سورة عبس: الآية 36 - وصاحبته وبنيه...

تفسير الآية 36, سورة عبس

وَصَٰحِبَتِهِۦ وَبَنِيهِ

الترجمة الإنجليزية

Wasahibatihi wabaneehi

تفسير الآية 36

فإذا جاءت صيحة يوم القيامة التي تصمُّ مِن هولها الأسماع، يوم يفرُّ المرء لهول ذلك اليوم من أخيه، وأمه وأبيه، وزوجه وبنيه. لكل واحد منهم يومئذٍ أمر يشغله ويمنعه من الانشغال بغيره.

«وصاحبته» زوجته «وبنيه» يوم بدل من إذا، وجوابها دل عليه.

يَفِرُّ الْمَرْءُ من أعز الناس إليه، وأشفقهم لديه، مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ أي: زوجته وَبَنِيهِ

قال عكرمة يلقى الرجل زوجته فيقول لها يا هذه أي بعل كنت لك فتقول نعم البعل كنت وتثني بخير ما استطاعت فيقول لها فإني أطلب إليك اليوم حسنة واحدة تهبينها لي لعلي أنجو مما ترين فتقول له : ما أيسر ما طلبت ولكني لا أطيق أن أعطيك شيئا أتخوف مثل الذي تخاف قال وإن الرجل ليلقى ابنه فيتعلق به فيقول يا بني أي والد كنت لك فيثني بخير فيقول له يا بني إني احتجت إلى مثقال ذرة من حسناتك لعلي أنجو بها مما ترى فيقول ولده يا أبت ما أيسر ما طلبت ولكني أتخوف مثل الذي تتخوف فلا أستطيع أن أعطيك شيئا يقول الله تعالى ( يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه )وفي الحديث الصحيح في أمر الشفاعة أنه إذا طلب إلى كل من أولي العزم أن يشفع عند الله في الخلائق يقول نفسي نفسي لا أسأله اليوم إلا نفسي حتى إن عيسى ابن مريم يقول لا أسأله اليوم إلا نفسي لا أسأله مريم التي ولدتني ولهذا قال تعالى ( يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه ) .قال قتادة الأحب فالأحب والأقرب فالأقرب من هول ذلك اليوم

ومن صاحبته - وهى زوجه - وبنيه الذين هم فرع عنه .والمراد بفراره منهم : عدم اشتغاله بشئ يتعلق بهم ، وعدم التفكير فيهم وفى الالتقاء بهم ، لاشتغاله بحال نفسه اشتغالا ينسيه كل شئ سوى التفكير فى مصيره . . وذلك لشدة الهول ، وعظم الخطب .وخص - سبحانه - هؤلاء النفر بالذكر ، لأنهم أخص القرابات ، وأولاهم بالحنو والرأفة ، فالفرار منهم لا يكون إلا فى أشد حالات الخوف والفزع .قال صاحب الكشاف : " يفر " منهم لاشتغاله بما هو مدفوع إليه ، ولعلمه بأنهم لا يغنون عنه شيئا : وبدأ بالأخ ثم بالأبوين لأنهما أقرب منه ثم بالصاحبة والبنين ، لأنهم أقرب وأحب كأنه قال : يفر من أخيه ، بل من أبويه ، بل من صاحبته وبنيه . .

"وصاحبته وبنيه"لا يلتفت إلى واحد منهم لشغله بنفسه .حكي عن قتادة قال في هذه الآية يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه قال : يفر هابيل من قابيل ، ويفر النبي - صلى الله عليه وسلم - من أمه ، وإبراهيم - عليه السلام - من أبيه ، ولوط - عليه السلام - من صاحبته ، ونوح - عليه السلام - من ابنه .

وصاحبته وبنيه" وصاحبته " أي زوجته . " وبنيه " أي أولاده . وذكر الضحاك عن ابن عباس قال : يفر قابيل من أخيه هابيل , ويفر النبي صلى الله عليه وسلم من أمه , وإبراهيم عليه السلام من أبيه , ونوح عليه السلام من ابنه , ولوط من امرأته , وآدم من سوأة بنيه . وقال الحسن : أول من يفر يوم القيامة من أبيه : إبراهيم , وأول من يفر من ابنه نوح ; وأول من يفر من امرأته لوط . قال : فيرون أن هذه الآية نزلت فيهم وهذا فرار التبرؤ .

( وَصَاحِبَتِهِ ) يعني: زوجته التي كانت زوجته في الدنيا( وَبَنِيهِ ) حذرا من مطالبتهم إياه بما بينه وبينهم من التَّبعات والمظالم.وقال بعضهم: معنى قوله: ( يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ) يفرّ عن أخيه لئلا يراه، وما ينزل به، .

وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) وكل من هؤلاء القرابة إذا قدرتَه هو الفارّ كان مَن ذُكر معه مفروراً منه إلا قولَه : { وصاحبته } لظهور أن معناه : والمرأةِ من صاحبها ، ففيه اكتفاء ، وإنما ذُكرتْ بوصف الصاحبة الدال على القرب والملازمة دون وصف الزوج لأن المرأة قد تكون غير حسنة العشرة لزوجها فلا يكون فراره منها كناية عن شدة الهول فذكر بوصف الصاحبة .والأقرب أن هذا فرار المؤمن من قرابته المشركين خشية أن يؤاخذ بتبعتهم إذْ بَقُوا على الكفر .وتعليق جار الأقرباء بفعل : { يفر المرء } يقتضي أنهم قد وقعوا في عذاب يخشون تعديه إلى من يتصل بهم .وقد اجتمع في قوله : { يوم يفر المرء من أخيه } إلى آخره أبلغ ما يفيد هول ذلك اليوم بحيث لا يترك هوله للمرء بقية من رشده فإن نفس الفرار للخائف مسبة فيما تعارفوه لدلالته على جبن صاحبه وهم يتعيرون بالجبن وكونَه يترك أعز الأعزة عليه مسبة عظمى .وجملة : { لكل امرىء منهم يومئذٍ شأن يغنيه } مستأنفة استئنافاً ابتدائياً لزيادة تهويل اليوم ، وتنوينُ { شأن } للتعظيم .وحيث كان فرار المرء من الأقرباء الخمسة يقتضي فرار كل قريب من أولئك من مثله كان الاستئناف جامعاً للجميع تصريحاً بذلك المقتضَى ، فقال : { لكل امرىء منهم يومئذٍ شأن يغنيه } أي عن الاشتغال بغيره من المذكورات بَلْهَ الاشتغال عمن هو دون أولئك في القرابة والصحبة .والشأن : الحال المهم .
الآية 36 - سورة عبس: (وصاحبته وبنيه...)