سورة طه: الآية 12 - إني أنا ربك فاخلع نعليك...

تفسير الآية 12, سورة طه

إِنِّىٓ أَنَا۠ رَبُّكَ فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى

الترجمة الإنجليزية

Innee ana rabbuka faikhlaAA naAAlayka innaka bialwadi almuqaddasi tuwan

تفسير الآية 12

فلما أتى موسى تلك النار ناداه الله: يا موسى، إني أنا ربك فاخلع نعليك، إنك الآن بوادي "طوى" الذي باركته، وذلك استعدادًا لمناجاة ربه.

«إني» بكسر الهمزة بتأويل نودي بقيل وفتحها بتقدير الباء «أنا» تأكيد لياء المتكلم «ربُّك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس» المطهر أو المبارك «طُوى» بدل أو عطف بيان، بالتنوين وتركه مصروف باعتبار المكان وغير مصروف لتأنيث باعتبار البقعة مع العلمية.

إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى أخبره أنه ربه، وأمره أن يستعد ويتهيأ لمناجاته، ويهتم لذلك، ويلقي نعليه، لأنه بالوادي المقدس المطهر المعظم، ولو لم يكن من تقديسه، إلا أن الله اختاره لمناجاته كليمه موسى لكفى، وقد قال كثير من المفسرين: " إن الله أمره أن يلقي نعليه، لأنهما من جلد حمار " فالله أعلم بذلك.

وقال هاهنا ( إني أنا ربك ) أي : الذي يكلمك ويخاطبك ، ( فاخلع نعليك ) قال علي بن أبي طالب ، وأبو ذر ، وأبو أيوب ، وغير واحد من السلف : كانتا من جلد حمار غير ذكي .وقيل : إنما أمره بخلع نعليه تعظيما للبقعة .قال سعيد بن جبير : كما يؤمر الرجل أن يخلع نعليه إذا أراد أن يدخل الكعبة .وقيل : ليطأ الأرض المقدسة بقدميه حافيا غير منتعل . وقيل غير ذلك ، والله أعلم .وقوله : ( طوى ) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : هو اسم للوادي .وكذا قال غير واحد ، فعلى هذا يكون عطف بيان .وقيل : عبارة عن الأمر بالوطء بقدميه .وقيل : لأنه قدس مرتين ، وطوى له البركة ، وكررت ، والأول أصح ، كقوله ( إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى ) [ النازعات : 16 ] .

أى: فلما أتى موسى- عليه السلام- إلى النار، واقترب منها.. نُودِيَ من قبل الله- عز وجل- يا مُوسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ الذي خلقك فسواك فعدلك.. فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ تعظيما لأمرنا. وتأدبا في حضرتنا.وقوله إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً تعليل للأمر بخلع النعل، أى: أزل نعليك من رجليك لأنك الآن موجود بالوادي الْمُقَدَّسِ أى: المطهر المبارك، المسمى طوى: فهو عطف بيان من الوادي.

( إني أنا ربك ) قرأ أبو جعفر ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، " أني " بفتح الألف ، على معنى : نودي بأني . وقرأ الآخرون بكسر الألف ، أي : نودي ، فقيل : إني أنا ربك .قال وهب نودي من الشجرة ، فقيل : يا موسى ، فأجاب سريعا لا يدري من دعاه ، فقال : إني أسمع صوتك ولا أرى مكانك فأين أنت؟ قال : أنا فوقك ومعك وأمامك وخلفك ، وأقرب إليك من نفسك ، فعلم أن ذلك لا ينبغي إلا لله ، فأيقن به .قوله عز وجل : ( فاخلع نعليك ) وكان السبب فيه ما روي عن ابن مسعود مرفوعا في قوله : ( فاخلع نعليك ) قال : كانتا من جلد حمار ميت . ويروى : غير مدبوغ .وقال عكرمة ومجاهد : أمر بخلع النعلين ليباشر بقدمه تراب الأرض المقدسة ، فيناله بركتها لأنها قدست مرتين ، فخلعهما موسى وألقاهما من وراء الوادي .( إنك بالوادي المقدس ) أي : المطهر ، ( طوى ) وطوى اسم الوادي ، وقرأ أهل الكوفة والشام : " طوى " بالتنوين هاهنا وفي سورة النازعات ، وقرأ الآخرون بلا تنوين لأنه معدول عن " طاو " فلما كان معدولا عن وجهه كان مصروفا عن إعرابه ، مثل عمر ، وزفر ، وقال الضحاك : " طوى " : واد مستدير عميق مثل الطوي في استدارته .

قوله تعالى : فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى فيه خمس مسائل :الأولى : قوله تعالى : فاخلع نعليك روى الترمذي عن عبد الله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( كان على موسى يوم كلمه ربه كساء صوف وجبة صوف وكمة صوف وسراويل صوف ، وكانت نعلاه من جلد حمار ميت ) قال : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حميد الأعرج منكر الحديث ، وحميد بن قيس الأعرج المكي صاحب مجاهد ثقة ؛ والكمة القلنسوة الصغيرة . وقرأ العامة ( إني ) بالكسر ؛ أي نودي فقيل له يا موسى إني ، واختاره أبو عبيد . وقرأ أبو عمرو وابن كثير وابن محيصن وحميد ( أني ) بفتح الألف بإعمال النداء . واختلف العلماء في السبب الذي من أجله أمر بخلع النعلين . والخلع النزع . والنعل ما جعلته وقاية لقدميك من الأرض . فقيل : أمر بطرح النعلين ؛ لأنها نجسة إذ هي من جلد غير مذكى ؛ قاله كعب وعكرمة وقتادة . وقيل : أمر بذلك لينال بركة الوادي المقدس ، وتمس قدماه تربة الوادي ؛ قاله علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - والحسن وابن جريج . وقيل أمر بخلع النعلين للخشوع والتواضع عند مناجاة الله تعالى . وكذلك فعل السلف حين طافوا بالبيت . وقيل : إعظاما لذلك الموضع كما أن الحرم لا يدخل بنعلين إعظاما له . قال سعيد بن جبير : قيل له طإ الأرض حافيا كما تدخل الكعبة حافيا . والعرف عند الملوك أن تخلع النعال ويبلغ الإنسان إلى غاية التواضع ، فكأن موسى - عليه السلام - أمر بذلك على هذا الوجه ، ولا تبالي كانت نعلاه من ميتة أو غيرها . وقد كان مالك لا يرى لنفسه ركوب دابة بالمدينة برا بتربتها المحتوية على الأعظم الشريفة ، والجثة الكريمة . ومن هذا المعنى قوله - عليه الصلاة والسلام - لبشير بن الخصاصية وهو يمشي بين القبور بنعليه : إذا كنت في مثل هذا المكان فاخلع نعليك قال : فخلعتهما . وقول خامس : إن ذلك عبارة عن تفريغ قلبه من أمر الأهل والولد . وقد يعبر عن الأهل بالنعل . وكذلك هو في التعبير : من رأى أنه لابس نعلين فإنه يتزوج . وقيل : لأن الله تعالى بسط له بساط النور والهدى ، ولا ينبغي أن يطأ بساط رب العالمين بنعله . وقد يحتمل أن يكون موسى أمر بخلع نعليه ، وكان ذلك أول فرض عليه ؛ كما كان أول ما قيل لمحمد - صلى الله عليه وسلم - : قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر والله أعلم بالمراد من ذلك .الثانية : في الخبر أن موسى - عليه السلام - خلع نعليه وألقاهما من وراء الوادي . وقال أبو الأحوص : زار عبد الله أبا موسى في داره ، فأقيمت الصلاة فأقام أبو موسى ؛ فقال أبو موسى لعبد الله : تقدم . فقال عبد الله : تقدم أنت في دارك . فتقدم وخلع نعليه ؛ فقال عبد الله : أبالوادي المقدس أنت ؟ ! وفي صحيح مسلم عن سعيد بن يزيد قال : قلت لأنس أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في نعلين ؟ قال : نعم . ورواه النسائي عن عبد الله بن السائب : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى يوم الفتح فوضع نعليه عن يساره . وروى أبو داود من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بأصحابه ، إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره ، فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم ، فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ما حملكم على إلقائكم نعالكم قالوا : رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرا وقال : إذا جاء أحدكم المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذرا أو أذى فليمسحه وليصل فيهما . صححه أبو محمد عبد الحق . وهو يجمع بين الحديثين قبله ، ويرفع بينهما التعارض . ولم يختلف العلماء في جواز الصلاة في النعل إذا كانت طاهرة من ذكي ، حتى لقد قال بعض العلماء : إن الصلاة فيهما أفضل ، وهو معنى قوله تعالى : خذوا زينتكم عند كل مسجد على ما تقدم . وقال إبراهيم النخعي في الذين يخلعون نعالهم : لوددت أن محتاجا جاء فأخذها . الثالثة : فإن خلعتهما فاخلعهما بين رجليك ؛ فإن أبا هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا صلى أحدكم فليخلع نعليه بين رجليه قال أبو هريرة للمقبري : اخلعهما بين رجليك ولا تؤذ بهما مسلما . وما رواه عبد الله بن السائب - رضي الله عنه - أنه - عليه الصلاة والسلام - خلعهما عن يساره فإنه كان إماما ، فإن كنت إماما أو وحدك فافعل ذلك إن أحببت ، وإن كنت مأموما في الصف فلا تؤذ بهما من على يسارك ، ولا تضعهما بين قدميك فتشغلاك ، ولكن قدام قدميك . وروي عن جبير بن مطعم أنه قال : وضع الرجل نعليه بين قدميه بدعة .الرابعة : فإن تحقق فيهما نجاسة مجمع على تنجيسها كالدم والعذرة من بول بني آدم لم يطهرها إلا الغسل بالماء ، عند مالك والشافعي وأكثر العلماء ، وإن كانت النجاسة مختلفا فيها كبول الدواب وأرواثها الرطبة فهل يطهرها المسح بالتراب من النعل والخف أو لا ؟ قولان عندنا . وأطلق الإجزاء بمسح ذلك بالتراب من غير تفصيل الأوزاعي وأبو ثور . وقال أبو حنيفة : يزيله إذا يبس الحك والفرك ، ولا يزيل رطبه إلا الغسل ما عدا البول ، فلا يجزئ فيه عنده إلا الغسل . وقال الشافعي : لا يطهر شيئا من ذلك إلا الماء . والصحيح قول من قال : إن المسح يطهره من الخف والنعل ؛ لحديث أبي سعيد . فأما لو كانت النعل والخف من جلد ميتة فإن كان غير مدبوغ فهو نجس باتفاق ، ما عدا ما ذهب إليه الزهري والليث ، على ما تقدم بيانه في سورة ( النحل ) ومضى في سورة ( براءة ) القول في إزالة النجاسة والحمد لله .الخامسة : قوله تعالى : إنك بالوادي المقدس طوى المقدس : المطهر . والقدس : الطهارة ، والأرض المقدسة أي المطهرة ؛ سميت بذلك لأن الله تعالى أخرج منها الكافرين وعمرها بالمؤمنين . وقد جعل الله تعالى لبعض الأماكن زيادة فضل على بعض ؛ كما قد جعل لبعض الأزمان زيادة فضل على بعض ، ولبعض الحيوان كذلك . ولله أن يفضل ما شاء . وعلى هذا فلا اعتبار بكونه مقدسا بإخراج الكافرين وإسكان المؤمنين ؛ فقد شاركه في ذلك غيره . و ( طوى ) اسم الوادي عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما . وقال الضحاك هو واد عميق مستدير مثل الطوي . وقرأ عكرمة ( طوى ) . الباقون طوى . قال الجوهري : طوى اسم موضع بالشام ، تكسر طاؤه وتضم ، ويصرف ولا يصرف ، فمن صرفه جعله اسم واد ومكان وجعله نكرة ، ومن لم يصرفه جعله بلدة وبقعة وجعله معرفة . وقال بعضهم : طوى مثل ( طوى ) وهو الشيء المثني ، وقالوا في قوله : المقدس طوى : طوي مرتين أي قدس . وقال الحسن : ثنيت فيه البركة والتقديس مرتين . وذكر المهدوي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - : أنه قيل له طوى لأن موسى طواه بالليل إذ مر به فارتفع إلى أعلى الوادي ؛ فهو مصدر عمل فيه ما ليس من لفظه ، فكأنه قال : إنك بالواد المقدس الذي طويته طوى ؛ أي تجاوزته فطويته بسيرك . الحسن : معناه أنه قدس مرتين ؛ فهو مصدر من طويته طوى أيضا .

واختلفت القراء في قراءة قوله ( إِنِّي أَنَا رَبُّكَ ) فقرأ ذلك بعض قرّاء المدينة والبصرة ( نُودِيَ يا مُوسَى أنّي ) بفتح الألف من " أني"، فأنّ على قراءتهم في موضع رفع بقوله: نودي، فإن معناه: كان عندهم نودي هذا القول، وقرأه بعض عامة قرّاء المدينة والكوفة بالكسر: نودي يا موسى إني، على الابتداء، وأن معنى ذلك قيل: يا موسى إني.قال أبو جعفر: والكسر أولى القراءتين عندنا بالصواب، وذلك أن النداء قد حال بينه وبين العمل في أن قوله " يا موسى "، وحظ قوله " نودي" أن يعمل في أن لو كانت قبل قوله " يا موسى "، وذلك أن يقال: نودي أن يا موسى إني أنا ربك، ولا حظ لها في " إن " التي بعد موسى.وأما قوله ( إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) فإنه يقول: إنك بالوادي المطهر المبارك.كما حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) يقول: المبارك.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال مجاهد، قوله ( إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) قال: قُدِّس بُورك مرّتين.حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، قوله ( إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) قال: بالوادي المبارك.واختلف أهل التأويل في تأويل قوله (طُوًى) فقال بعضهم: معناه: إنك بالوادي المقدس طويته، فعلى هذا القول من قولهم طوى مصدر خرج من غير لفظه، كأنه قال: طويت الوادي المقدس طوى.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: قوله ( إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) يعني الأرض المقدسة، وذلك أنه مرّ بواديها ليلا فطواه، يقال: طويت وادي كذا وكذا طوى من الليل، وارتفع إلى أعلى الوادي، وذلك نبيّ الله موسى صلى الله عليه وسلم.وقال آخرون: بل معنى ذلك: مرّتين، وقال: ناداه ربه مرّتين; فعلى قول هؤلاء طوى مصدر أيضا من غير لفظه، وذلك أن معناه عندهم: نودي يا موسى مرّتين نداءين ، وكان بعضهم ينشد شاهدا لقوله طوى، أنه بمعنى مرّتين، قول عديّ بن زيد العبادي:أعاذِل إنَّ اللَّوْمَ فِي غَيْرِ كُنْهِهِعَليَّ طَوَى مِنْ غَيّكِ المُتَرَدّدِ (9)وروى ذلك آخرون: " عليّ ثنى ": أي مرّة بعد أخرى، وقالوا: طوى وثنى بمعنى واحد.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، ( فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) كنا نحدّث أنه واد قدّس مرّتين، وأن اسمه طُوًى.وقال آخرون: بل معنى ذلك: إنه قدّس طوى مرّتين.* ذكر من قال ذلك:حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج، قال الحسن: كان قد قدِّس مرّتين.وقال آخرون: بل طُوى: اسم الوادي.* ذكر من قال ذلك:حدثني عليّ بن داود، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (طُوى) : اسم للوادي.حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: طُوى: قال: اسم الوادي.حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) قال: ذاك الوادي هو طوى، حيث كان موسى، وحيث كان إليه من الله ما كان، قال: وهو نحو الطور.وقال آخرون: بل هو أمر من الله لموسى أن يطأ الوادي بقدميه.* ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد بن منصور الطوسي، قال: ثنا صالح بن إسحاق، عن جعفر بن برقان، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قول الله تبارك وتعالى ( فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) قال: طأ الوادي.حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا الحسن، عن يزيد، عن عكرمة، في قوله (طُوًى) قال: طأ الوادي.حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن سعيد بن جبير، في قول الله (طُوًى) قال: طأ الأرض حافيا، كما تدخل الكعبة حافيا، يقول: من بركة الوادي.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد (طُوًى) طأ الأرض حافيا.واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه بعض قرّاء المدينة ( طُوَى) بضم الطاء وترك التنوين، كأنهم جعلوه اسم الأرض التي بها الوادي، كما قال الشاعر:نَصَرُوا نَبِيَّهُم وَشَدُّوا أزْرَهُبحُنْينَ حِينَ تَوَاكُلِ الأبْطالِ (10)فلم يجرّ حنين، لأنه جعله اسما للبلدة لا للوادي: ولو كان جعله اسما للوادي لأجراه كما قرأت القرّاء وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ وكما قال الآخر:ألَسْنا أكْرَمَ الثَّقَلَيْنِ رَحْلاوأعْظَمَهُمْ بِبَطْنِ حرَاءَ نارَا (11)فلم يجرّ حراء، وهو جبل، لأنه حمله اسما للبلدة، فكذلك طُوًى " في قراءة من لم يجره حمله اسما للأرض. وقرأ ذلك عامَّة قراء أهل الكوفة: (طُوى) بضم الطاء والتنوين; وقارئو ذلك كذلك مختلفون في معناه على ما قد ذكرت من اختلاف أهل التأويل; فأما من أراد به المصدر من طويت، فلا مؤنة في تنوينه، وأما من أراد أن يجعله اسما للوادي، فإنه إنما ينونه لأنه اسم ذكر لا مؤنث، وأن لام الفعل منه ياء، فزاده ذلك خفة فأجراه كما قال الله وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إذ كان حنين اسم واد، والوادي مذكر.قال أبو جعفر: وأولى القولين عندي بالصواب قراءة من قرأه بضم الطاء والتنوين، لأنه إن يكن اسما للوادي فحظه التنوين لما ذكر قبل من العلة لمن قال ذلك، وإن كان مصدرا أو مفسرا، فكذلك أيضا حكمه التنوين، وهو عندي اسم الوادي. وإذ كان ذلك كذلك، فهو في موضع خفض ردًّا على الوادي.---------------------الهوامش :(9) البيت لعدي بن زيد ( اللسان : طوى ) . قال : وإذا كان طوى وطوى ( بكسر الطاء وضمها ) وهو الشيء المطوي مرتين ، فهو صفة بمنزلة ثني وثني ( بكسر الثاء وضمها ) ، وليس بعلم لشيء وهو مصروف لا غير ، كما قال عدي بن زيد : " أعاذل " إن اللوم . . البيت " ، ورأيت في حاشية نسخة من أمالي ابن بري أن الذي في شعر عدي : على ثنى من فيك ، أراد اللوم المكرر .(10) البيت لحسان بن ثابت ( اللسان : حنن ) . والشاهد فيه أن حنين غير مصروف ، لأنه جعله اسما للبلدة ، كما قال المؤلف أو لبقة .(11) البيت في ( اللسان : حرى ) قال الجوهري : لم يصرف حراء لأنه ذهب به إلى البلدة التي هو بها ، وفي الحديث " كان يتحنث بحراء " مصروفًا ، وهو جبل من جبال مكة ، وفي رواية اللسان : طرا ، في موضع ، رحلا

إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وقرأ أبو عمرو وابن كثير «أني» بفتح الهمزة على حذف باء الجر . والتقدير : نودي بأني أنا ربّك . والتأكيد حاصل على كلتا القراءتين .وتفريع الأمر بخلع النعلين على الإعلام بأنه ربّه إشارة إلى أن ذلك المكان قد حلّه التقديس بإيجاد كلام من عند الله فيه .والخلع : فصل شيء عن شيء كان متّصلاً به .والنعلان : جلدان غليظان يجعلان تحت الرجل ويشدّان برباط من جلد لوقاية الرِّجل ألم المشي على التّراب والحصى ، وكانت النعل تجعل على مثال الرجل .وإنما أمره الله بخلع نعليه تعظيماً منه لذلك المكان الذي سيسمع فيه الكلام الإلهي . وروى الترمذي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كانت نعلاه من جلد حمارٍ ميّت " أقول : وفيه أيضاً زيادة خشوع . وقد اقتضى كلا المعنيين قوله تعالى : { إنَّكَ بالوادِ المُقَدَّسِ } فحرف التوكيد مفيد هنا التعليل كما هو شأنه في كل مقام لا يقتضي التأكيد . وهذه خصوصية من جهات فلا يؤخذ منها حكمٌ يقتضي نزع النعل عند الصلاة .والواد : المَفْرج بين الجبال والتلاللِ . وأصله بياء في آخره . وكثر تخفيفه بحذف الياء كما في هذه الآية فإذا ثُني لزمتْه الياء يقال : وادِيان ولا يقال وادَان .وكذلك إذا أضيف يقال : بوادِيك ولا يقال بوادِك .والمقدّس : المطهّر المنزّه . وتقدم في قوله تعالى : { ونُقدس لك } في أول البقرة ( 30 ). وتقديس الأمكنة يكون بما يحلّ فيها من الأمور المعظمة وهو هنا حلول الكلام الموجه من قِبَل الله تعالى .واختلف المفسرون في معنى طُوَىً } وهو بضم الطاء وبكسرها ، ولم يقرأ في المشهور إلاّ بضم الطاء ، فقيل : اسم لذلك المكان ، وقيل : هو اسم مصدر مثل هُدى ، وصف بالمصدر بمعنى اسم المفعول ، أي طواه موسى بالسير في تلك الليلة ، كأنه قيل له : إنك بالواد المقدّس الذي طويتَه سَيراً ، فيكون المعنى تعيين أنه هو ذلك الواد . وأحسن منه على هذا الوجه أن يقال هو أمر لموسى بأن يطوي الوادي ويصعَدَ إلى أعلاه لتلقي الوحي . وقد قيل : إنّ موسى صَعِدَ أعلى الوادي . وقيل : هو بمعنى المقدس تقديسين ، لأن الطي هو جعل الثوب على شقين ، ويجيء على هذا الوجه أن تجعل التثنية كناية عن التكرير والتضعيف مثل : { ثم ارجع البصر كرتين } [ الملك : 4 ]. فالمعنى : المقدّس تقديساً شديداً . فاسم المصدر مفعول مطلق مبيّن للعدد ، أي المقدّس تقديساً مضاعفاً .والظاهر عندي : أنّ { طُوىً } اسم لصنف من الأودية يكون ضيقاً بمنزلة الثوب المطوي أو غائراً كالبئر المطوية ، والبئر تسمى طَوِيّاً . وسمي وادٍ بظاهر مكة ( ذا طوى ) بتثليث الطاء ، وهو مكان يسن للحاج أو المعتمر القادم إلى مكة أن يغتسل عنده .وقد اختلف في ( طوى ) هل ينصرف أو يمنع من الصرف بناء على أنه اسم أعجمي أو لأنه معدول عن طاو ، مثل عُمر عن عامر .وقرأ الجمهور { طوى بلا تنوين على منعه من الصرف . وقرأه ابن عامر ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي ، وخلف منوّناً ، لأنه اسم واد مذكّر .وقوله وأنَا اخْتَرْتُكَ } أخبر عن اختيار الله تعالى موسى بطريق المسند الفعلي المفيد تقوية الحكم ، لأنّ المقام ليس مقام إفادة التخصيص ، أي الحصر نحو : أنا سعيت في حاجتك ، وهو يعطي الجزيل . وموجِب التقوّي هو غرابة الخبر ومفاجأته به دفعاً لتطرّق الشك في نفسه .والاختيار : تكلف طلب ما هو خير . واستعملت صيغة التكلف في معنى إجادة طلب الخير .وفُرع على الإخبار باختياره أن أُمِر بالاستماع للوحي لأنه أثر الاختيار إذ لا معنى للاختيار إلاّ اختياره لتلقي ما سيوحي الله .
الآية 12 - سورة طه: (إني أنا ربك فاخلع نعليك ۖ إنك بالواد المقدس طوى...)