سورة طه: الآية 10 - إذ رأى نارا فقال لأهله...

تفسير الآية 10, سورة طه

إِذْ رَءَا نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ ٱمْكُثُوٓا۟ إِنِّىٓ ءَانَسْتُ نَارًا لَّعَلِّىٓ ءَاتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدًى

الترجمة الإنجليزية

Ith raa naran faqala liahlihi omkuthoo innee anastu naran laAAallee ateekum minha biqabasin aw ajidu AAala alnnari hudan

تفسير الآية 10

حين رأى في الليل نارًا موقدة فقال لأهله: انتظروا لقد أبصرت نارًا، لعلي أجيئكم منها بشعلة تستدفئون بها، وتوقدون بها نارًا أخرى، أو أجد عندها هاديًا يدلنا على الطريق.

«إذا رأى نارا فقال لأهله» لامرأته «امكثوا» هنا، وذلك في مسيره من مدين طالبا مصر «إني آنست» أبصرت «نارا لعلي آتيكم منها بقبس» بشعلة في رأس فتيلة أو عود «أو أجد على النار هدى» أي هاديا يدلني على الطريق وكان أخطأها لظلمة الليل، وقال لعل لعدم الجزم بوفاء الوعد.

فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ أي: أبصرت نَارًا وكان ذلك في جانب الطور الأيمن، لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ تصطلون به أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى أي: من يهديني الطريق. وكان مطلبه، النور الحسي والهداية الحسية، فوجد ثم النور المعنوي، نور الوحي، الذي تستنير به الأرواح والقلوب، والهداية الحقيقية، هداية الصراط المستقيم، الموصلة إلى جنات النعيم، فحصل له أمر لم يكن في حسابه، ولا خطر بباله.

وسار بأهله قيل : قاصدا بلاد مصر بعدما طالت الغيبة عنها أكثر من عشر سنين ، ومعه زوجته ، فأضل الطريق ، وكانت ليلة شاتية ، ونزل منزلا بين شعاب وجبال ، في برد وشتاء ، وسحاب وظلام وضباب ، وجعل يقدح بزند معه ليوري نارا ، كما جرت له العادة به ، فجعل لا يقدح شيئا ، ولا يخرج منه شرر ولا شيء . فبينا هو كذلك ، إذ آنس من جانب الطور نارا ، أي : ظهرت له نار من جانب الجبل الذي هناك عن يمينه ، فقال لأهله يبشرهم : ( إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس ) أي : شهاب من نار . وفي الآية الأخرى : ( أو جذوة من النار ) [ القصص : 29 ] وهي الجمر الذي معه لهب ، ( لعلكم تصطلون ) [ القصص : 29 ] دل على وجود البرد ، وقوله : ( بقبس ) دل على وجود الظلام .وقوله : ( أو أجد على النار هدى ) أي : من يهديني الطريق ، دل على أنه قد تاه عن الطريق ، كما قال الثوري ، عن أبي سعد الأعور ، عن عكرمة عن ابن عباس في قوله : ( أو أجد على النار هدى ) قال : من يهديني إلى الطريق . وكانوا شاتين وضلوا الطريق ، فلما رأى النار قال : إن لم أجد أحدا يهديني إلى الطريق آتكم بنار توقدون بها .

أى: ظهرت له نار من جانب الجبل الذي هناك عن يمينه، فقال لأهله يبشرهم:... امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أى: شهاب من نار.. .والاستفهام في قوله- سبحانه-: وَهَلْ أَتاكَ.. لتقرير الخبر وتثبيته، وهذا أبلغ عن مجيئه بصورة الخبر المجرد. لأن في الاستفهام التقريرى تطلع واشتياق لمعرفة الخبر.والجملة الكريمة مستأنفة لتأكيد ما سبق الحديث عنه من وحدانية الله- تعالى- ولتسلية الرسول صلّى الله عليه وسلّم عما أصابه من قومه. ببيان جانب من جهاد أخيه موسى- عليه السلام-.والمعنى: لقد أتاك- أيها الرسول الكريم- خبر أخيك موسى، وقت أن رأى نارا وهو عائد ليلا من مدين إلى مصر فَقالَ لِأَهْلِهِ أى لامرأته ومن معها امْكُثُوا أى:أقيموا في مكانكم ولا تبرحوه حتى أعود إليكم.وجملة إِنِّي آنَسْتُ ناراً تعليل للأمر بالمكوث، وآنست من الإيناس بمعنى الإبصار الواضح الجلى. أى: إنى أبصرت إبصارا بينا لا شبهة فيه نارا على مقربة منى، فامكثوا في أماكنكم لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ.والقبس: الشعلة التي تؤخذ من النار في طرف عود أو نحوه. ووزنه فعل- بفتح العين- بمعنى مفعول أى: لعلى آتيكم من هذه النار بشعلة مقتبسة منها، ومأخوذة عنها.وقوله: أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً معطوف على ما قبله.أى: امكثوا في مكانكم حتى أذهب إلى النار التي شاهدتها، لعلى آتيكم منها بشعلة، أو أجد عندها هاديا يهديني الى الطريق الذي أسلكه لكي أصل إلى المكان الذي أريده.فقوله هُدىً مصدر بمعنى اسم الفاعل أى: هاديا.وقد دلت آية أخرى على أن موسى قد ذهب إلى النار ليأتى منها بما يدفئ أهله من البرد.وهذه الآية هي قوله- تعالى-: فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً. قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً، لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ « .

( إذ رأى نارا ) وذلك أن موسى استأذن شعيبا في الرجوع من مدين إلى مصر لزيارة والدته وأخته ، فأذن له فخرج بأهله وماله ، وكانت أيام الشتاء ، وأخذ على غير الطريق مخافة ملوك الشام ، وامرأته في سقمها ، لا تدري أليلا أم نهارا . فسار في البرية غير عارف بطرقها ، فألجأه المسير إلى جانب الطور الغربي الأيمن في ليلة مظلمة مثلجة شديدة البرد ، وأخذ امرأته الطلق ، فقدح زنده فلم يوره .وقيل : إن موسى كان رجلا غيورا فكان يصحب الرفقة بالليل ويفارقهم بالنهار ، لئلا ترى امرأته ، فأخطأ مرة الطريق في ليلة مظلمة شاتية ، لما أراد الله عز وجل من كرامته ، فجعل يقدح الزند فلا يوري ، فأبصر نارا من بعيد عن يسار الطريق من جانب الطور ، ( فقال لأهله امكثوا ) أقيموا ، قرأ حمزة بضم الهاء هاهنا وفي القصص ، ( إني آنست ) أي : أبصرت ، ( نارا لعلي آتيكم منها بقبس ) شعلة من نار ، والقبس : قطعة من النار تأخذها في طرف عمود من معظم النار ، ( أو أجد على النار هدى ) أي : أجد عند النار من يدلني على الطريق .

إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى قال ابن عباس وغيره : هذا حين قضى الأجل وسار بأهله وهو مقبل من مدين يريد مصر ، وكان قد أخطأ الطريق ، وكان موسى - عليه السلام - رجلا غيورا ، يصحب الناس بالليل ويفارقهم بالنهار غيرة منه ، لئلا يروا امرأته ، فأخطأ الرفقة - لما سبق في علم الله تعالى - وكانت ليلة مظلمة . وقال مقاتل : وكانت ليلة الجمعة في الشتاء . وهب بن منبه : استأذن موسى شعيبا في الرجوع إلى والدته فأذن له فخرج بأهله بغنمه ، وولد له في الطريق غلام في ليلة شاتية باردة مثلجة ، وقد حاد عن الطريق وتفرقت ماشيته ، فقدح موسى النار فلم تور المقدحة شيئا ، إذ بصر بنار من بعيد على يسار الطريق فقال لأهله امكثوا أي أقيموا بمكانكم إني آنست نارا أي أبصرت . قال ابن عباس : فلما توجه نحو النار فإذا النار في شجرة عناب ، فوقف متعجبا من حسن ذلك الضوء ؛ وشدة خضرة تلك الشجرة ، فلا شدة حر النار تغير حسن خضرة الشجرة ، ولا كثرة ماء الشجرة ولا نعمة الخضرة تغيران حسن ضوء النار . وذكر المهدوي : فرأى النار - فيما روي - وهي في شجرة من العليق ، فقصدها فتأخرت عنه ، فرجع وأوجس في نفسه خيفة ، ثم دنت منه وكلمه الله - عز وجل - من الشجرة . الماوردي : كانت عند موسى نارا ، وكانت عند الله تعالى نورا . وقرأ حمزة ( لأهله امكثوا ) بضم الهاء ، وكذا في ( القصص ) . قال النحاس : وهذا على لغة من قال : مررت به يا رجل ؛ فجاء به على الأصل ، وهو جائز إلا أن حمزة خالف أصله في هذين الموضعين خاصة . وقال : امكثوا ولم يقل أقيموا ، لأن الإقامة تقتضي الدوام ، والمكث ليس كذلك وآنست أبصرت ، قاله ابن الأعرابي . ومنه قوله : فإن آنستم منهم رشدا أي علمتم . وآنست الصوت سمعته ، والقبس شعلة من نار ، وكذلك المقباس . يقال قبست منه نارا أقبس قبسا فأقبسني أي أعطاني منه قبسا ، وكذلك اقتبست منه نارا واقتبست منه علما أيضا أي استفدته ، قال اليزيدي : أقبست الرجل علما وقبسته نارا ؛ فإن كنت طلبتها له قلت أقبسته . وقال الكسائي : أقبسته نارا أو علما سواء . وقال : وقبسته أيضا فيهما . هدى أي هاديا .

( إِذْ رَأَى نَارًا ) ذكر أن ذلك كان في الشتاء ليلا وأن موسى كان أضلّ الطريق; فلما رأى ضوء النار قَالَ لأَهْلِهِ ما قال.* ذكر من قال ذلك:حدثنا موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: لما قضى موسى الأجل، سار بأهله فضلّ الطريق. قال عبد الله بن عباس: كان في الشتاء، ورُفعت لهم نار، فلما رآها ظنّ أنها نار، وكانت من نور الله قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا .حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن وهب بن منبه اليماني، قال: لما قضى موسى الأجل، خرج ومعه غنم له، ومعه زند له، وعصاه في يده يهشّ بها على غنمه نهارا، فإذا أمسى اقتدح بزنده نارا، فبات عليها هو وأهله وغنمه، فإذا أصبح غدا بأهله وبغنمه، فتوكأ على عصاه، فلما كانت الليلة التي أراد الله بموسى كرامته، وابتداءه فيها بنبوّته وكلامه، أخطأ فيه الطريق حتى لا يدري أين يتوجه، فأخرج زنده ليقتدح نارا لأهله ليبيتوا عليها حتى يصبح، ويعلم وجه سبيله، فأصلد زنده فلا يوري له نارا، فقدح حتى أعياه، لاحت (8) النار فرآها، ( فَقَالَ لأهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ). وعني بقوله: ( آنَسْتُ نَارًا ) وجدت، ومن أمثال العرب: بعد اطلاع إيناس، ويقال أيضا: بعد طلوع إيناس، وهو مأخوذ من الأنس.وقوله ( لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ ) يقول: لعلي أجيئكم من النار التي آنست بشعلة.والقَبَس: هو النار في طَرَف العود أو القصبة ، يقول القائل لصاحبه: أقبسني نارا، فيعطيه إياها في طرف عود أو قصبة ، وإنما أراد موسى بقوله لأهله ( لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ ) لعلي آتيكم بذلك لتصطلوا به.كما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن وهب بن منبه ( لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ ) قال: بقبس تَصْطَلون.وقوله ( أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ) دلالة تدلّ على الطريق الذي أضللناه، إما من خبر هاد يهدينا إليه، وإما من بيان وعلم نتبينه به ونعرفه.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنا معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ) يقول: من يدلّ على الطريق.حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله ( أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ) قال: هاديا يهديه الطريق.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد عن قتادة قوله ( أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ) أي هداة يهدونه الطريق.حدثني أحمد بن المقدام، قال: ثنا المعتمر، قال: سمعت أبي يحدّث، عن قتادة، عن صاحب له، عن حديث ابن عباس، أنه زعم أنها أيلة ( أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ) وقال أبي: وزعم قتادة أنه هدى الطريق.حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله ( أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ) قال: من يهديني إلى الطريق.حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن وهب بن منبه ( أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ) قال: هدى عن علم الطريق الذي أضللنا بنعت من خبر.حدثني يونس، قال: أخبرنا سفيان، عن أبي سعيد، عن عكرمة، قال: قال ابن عباس: ( لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ) قال: كانوا أضلوا عن الطريق، فقال: لعلي أجد من يدلني على الطريق، أو آتيكم بقبس لعلكم تصطلون.-----------------------الهوامش :(8) المقام يقتضي أن يقول : حتى إذا أعياه ، لاحت . . . إلخ أو : فلاحت ، ثم لاحت .

إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10)والحديث : الخبر ، وهو اسم للكلام الذي يحكى به أمر حدث في الخارج ، ويجمع على أحاديث على غير قياس . قال الفراء : واحِد الأحاديث أُحْدُوثة ثم جعلوه جمعاً للحديث اه . يعني استغنوا به عن صيغة فُعلاء .وإذْ } ظرف للحديث . وقد تقدّم نظائره ، وخص هذا الظرف بالذكر لأنه يزيد تشويقاً إلى استعلام كنه الخبر ، لأن رؤية النار تحتمل أحوالاً كثيرة .ورؤية النار تدلّ على أن ذلك كان بليل ، وأنه كان بحاجة إلى النار؛ ولذلك فرع عليه : { فَقَالَ لأَهْله امْكُثُوا }. . . الخ .والأهل : الزوج والأولاد . وكانوا معه بقرينة الجمع في قوله { امكثوا . وفي سفر الخروج من التّوراة فأخذ موسى امرأته وبنيه وأركبهم على الحمير ورجع إلى أرض مصر .وقرأ الجمهور بكسر هاء ضمير أهلِه على الأصل . وقرأه حمزة وخلف : بضم الهاء ، تبعاً لضمة همزة الوصل في امكثوا .والإيناس : الإبصار البيّن الذي لا شبهة فيه .وتأكيد الخبر بإن لقصد الاهتمام به بشارة لأهله إذ كانوا في الظلمة .والقبَس : ما يؤخذ اشتعاله من اشتعال شيء ويقبس ، كالجَمرة من مجموع الجمر والفتيلة ونحو ذلك . وهذا يقتضي أنه كان في ظلمة ولم يجد ما يقتدح به . وقيل : اقتدح زَنده فَصَلَد ، أي لم يقدح .ومعنى أو أجدُ على النار هدى } : أو ألقَى عارفاً بالطريق قاصداً السير فيما أسير فيه فيهديني إلى السبيل . قيل : كان موسى قد خفي عليه الطريق من شدّة الظلمة وكان يحب أن يسير ليلاً .و { أوْ } هنا للتخيير ، لأنّ إتيانه بقبس أمر محقق ، فهو إما أن يأخذ القبس لا غير ، وإما أن يزيد فيجد صاحب النار قاصداً الطريق مثله فيصحبه .وحرف { على } في قوله : { أو أجِدُ على النَّارِ هُدىً } مستعمل في الاستعلاء المجازي ، أي شدّة القرب من النار قرباً أشبه الاستعلاء ، وذلك أنّ مُشعِل النار يستدني منها للاستنارة بضوئها أو للاصطلاء بها . قال الأعشى :وباتَ على النار النّدى والمحلّقُ ... وأراد بالهدى صاحب الهدى .وقد أجرى الله على لسان موسى معنى هذه الكلمة إلهاماً إياه أنه سيجد عند تلك النار هُدى عظيماً ، ويبلّغ قومه منه ما فيه نفعهم .وإظهار النّار لموسى رمْز رباني لطيف؛ إذ جعل اجتلابه لتلقي الوحي باستدعاء بنور في ظلمة رمزاً على أنه سيتلقى ما به إنارة ناس بدين صحيح بعد ظلمة الضلال وسوء الاعتقاد .
الآية 10 - سورة طه: (إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى...)