سورة الضحى: الآية 9 - فأما اليتيم فلا تقهر...

تفسير الآية 9, سورة الضحى

فَأَمَّا ٱلْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ

الترجمة الإنجليزية

Faamma alyateema fala taqhar

تفسير الآية 9

فأما اليتيم فلا تُسِئْ معاملته، وأما السائل فلا تزجره، بل أطعمه، واقض حاجته، وأما بنعمة ربك التي أسبغها عليك فتحدث بها.

«فأما اليتيم فلا تقهر» بأخذ ماله أو غير ذلك.

فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ أي: لا تسيء معاملة اليتيم، ولا يضق صدرك عليه، ولا تنهره، بل أكرمه، وأعطه ما تيسر، واصنع به كما تحب أن يصنع بولدك من بعدك.

ثم قال : ( فأما اليتيم فلا تقهر ) أي : كما كنت يتيما فآواك الله فلا تقهر اليتيم ، أي : لا تذله وتنهره وتهنه ، ولكن أحسن إليه ، وتلطف به .قال قتادة : كن لليتيم كالأب الرحيم .

فقال- تعالى-: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ ...والقهر: التغلب على الغير والإذلال له.أى: إذا كان الأمر كما أخبرتك من أنك كنت يتيما فآويناك، وكنت ضالا فهديناك، وكنت فقيرا فأغنيناك، فتذكر هذه النعم، واشكر ربك عليها، ومن مظاهر هذا الشكر: أن تواسى اليتيم، وأن تكرمه. وأن تكون رفيقا به.. ولا تكن كأهل الجاهلية الذين كانوا يقهرون الأيتام ويذلونهم ويظلمونهم..ولقد استجاب النبي صلى الله عليه وسلم لما أمره ربه به، فأكرم اليتامى ورعاهم، وحض على ذلك في أحاديث كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم: «أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة» وأشار صلى الله عليه وسلم بإصبعيه السبابة والوسطى.ومن الآيات القرآنية التي وردت في هذا المعنى قوله- تعالى-: وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ....وقد تكرر الأمر برعاية اليتيم، وبالمحافظة على ماله في مطلع سورة النساء خمس مرات قال- تعالى-: وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ ... وقال- سبحانه-: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ، مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ... وقال- عز وجل-: وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ..، وقال سبحانه-: وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وقال- تعالى-:إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً ...

ثم أوصاه باليتامى والفقراء فقال: ( فأما اليتيم فلا تقهر ) قال مجاهد : لا تحقر اليتيم فقد كنت يتيما . وقال الفراء والزجاج : لا تقهره على ماله فتذهب بحقه لضعفه ، وكذا كانت العرب تفعل في أمر اليتامى ، تأخذ أموالهم وتظلمهم حقوقهم .أخبرنا أبو بكر محمد عبد الله بن أبي توبة ، أخبرنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث ، أخبرنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي ، أخبرنا [ عبد الله ] بن محمود ، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن الخلال ، حدثنا عبد الله بن المبارك عن سعيد بن أبي أيوب عن يحيى [ بن ] سليمان عن يزيد بن أبي عتاب عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه ، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه " ، ثم قال بأصبعيه : " أنا وكافل اليتيم [ في الجنة ] هكذا [ وهو يشير ] بأصبعيه [ السبابة والوسطى ] " .

قوله تعالى : فأما اليتيم فلا تقهر أي لا تسلط عليه بالظلم ، ادفع إليه حقه ، واذكر يتمك قال الأخفش . وقيل : هما لغتان : بمعنى . وعن مجاهد فلا تقهر فلا تحتقر . وقرأ النخعي والأشهب العقيلي ( تكهر ) بالكاف ، وكذا هو في مصحف ابن مسعود . فعلى هذا يحتمل أن يكون نهيا عن قهره ، بظلمه وأخذ ماله . وخص اليتيم ; لأنه لا ناصر له غير الله تعالى فغلظ في أمره ، بتغليظ العقوبة على ظالمه . والعرب تعاقب بين الكاف والقاف . النحاس : وهذا غلط ، إنما يقال كهره : إذا اشتد عليه وغلظ . وفي صحيح مسلم من حديث معاوية بن الحكم السلمي ، حين تكلم في الصلاة برد السلام ، قال : فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه - يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوالله ما كهرني ، ولا ضربني ، ولا شتمني . . . الحديث . وقيل : القهر الغلبة . والكهر : الزجر .ودلت الآية على اللطف باليتيم ، وبره والإحسان إليه حتى قال قتادة : كن لليتيم كالأب الرحيم . وروي عن أبي هريرة أن رجلا شكا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قسوة قلبه فقال : " إن أردت أن يلين ، فامسح رأس اليتيم ، وأطعم المسكين " . وفي الصحيح عن أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أنا وكافل اليتيم له أو لغيره كهاتين ، وأشار بالسبابة والوسطى .ومن حديث ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن اليتيم إذا بكى اهتز لبكائه عرش الرحمن ، فيقول الله تعالى لملائكته : يا ملائكتي ، من ذا الذي أبكى هذا اليتيم الذي غيبت أباه في التراب ، فتقول الملائكة ربنا أنت أعلم ، فيقول الله تعالى لملائكته : يا ملائكتي ، اشهدوا أن من أسكته وأرضاه ؟ أن أرضيه يوم القيامة " . فكان ابن عمر إذا رأى يتيما مسح برأسه ، وأعطاه شيئا . وعن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من ضم يتيما فكان في نفقته ، وكفاه مؤونته ، كان له حجابا من النار يوم القيامة ، ومن مسح برأس يتيم كان له بكل شعرة حسنة . وقال أكثم بن صيفي : الأذلاء أربعة : النمام ، والكذاب ، والمديون ، واليتيم .

القول في تأويل قوله تعالى : فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (9)يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ( فَأَمَّا الْيَتِيمَ ) يا محمد ( فَلا تَقْهَرْ ) يقول: فلا تظلمه، فتذهب بحقه، استضعافًا منك له.كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا &; 24-489 &; تَقْهَرْ ) : أي لا تظلم.حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد ( فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ ) قال: تُغْمِصْه وَتحْقِره . وذُكر أن ذلك في مصحف عبد الله ( فَلا تَكْهَرْ ).

فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) الفاء الأولى فصيحة .و ( أما ) تفيد شرطاً مقدراً تقديره : مهما يكن من شيء ، فكان مفادها مشعراً بشرط آخر مقدر هوالذي اجتلبت لأجله فاء الفصيحة ، وتقدير نظم الكلام إذ كنت تعلم ذلك وأقررت به فعليك بشكر ربك ، وبيّن له الشكر بقوله : { أمّا اليتيم فلا تقهر } الخ .وقد جُعل الشكر هنا مناسباً للنعمة المشكور عليها وإنما اعتبر تقدير : إذا أردتَ الشكر ، لأن شكر النعمة تنساق إليه النفوس بدافع المروءة في عرف الناس ، وصُدر الكلام ب ( أما ) التفصيلية لأنه تفصيل لمجمل الشكر على النعمة .ولما كانت ( أمَّا ) بمعنى : ومهما يكن شيء ، قرن جوابها بالفاء .واليتيم مفعول لفعل { فلا تقهر } . وقدم للاهتمام بشأنه ولهذا القصد لم يؤت به مرفوعاً وقد حصل مع ذلك الوفاء باستعمال جواب ( أما ) أن يكون مفصولاً عن ( أما ) بشيء كراهية موالاة فاء الجواب لحرف الشرط . ويظهر أنهم ما التزموا الفصل بين ( أما ) وجوابها بتقديم شيء من علائق الجواب إلا لإِرادة الاهتمام بالمقدم لأن موقع ( أما ) لا يخلو عن اهتمام بالكلام اهتماماً يرتكز في بعض أجزاء الكلام ، فاجتلاب ( أما ) في الكلام أثر للاهتمام وهو يقتضي أن مثار الاهتمام بعض متعلِّقات الجملة ، فذلك هو الذي يعتنون بتقديمه.
الآية 9 - سورة الضحى: (فأما اليتيم فلا تقهر...)