سورة يونس: الآية 4 - إليه مرجعكم جميعا ۖ وعد...

تفسير الآية 4, سورة يونس

إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا ۖ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقًّا ۚ إِنَّهُۥ يَبْدَؤُا۟ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ لِيَجْزِىَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ بِٱلْقِسْطِ ۚ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌۢ بِمَا كَانُوا۟ يَكْفُرُونَ

الترجمة الإنجليزية

Ilayhi marjiAAukum jameeAAan waAAda Allahi haqqan innahu yabdao alkhalqa thumma yuAAeeduhu liyajziya allatheena amanoo waAAamiloo alssalihati bialqisti waallatheena kafaroo lahum sharabun min hameemin waAAathabun aleemun bima kanoo yakfuroona

تفسير الآية 4

إلى ربكم معادكم يوم القيامة جميعًا، وهذا وعد الله الحق، هو الذي يبدأ إيجاد الخلق ثم يعيده بعد الموت، فيوجده حيًا كهيئته الأولى، ليجزي مَن صَدَّق الله ورسوله، وعمل الأعمال الحسنة أحسن الجزاء بالعدل. والذين جحدوا وحدانية الله ورسالة رسوله لهم شراب من ماء شديد الحرارة يشوي الوجوه ويقطِّع الأمعاء، ولهم عذاب موجع بسبب كفرهم وضلالهم.

«إليه» تعالى «مرجعكم وعد الله حقا» مصدران منصوبان بفعلهما المقدر «إنه» بالكسر استئنافاً والفتح على تقدير اللام «يبدأ الخلق» أي بدأه بالإنشاء «ثم يعيده» بالبعث «ليجزي» يثيب «الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم» ماء بالغ نهاية الحرارة «وعذاب أليم» مؤلم «بما كانوا يكفرون» أي بسبب كفرهم.

فلما ذكر حكمه القدري وهو التدبير العام، وحكمه الديني وهو شرعه، الذي مضمونه ومقصوده عبادته وحده لا شريك له، ذكر الحكم الجزائي، وهو مجازاته على الأعمال بعد الموت، فقال‏:‏ ‏‏إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا‏‏ أي‏:‏ سيجمعكم بعد موتكم، لميقات يوم معلوم‏.‏‏‏إنه يبدأ الخلق ثم يعيده‏‏ فالقادر على ابتداء الخلق قادر على إعادته، والذي يرى ابتداءه بالخلق، ثم ينكر إعادته للخلق، فهو فاقد العقل منكر لأحد المثلين مع إثبات ما هو أولى منه، فهذا دليل عقلي واضح على المعاد‏.‏ وقد ذكر الدليل النقلي فقال‏:‏ ‏‏وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا‏‏ أي‏:‏ وعده صادق لا بد من إتمامه ‏‏لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا‏‏ بقلوبهم بما أمرهم الله بالإيمان به‏.‏‏‏وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ‏‏ بجوارحهم، من واجبات، ومستحبات، ‏‏بِالْقِسْطِ‏‏ أي‏:‏ بإيمانهم وأعمالهم، جزاء قد بينه لعباده، وأخبر أنه لا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين ‏‏وَالَّذِينَ كَفَرُوا‏‏ بآيات الله وكذبوا رسل الله‏.‏‏‏لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ‏‏ أي‏:‏ ماء حار، يشوي الوجوه، ويقطع الأمعاء‏.‏ ‏‏وَعَذَابٌ أَلِيمٌ‏‏ من سائر أصناف العذاب ‏‏بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ‏‏ أي‏:‏ بسبب كفرهم وظلمهم، وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون‏.‏

خبر تعالى أن إليه مرجع الخلائق يوم القيامة ، لا يترك منهم أحدا حتى يعيده كما بدأه . ثم ذكر تعالى أنه كما بدأ الخلق كذلك يعيده ، ( وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ) [ الروم : 27 ] .( ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط ) أي : بالعدل والجزاء الأوفى ، ( والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون ) أي : بسبب كفرهم يعذبون يوم القيامة بأنواع العقاب ، من ( سموم وحميم وظل من يحموم ) [ الواقعة : 42 ، 43 ] . ( هذا فليذوقوه حميم وغساق وآخر من شكله أزواج ) [ ص : 57 ، 58 ] . ( هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون يطوفون بينها وبين حميم آن ) [ الرحمن : 43 ، 44 ] .

ثم بين- سبحانه- أن مرجع العباد جميعا إليه، وأنه سيجازى كل إنسان بما يستحق.فقال- تعالى- إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا.أى: إلى الله- تعالى- وحده مرجعكم جميعا بعد الموت ليحاسبكم على أعمالكم، وقد وعد الله بذلك وعدا صدقا، ولن يخلف الله وعده.قال أبو حيان: وانتصب وَعْدَ اللَّهِ وحَقًّا على أنهما مصدران مؤكدان لمضمون الجملة، والتقدير وعد الله وعدا، فلما حذف الناصب أضاف المصدر الى الفاعل، وذلك كقوله «صبغة الله» و «صنع الله» والتقدير في حَقًّا: حق ذلك حقا».وقوله: إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ كالتعليل لما أفاده قوله- سبحانه- إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ فإن غاية البدء والإعادة هو الجزاء المناسب على الأعمال الدنيوية.أى: إن شأنه- سبحانه- أن يبدأ الخلق عند تكوينه ثم يعيده الى الحياة مرة أخرى بعد موته وفنائه.ثم بين- سبحانه- الحكمة من الإعادة بعد الموت فقال: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ.والقسط- كما يقول الراغب- النصيب بالعدل. يقال: قسط الرجل إذا جار وظلم.ومنه قوله- تعالى- أَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباًويقال أقسط فلان إذا عدل، ومنه قوله- تعالى- وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ.والحميم: الماء الذي بلغ أقصى درجات الحرارة، قال- تعالى- وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ أى: فعل ما فعل سبحانه من بدء الخلق وإعادتهم ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بعدله الجزاء الطيب الذي أعده لهم، وأما الذين كفروا فيجزيهم- أيضا- بعد له ما يستحقونه من شراب حميم يقطع أمعاءهم، ومن عذاب مؤلم لأبدانهم، وذلك بسبب كفرهم واستحبابهم العمى على الهدى.وقوله: بِالْقِسْطِ حال من فاعل لِيَجْزِيَ ليجزيهم ملتبسا بالقسط.ويصح أن يكون المعنى: فعل ما فعل ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات الجزاء الحسن بسبب عدلهم وتمسكهم بتكاليف دينهم، وأما الذين كفروا فلهم شراب من حميم وعذاب أليم بسبب كفرهم.قال الجمل ما ملخصه: وقال- سبحانه- وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ ... بتغيير في الأسلوب للمبالغة في استحقاقهم للعقاب. وللتنبيه على أن المقصود بالذات من الإبداء والإعادة هو الإثابة، والعذاب وقع بالعرض. وأنه- تعالى- يتولى إثابة المؤمنين بما يليق بلطفه وكرمه، ولذلك لم يعينه، وأما عقاب الكفرة فكأنه داء ساقه إليهم سوء اعتقادهم وسوء أفعالهم.وبعد أن بين- سبحانه- جانبا من مظاهر قدرته في خلق السموات والأرض، أتبع ذلك بذكر مظاهر أخرى لقدرته، تتمثل في خلق الشمس والقمر والليل والنهار فقال- تعالى-:

( إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا ) صدقا لا خلف فيه . نصب على المصدر ، أي : وعدكم وعدا حقا ( إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ) أي : يحييهم ابتداء ثم يميتهم ثم يحييهم ، قراءة العامة : ( إنه ) بكسر الألف على الاستئناف ، وقرأ أبو جعفر " أنه " بالفتح على معنى بأنه ( ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط ) بالعدل ، ( والذين كفروا لهم شراب من حميم ) ماء حار انتهى حره ، ( وعذاب أليم بما كانوا يكفرون ) .

قوله تعالى إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرونإليه مرجعكم جميعا رفع بالابتداء . ( جميعا ) نصب على الحال . ومعنى الرجوع إلى الله الرجوع إلى جزائه .وعد الله حقا مصدران ; أي وعد الله ذلك وعدا وحققه حقا صدقا لا خلف فيه . وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة " وعد الله حق " على الاستئناف .قوله تعالى إنه يبدأ الخلق أي من التراب . ثم يعيده إليه . مجاهد : ينشئه ثم يميته ثم يحييه للبعث ; أو ينشئه من الماء ثم يعيده من حال إلى حال . وقرأ يزيد بن القعقاع " أنه يبدأ الخلق " تكون ( أن ) في موضع نصب ; أي وعدكم أنه يبدأ الخلق . ويجوز أن يكون التقدير لأنه يبدأ الخلق ; كما يقال : لبيك أن الحمد والنعمة لك ; والكسر أجود . وأجاز الفراء أن تكون ( أن ) في موضع رفع فتكون اسما . قال أحمد بن يحيى : يكون التقدير حقا إبداؤه الخلق .قوله تعالى ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط أي بالعدل .والذين كفروا لهم شراب من حميم أي ماء حار قد انتهى حره ، والحميمة مثله . يقال : حممت الماء أحمه فهو حميم ، أي محموم ; فعيل بمعنى مفعول . وكل مسخن عند العرب فهو حميم .وعذاب أليم أي موجع ، يخلص وجعه إلى قلوبهم بما كانوا يكفرون أي بكفرهم ، وكان معظم قريش يعترفون بأن الله خالقهم ; فاحتج عليهم بهذا فقال : من قدر على الابتداء قدر على الإعادة بعد الإفناء أو بعد تفريق الأجزاء .

القول في تأويل قوله تعالى : إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (4)قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: إلى ربكم الذي صفته ما وصَفَ جل ثناؤه في الآية قبل هذه ، معادُكم ، أيها الناس ، يوم القيامة جميعًا. (21) ( وعد الله حقا ) ، فأخرج ( وعد الله ) مصدَّرًا من قوله: ( إليه مرجعكم ) ، لأنه فيه معنى " الوعد "، ومعناه: يعدكم الله أن يحييكم بعد مماتكم وعدًا حقًّا، فلذلك نصب (وعد الله حقا) ، ( إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ) يقول تعالى ذكره: إن ربكم يبدأ إنشاء الخلق وإحداثه وإيجاده ، ( ثم يعيده )، يقول : ثم يعيده فيوجده حيًّا كهيئته يوم ابتدأه ، بعد فنائه وبَلائِه. (22) كما:-17548- حدثني محمد بن عمرو، قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ( يبدأ الخلق ثم يعيده )، قال: يحييه ثم يميته ، قال أبو جعفر: وأحسبه أنا قال: " ثم يحييه ".17549- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الله بن رجاء، عن ابن جريج، عن عبد الله بن كثير، عن مجاهد: ( يبدأ الخلق ثم يعيده )، قال: يحييه ثم يميته، ثم يحييه.17550- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ( إنه يبدأ الخلق ثم يعيده )، : يحييه ، ثم يميته، ثم يبدؤه ، ثم يحييه.17551- . . . . قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ، بنحوه.* * *وقرأت قراء الأمصار ذلك: ( إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ )، بكسر الألف من (إنه) ، على الاستئناف.* * *وذكر عن أبي جعفر الرازي أنه قرأه ( أَنَّهُ ) بفتح الألف من ( أنه ).* * *، كأنه أراد: حقًّا أنه يبدأ الخلق ثم يعيده، ف " أنّ" حينئذ تكون رفعًا، كما قال الشاعر: (23)أحَقًّا عِبَادَ اللهِ أَنْ لَسْتُ زَائِرًارُبَى جَنَّة إِلا عَلَيَّ رَقِيبُ (24)* * *وقوله: (ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط)، يقول: ثم يعيده من بعد مماته كهيئته قبل مماته عند بعثه من قبره ، ( ليجزي الذين آمنوا) ليثيب من صدّق الله ورسوله وعملوا ما أمرهم الله به من الأعمال ، واجتنبوا ما نهاهم عنه ، على أعمالهم الحسنة (25) ، (بالقسط) يقول: ليجزيهم على الحسن من أعمالهم التي عملوها في الدنيا الحسنَ من الثواب ، والصالحَ من الجزاء في الآخرة ، وذلك هو " القسط" ، و " القسط" العدلُ والإنصاف، (26) كما:-17552- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (بالقسط) ، بالعدل.* * *وقوله: (والذين كفروا لهم شَرَاب من حميم)، فإنه جل ثناؤه ابتدأ الخبر عما أعدَّ الله للذين كفروا من العذاب، وفيه معنى العطف على الأول. لأنه تعالى ذكره عمَّ بالخبر عن معادِ جميعهم ، كفارهم ومؤمنيهم ، إليه. ثم أخبر أن إعادتهم ليجزي كلَّ فريق بما عمل المحسنَ منهم بالإحسان ، والمسيءَ بالإساءة. ولكن لما كان قد تقدم الخبر المستأنفُ عما أعدّ للذين كفروا من العذاب ، ما يدلُّ سامعَ ذلك على المرادِ ، ابتدأ الخبر ، والمعنيُّ العطف فقال: والذين جحدوا الله ورسولَه وكذبوا بآيات الله ، ( لهم شراب ) في جهنم (من حميم) وذلك شراب قد أُغلي واشتدّ حره ، حتى إنه فيما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم ليتساقطُ من أحدهم حين يدنيه منه فروةُ رأسه، وكما وصفه جل ثناؤه: كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ، [سورة الكهف: 29].* * *وأصله : " مفعول " صرف إلى " فعيل "، وإنما هو " محموم ": أي مسخّن، وكل مسخَّن عند العرب فهو حميم، (27)ومنه قول المرقش:وَكُلُّ يَوْمٍ لَهَا مِقْطَرَةٌفِيهَا كِبَاءٌ مُعَدٌّ وَحَمِيمْ (28)يعني ب " الحميم " ، الماء المسخَّن.* * *وقوله: (عَذَابٌ أَلِيمٌ)، يقول: ولهم مع ذلك عذاب موجع، (29) سوى الشراب من الحميم، بما كانوا يكفرون بالله ورسوله.---------------------------الهوامش :(21) انظر تفسير " المرجع " فيما سلف 12 : 287 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .(22) انظر تفسير " البدء " و " العود " فيما سلف 12 : 382 - 388 .(23) لم أعرف قائله .(24) في المطبوعة : " أبا حبة إلا على رقيب " ، وهو تحريف لما في المخطوطة ، وهو فيها هكذا ، غير منقوط : " رباحه " ، وصواب قراءته ما أثبت .(25) انظر تفسير " الجزاء " فيما سلف من فهارس اللغة ( جزى ) .(26) انظر تفسير " القسط " فيما سلف 12 : 379 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .(27) انظر تفسير " حميم " فيما سلف 11 : 448 ، 449 .(28) سلف البيت وتخريجه وشرحه 11 : 448 ، وروايته هناك : " في كل ممسي " .(29) انظر تفسير " أليم " فيما سلف من فهارس اللغة ( ألم ) .

وقع أمرهم بعبادته عقب ذكر الجزاء إنذاراً وتبشيراً ، فالجملة كالدليل على وجوب عبادته ، وهي بمنزلة النتيجة الناشئة عن إثبات خلقه السماوات والأرض لأن الذي خلق مثل تلك العوالم من غير سابق وجود لا يعجزه أن يعيد بعض الموجودات الكائنة في تلك العوالم خلقاً ثانياً . ومما يشير إلى هذا قوله : { إنه يبدأ الخلق ثم يعيده } ، فبَدء الخلق هو ما سبق ذكره ، وإعادتُه هي ما أفاده قوله : { إليه مرجعكم جميعاً } ولذلك فصلت عن التي قبلها لما بينهما من شبه كمال الاتصال ، على أنها يجوز كونها خبراً آخر عن قوله : { إن ربكم } [ يونس : 3 ] ، أو عن قوله : { ذلكم الله ربكم } [ يونس : 3 ].وقد تضمنت هذه الجملة إثبات الحشر الذي أنكروه وكذبوا النبيءَ صلى الله عليه وسلم لأجله .وفي تقديم المجرور في قوله : { إليه مرجعكم } إفادة القصر ، أي لا إلى غيره ، قطعاً لمطامع بعضهم القائلين في آلهتهم { هؤلاء شفعاؤنا عند الله } [ يونس : 18 ] يريدون أنهم شفعاء على تسليم وقوع البعث للجزاء ، فإذا كان الرجوع إليه لا إلى غيره كان حقيقاً بالعبادة وكانت عبادة غيره باطلاً .والمرجع : مصدر ميمي بمعنى الرجوع . وقد تقدم في قوله : { إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم تعملون } في سورة [ العقود : 105 ].و { جميعاً } حال من ضمير المخاطبين المضاف إليه المصدر العامل فيه .وانتصب { وعدَ الله } على المفعولية المطلقة توكيداً لمضمون الجملة المساوية له ، ويسمى موكِّداً لنفسه في اصطلاح النحاة ، لأن مضمون { إليه مرجعكم } الوعد بإرجاعهم إليه وهو مفاد وعد الله ، ويقدر له عامل محذوف لأن الجملة المؤكدة لا تصلح للعمل فيه . والتقدير : وعدَكم اللّهُ وعداً حقاً .وانتصب { حقاً } على المفعولية المطلقة المؤكدة لمضمون جملة { وعد الله } باعتبار الفعل المحذوف . ويسمى في اصطلاح النحاة مؤكداً لغيره ، أي موكداً لأحد معنيين تحتملهما الجملة المؤكدة .وجملة : { إنه يبدأ الخلق } واقعة موقع الدليل على وقوع البعث وإمكانه بأنه قد ابتدأ خلق الناس ، وابتداء خلقهم يدل على إمكان إعادة خلقهم بعد العدم ، وثبوت إمكانه يدفع تكذيب المشركين به ، فكان إمكانه دليلاً لقوله : { إليه مرجعكم جميعاً } ، وكان الاستدلال على إمكانه حاصلاً من تقديم التذكير ببدء خلق السماوات والأرض كقوله تعالى : { وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه } [ الروم : 27 ].وموقع ( إن ] تأكيد الخبر نظراً لإنكارهم البعث ، فحصل التأكيد من قوله : { ثم يعيده } أما كونه بدأ الخلق فلا ينكرونه .وقرأ الجمهور { إنه يبدأ الخلق } بكسر همزة ( إنه ). وقرأه أبو جعفر بفتح الهمزة على تقدير لام التعليل محذوفة ، أي حق وعده بالبعث لأنه يبدأ الخلق ثم يعيده فلا تعجزه الإعادة بعد الخلق الأول ، أو المصدر مفعول مطلق منصوب بما نصب به { وعْدَ الله } أي وَعَدَ الله وعداً بَدْءَ الخلق ثم إعادته فيكون بدلاً من { وعْد الله } بدلاً مطابقاً أو عطف بيان .ويجوز أن يكون المصدر المنسبك من ( أنَّ ) وما بعدها مرفوعاً بالفعل المقدر الذي انتصب ( حقاً ) بإضماره . فالتقدير : حَقَّ حقاً أنه يبدأ الخلق ، أي حق بدؤه الخلق ثم إعادته .والتعليل بقوله : { ليجزى الذين آمنوا } الخ إبداءٌ لحكمة البعث وهي الجزاء على الأعمال المقترفة في الحياة الدنيا ، إذ لو أرسل الناس على أعمالهم بغير جزاء على الحسن والقبيح لاستوى المُحسن والمسيء ، وربما كان بعضُ المسيئين في هذه الدنيا أحسن فيها حالاً من المحسنين . فكان من الحكمة أن يلقَى كل عامل جزاء عمله . ولم يكن هذا العالم صالحاً لإظهار ذلك لأنه وُضع نظامه على قاعدة الكون والفساد ، قابلاً لوقوع ما يخالف الحق ولصرف الخيرات عن الصالحين وانهيالِها على المفسدين والعكس لأسباب وآثار هي أوفق بالحياة المقررة في هذا العالم ، فكانت الحكمة قاضية بوجود عالم آخر متمحض للكون والبقاء وموضوعاً فيه كل صنف فيما يليق به لا يعدوه إلى غيره إذ لا قبل فيه لتصرفات وتسببات تخالف الحق والاستحقاق . وقدم جزاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات لشرفه ولياقته بذلك العالم ، ولأنهم قد سلكوا في عالم الحياة الدنيا ما خلق الله الناس لأجله ولم يتصرفوا فيه بتغليب الفساد على الصلاح .والباء في { بالقسط } صالحة لإفادة معنى التعدية لفعل الجزاء ومعنى العِوض . والقسط : العدل . وهو التسوية بين شيئين في صفة والجزاء بما يساوي المجْزي عليه . وتقدم في قوله : { قائماً بالقسط } في أول [ آل عمران : 18 ]. فتفيد الباء أنهم يُجزون بما يعادل أعمالهم الصالحة فيكون جزاؤهم صلاحاً هنالك وهو غاية النعيم ، وأن ذلك الجزاء مكافاة على قسطهم في أعمالهم في عَدلهم فيها بأن عملوا ما يساوي الصلاح المقصود من نظام هذا العالم .والإجمال هنا بين معنيي الباء مفيد لتعظيم شأن جزاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات مع الإشارة إلى أنه جزاء مماثل لصلاح أعمالهم .وإنما خص بذلك جزاء المؤمنين مع أن الجزاء كله عدل ، بل ربما كانت الزيادة في ثواب المؤمنين فضلاً زائداً على العدل لأمرين : أحدهما : } تأنيس المؤمنين وإكرامهم بأن جزاءهم قداستحقوه بما عملوا ، كقوله : { ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون } [ النحل : 32 ]. ومن أعظم الكرم أن يُوهم الكريم أن ما تفضل به على المكرَم هو حقه وأن لا فضل له فيه .الأمر الثاني : الإشارة إلى أن جزاء الكافرين دون ما يقتضيه العدل ، ففيه تفضل بضرب من التخفيف لأنهم لو جُوزوا على قدر جُرمهم لكان عذابهم أشد ، ولأجل هذا خولف الأسلوب في ذكر جزاء الذين كفروا فجاء صريحاً بما يعم أحوال العذاب بقوله : { لهم شراب من حميم وعذاب أليم } [ الأنعام : 70 ]. وخص الشراب من الحميم بالذكر من بين أنواع العذاب الأليم لأنه أكره أنواع العذاب في مألوف النفوس . { أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون }في سورة [ الأنعام : 70 ]. والباء في قوله :وشراب الحميم تقدم في قوله تعالى : { بما كانوا يكفرون } للعِوض .وجملة : { والذين كفروا } إلى آخرها استئناف بياني لأنه لما ورد ذكر جزاء المؤمنين على أنه العلة لرجوع الجميع إليه ولم يذكر في العلة ما هو جزاء الجميع لا جرم يتشوف السامع إلى معرفة جزاء الكافرين فجاء الاستئناف للإعلام بذلك .ونكتة تغيير الأسلوب حيث لم يعطف جزاء الكافرين على جزاء المؤمنين فيقال : ويَجزي الذين كفروا بعذاب الخ كما في قوله : { لينذر بأساً شديداً من لدنه ويُبشر المؤمنين } [ الكهف : 2 ] هو الإشارة إلى الاهتمام بجزاء المؤمنين الصالحين وأنه الذي يبادر بالإعلام به وأن جزاء الكافرين جدير بالإعراض عن ذكره لولا سؤال السامعين .
الآية 4 - سورة يونس: (إليه مرجعكم جميعا ۖ وعد الله حقا ۚ إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط ۚ...)