سورة طه: الآية 4 - تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات...

تفسير الآية 4, سورة طه

تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ ٱلْأَرْضَ وَٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱلْعُلَى

الترجمة الإنجليزية

Tanzeelan mimman khalaqa alarda waalssamawati alAAula

تفسير الآية 4

هذا القرآن تنزيل من الله الذي خلق الأرض والسموات العلى.

«تنزيلا» بدل من اللفظ بفعله الناصب له «ممن خلق الأرض والسماوات العلى» جمع عليا ككبرى وكبر.

ثم ذكر جلالة هذا القرآن العظيم، وأنه تنزيل خالق الأرض والسماوات، المدبر لجميع المخلوقات، أي: فاقبلوا تنزيله بغاية الإذعان والمحبة والتسليم، وعظموه نهاية التعظيم.وكثيرا ما يقرن بين الخلق والأمر، كما في هذه الآية، وكما في قوله: أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ وفي قوله: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ وذلك أنه الخالق الآمر الناهي، فكما أنه لا خالق سواه، فليس على الخلق إلزام ولا أمر ولا نهي إلا من خالقهم، وأيضا فإن خلقه للخلق فيه التدبير القدري الكوني، وأمره فيه التدبير الشرعي الديني، فكما أن الخلق لا يخرج عن الحكمة، فلم يخلق شيئا عبثا، فكذلك لا يأمر ولا ينهى إلا بما هو عدل وحكمة وإحسان. فلما بين أنه الخالق المدبر، الآمر الناهي، أخبر عن عظمته وكبريائه

وقوله : ( تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلا ) أي : هذا القرآن الذي جاءك يا محمد هو تنزيل من ربك رب كل شيء ومليكه ، القادر على ما يشاء ، الذي خلق الأرض بانخفاضها وكثافتها ، وخلق السماوات العلا في ارتفاعها ولطافتها . وقد جاء في الحديث الذي صححه الترمذي وغيره . أن سمك كل سماء مسيرة خمسمائة عام ، وبعد ما بينها والتي تليها مسيرة خمسمائة عام .وقد أورد ابن أبي حاتم هاهنا حديث الأوعال من رواية العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنه .

ثم بين- سبحانه- مصدر القرآن الذي أنزله- تعالى- للسعادة لا للشقاء فقال:تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى.وقوله تَنْزِيلًا منصوب بفعل مضمر دل عليه قوله ما أَنْزَلْنا ... أى: نزل هذا القرآن تنزيلا ممن خلق الأرض التي تعيشون عليها، وممن خلق السموات العلى، أى:المرتفعة. جمع العليا ككبرى وكبر، وصغرى وصغر.

( تنزيلا ) بدل من قوله " تذكرة " ( ممن خلق الأرض ) أي : من الله الذي خلق الأرض ، ( والسماوات العلا ) يعني : العالية الرفيعة ، وهي جمع العليا ، كقوله : كبرى وكبر ، وصغرى وصغر .

تنزيلا مصدر ؛ أي نزلناه تنزيلا وقيل : بدل من قوله : تذكرة وقرأ أبو حيوة الشامي ( تنزيل ) بالرفع على معنى هذا تنزيل . ممن خلق الأرض والسماوات العلا أي العالية الرفيعة وهي جمع العليا كقول كبرى وصغرى وكبر وصغر أخبر عن عظمته وجبروته وجلاله

القول في تأويل قوله تعالى : تَنْزِيلا مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلا (4)يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: هذا القرآن تنزيل من الربّ الذي خلق الأرض والسموات العلى ، والعُلَى: جمع عليا.واختلف أهل العربية في وجه نصب قوله (تَنزيلا) فقال بعض نحويي البصرة: نصب ذلك بمعنى: نزل الله تنزيلا وقال بعض من أنكر ذلك من قيله هذا من كلامين، ولكن المعنى: هو تنزيل، ثم أسقط هو، واتصل بالكلام الذي قبله، فخرج منه، ولم يكن من لفظه.قال أبو جعفر: والقولان جميعا عندي غير خطأ.

تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا (4) و { تنزيلاً } حال من { القُرءَانَ } ثانية .والمقصود منها التنويه بالقرآن والعناية به لينتقل من ذلك إلى الكناية بأن الذي أنزله عليك بهذه المثابة لا يترك نصرك وتأييدك .والعدول عن اسم الجلالة أو عن ضميره إلى الموصولية لما تؤذن به الصلة من تحتم إفراده بالعبادة ، لأنه خالق المخاطبين بالقرآن وغيرهم مما هو أعظم منهم خلقاً ، ولذلك وُصف والسَّمَاوات بالعُلَى صفةً كاشفةً زيادة في تقرير معنى عظمة خالقها . وأيضاً لمّا كان ذلك شأن مُنْزل القرآن لا جرم كان القرآن شيئاً عظيماً ، كقول الفرزدق :إنّ الذي سمك السماء بنى لنا ... بيتاً دعائمه أعزّ وأطولو { الرحمن } يجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف لازم الحذف تبعاً للاستعمال في حذف المسند إليه كما سماه السكّاكي . ويجوز أن يكون مبتدأ . واختير وصف { الرحمن } لتعليم النّاس به لأن المشركين أنكروا تسميته تعالى الرحمان : { وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمان قالوا وما الرحمان } [ الفرقان : 60 ]. وفي ذكره هنا وكثرة التذكير به في القرآن بعث على إفراده بالعبادة شكراً على إحسانه بالرحمة البالغة .
الآية 4 - سورة طه: (تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلى...)