سورة قريش: الآية 3 - فليعبدوا رب هذا البيت...

تفسير الآية 3, سورة قريش

فَلْيَعْبُدُوا۟ رَبَّ هَٰذَا ٱلْبَيْتِ

الترجمة الإنجليزية

FalyaAAbudoo rabba hatha albayti

تفسير الآية 3

فليشكروا، وليعبدوا رب هذا البيت -وهو الكعبة- الذي شرفوا به، وليوحدوه ويخلصوا له العبادة.

«فليعبدوا» تعلق به لإيلاف والفاء زائدة «رب هذا البيت».

فأهلك الله من أرادهم بسوء، وعظم أمر الحرم وأهله في قلوب العرب، حتى احترموهم، ولم يعترضوا لهم في أي: سفر أرادوا، ولهذا أمرهم الله بالشكر، فقال: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ أي: ليوحدوه ويخلصوا له العبادة.

ثم أرشدهم إلى شكر هذه النعمة العظيمة فقال : ( فليعبدوا رب هذا البيت ) أي : فليوحدوه بالعبادة ، كما جعل لهم حرما آمنا وبيتا محرما ، كما قال تعالى : ( إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين ) [ النمل : 91 ]

وبعد أن ذكرهم- سبحانه- بنعمه أمرهم بشكره، فقال: لْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ ...أى: إن كان الأمر كما ذكرنا لهم، فليخلصوا العبادة لله- تعالى- الذي حمى لهم البيت الحرام، والكعبة المشرفة، ممن أرادهما بسوء..

وأمرهم بعبادة رب البيت فقال: "فليعبدوا رب هذا البيت"، أي الكعبة.

قوله تعالى : فليعبدوا رب هذا البيتأمرهم الله تعالى بعبادته وتوحيده ، لأجل إيلافهم رحلتين . ودخلت الفاء لأجل ما في الكلام من معنى الشرط ، لأن المعنى : إما لا فليعبدوه لإيلافهم ; على معنى أن نعم الله تعالى عليهم لا تحصى ، فإن لم يعبدوه لسائر نعمه ، فليعبدوه لشأن هذه الواحدة ، التي هي نعمة ظاهرة . والبيت : الكعبة . وفي تعريف نفسه لهم بأنه رب هذا البيت وجهان : أحدهما لأنه كانت لهم أوثان فيميز نفسه عنها . الثاني : لأنهم بالبيت شرفوا على سائر العرب ، فذكر لهم ذلك ، تذكيرا لنعمته . وقيل : فليعبدوا رب هذا البيت أي ليألفوا عبادة رب الكعبة ، كما كانوا يألفون الرحلتين . قال عكرمة : كانت قريش قد ألفوا رحلة إلى بصرى ورحلة إلى اليمن ، فقيل لهم : فليعبدوا رب هذا البيت أي يقيموا بمكة . رحلة الشتاء ، إلى اليمن ، والصيف : إلى الشام .

وقوله: ( فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ) يقول: فليقيموا بموضعهم ووطنهم من مكة, وليعبدوا ربّ هذا البيت, يعني بالبيت: الكعبة.كما حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: ثنا هشيم, قال: أخبرنا مُغيرة, عن إبراهيم, أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه, صلى المغرب بمكة, فقرأ: ( لإيلافِ قُرَيْشٍ ) فلما انتهى إلى قوله: ( فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ) أشار بيده إلى البيت.حدثنا عمرو بن عليّ, قال: ثنا عامر بن إبراهيم الأصبهاني, قال: ثنا خطاب ابن جعفر بن أبي المغيرة, قال: ثني أبي, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس, في قوله ( فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ) قال الكعبة.وقال بعضهم: أمروا أن يألفوا عبادة ربّ مكة كإلفهم الرحلتين.*ذكر من قال ذلك:حدثنا عمرو بن عبد الحميد الآمُلِيّ, قال: ثنا مروان, عن عاصم الأحول, عن عكرِمة, عن ابن عباس, في قول الله: ( لإيلافِ قُرَيْشٍ ) قال: أُمروا أن يألفوا عبادة ربّ هذا البيت, كإلفهم رحلة الشتاء والصيف.

فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) وعند القبائل التي تحرِّم الأشهر الحُرم والقبائللِ التي لا تحرّمها مثل طيء وقضاعة وخثعم ، فتيسرت لهم الأسفار في بلاد العرب من جنوبها إلى شمالها ، ولاذ بهم أصحاب الحاجات يسافرون معهم ، وأصحاب التجارات يحمِّلونهم سلعهم ، وصارت مكة وسطاً تُجلب إليها السلع من جميع البلاد العربية فتوزع إلى طالبيها في بقية البلاد ، فاستغنى أهل مكة بالتجارة إذ لم يكونوا أهل زرع ولا ضرع إذ كانوا بوادٍ غير ذي زرع وكانوا يجلبون أقواتهم فيجلبون من بلاد اليمن الحبوب من بُرّ وشعير وذُرة وزبيب وأديم وثياب والسيوف اليمانية ، ومن بلاد الشام الحبوب والتمر والزيت والزبيب والثياب والسيوف المشرفية ، زيادة على ما جعل لهم مع معظم العرب من الأشهر الحرم ، وما أقيم لهم من مواسم الحج وأسواقه كما يشير إليه قوله تعالى : { فليعبدوا رب هذا البيت } .فذلك وجه تعليل الأمر بتوحيدهم الله بخصوص نعمة هذا الإِيلاف مع أن لله عليهم نعماً كثيرة لأن هذا الإِيلاف كان سبباً جامعاً لأهم النعم التي بها قوام بقائهم .وقد تقدم آنفاً الكلام على معنى الفاء من قوله : { فليعبدوا رب هذا البيت } على الوجوه كلها .والعبادة التي أُمروا بها عبادة الله وحده دون إشراك الشركاء معه في العبادة لأن إشراك من لا يستحق العبادة مع الله الذي هو الحقيق بها ليس بعبادة أو لأنهم شُغلوا بعبادة الأصنام عن عبادة الله فلا يذكرون الله إلا في أيام الحج في التلبية على أنهم قد زاد بعضهم فيها بعد قولهم : لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تَملِكُه ومَا مَلَك .وتعريف { رب } بالإضافة إلى { هذا البيت } دون أن يقال : فليعبدوا الله لما يومىء إليه لفظ { رب } من استحقاقه الإِفراد بالعبادة دون شريك .وأوثر إضافة { رب } إلى { هذا البيت } دون أن يقال : ربهم للإِيماء إلى أن البيت هو أصل نعمة الإِيلاف بأن أمر إبراهيم ببناء البيت الحرام فكان سبباً لرفعة شأنهم بين العرب قال تعالى : { جعل اللَّه الكعبة البيت الحرام قياماً للناس } [ المائدة : 97 ] وذلك إدماج للتنويه بشأن البيت الحرام وفضله .والبيت معهود عند المخاطبين .والإِشارة إليه لأنه بذلك العهد كان كالحاضر في مقام الكلام على أن البيت بهذا التعريف باللام صار علماً بالغلبة على الكعبة ، و«رب البيت» هو الله والعرب يعترفون بذلك .
الآية 3 - سورة قريش: (فليعبدوا رب هذا البيت...)