سورة سبإ: الآية 2 - يعلم ما يلج في الأرض...

تفسير الآية 2, سورة سبإ

يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِى ٱلْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۚ وَهُوَ ٱلرَّحِيمُ ٱلْغَفُورُ

الترجمة الإنجليزية

YaAAlamu ma yaliju fee alardi wama yakhruju minha wama yanzilu mina alssamai wama yaAAruju feeha wahuwa alrraheemu alghafooru

تفسير الآية 2

يعلم كل ما يدخل في الأرض من قطرات الماء، وما يخرج منها من النبات والمعادن والمياه، وما ينزل من السماء من الأمطار والملائكة والكتب، وما يصعد إليها من الملائكة وأفعال الخلق. وهو الرحيم بعباده فلا يعاجل عصاتهم بالعقوبة، الغفور لذنوب التائبين إليه المتوكلين عليه.

«يعلم ما يلج» يدخل «في الأرض» كماء وغيره «وما يخرج منها» كنبات وغيره «وما ينزل من السماء» من رزق وغيره «وما يعرج» يصعد «فيها» من عمل وغيره «وهو الرحيم» بأوليائه «الغفور» لهم.

يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ أي: من مطر, وبذر, وحيوان وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا من أنواع النباتات, وأصناف الحيوانات وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ من الأملاك والأرزاق والأقدار وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا من الملائكة والأرواح وغير ذلك.ولما ذكر مخلوقاته وحكمته فيها, وعلمه بأحوالها, ذكر مغفرته ورحمته لها, فقال: وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ أي: الذي الرحمة والمغفرة وصفه, ولم تزل آثارهما تنزل على عباده كل وقت بحسب ما قاموا به من مقتضياتهما.

( يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها ) أي : يعلم عدد القطر النازل في أجزاء الأرض ، والحب المبذور والكامن فيها ، ويعلم ما يخرج من ذلك : عدده وكيفيته وصفاته ، ( وما ينزل من السماء ) أي : من قطر ورزق ، ( وما يعرج فيها ) أي : من الأعمال الصالحة وغير ذلك ، ( وهو الرحيم الغفور ) أي : الرحيم بعباده فلا يعاجل عصاتهم بالعقوبة ، الغفور عن ذنوب [ عباده ] التائبين إليه المتوكلين عليه .

ثم فصل- سبحانه- بعض مظاهر علمه فقال: يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ، والولوج الدخول، يقال: ولج فلان منزله، فهو يلجه ولجا وولوجا، إذا دخله.أى: أنه- سبحانه- يعلم ما يلج في الأرض وما يدخل فيها من ماء نازل من السماء، ومن جواهر دفنت في طياتها، ومن بذور ومعادن في جوفها.ويعلم- أيضا- ما يَخْرُجُ مِنْها من نبات وحبوب وكنوز، وغير ذلك من أنواع الخيرات.قال صاحب الكشاف: ولما قال- سبحانه-: الحمد لله، ثم وصف ذاته بالإنعام بجميع النعم الدنيوية، كان معناه: أنه المحمود على نعم الدنيا، تقول: احمد أخاك الذي كساك وحملك، تريد: احمده على كسوته وحملانه.ولما قال: وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ علم أنه المحمود على نعم الآخرة وهو الثواب .وقال الآلوسى: والفرق بين الحمدين مع كون نعم الدنيا ونعم الآخرة بطريق التفضل، أن الأول على نهج العبادة، والثاني على وجه التلذذ والاغتباط وقد ورد في الخبر أن أهل الجنة يلهمون التسبيح كما يلهمون النفس .وقال الجمل: فإن قلت: الحمد مدح للنفس، ومدحها مستقبح فيما بين الخلق، فما وجه ذلك؟فالجواب: ان هذا المدح دليل على أن حاله- تعالى- بخلاف حال الخلق، وأنه يحسن منه ما يقبح من الخلق، وذلك يدل على أنه- تعالى- مقدس عن أن تقاس أفعاله، على أفعال العباد .ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ أى: وهو- تعالى- الذي أحكم أمور الدارين، ودبرها بحكمته، وهو العليم بظواهر عباده وبواطنهم، لا يخفى عليه شيء من أحوالهم.ثم فصل- سبحانه- بعض مظاهر علمه فقال: يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ، والولوج الدخول، يقال: ولج فلان منزله، فهو يلجه ولجا وولوجا، إذا دخله.أى: أنه- سبحانه- يعلم ما يلج في الأرض وما يدخل فيها من ماء نازل من السماء، ومن جواهر دفنت في طياتها، ومن بذور ومعادن في جوفها.ويعلم- أيضا- ما يَخْرُجُ مِنْها من نبات وحبوب وكنوز، وغير ذلك من أنواع الخيرات.ويعلم كذلك ما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ من أمطار، وثلوج، وبرد، وصواعق، وبركات، من عنده- تعالى- لأهل الأرض.وَما يَعْرُجُ فِيها أى: ويعلم ما يصعد فيها من الملائكة والأعمال الصالحة، كما قال- تعالى-: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ.وعدى العروج بفي لتضمنه معنى الاستقرار، وهو في الأصل يعدى بإلى قال- تعالى-:تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ.وقوله: يَعْرُجُ من العروج، وهو الذهاب في صعود. والسماء جهة العلو مطلقا.وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ أى: وهو- سبحانه- صاحب الرحمة الواسعة، والمغفرة العظيمة، لمن يشاء من عباده.وهذه الآية الكريمة- مع وجازة ألفاظها- تصور تصويرا بديعا معجزا، مظاهر علم الله- تعالى-، ولو أن أهل الأرض جميعا حاولوا إحصاء ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها، وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها لما استطاعوا أن يصلوا إلى إحصاء بعض تلك الحشود الهائلة من خلق الله- تعالى- في أرضه أو سمائه.ولكن هذه الحشود العجيبة في حركاتها، وأحجامها، وأنواعها، وأجناسها، وصورها، وأحوالها.. قد أحصاها علم الله- تعالى- الذي لا يخفى عليه شيء.

(يعلم ما يلج في الأرض ) أي : يدخل فيها من الماء والأموات ( وما يخرج منها ) من النبات والأموات إذا حشروا ( وما ينزل من السماء ) من الأمطار ( وما يعرج ) يصعد ) ( فيها ) من الملائكة وأعمال العباد ( وهو الرحيم الغفور)

قوله تعالى : يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور .قوله تعالى : يعلم ما يلج في الأرض أي ما يدخل فيها من قطر وغيره ، كما قال : فسلكه ينابيع في الأرض من الكنوز والدفائن والأموات وما هي له كفات . وما يخرج منها من نبات وغيره وما ينزل من السماء من الأمطار والثلوج والبرد والصواعق والأرزاق والمقادير والبركات . وقرأ علي بن أبي طالب ( وما ننزل ) بالنون والتشديد . وما يعرج فيها من الملائكة وأعمال العباد ; قاله الحسن وغيره وهو الرحيم الغفور .

القول في تأويل قوله تعالى : يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2)يقول تعالى ذكره: يعلم ما يدخل الأرض وما يغيب فيها من شيء. من قولهم: ولجت في كذا: إذا دخلت فيه، كما قال الشاعر:رأيتُ القوافي يَتَّلجنَ مَوَالِجًاتَضَايَقُ عَنها أن تَوَلَّجها الإبَرْ (1)يعني بقوله (يتَّلجن موالجا): يدخلن مداخل (وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا) يقول: وما يخرج من الأرض ( وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ) يعني: وما يصعد في السماء، وذلك خبر من الله أنه العالم الذي لا يخفى عليه شيء في السماوات والأرض، مما ظهر فيها وما بطن، وهو الرحيم الغفور، وهو الرحيم بأهل التوبة من عباده أن يعذبهم بعد توبتهم، الغفور لذنوبهم إذا تابوا منها.------------------------الهوامش:(1) البيت في الشعر المنسوب إلى طرفة بن العبد البكري، وليس في ديوانه الذي فيه أشعار الشعراء الستة (انظره في العقد الثمين، في دواوين الشعراء الجاهليين لألورد الألماني، طبع غريفز) ولد سنة 1869 (وورد في) اللسان: ولج (غير منسوب. كما ورد في فرائد القلائد، في مختصر شرح الشواهد للعيني 391) قال: فإن القوافي ... إلخ. قاله طرفه بن العبد. والقوافي جمع قافية، وأراد به هنا: القصيدة، لاشتمال القافية عليها. والشواهد في (يتلجن) أصله (يوتلجن)؛ لأنه من ولج: إذا دخل. فأبدلت الواو تاء، وأدغمت التاء في التاء. والموالج جمع مولج، وهو موضع الولوج. الإبر: جمع إبرة: الخياط. ا ه. قلت: يريد طرفة أن قصائد الهجاء تبلغ من التأثير في نفس المهجو مواضع بعيدة، لا تنالها أسنة الإبر إذا طعن بها المهجو وهو شبيه بقول الآخر: والقول ينفذ ما لا ينفذ الإبر.

يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2)بيان لجملة { وهو الحكيم الخبير } [ سبأ : 1 ] لأن العلم بما ذكر هنا هو العلم بذواتها وخصائصها وأسبابها وعللها وذلك عين الحكمة والخبرة ، فإن العلم يقتضي العمل ، وإتقانُ العمل بالعلم .وخص بالذكر في متعلِّق العلم ما يلج وما يخرج من الأرض دون ما يَدِبّ على سطحها ، وما ينزل وما يعرج إلى السماء دون ما يجول في أرجائها لأن ما ذكر لا يخلو عن أن يكون دَابًّا وجائلاً فيهما ، والذي يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها يعلم ما يدبّ عليها وما يزحف فوقها ، والذي يعلم ما ينزل من السماء وما يعرج يعلم ما في الأجواء والفضاء من الكائنات المرئية وغيرها ويعلم سير الكواكب ونظامها .والولوج : الدخول والسلوكُ مثل ولُوج ماء المطر في أعماق الأرض وولوج الزريعة . والذي يخرج من الأرض ، النبات والمعادن والدواب المستكنة في بيوتها ومغاراتها ، وشمل ذلك من يُقبرون في الأرض وأحوالهم . والذي ينزل من السماء : المطر والثلج والرياح ، والذي يعرج فيها ما يتصاعد في طبقات الجو من الرطوبات البحرية ومن العواصف الترابية ، ومن العناصر التي تتبخر في الطبقات الجوية فوق الأرض ، وما يسبح في الفضاء وما يطير في الهواء ، وعروجُ الأرواح عند مفارقة الأجساد قال تعالى : { تعرج الملائكة والروح إليه } [ المعارج : 4 ] .واعلم أن كلمتي { يلج } و { يخرج } أوضح ما يُعَبَّر به عن أحوال جميع الموجودات الأرضية بالنسبة إلى اتصالها بالأرض ، وأن كلمتي { ينزل } و { يعرج } أوضح ما يعبَّر به عن أحوال الموجودات السماوية بالنسبة إلى اتصالها بالسماء ، من كلمات اللغة التي تدل على المعاني الموضوعة للدلالة عليها دلالةً مطابقية على الحقيقة دون المجاز ودون الكناية ، ولذلك لم يعطف السماء على الأرض في الآية فلم يقل : يعلم ما يلج في الأرض والسماء ، وما يخرج منهما ، ولم يُكتَفَ بإحدى الجملتين عن الأخرى . وقد لاح لي أن هذه الآية ينبغي أن تجعل من الإِنشاء مثل ما اصطلح على تسميته بصراحة اللفظ . ولذلك ألحقتها بكتابي «أصول الإنشاء والخطابة» بعد تفرق نسخه بالطبع ، وسيأتي نظير هذه في أول سورة الحديد .ولما كان من جملة أحوال ما في الأرض أعمال الناس وأحوالهم من عقائد وسير ، ومما يعرج في السماء العمل الصالح والكَلم الطيّب أتبع ذلك بقوله : { وهو الرحيم الغفور } أي الواسع الرحمة والواسع المغفرة . وهذا إجمال قصد منه حث الناس على طلب أسباب الرحمة والمغفرة المرغوب فيهما ، فإن من رغب في تحصيل شيء بحث عن وسائل تحصيله وسعى إليها . وفيه تعريض بالمشركين أن يتوبوا عن الشرك فيغفر لهم ما قدموه .
الآية 2 - سورة سبإ: (يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها ۚ وهو الرحيم الغفور...)