سورة العلق: الآية 8 - إن إلى ربك الرجعى...

تفسير الآية 8, سورة العلق

إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجْعَىٰٓ

الترجمة الإنجليزية

Inna ila rabbika alrrujAAa

تفسير الآية 8

حقًا إن الإنسان ليتجاوز حدود الله إذا أبطره الغنى، فليعلم كل طاغية أن المصير إلى الله، فيجازي كلَّ إنسان بعمله.

«إن إلى ربك» يا إنسان «الرجعى» أي الرجوع تخويف له فيجازي الطاغي بما يستحقه.

ونسي أن إلى ربه الرجعى، ولم يخف الجزاء، بل ربما وصلت به الحال أنه يترك الهدى بنفسه، ويدعو [غيره] إلى تركه، فينهى عن الصلاة التي هي أفضل أعمال الإيمان.

خبر تعالى عن الإنسان أنه ذو فرح وأشر وبطر وطغيان ، إذا رأى نفسه قد استغنى وكثر ماله . ثم تهدده وتوعده ووعظه فقال : ( إن إلى ربك الرجعى ) أي : إلى الله المصير والمرجع ، وسيحاسبك على مالك : من أين جمعته ؟ وفيم صرفته ؟قال ابن أبي حاتم : حدثنا زيد بن إسماعيل الصائغ ، حدثنا جعفر بن عون ، حدثنا أبو عميس ، عن عون ، قال : قال عبد الله : منهومان لا يشبعان ، صاحب العلم وصاحب الدنيا ، ولا يستويان فأما صاحب العلم فيزداد رضا الرحمن ، وأما صاحب الدنيا فيتمادى في الطغيان . قال ثم قرأ عبد الله : ( إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ) وقال للآخر : ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) [ فاطر : 28 ] .وقد روي هذا مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : " منهومان لا يشبعان : طالب علم ، وطالب دنيا " .

وقوله- تعالى-: إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعىتهديد ووعيد لهذا الطاغي، والرّجعى:مصدر بمعنى الرجوع. تقول: رجع إليه رجوعا ومرجعا ورجعي بمعنى واحد.والمعنى: لا تحزن- أيها الرسول الكريم- مما تفوه به هذا الطاغي وأمثاله، فإن إلى ربك وحده مرجعهم، وسيشاهدون بأعينهم ما أعددناه لهم من عذاب مهين، وسيعلمون حق العلم أن ما يتعاظمون به من مال، لن يغنى عنهم من عذاب الله شيئا يوم القيامة.

( إن إلى ربك الرجعى ) أي المرجع في الآخرة ، [ " الرجعى " : مصدر على وزن فعلى ] .

قوله تعالى : إن إلى ربك الرجعىأي مرجع من هذا وصفه ، فنجازيه . والرجعى والمرجع والرجوع : مصادر ; يقال : رجع إليه رجوعا ومرجعا ورجعى على وزن فعلى .

وقوله: ( إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى ) : يقول: إن إلى ربك يا محمد مَرْجِعَه، فذائق من ليم عقابه ما لا قبل له به.

إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8) وجملة : { إن إلى ربك الرجعى } معترضة بين المقدمة والمقصد والخطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم أي مرجع الطاغي إلى الله ، وهذا موعظة وتهديد على سبيل التعريض لمن يسمعه من الطغاة ، وتعليم للنبيء صلى الله عليه وسلم وتثبيت له ، أي لا يحزنك طغيان الطاغي فإن مرجعه إليّ ، ومرجع الطاغي إلى العذاب قال تعالى : { إن جهنم كانت مرصاداً للطاغين مئاباً } [ النبأ : 21 ، 22 ] وهي موعظة للطاغي بأن غناه لا يدفع عنه الموت ، والموت : رجوع إلى الله كقوله : { يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه } [ الانشقاق : 6 ] .وفيه معنى آخر وهو أن استغناءه غير حقيقي لأنه مفتقر إلى الله في أهم أموره ولا يدري ماذا يصيِّره إليه ربُّه من العواقب فلا يَزْدَهِ بغنًى زائف في هذه الحياة فيكون : { الرجعى } مستعملاً في مجازه ، وهو الاحتياج إلى المرجوع إليه ، وتأكيد الخبر ب ( إن ) مراعى فيه المعنى التعريضي لأن معظم الطغاة ينسون هذه الحقيقة بحيث يُنزَّلون منزلة من ينكرها .و { الرجعى } : بضم الراء مصدر رجع على زنة فُعلى مثل البُشرى .وتقديم { إلى ربك } على { الرجعى } للاهتمام بذلك .وجملة : { أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى } إلى آخرها هي المقصود من الردع الذي أفاده حرف { كلاّ } ، فهذه الجملة مستأنفة استئنافاً ابتدائياً متصلاً باستئناف جملة : { إن الإنسان ليطغى } .
الآية 8 - سورة العلق: (إن إلى ربك الرجعى...)