سورة الضحى: الآية 11 - وأما بنعمة ربك فحدث...

تفسير الآية 11, سورة الضحى

وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ

الترجمة الإنجليزية

Waamma biniAAmati rabbika fahaddith

تفسير الآية 11

فأما اليتيم فلا تُسِئْ معاملته، وأما السائل فلا تزجره، بل أطعمه، واقض حاجته، وأما بنعمة ربك التي أسبغها عليك فتحدث بها.

«وأما بنعمة ربك» عليك بالنبوة وغيرها «فحدّث» أخبر، وحذف ضميره في بعض الأفعال رعاية للفواصل.

وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ [وهذا يشمل] النعم الدينية والدنيوية فَحَدِّثْ أي: أثن على الله بها، وخصصها بالذكر إن كان هناك مصلحة.وإلا فحدث بنعم الله على الإطلاق، فإن التحدث بنعمة الله، داع لشكرها، وموجب لتحبيب القلوب إلى من أنعم بها، فإن القلوب مجبولة على محبة المحسن.

( وأما بنعمة ربك فحدث ) أي : وكما كنت عائلا فقيرا فأغناك الله ، فحدث بنعمة الله عليك ، كما جاء في الدعاء المأثور النبوي : " واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها ، قابليها ، وأتمها علينا " .وقال ابن جرير : حدثني يعقوب ، حدثنا ابن علية ، حدثنا سعيد بن إياس الجريري ، عن أبي نضرة قال : كان المسلمون يرون أن من شكر النعم أن يحدث بها .وقال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثنا منصور بن أبي مزاحم ، حدثنا الجراح بن مليح ، عن أبي عبد الرحمن ، عن الشعبي ، عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر : " من لم يشكر القليل ، لم يشكر الكثير ، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله . والتحدث بنعمة الله شكر ، وتركها كفر . والجماعة رحمة ، والفرقة عذاب " إسناد ضعيف .وفي الصحيحين ، عن أنس أن المهاجرين قالوا : يا رسول الله ، ذهب الأنصار بالأجر كله . قال : " لا ما دعوتم الله لهم ، وأثنيتم عليهم " .وقال أبو داود : حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا الربيع بن مسلم ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يشكر الله من لا يشكر الناس " .ورواه الترمذي ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن المبارك ، عن الربيع بن مسلم وقال : صحيح .وقال أبو داود : حدثنا عبد الله بن الجراح ، حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أبلي بلاء فذكره فقد شكره ، وإن كتمه فقد كفره " . تفرد به أبو داود .وقال أبو داود : حدثنا مسدد ، حدثنا بشر ، حدثنا عمارة بن غزية ، حدثني رجل من قومي ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أعطي عطاء فوجد فليجز به ، فإن لم يجد فليثن به ، فمن أثنى به فقد شكره ، ومن كتمه فقد كفره " . قال أبو داود : ورواه يحيى بن أيوب ، عن عمارة بن غزية ، عن شرحبيل ، عن جابر - كرهوه فلم يسموه . تفرد به أبو داود .وقال مجاهد : يعني النبوة التي أعطاك ربك . وفي رواية عنه : القرآن .وقال ليث عن رجل عن الحسن بن علي : ( وأما بنعمة ربك فحدث ) قال : ما عملت من خير فحدث إخوانك .وقال محمد بن إسحاق : ما جاءك الله من نعمة وكرامة من النبوة فحدث بها واذكرها ، وادع إليها . وقال : فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر ما أنعم الله به عليه من النبوة سرا إلى من يطمئن إليه من أهله ، وافترضت عليه الصلاة ، فصلى .آخر تفسير سورة " الضحى " [ ولله الحمد ] .

وقوله- تعالى-: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ والتحديث بالشيء: الإخبار به، والحديث عنه، أى: وكما كنت عائلا فأغنيناك بفضلنا وإحساننا، فاشكرنا على ذلك، بأن تظهر نعمنا عليك ولا تسترها، وأذعها بين الناس، وأمر أتباعك أن يفعلوا ذلك، ولكن بدون تفاخر أو مباهاة ... فإن ذكر النعم على سبيل الرياء والتفاخر والتطاول على الغير ... يبغضه الله- تعالى-، ويعاقب صاحبه عقابا أليما.قال الإمام ابن كثير: وقوله: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ أى: وكما كنت عائلا فقيرا فأغناك الله، فحدث بنعمة الله عليك، كما جاء في الدعاء: «واجعلنا شاكرين لنعمتك. مثنين بها، قابليها، وأتمها علينا» . وعن أبى نضرة قال: كان المسلمون يرون أن من شكر النعم أن يحدّث بها. وعن النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: «من لم يشكر القليل، لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس، لم يشكر الله والتحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر، والجماعة رحمة والفرقة عذاب ... ».فأنت ترى أن الله- تعالى- قد ذكر ثلاث نعم مما أنعم به على نبيه صلى الله عليه وسلم وأرشده إلى كيفية شكرها. نسأل الله- تعالى- أن يجعلنا من عباده الشاكرين.وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

( وأما بنعمة ربك فحدث ) قال مجاهد يعني النبوة ، روى عنه أبو بشر واختاره الزجاج وقال : أي بلغ ما أرسلت به ، وحدث بالنبوة التي آتاك [ الله ] .وقال الليث عن مجاهد : يعني القرآن وهو قول الكلبي ، أمره أن [ يقرأ به ] .وقال مقاتل : اشكر لما ذكر من النعمة عليك في هذه السورة من جبر اليتيم والهدى بعد الضلالة والإغناء بعد العيلة ، والتحدث بنعمة الله شكرا .أخبرنا أبو سعيد بكر بن محمد بن محمد بن محمي البسطامي ، حدثنا أبو الحسن عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد بن يحيى بن سختويه ، أخبرنا عبد الله بن محمد بن الحسين النصر أبادي ، [ حدثنا علي بن سعيد النسوي ] أخبرنا سعيد بن عفير ، حدثنا يحيى بن أيوب عن عمارة بن غزية عن شرحبيل مولى الأنصاري ، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من صنع إليه معروف فليجز به ، فإن لم يجد ما يجزي به فليثن عليه فإنه إذا أثنى عليه فقد شكره ، وإن كتمه فقد كفره ، ومن تحلى بما لم يعط كان كلابس ثوبين من زور " .أخبرنا أبو سعيد الشريحي أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرنا الحسين بن محمد بن الحسين ، حدثنا أحمد بن محمد بن إسحاق ، حدثنا أبو القاسم بن منيع ، حدثنا منصور بن أبي مزاحم ، حدثنا وكيع عن أبي عبد الرحمن يعني القاسم بن الوليد ، عن الشعبي ، عن النعمان بن بشير قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول على المنبر : " من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير ، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله تعالى ، التحدث بنعمة الله شكر ، وتركه كفر ، والجماعة رحمة والفرقة عذاب " .والسنة - في قراءة أهل مكة - أن يكبر من أول سورة " والضحى " على رأس كل سورة حتى يختم القرآن ; فيقول : الله أكبر .قال الشيخ الإمام الأجل محيي السنة ناصر الحديث قدوة الأئمة ناشر الدين ركن الإسلام إمام الأئمة مفتي الشرق أبو محمد الحسين بن مسعود رحمه الله : كذلك قرأته على الإمام المقرئ أبي نصر محمد بن أحمد بن علي الحامدي بمرو ، قال : قرأت على أبي القاسم طاهر بن علي الصيرفي ، قال : قرأت على أبي بكر أحمد بن الحسين بن مهران ، قال : قرأت على أبي علي محمد بن أحمد بن حامد الصفار المقرئ ، قال : قرأت على أبي بكر محمد بن موسى الهاشمي ، قال : قرأت على أبي ربيعة والحسين بن محمد الحداد ، وهما قرآ على أبي الحسين بن أبي بزة وأخبرهما [ ابن أبي بزة ] أنه قرأ على عكرمة بن سليمان بن كثير المكي ، وأخبره عكرمة أنه قرأ على شبل بن عباد وإسماعيل بن قسطنطين ، وأخبراه أنهما قرآ على عبد الله بن كثير ، وأخبرهما عبد الله [ بن كثير - رضي الله عنهم أجمعين ] أنه قرأ على مجاهد ، وأخبره مجاهد أنه قرأ على ابن عباس ، وأخبره ابن عباس أنه قرأ على أبي بن كعب .وأخبرنا الإمام المقرئ أبو نصر محمد بن أحمد بن علي وقرأت عليه بمرو ، وقال : أنا الشريف أبو القاسم علي بن محمد الزيدي بالتكبير ، وقرأت عليه بثغر حران ، قال : حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن زياد الموصلي المعروف بالنقاش ، وقرأت عليه بمدينة السلام ، حدثنا أبو ربيعة محمد بن إسحاق الربعي ، وقرأت عليه بمكة قال : حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي [ بزة ] ، وقرأت عليه قال لي : قرأته على عكرمة بن سليمان ، وأخبرني أنه قرأ على إسماعيل بن قسطنطين وشبل بن عباد قال فلما بلغت " والضحى " قالا لي : كبر حتى تختم ، مع خاتمة كل سورة ، فإنا قرأنا على ابن كثير فأمرنا بذلك ، وأخبرنا أنه قرأ على مجاهد فأمره بذلك ، وأخبره مجاهد أنه قرأ على ابن عباس [ فأمره بذلك ] ، وأخبره ابن عباس أنه قرأ على أبي بن كعب فأمره بذلك وأخبره أبي أنه قرأ على النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمره بذلك .وكان سبب التكبير أن الوحي لما احتبس قال المشركون هجره شيطانه ، وودعه ، فاغتم النبي - صلى الله عليه وسلم - لذلك ، فلما نزل " والضحى " كبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرحا بنزول الوحي ، فاتخذوه سنة .

قوله تعالى : وأما بنعمة ربك فحدث أي انشر ما أنعم الله عليك بالشكر والثناء . والتحدث بنعم الله ، والاعتراف بها شكر . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد وأما بنعمة ربك قال بالقرآن . وعنه قال : بالنبوة أي بلغ ما أرسلت به . والخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - والحكم عام له ولغيره . وعن الحسن بن علي - رضي الله عنهما - قال : إذا أصبت خيرا ، أو عملت خيرا ، فحدث به الثقة من إخوانك . وعن عمرو بن ميمون قال : إذا لقي الرجل من إخوانه من يثق به ، يقول له : رزق الله من الصلاة البارحة وكذا وكذا . وكان أبو فراس عبد الله بن غالب إذا أصبح يقول : لقد رزقني الله البارحة كذا ، قرأت كذا ، وصليت كذا ، وذكرت الله كذا ، وفعلت كذا . فقلنا له : يا أبا فراس ، إن مثلك لا يقول هذا قال يقول الله تعالى : وأما بنعمة ربك فحدث وتقولون أنتم : لا تحدث بنعمة الله ونحوه عن أيوب السختياني وأبي رجاء العطاردي - رضي الله عنهم - . وقال بكر بن عبد الله المزني قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من أعطي خيرا فلم ير عليه ، سمي بغيض الله ، معاديا لنعم الله " .وروى الشعبي عن النعمان بن بشير قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : من لم يشكو القليل ، لم يشكر الكثير ، ومن لم يشكر الناس ، لم يشكر الله ، والتحدث بالنعم شكر ، وتركه كفر ، والجماعة رحمة ، والفرقة عذاب . وروى النسائي عن مالك بن نضلة الجشمي قال : كنت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالسا ، فرآني رث الثياب فقال : " ألك مال ؟ " قلت : نعم ، يا رسول الله ، من كل المال . قال : " إذا آتاك الله مالا فلير أثره عليك " . وروى أبو سعيد الخدري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : إن الله جميل يحب الجمال ، ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده .فصل : يكبر القارئ في رواية البزي عن ابن كثير - وقد رواه مجاهد عن ابن عباس ، عن أبي بن كعب ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : إذا بلغ آخر والضحى كبر بين كل سورة تكبيرة ، إلى أن يختم القرآن ، ولا يصل آخر السورة بتكبيره بل يفصل بينهما بسكتة . وكأن المعنى في ذلك أن الوحي تأخر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أياما ، فقال ناس من المشركين : قد ودعه صاحبه وقلاه فنزلت هذه السورة فقال : " الله أكبر " . قال مجاهد : قرأت على ابن عباس ، فأمرني به ، وأخبرني به عن أبي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يكبر في قراءة الباقين ; لأنها ذريعة إلى الزيادة في القرآن .قلت : القرآن ثبت نقلا متواترا سوره وآياته وحروفه لا زيادة فيه ولا نقصان فالتكبير على هذا ليس بقرآن . فإذا كان بسم الله الرحمن الرحيم المكتوب في المصحف بخط المصحف ليس بقرآن ، فكيف بالتكبير الذي هو ليس بمكتوب . أما أنه ثبت سنة بنقل الآحاد ، فاستحبه ابن كثير ، لا أنه أوجبه فخطأ من تركه . ذكر الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ في كتاب ( المستدرك ) له على البخاري ومسلم : حدثنا أبو يحيى محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن يزيد ، المقرئ الإمام بمكة ، في المسجد الحرام ، قال : حدثنا أبو عبد الله محمد بن علي بن زيد الصائغ ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن القاسم بن أبي بزة : سمعت عكرمة بن سليمان يقول : قرأت على إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين ، فلما بلغت والضحى قال لي كبر عند خاتمة كل سورة حتى تختم ، فإني قرأت على عبد الله بن كثير فلما بلغت والضحى قال : كبر حتى تختم . وأخبره عبد الله بن كثير أنه قرأ على مجاهد ، وأخبره مجاهد أن ابن عباس أمره بذلك ، وأخبره ابن عباس أن أبي بن كعب أمره بذلك ، وأخبره أبي بن كعب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره بذلك . هذا حديث صحيح ولم يخرجاه .

( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) : يقول: فاذكره.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، عن أبي بشر، عن مجاهد، في قوله: ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) قال: بالنبوّة.حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، قال: ثنا سعيد بن إياس الجريريّ، عن أبى نضرة، قال: كان المسلمون يرون أن من شُكْرِ النعم أن يحدّثَ بها.آخر تفسير سورة الضحى، ولله الحمد والشكر

وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)وقوله : { وأما بنعمة ربك فحدث } مقابل قوله : { ووجدك عائلاً فأغنى } [ الصحى : 8 ] .فإن الإغناء نعمة فأمره الله أن يظهر نعمة الله عليه بالحديث عنها وإعلان شكرها .وليس المراد بنعمة ربك نعمة خاصة وإنما أريد الجنس فيفيد عموماً في المقام الخطابي ، أي حدث ما أنعم الله به عليك من النعم ، فحصل في ذلك الأمر شكر نِعمة الإِغناء ، وحصل الأمر بشكر جميع النعم لتكون الجملة تذييلاً جامعاً .فإن جعل قوله : { وأما السائل فلا تنهر } مقابل قوله { ووجدك عائلاً فأغنى } على طريقة اللف والنشر المشوش كان قوله : { وأما بنعمة ربك فحدث } مقابل قوله : { ووجدك ضالاً فهدى } [ الضحى : 7 ] على طريقة اللف والنشر المشوش أيضاً .وكان المراد بنعمة ربه نعمة الهداية إلى الدين الحق .والتحديث : الإِخبار ، أي أخْبِر بما أنعم الله عليك اعترافاً بفضله ، وذلك من الشكر ، والقول في تقديم المجرور وهو { بنعمة ربك } على متعلَّقه كالقول في تقديم { فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر } .والخطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم فمقتضى الأمر في المواضع الثلاثة أن تكون خاصة به ، وأصل الأمر الوجوب ، فيعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم واجب عليه ما أمر به ، وأما مخاطبة أمته بذلك فتجري على أصل مساواة الأمة لنبيها فيما فرض عليه ما لم يدلّ دليل على الخصوصية ، فأما مساواة الأمة له في منع قهر اليتيم ونهر السائل فدلائله كثيرة مع ما يقتضيه أصل المساواة .وأما مساواة الأمة له في الأمر بالتحدث بنعمة الله فإن نعم الله على نبيه صلى الله عليه وسلم شتّى منها ما لا مطمع لغيره من الأمة فيه مثل نعمة الرسالة ونعمة القرآن ونحو ذلك من مقتضيات الاصطفاء الأكبر ، ونعمة الرب في الآية مُجملة .فنعم الله التي أنعم بها على نبيه صلى الله عليه وسلم كثيرة منها ما يجب تحديثه به وهو تبليغه الناس أنه رسول من الله وأن الله أوحى إليه وذلك داخل في تبليغ الرسالة وقد كان يُعلم الناسَ الإِسلام فيقول لمن يخاطبه أن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله .ومنها تعريفه الناس ما يجب له من البر والطاعة كقوله لمن قال له : " اعدل يا رسول الله فقال : أيأمنُني الله على وحيه ولا تأمنوني " ومنها ما يدخل التحديث به في واجب الشكر على النعمة فهذا وجوبه على النبي صلى الله عليه وسلم خالص من عُروض المعارض لأن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم من عروض الرياء ولا يظن الناس به ذلك فوجوبه عليه ثابت .وأما الأمة فقد يكون التحديث بالنعمة منهم محفوفاً برياء أو تفاخر . وقد ينكسر له خاطر من هو غير واجد مثل النعمة المتحدث بها . وهذا مجال للنظر في المعارضة بين المقتضي والمانع ، وطريقة الجمع بينهما إن أمكن أو الترجيح لأحدهما . وفي «تفسير الفخر» : سئل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه عن الصحابة فأثنى عليهم فقالوا له : فحدثنا عن نفسك فقال : مهلاً فقد نهى الله عن التزكية ، فقيل له : أليس الله تعالى يقول : { وأما بنعمة ربك فحدث } فقال : فإني أُحدِّث كنتُ إذا سُئلتُ أعطيت . وإذا سُكِت ابتديت ، وبين الجوانح علم جَم فاسألوني . فمن العلماء من خَص النعمة في قوله : { بنعمة ربك } بنعمة القرآن ونعمة النبوءة وقاله مجاهد . ومن العلماء من رأى وجوب التحدث بالنعمة . رواه الطبري عن أبي نضرة .وقال القرطبي : الخطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم والحكم عام له ولغيره . قال عياض في «الشفاء» : «وهذا خاص له عام لأمته» .وعن عَمرو بن ميمون : إذا لقي الرجل من إخوانه من يثق به يقول له رزق الله من الصلاة البارحةَ كذا وكذا ، وعن عبد الله بن غالب : أنه كان إذا أصبح يقول : لقد رزقني الله البارحةَ كَذا ، قرأتُ كذا ، صليت كذا ، ذكرت الله كذا ، فقلنا له : يا أبا فراس إن مثلك لا يقول هذا ، قال : يقول الله تعالى : { وأما بنعمة ربك فحدث } وتقولون أنتم : لا تحدث بنعمة الله . وذكر ابن العربي عن أيوب قال : دخلت على أبي رجاء العطاردي فقال : لقد رزق الله البارحة : صليت كذا ، وسبحت كذا ، قال أيوب : فاحتملت ذلك لأبي رجاء . وعن بعض السلف أن التحدث بالنعمة تكون للثقة من الإخوان ممن يثق به قال ابن العربي : إن التحدث بالعمل يكون بإخلاص من النية عند أهل الثقة فإنه ربما خرج إلى الرياء وإسَاءة الظن بصاحبه . وذكر الفخر والقرطبي عن الحسن بن علي : إذا أصبتَ خيراً أوعملتَ خيراً فحدث به الثقة من إخوانك . قال الفخر : إلا أن هذا إنما يحسن إذا لم يتضمن رياء وظن أن غيره يقتدي به .
الآية 11 - سورة الضحى: (وأما بنعمة ربك فحدث...)