سورة يوسف: الآية 2 - إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم...

تفسير الآية 2, سورة يوسف

إِنَّآ أَنزَلْنَٰهُ قُرْءَٰنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ

الترجمة الإنجليزية

Inna anzalnahu quranan AAarabiyyan laAAallakum taAAqiloona

تفسير الآية 2

إنا أنزلنا هذا القرآن بلغة العرب، لعلكم -أيها العرب- تعقلون معانيه وتفهمونها، وتعملون بهديه.

«إنا أنزلناه قرآنا عربيا» بلغة العرب «لعلكم» يا أهل مكة «تعقلون» تفقهون معانيه.

ومن بيانه وإيضاحه: أنه أنزله باللسان العربي، أشرف الألسنة، وأبينها، [المبين لكل ما يحتاجه الناس من الحقائق النافعة ] وكل هذا الإيضاح والتبيين لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ْ أي: لتعقلوا حدوده وأصوله وفروعه، وأوامره ونواهيه.فإذا عقلتم ذلك بإيقانكم واتصفت قلوبكم بمعرفتها، أثمر ذلك عمل الجوارح والانقياد إليه، و لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ْ أي: تزداد عقولكم بتكرر المعاني الشريفة العالية، على أذهانكم،. فتنتقلون من حال إلى أحوال أعلى منها وأكمل.

( إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ) وذلك لأن لغة العرب أفصح اللغات وأبينها وأوسعها ، وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس; فلهذا أنزل أشرف الكتب بأشرف اللغات ، على أشرف الرسل ، بسفارة أشرف الملائكة ، وكان ذلك في أشرف بقاع الأرض ، وابتدئ إنزاله في أشرف شهور السنة وهو رمضان ، فكمل من كل الوجوه;

ثم بين- سبحانه- الحكمة من إنزاله بلسان عربي مبين فقال: إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ.أى: إنا أنزلنا هذا الكتاب الكريم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بلسان عربي مبين، لعلكم أيها المكلفون بالإيمان به، تعقلون معانيه، وتفهمون ألفاظه، وتنتفعون بهداياته، وتدركون أنه ليس من كلام البشر، وإنما هو كلام خالق القوى والقدر وهو الله- عز وجل-.فالضمير في «أنزلناه» يعود إلى الكتاب، وقرآنا حال من هذا الضمير أو بدلا منه.والتأكيد بحرف إن متوجه إلى خبرها وهو أنزلناه، للرد على أولئك المشركين الذين أنكروا أن يكون هذا القرآن من عند الله.وجملة لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ بيان لحكمة إنزاله بلغة العرب وحذف مفعول «تعقلون» للإشارة إلى أن نزوله بهذه الطريقة، يترتب عليه حصول تعقل أشياء كثيرة لا يحصيها العد.قال الإمام ابن كثير ما ملخصه: قوله: إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وذلك لأن لغة العرب أفصح اللغات، وأبينها وأوسعها، وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس، فلهذا أنزل أشرف الكتب، بأشرف اللغات، على أشرف الرسل، بسفارة أشرف الملائكة، وكان ذلك في أشرف بقاع الأرض، وفي أشرف شهور السنة، فكمل له الشرف من كل الوجوه» .وقال الجمل: «واختلف العلماء هل يمكن أن يقال: في القرآن شيء غير عربي.قال أبو عبيدة: من قال بأن في القرآن شيء غير عربي فقد أعظم على الله القول. واحتج بهذه الآية.وروى عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة بأن فيه من غير العربي مثل: سجيل، والمشكاة، واليم، وإستبرق ونحو ذلك.وهذا هو الصحيح المختار، لأن هؤلاء أعلم من أبى عبيدة بلسان العرب، وكلا القولين صواب- إن شاء الله-.ووجه الجمع بينهما أن هذه الألفاظ لما تكلمت بها العرب، ودارت على ألسنتهم صارت عربية فصيحة، وإن كانت غير عربية في الأصل، لكنهم لما تكلموا بها نسبت إليهم، وصارت لهم لغة، فظهر بهذا البيان صحة القولين، وأمكن الجمع بينهما» .

( إنا أنزلناه ) يعني : الكتاب ( قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ) أي : أنزلناه بلغتكم ، لكي تعلموا معانيه ، وتفهموا ما فيه .

قوله تعالى : إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلونقوله تعالى : إنا أنزلناه قرآنا عربيا يجوز أن يكون المعنى : إنا أنزلنا القرآن عربيا ; نصب " قرآنا " على الحال ; أي مجموعا . و " عربيا " نعت لقوله " قرآنا " . ويجوز أن يكون توطئة للحال ، كما تقول : مررت بزيد رجلا صالحا ، و " عربيا " على الحال ، أي يقرأ بلغتكم يا معشر العرب . أعرب بين ، ومنه الثيب تعرب عن نفسها .لعلكم تعقلون أي لكي تعلموا معانيه ، وتفهموا ما فيه . وبعض العرب يأتي بأن مع " لعل " تشبيها بعسى . واللام في " لعل " زائدة للتوكيد ; كما قال الشاعر :يا أبتا علك أو عساكاوقيل : لعلكم تعقلون أي لتكونوا على رجاء من تدبره ; فيعود معنى الشك إليهم لا إلى الكتاب ، ولا إلى الله عز وجل . وقيل : معنى أنزلناه أي أنزلنا خبر يوسف ، قال النحاس : وهذا أشبه بالمعنى ; لأنه يروى أن اليهود قالوا : سلوه لم انتقل آل يعقوب من الشام إلى مصر ؟ وعن خبر يوسف ; فأنزل الله - عز وجل - هذا بمكة موافقا لما في التوراة ، وفيه زيادة ليست عندهم . فكان هذا للنبي صلى الله عليه وسلم - إذ أخبرهم ولم يكن يقرأ كتابا قط ولا هو في موضع كتاب - بمنزلة إحياء عيسى - عليه السلام - الميت على ما يأتي فيه .

القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إنا أنزلنا هذا الكتاب المبين، قرآنًا عربيًّا على العرب ، لأن لسانهم وكلامهم عربي ، فأنزلنا هذا الكتاب بلسانهم ليعقلوه ويفقهوا منه ، وذلك قوله: (لعلكم تعقلون) .

استئناف يفيد تعليل الإبانة من جهتي لفظه ومعناه ، فإنّ كونه قرآناً يدل على إبانة المعاني ، لأنّه ما جعل مقروءاً إلاّ لما في تراكيبه من المعاني المفيدة للقارىء .وكونه عربياً يفيد إبانة ألفاظه المعانيَ المقصودة للّذين خوطبوا به ابتداء ، وهم العرب ، إذ لم يكونوا يتبيّنون شيئاً من الأمم التي حولهم لأنّ كتبهم كانت باللغات غير العربية .والتّأكيد ب ( إنّ ) متوجّه إلى خبرها وهو فعل { أنزلناه } ردّاً على الذين أنكروا أن يكون منزلاً من عند الله .وضمير { أنزلناه } عائد إلى { الكتاب } في قوله : { الكتاب المبين [ سورة يوسف : 1 ].{ وقرآناً } حال من الهاء في { أنزلناه } ، أي كتاباً يقرأ ، أي منظماً على أسلوب معدّ لأنْ يقْرأ لا كأسلوب الرسائل والخطب أو الأشعار ، بل هو أسلوب كتاب نافع نفعاً مستمراً يقرأه الناس .و { عربيّاً } صفة ل { قرآناً }. فهو كتاب بالعربيّة ليس كالكتب السّالفة فإنّه لم يسبقه كتاب بلغة العرب .وقد أفصح عن التعليل المقصود جملة { لعلّكم تعقلون } ، أي رجاء حصول العلم لكم من لفظه ومعناه ، لأنّكم عرب فنزوله بلغتكم مشتملاً على ما فيه نفعكم هو سبب لعقلكم ما يحتوي عليه ، وعُبّرَ عن العلم بالعقل للإشارة إلى أنّ دلالة القرآن على هذا العلم قد بلغت في الوضوح حدّ أن ينزّل من لم يَحصل له العلم منها منزلة من لا عقل له ، وأنّهم ما داموا معرضين عنه فهم في عداد غير العقلاء .وحذف مفعول { تعقلون } للإشارة إلى أنّ إنزاله كذلك هو سبب لحصول تعقل لأشياء كثيرة من العلوم من إعجاز وغيره .وتقدّم وَجه وقوع ( لعلّ ) في كلام الله تعالى ، ومحمل الرجاء المفاد بها على ما يؤول إلى التعليل عند قوله تعالى : { ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلّكم تشكرون } في سورة البقرة ( 52 ) ، وفي آيات كثيرة بعدها بما لا التباس بعده .
الآية 2 - سورة يوسف: (إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون...)