليهم رحلة شتاء ولا صيف.حدثني إسماعيل بن موسى السديِّ, قال: أخبرنا شريك, عن إبراهيم بن المهاجر, عن مجاهد ( لإيلافِ قُريْشٍ ) قال: نعمتي على قريش.حدثني محمد بن عبد الله الهلالي, قال: ثنا فروة بن أبي المَغْراء الكندي, قال: ثنا شريك, عن إبراهيم بن المهاجر, عن مجاهد, مثله.حدثنا عمرو بن عليّ, قال: ثنا عامر بن إبراهيم الأصبهاني, قال: ثنا خطاب ابن جعفر بن أبي المغيرة قال: ثني أبي, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس, في قوله: ( لإيلافِ قُريْشٍ ) قال: نعمتي على قريش.وكان بعض نحويي الكوفة يقول: قد قيل هذا القول, ويقال: إنه تبارك وتعالى عجَّب نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: اعجب يا محمد لِنعَم الله على قريش, في إيلافهم رحلة الشتاء والصيف. ثم قال: فلا يتشاغلوا بذلك عن الإيمان واتباعك يستدل بقوله: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ) .وكان بعض أهل التأويل يوجِّه تأويل قوله: (لإيلافِ قُريْشٍ ) إلى أُلفة بعضهم بعضا.*ذكر من قال ذلك:حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قول الله: ( لإيلافِ قُريْشٍ ) فقرأ: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ إلى آخر السورة, قال: هذا لإيلاف قريش, صنعتُ هذا بهم لألفة قريش, لئلا أفرّق أُلفتهم وجماعتهم, وإنما جاء صاحب الفيل ليستبيد حريمهم, فصنع الله ذلك.والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن هذه اللام بمعنى التعجب. وأن معنى الكلام: اعجبوا لإيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف, وتركهم عبادة ربّ هذا البيت, الذي أطعهم من جوع, وآمنهم من خوف، فليعبدوا ربّ هذا البيت, الذي أطعمهم من جوع, وآمنهم من خوف. والعرب إذا جاءت بهذه اللام, فأدخلوها في الكلام للتعجب اكتفوا بها دليلا على التعجب من إظهار الفعل الذي يجلبها, كما قال الشاعر:أغَرَّكَ أنْ قَالُوا لِقُرَّةَ شاعِرًافيالأباهُ مِنْ عَرِيفٍ وَشَاعِرِ (2)فاكتفى باللام دليلا على التعجب من إظهار الفعل، وإنما الكلام: أغرّك أن قالوا: اعجبوا لقرّة شاعرا، فكذلك قوله:(لإيلافِ) .وأما القول الذي قاله من حَكينا قوله, أنه من صلة قوله: فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ فإن ذلك لو كان كذلك, لوجب أن يكون " لإيلاف " بعض أَلَمْ تَرَ , وأن لا تكون سورة منفصلة من أَلَمْ تَرَ ، وفي إجماع جميع المسلمين على أنهما سورتان تامتان، كلّ واحدة منهما منصلة عن الأخرى ما يبين عن فساد القول الذي قاله من قال ذلك. ولو كان قوله: ( لإيلافِ قُرَيْشٍ ) من صلة قوله: فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ لم تكن أَلَمْ تَرَ تامَّة حتى توصل بقوله: ( لإيلافِ قُرَيْشٍ ) لأن الكلام لا يتمّ إلا بانقضاء الخبر الذي ذُكر.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.*ذكر من قال ذلك:حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله: (إلْفَهُمْ رِحْلَةَ الشتاءِ وَالصَّيْف) يقول: لزومهم.حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبى, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, في قوله: ( لإيلافِ قُرَيْشٍ ) قال: نهاهم عن الرحلة, وأمرهم أن يعبدوا ربّ هذا البيت, وكفاهم المؤنة، وكانت رحلتهم في الشتاء والصيف, فلم يكن لهم راحة في شتاء ولا صيف, فأطعمهم بعد ذلك من جوع, وآمنهم من خوف, وألفوا الرحلة, فكانوا إذا شاءوا ارتحلوا, وإذا شاءوا أقاموا, فكان ذلك من نعمة الله عليهم.حدثني محمد بن المثنى, قال: ثني ابن عبد الأعلى, قال: ثنا داود, عن عكرمة قال: كانت قريش قد ألفوا بصرى واليمن يختلفون إلى هذه في الشتاء, وإلى هذه في الصيف ( فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ) فأمرهم أن يقيموا بمكة.حدثنا ابن حميد, قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن إسماعيل, عن أبي صالح ( لإيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ ) قال: كانوا تجارا, فعلم الله حبهم للشام.حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة ( لإيلافِ قُرَيْشٍ ) قال: عادة قريش عادتهم رحلة الشتاء والصيف.حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( لإيلافِ قُرَيْشٍ ) كانوا ألفوا الارتحال في القيظ والشتاء.

لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) افتتاح مُبدع إذ كان بمجرور بلام التعليل وليس بإثْره بالقرب ما يصلح للتعليق به ففيه تشويق إلى متعلق هذا المجرور . وزاده الطول تشويقاً إذ فصل بينه وبين متعلَّقه ( بالفتح ) بخمس كلمات ، فيتعلق { لإيلاف } بقوله : { فليعبدوا } .وتقديم هذا المجرور للاهتمام به إذ هو من أسباب أمرهم بعبادة الله التي أعرضوا عنها بعبادة الأصنام والمجرور متعلق بفعل «ليعبدوا» .وأصل نظم الكلام : لتَعْبُدْ قريشٌ ربَّ هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف لإيلافهم رحلة الشتاء والصيف ، فلما اقتضى قصدُ الاهتمام بالمعمول تقديمه على عامله ، تولَّدَ من تقديمه معنى جعله شرطاً لعامله فاقترن عامله بالفاء التي هي من شأن جواب الشرط ، فالفاء الداخلة في قوله : { فليعبدوا } مؤذنة بأن ما قبلها في قوة الشرط ، أي مؤذنة بأن تقديم المعمول مقصود به اهتمام خاص وعناية قوية هي عناية المشترط بشرطه ، وتعليق بقية كلامه عليه لما ينتظره من جوابه ، وهذا أسلوب من الإِيجاز بديع .قال في «الكشاف» : دخلت الفاء لما في الكلام من معنى الشرط لأن المعنى إمَّا لاَ فليعبدوه لإِيلافهم ، أي أن نعم الله عليهم لا تحصى فإن لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لهذه الواحدة التي هي نعمة ظاهرة اه .وقال الزجاج في قوله تعالى : { وربك فكبر } [ المدثر : 3 ] دخلت الفاء لمعنى الشرط كأنه قيل : وما كان فلا تَدَعْ تكبيره اه . وهو معنى ما في «الكشاف» . وسكتا عن منشإ حصول معنى الشرط وذلك أن مثل هذا جار عند تقديم الجار والمجرور ، ونحوه من متعلقات الفعل وانظر قوله تعالى : { وإياي فارهبون } في سورة البقرة ( 40 ) ، ومنه قوله تعالى : { فبذلك فليفرحوا } في سورة يونس ( 58 ) وقوله : { فلذلك فادع واستقم } في سورة الشورى ( 15 ) . وقول النبي للذي سأله عن الجهاد فقال له : ألك أبوان؟ فقال : نعم . قال : ففيهما فجاهدْ .ويجوز أن تجعل اللام متعلقة بفعل ( اعْجَبوا ) محذوفاً ينبىء عنه اللام لكثرة وقوع مجرور بها بعد مادة التعجب ، يقال : عجباً لك ، وعجباً لتلك قضية ، ومنه قول امرىء القيس : فيا لَكَ من ليل لأن حرف النداء مراد به التعجب فتكون الفاء في قوله : فليعبدوا } تفريعاً على التعجيب .وجوّز الفراء وابن إسحاق في «السيرة» أن يكون { لإيلاف قريش } متعلقاً بما في سورة الفيل ( 5 ) من قوله : { فجعلهم كعصف مأكول } قال القرطبي : وهو معنى قول مجاهد ورواية ابن جبير عن ابن عباس . قال الزمخشري : وهذا بمنزلة التضمين في الشعر وهو أن يتعلق معنى البيت بالذي قبله تعلقاً لا يصح إلاّ به ا ه . يعنون أن هذه السورة وإن كانت سورة مستقلة فهي ملحقة بسورة الفيل فكما تُلحق الآية بآية نزلت قبلها ، تلحق آيات هي سورة فتتعلق بسورة نزلت قبلها .والإِيلاف : مصدر أألف بهمزتين بمعنى ألف وهما لغتان ، والأصل هو ألف ، وصيغة الإِفعال فيه للمبالغة لأن أصلها أن تدل على حصول الفعل من الجانبين ، فصارت تستعمل في إفادة قوة الفعل مجازاً ، ثم شاع ذلك في بعض الأفعال حتى ساوى الحقيقة مثل سَافَر ، وعافَاه الله ، وقاتَلَهُم الله .
الآية 1 - سورة قريش: (لإيلاف قريش...)