سورة طه: الآية 5 - الرحمن على العرش استوى...

تفسير الآية 5, سورة طه

ٱلرَّحْمَٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ

الترجمة الإنجليزية

Alrrahmanu AAala alAAarshi istawa

تفسير الآية 5

الرحمن على العرش استوى أي ارتفع وعلا استواء يليق بجلاله وعظمته.

هو «الرحمن على العرش» وهو في اللغة سرير الملك «استوى» اكتفاء يليق به.

الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ الذي هو أرفع المخلوقات وأعظمها وأوسعها، اسْتَوَى استواء يليق بجلاله، ويناسب عظمته وجماله، فاستوى على العرش، واحتوى على الملك.

وقوله ( الرحمن على العرش استوى ) : تقدم الكلام على ذلك في سورة الأعراف ، بما أغنى عن إعادته أيضا ، وأن المسلك الأسلم في ذلك طريقة السلف ، إمرار ما جاء في ذلك من الكتاب والسنة من غير تكييف ولا تحريف ، ولا تشبيه ، ولا تعطيل ، ولا تمثيل .

ثم مدح- سبحانه- ذاته بقوله: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى أى: الرحمن- عز وجل- استوى على عرش ملكه استواء يليق بذاته بلا كيف أو تشبيه، أو تمثيل.قال الإمام مالك: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.وقد ذكر لفظ العرش في إحدى وعشرين آية من آيات القرآن الكريم.قال بعض العلماء: «أما الاستواء على العرش فذهب سلف الأمة- ومنهم الأئمة الأربعة- إلى أنه صفة لله- تعالى- بلا كيف ولا انحصار ولا تشبيه ولا تمثيل لاستحالة اتصافه- تعالى- بصفات المحدثين، ولوجوب تنزيهه- تعالى- عما لا يليق به: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وأنه يجب الإيمان بها كما وردت، وتفويض العلم بحقيقتها إليه- تعالى-.. .

" الرحمن على العرش استوى " .

الرحمن على العرش استوى ويجوز النصب على المدح ، قال أبو إسحاق : الخفض على البدل ، وقال سعيد بن مسعدة : الرفع بمعنى هو الرحمن . النحاس يجوز الرفع بالابتداء والخبر له ما في السماوات وما في الأرض فلا يوقف على استوى وعلى البدل من المضمر في خلق فيجوز الوقف على استوى .وكذلك إذا كان خبر ابتداء محذوف ، ولا يوقف على العلا وقد تقدم القول في معنى الاستواء ( في الأعراف ) . والذي ذهب إليه الشيخ أبو الحسن وغيره أنه مستو على عرشه بغير حد ولا كيف كما يكون استواء المخلوقين ، وقال ابن عباس يريد خلق ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة وبعد القيامة .

وقوله ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) يقول تعالى ذكره: الرحمن على عرشه ارتفع وعلا.وقد بيَّنا معنى الاستواء بشواهده فيما مضى وذكرنا اختلاف المختلفين فيه فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع. وللرفع في الرحمن وجهان: أحدهما بمعنى قوله: تنزيلا فيكون معنى الكلام: نزله من خلق الأرض والسموات، نزله الرحمن الذي على العرش استوى ، والآخر بقوله ( عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) لأن في قوله استوى، ذكرا من الرحمن.

الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) وجملة { على العرش استوى } حال من { الرحمن }. أو خبر ثان عن المبتدأ المحذوف .والاستواء : الاستقرار ، قال تعالى : { فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك } [ المؤمنون : 28 ] الآية . وقال : { واستوت على الجوديّ } [ هود : 44 ].والعرش : عالم عظيم من العوالم العُليا ، فقيل هو أعلى سماء من السماوات وأعظمها . وقيل غير ذلك ، ويسمى : الكرسي أيضاً على الصحيح ، وقيل : الكرسي غير العرش .وأيّاً مّا كان فذكر الاستواء عليه زيادة في تصوير عظمة الله تعالى وسعة سلطانه بعد قوله : { ممَّن خلقَ الأرضَ والسموات العُلى }.وأما ذكر الاستواء فتأويله أنه تمثيل لشأن عظمة الله بعظمة أعظم الملوك الذين يجلسون على العروش . وقد عَرَف العرب من أولئك ملوكَ الفرس وملوكَ الروم وكان هؤلاء مضرب الأمثال عندهم في العظمة .وحَسّنَ التعبيرَ بالاستواء مقارنته بالعرش الذي هو ممّا يُستوى عليه في المتعارف ، فكان ذكر الاستواء كالترشيح لإطلاق العرش على السماء العظمى ، فالآية من المتشابه البيّن تأويله باستعمال العرب وبما تقرر في العقيدة : أن ليس كمثله شيء .وقيل : الاستواء يستعمل بمعنى الاستيلاء . وأنشدوا قول الأخطل :قد استوى بشر على العراق ... بغير سيف ودممٍ مُهْراقوهو مولّد . ويحتمل أنه تمثيل كالآية . ولعلّه انتزعه من هذه الآية .وتقدم القول في هذا عند قوله تعالى : { ثم استوى على العرش } في سورة [ الأعراف : 54 ]. وإنما أعدنا بعضه هنا لأن هذه الآية هي المشتهرة بين أصحابنا الأشعرية .وفي تقييد الأبيّ على تفسير ابن عرفة : واختار عز الدين بن عبد السلام عدم تكفير من يقول بالجهة .قيل لابن عرفة : عادتك تقول في الألفاظ الموهمة الواردة في الحديث كما في حديث السوداء وغيرها ، فذكر النبي دليلٌ على عدم تكفير من يقول بالتجسيم ، فقال : هذا صعب ولكن تجاسرتُ على قوله اقتداء بالشيخ عز الدين لأنه سبقني لذلك .وأتبع ما دلّ على عظمة سلطانه تعالى بما يزيده تقريراً وهو جملة : له ما في السمَّوات } الخ . فهي بيان لجملة { الرحمان على العرش استوى }. والجملتان تدلان على عظيم قدرته لأن ذلك هو المقصود من سعة السلطان .
الآية 5 - سورة طه: (الرحمن على العرش استوى...)