سورة طه: الآية 6 - له ما في السماوات وما...

تفسير الآية 6, سورة طه

لَهُۥ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ ٱلثَّرَىٰ

الترجمة الإنجليزية

Lahu ma fee alssamawati wama fee alardi wama baynahuma wama tahta alththara

تفسير الآية 6

له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الأرض، خَلْقًا ومُلْكًا وتدبيرًا.

«له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما» من المخلوقات «وما تحت الثرى» هو التراب الندي، والمراد الأرضون السبع لأنها تحته.

لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا من ملك وإنسي وجني، وحيوان، وجماد، ونبات، وَمَا تَحْتَ الثَّرَى أي: الأرض، فالجميع ملك لله تعالى، عبيد مدبرون، مسخرون تحت قضائه وتدبيره، ليس لهم من الملك شيء، ولا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا.

وقوله : ( له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ) أي : الجميع ملكه وفي قبضته ، وتحت تصريفه ومشيئته وإرادته وحكمه ، وهو خالق ذلك ومالكه وإلهه ، لا إله سواه ، ولا رب غيره .وقوله : ( وما تحت الثرى ) قال محمد بن كعب : أي ما تحت الأرض السابعة .وقال الأوزاعي : إن يحيى بن أبي كثير حدثه أن كعبا سئل فقيل له : ما تحت هذه الأرض ؟ فقال : الماء . قيل : وما تحت الماء ؟ قال : الأرض . قيل : وما تحت الأرض ؟ قال : الماء . قيل : وما تحت الماء ؟ قال : الأرض ، قيل : وما تحت الأرض ؟ قال : الماء . قيل : وما تحت الماء ؟ قال : الأرض ، قيل : وما تحت الأرض ؟ قال : الماء . قيل : وما تحت الماء ؟ قال : الأرض ، قيل : وما تحت الأرض ؟ قال : صخرة . قيل : وما تحت الصخرة ؟ قال : ملك . قيل : وما تحت الملك ؟ قال : حوت معلق طرفاه بالعرش ، قيل : وما تحت الحوت ؟ قال : الهواء والظلمة وانقطع العلم .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو عبيد الله ابن أخي ابن وهب ، حدثنا عمي ، حدثنا عبد الله بن عياش ، حدثنا عبد الله بن سليمان عن دراج ، عن عيسى بن هلال الصدفي ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الأرضين بين كل أرض والتي تليها مسيرة خمسمائة عام ، والعليا منها على ظهر حوت ، قد التقى طرفاه في السماء ، والحوت على صخرة ، والصخرة بيد الملك ، والثانية سجن الريح ، والثالثة فيها حجارة جهنم ، والرابعة فيها كبريت جهنم ، والخامسة فيها حيات جهنم والسادسة فيها عقارب جهنم ، والسابعة فيها سقر ، وفيها إبليس مصفد بالحديد ، يد أمامه ويد خلفه ، فإذا أراد الله أن يطلقه لما يشاء أطلقه " .هذا حديث غريب جدا ورفعه فيه نظر .وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده : حدثنا أبو موسى الهروي ، عن العباس بن الفضل قال : قلت : ابن الفضل الأنصاري ؟ قال : نعم ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن محمد بن علي ، عن جابر بن عبد الله قال : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، فأقبلنا راجعين في حر شديد ، فنحن متفرقون بين واحد واثنين ، منتشرين ، قال : وكنت في أول العسكر : إذ عارضنا رجل فسلم ثم قال : أيكم محمد ؟ ومضى أصحابي ووقفت معه ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقبل في وسط العسكر على جمل أحمر ، مقنع بثوبه على رأسه من الشمس ، فقلت : أيها السائل ، هذا رسول الله قد أتاك . فقال : أيهم هو ؟ فقلت : صاحب البكر الأحمر . فدنا منه ، فأخذ بخطام راحلته ، فكف عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : أنت محمد ؟ قال : " نعم " . قال : إني أريد أن أسألك عن خصال ، لا يعلمهن أحد من أهل الأرض إلا رجل أو رجلان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سل عما شئت " . فقال : يا محمد ، أينام النبي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تنام عيناه ولا ينام قلبه " . قال : صدقت . ثم قال : يا محمد ، من أين يشبه الولد أباه وأمه ؟ قال : ماء الرجل أبيض غليظ ، وماء المرأة أصفر رقيق ، فأي الماءين غلب على الآخر نزع الولد " . فقال صدقت . فقال : ما للرجل من الولد وما للمرأة منه ؟ فقال : " للرجل العظام والعروق والعصب ، وللمرأة اللحم والدم والشعر . قال : صدقت . ثم قال : يا محمد ، ما تحت هذه ؟ يعني الأرض . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خلق " . فقال : فما تحتهم ؟ قال : " أرض " . قال : فما تحت الأرض ؟ قال " الماء " قال : فما تحت الماء ؟ قال : " ظلمة " . قال : فما تحت الظلمة ؟ قال : " الهواء " . قال : فما تحت الهواء ؟ قال : " الثرى " . قال : فما تحت الثرى ؟ ففاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء ، وقال : " انقطع علم المخلوقين عند علم الخالق ، أيها السائل ، ما المسئول عنها بأعلم من السائل " . قال : فقال : صدقت ، أشهد أنك رسول الله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيها الناس ، هل تدرون من هذا ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " هذا جبريل صلى الله عليه وسلم .هذا حديث غريب جدا ، وسياق عجيب ، تفرد به القاسم بن عبد الرحمن هذا ، وقد قال فيه يحيى بن معين : " ليس يساوي شيئا " وضعفه أبو حاتم الرازي ، وقال ابن عدي : لا يعرف .قلت : وقد خلط في هذا الحديث ، ودخل عليه شيء في شيء ، وحديث في حديث . وقد يحتمل أنه تعمد ذلك ، أو أدخل عليه فيه ، فالله أعلم .

ثم أكد- سبحانه- شمول ملكه وقدرته فقال: لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ من كائنات وموجودات ملكا وتصرفا وإحياء وإماتة، وله ما بَيْنَهُما من مخلوقات لا يعلمها إلا هو وله ما تَحْتَ الثَّرى والثرى: هو التراب الندى. يقال: ثريت الأرض- كرضيت- إذا نديت ولانت بعد أن كانت جدباء يابسة.والمقصود: وله- سبحانه- بجانب ما في السموات وما في الأرض وما بينهما، ما وراء الثرى وهو تخوم الأرض وطبقاتها إلى نهايتها.وخص- سبحانه- ما تحت الثرى بالذكر، مع أنه داخل في قوله: وَما فِي الْأَرْضِ لزيادة التقرير، ولتأكيد شمول ملكيته- سبحانه- لكل شيء.

( له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما ) يعني الهواء ، ( وما تحت الثرى ) والثرى هو : التراب الندي . قال الضحاك : يعني ما وراء الثرى من شيء .وقال ابن عباس : إن الأرضين على ظهر النون ، والنون على بحر ، ورأسه وذنبه يلتقيان تحت العرش ، والبحر على صخرة خضراء ، خضرة السماء منها ، وهي الصخرة التي ذكر الله في قصة لقمان " فتكن في صخرة " والصخرة على قرن ثور ، والثور على الثرى ، وما تحت الثرى لا يعلمه إلا الله عز وجل ، وذلك الثور فاتح فاه ، فإذا جعل الله عز وجل البحار بحرا واحدا سالت في جوف ذلك الثور ، فإذا وقعت في جوفه يبست .

له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى يريد ما تحت الصخرة التي لا يعلم ما تحتها إلا الله تعالى . وقال محمد بن كعب يعني الأرض السابعة ابن عباس الأرض على نون والنون على البحر ، وأن طرفي النون رأسه وذنبه يلتقيان تحت العرش والبحر على صخرة خضراء السماء منها ، وهي التي قال الله تعالى فيها : فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض والصخرة على قرن ثور والثور على الثرى وما يعلم ما تحت الثرى إلا الله تعالى ، وقال وهب بن منبه على وجه الأرض سبعة أبحر ، والأرضون سبع ، بين كل أرضين بحر ، فالبحر الأسفل مطبق على شفير جهنم ، ولولا عظمه وكثرة مائه وبرده لأحرقت جهنم كل من عليها ، قال : وجهنم على متن الريح ، ومتن الريح على حجاب من الظلمة ، لا يعلم عظمه إلا الله تعالى وذلك الحجاب على الثرى ، وإلى الثرى انتهى علم الخلائق .

القول في تأويل قوله تعالى : لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6)يقول تعالى ذكره: لله ما في السموات وما في الأرض وما بينهما، وما تحت الثرى، ملكا له، وهو مدبر ذلك كله، ومصرّف جميعه. ويعني بالثرى: الندى.يقال للتراب الرطب المبتلّ: ثرى منقوص، يقال منه: ثريت الأرض تثرى، ثرى منقوص، والثرى: مصدر.وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَمَا تَحْتَ الثَّرَى ) والثَّرَى: كلّ شيء مبتلّ.حُدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( وَمَا تَحْتَ الثَّرَى ) ما حفر من التراب مبتلا وإنما عنى بذلك: وما تحت الأرضين السبع.كالذي حدثني محمد بن إبراهيم السليمي المعروف بابن صدران (5) . قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا محمد بن رفاعة، عن محمد بن كعب ( وَمَا تَحْتَ الثَّرَى ) قال: الثرى: سبع أرضين.-----------------------------الهوامش :(5) في الخلاصة للخزرجي : محمد بن إبراهيم بن صدران بضم المهملة الأولى ، الأزدي ، بتحتانية بعد اللام المكسورة .

لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6)وتقديم المجرور في قوله { له ما في السموات } للقصر ، رداً على زعم المشركين أن لآلهتهم تصرفات في الأرض ، وأن للجنّ اطلاعاً على الغيب ، ولتقرير الردّ ذكرت أنحاء الكائنات ، وهي السماوات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى .والثّرى : التراب . وما تحته : هو باطن الأرض كله .وجملة { له ما في السَّموات } عطف على جملة { على العرششِ اسْتَوى }.
الآية 6 - سورة طه: (له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى...)