سورة الفتح: الآية 2 - ليغفر لك الله ما تقدم...

تفسير الآية 2, سورة الفتح

لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُۥ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَٰطًا مُّسْتَقِيمًا

الترجمة الإنجليزية

Liyaghfira laka Allahu ma taqaddama min thanbika wama taakhkhara wayutimma niAAmatahu AAalayka wayahdiyaka siratan mustaqeeman

تفسير الآية 2

فتحنا لك ذلك الفتح، ويسَّرناه لك؛ ليغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؛ بسبب ما حصل من هذا الفتح من الطاعات الكثيرة وبما تحملته من المشقات، ويتم نعمته عليك بإظهار دينك ونصرك على أعدائك، ويرشدك طريقًا مستقيمًا من الدين لا عوج فيه، وينصرك الله نصرًا قويًّا لا يَضْعُف فيه الإسلام.

«ليغفر لك الله» بجهادك «ما تقدم من ذنبك وما تأخر» منه لترغب أمتك في الجهاد وهو مؤول لعصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالدليل العقلي القاطع من الذنوب واللام للعلة الغائية فمدخولها مسبب لا سبب «ويتم» بالفتح المذكور «نعمته» إنعامه «عليك ويهديك» به «صراطا» طريقا «مستقيما» يثبتك عليه وهو دين الإسلام.

ورتب الله على هذا الفتح عدة أمور، فقال: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وذلك -والله أعلم- بسبب ما حصل بسببه من الطاعات الكثيرة، والدخول في الدين بكثرة، وبما تحمل صلى الله عليه وسلم من تلك الشروط التي لا يصبر عليها إلا أولو العزم من المرسلين، وهذا من أعظم مناقبه وكراماته صلى الله عليه وسلم، أن غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ بإعزاز دينك، ونصرك على أعدائك، واتساع كلمتك، وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا تنال به السعادة الأبدية، والفلاح السرمدي.

وقوله : ( ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ) : هذا من خصائصه - صلوات الله وسلامه عليه - التي لا يشاركه فيها غيره . وليس صحيحا في ثواب الأعمال لغيره غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر . وهذا فيه تشريف عظيم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو - صلوات الله وسلامه عليه - في جميع أموره على الطاعة والبر والاستقامة التي لم ينلها بشر سواه ، لا من الأولين ولا من الآخرين ، وهو أكمل البشر على الإطلاق ، وسيدهم في الدنيا والآخرة . ولما كان أطوع خلق الله لله ، وأكثرهم تعظيما لأوامره ونواهيه . قال حين بركت به الناقة : " حبسها حابس الفيل " ثم قال : " والذي نفسي بيده ، لا يسألوني اليوم شيئا يعظمون به حرمات الله إلا أجبتهم إليها " فلما أطاع الله في ذلك وأجاب إلى الصلح ، قال الله له : ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ) أي : في الدنيا والآخرة ، ( ويهديك صراطا مستقيما ) أي : بما يشرعه لك من الشرع العظيم والدين القويم .

ثم ذكر- سبحانه- بعد ذلك مظاهر فضله على رسوله صلّى الله عليه وسلّم فقال: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ، وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ، وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً. وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً.واللام في قوله لِيَغْفِرَ متعلقة بقوله: فَتَحْنا وهي للتعليل. والمراد بما تقدم من ذنبه صلّى الله عليه وسلّم ما كان قبل النبوة، وبما تأخر منه ما كان بعدها.والمراد بالذنب هنا بالنسبة له صلّى الله عليه وسلّم ما كان خلاف الأولى، فهو من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين، أو المراد بالغفران: الحيلولة بينه وبين الذنوب كلها، فلا يصدر منه صلّى الله عليه وسلّم ذنب، لأن غفران الذنوب معناه: سترها وتغطيتها وإزالتها.قال الشوكانى: وقوله- تعالى-: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ اللام: متعلقة بفتحنا وهي لام العلة، قال المبرد: هي لام كي ومعناها: إنا فتحنا لك فتحا مبينا- أى: ظاهرا واضحا مكشوفا- لكي يجتمع لك مع المغفرة تمام النعمة في الفتح، فلما انضم إلى المغفرة شيء حادث واقع حسن معنى كي.وقال ابن عطية: المراد أن الله فتح لك لكي يجعل الفتح علامة لغفرانه لك، فكأنها لام الصيرورة..وقال بعض العلماء: وقوله: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ هو كناية عن عدم المؤاخذة. أو المراد بالذنب ما فرط منه صلّى الله عليه وسلّم من خلاف الأولى بالنسبة لمقامه صلّى الله عليه وسلّم أو المراد بالغفران: الحيلولة بينه وبين الذنوب كلها، فلا يصدر منه ذنب. لأن الغفر هو الستر، والستر إما بين العبد والذنب، وهو اللائق بمقام النبوة، أو بين الذنب وعقوبته، وهو اللائق بغيره.واللام في لِيَغْفِرَ للعلة الغائية. أى: أن مجموع المتعاطفات الأربعة غاية للفتح المبين، وسبب عنه لا كل واحد منها.والمعنى: يسرنا لك هذا الفتح لإتمام النعمة عليك، وهدايتك إلى الصراط المستقيم، ولنصرك نصرا عزيزا.ولما امتن الله عليه بهذه النعم، صدرها بما هو أعظم، وهو المغفرة الشاملة ليجمع له بين عزى الدنيا والآخرة. فليست المغفرة مسببة عن الفتح.ولقد كان صلّى الله عليه وسلّم مع هذه المغفرة من الله- تعالى- له، أعبد الناس لربه، وأشدهم خوفا منه، وأكثرهم صلة به.قال ابن كثير: قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن، حدثنا سفيان عن زياد بن علاقة قال: سمعت المغيرة بن شعبة يقول: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يصلى حتى ترم قدماه أى:تتورم- فقيل له: أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: «أفلا أكون عبدا شكورا» ..وعن عروة بن الزبير عن عائشة قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا صلى قام حتى تتفطر رجلاه- أى: تتشقق- فقالت له عائشة: يا رسول الله، أتصنع هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟.فقال: «يا عائشة، أفلا أكون عبدا شكورا..».وقوله- تعالى-: وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ معطوف على ما قبله. أى: ويتم- سبحانه- نعمه عليك- أيها الرسول الكريم- بأن يظهر دعوتك، ويكتب لها النصر، والخلود، ويعطيك من الخصائص والمناقب ما لم يعطه لأحد من الأنبياء، فضلا عن غيرهم.وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً أى: ويهديك ويرشدك- سبحانه- بفضله وكرمه، إلى الطريق القويم، والدين الحق، والأقوال الطيبة، والأعمال الصالحة..

قيل : اللام في قوله : ( ليغفر ) لام كي ، معناه : إنا فتحنا لك فتحا مبينا لكي يجتمع لك مع المغفرة تمام النعمة في الفتح .وقال الحسين بن الفضل : هو مردود إلى قوله : " واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات " ( محمد - 19 ) " ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر " و " ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات " الآية .وقال محمد بن جرير : هو راجع إلى قوله : " إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره " ( النصر : 1 - 3 ) ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك في الجاهلية قبل الرسالة ، وما تأخر إلى وقت نزول هذه السورة .وقيل : ( وما تأخر ) مما يكون ، وهذا على طريقة من يجوز الصغائر على الأنبياء .وقال سفيان الثوري : ) ما تقدم ( مما عملت في الجاهلية ) وما تأخر ( كل شيء لم تعمله ، ويذكر مثل ذلك على طريق التأكيد ، كما يقال : أعطى من رآه ومن لم يره ، وضرب من لقيه ومن لم يلقه .وقال عطاء الخراساني : ) ما تقدم من ذنبك ( يعني ذنب أبويك آدم وحواء ببركتك ) وما تأخر ( ذنوب أمتك بدعوتك .) ويتم نعمته عليك ( بالنبوة والحكمة ) ويهديك صراطا مستقيما ( أي يثبتك عليه ، والمعنى ليجتمع لك مع الفتح تمام النعمة بالمغفرة والهداية إلى الصراط المستقيم وهو الإسلام . وقيل : ويهديك أي يهدي بك .

قوله تعالى : ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيماقال ابن الأنباري : فتحا مبينا غير تام ; لأن قوله : ليغفر لك الله ما تقدم متعلق بالفتح . كأنه قال : إنا فتحنا لك فتحا مبينا لكي يجمع الله لك مع الفتح المغفرة ، فيجمع الله لك به ما تقر به عينك في الدنيا والآخرة . وقال أبو حاتم السجستاني : هي لام القسم . وهذا خطأ ; لأن لام القسم لا تكسر ولا ينصب بها ، ولو جاز هذا لجاز : ليقوم زيد ، بتأويل ليقومن زيد . الزمخشري : فإن قلت كيف جعل فتح مكة علة للمغفرة ؟ قلت : لم يجعل علة للمغفرة ، ولكن لاجتماع ما عدد من الأمور الأربعة ، وهي : المغفرة ، وإتمام النعمة ، وهداية الصراط المستقيم ، والنصر العزيز . كأنه قال يسرنا لك فتح مكة ونصرناك على عدوك ليجمع لك عز الدارين وأعراض العاجل والآجل . ويجوز أن يكون فتح مكة من حيث إنه جهاد للعدو سببا للغفران والثواب . وفي الترمذي عن أنس قال : أنزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر مرجعه من الحديبية ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : [ لقد أنزلت علي آية أحب إلي مما على وجه الأرض ] . ثم قرأها النبي - صلى الله عليه وسلم - عليهم ، فقالوا : هنيئا مريئا يا رسول الله ، لقد بين الله لك ماذا يفعل بك ، فماذا يفعل بنا ، فنزلت عليه : ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار - حتى بلغ - فوزا عظيما قال حديث حسن صحيح . وفيه عن مجمع بن جارية .واختلف أهل التأويل في معنى ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقيل : ما تقدم من ذنبك قبل الرسالة . وما تأخر بعدها ، قاله مجاهد . ونحوه قال الطبري وسفيان الثوري ، قال الطبري : هو راجع إلى قوله تعالى : إذا جاء نصر الله والفتح إلى قوله توابا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك قبل الرسالة وما تأخر إلى وقت نزول هذه الآية . وقال سفيان الثوري : ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك ما عملته في الجاهلية من قبل أن يوحى إليك . وما تأخر كل شيء لم تعمله ، وقاله الواحدي . وقد مضى الكلام في جريان الصغائر على الأنبياء في سورة " البقرة " ، فهذا قول .وقيل : ما تقدم قبل الفتح . وما تأخر بعد الفتح . وقيل : ما تقدم قبل نزول هذه الآية . وما تأخر بعدها . وقال عطاء الخراساني : ما تقدم من ذنبك يعني من ذنب أبويك آدم وحواء . وما تأخر من ذنوب أمتك . وقيل : من ذنب أبيك إبراهيم . وما تأخر من ذنوب النبيين . وقيل : ما تقدم من ذنب يوم بدر . وما تأخر من ذنب يوم حنين . وذلك أن الذنب المتقدم يوم بدر ، أنه جعل يدعو ويقول : اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض أبدا وجعل يردد هذا القول دفعات ، فأوحى الله إليه : من أين تعلم أني لو أهلكت هذه العصابة لا أعبد أبدا ، فكان هذا الذنب المتقدم . وأما الذنب المتأخر فيوم حنين ، لما انهزم الناس قال لعمه العباس ولابن عمه أبي سفيان : [ ناولاني كفا من حصباء الوادي ] فناولاه فأخذه بيده ورمى به في وجوه المشركين وقال : [ شاهت الوجوه . حم . لا ينصرون ] فانهزم القوم عن آخرهم ، فلم يبق أحد إلا امتلأت عيناه رملا وحصباء . ثم نادى في أصحابه فرجعوا فقال لهم عند رجوعهم : [ لو لم أرمهم لم ينهزموا ] فأنزل الله - عز وجل - : وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى فكان هذا هو الذنب المتأخر . وقال أبو علي الروذباري : يقول لو كان لك ذنب قديم أو حديث لغفرناه لك .قوله تعالى : ويتم نعمته عليك قال ابن عباس : في الجنة . وقيل : بالنبوة والحكمة . وقيل : بفتح مكة والطائف وخيبر . وقيل : بخضوع من استكبر وطاعة من تجبر . ويهديك صراطا مستقيما أي يثبتك على الهدى إلى أن يقبضك إليه .

( لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ) إنما هو خبر من الله جلّ ثناؤه نبيه عليه الصلاة والسلام عن جزائه له على شكره له, على النعمة التي أنعم بها عليه من إظهاره له ما فتح, لأن جزاء الله تعالى عباده على أعمالهم دون غيرها.وبعد ففي صحة الخبر عنه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم " أنه كان يقوم حتى ترِم قدماه, فقيل له: يا رسول الله تفعل هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: أفَلا أكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟", الدلالة الواضحة على أن الذي قلنا من ذلك هو الصحيح من القول, وأن الله تبارك وتعالى, إنما وعد نبيه محمدا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم غفران ذنوبه المتقدمة, فتح ما فتح عليه, وبعده على شكره له, على نعمه التي أنعمها عليه.وكذلك كان يقول صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " إنّي لأسْتَغْفِرُ الله وأتُوبُ إلَيْهِ فِي كُلّ يَوْمٍ مِئَةَ مَرةٍ" ولو كان القول في ذلك أنه من خبر الله تعالى نبيه أنه قد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر على غير الوجه الذي ذكرنا, لم يكن لأمره إياه بالاستغفار بعد هذه الآية, ولا لاستغفار نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ربه جلّ جلاله من ذنوبه بعدها معنى يعقل, إذ الاستغفار معناه: طلب العبد من ربه عزّ وجلّ غفران ذنوبه, فإذا لم يكن ذنوب تغفر لم يكن لمسألته إياه غفرانها معنى, لأنه من المحال أن يقال: اللهمّ اغفر لي ذنبا لم أعمله.وقد تأوّل ذلك بعضهم بمعنى: ليغفر لك ما تقدّم من ذنبك قبل الرسالة, وما تأخر إلى الوقت الذي قال: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ). وأما الفتح الذي وعد الله جلّ ثناؤه نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم هذه العدة على شكره إياه عليه, فإنه فيما ذُكر الهدنة التي جرت بين رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وبين مشركي قريش بالحديبية.وذُكر أن هذه السورة أُنزلت على رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم منصرفه عن الحديبية بعد الهدنة التي جرَت بينه وبين قومه.وبنحو الذي قلنا في معنى قوله ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ) قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: ثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, قوله ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ) قال: قضينا لك قضاء مبينا.حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ) والفتح: القضاء.ذكر الرواية عمن قال: هذه السورة نزلت على رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في الوقت الذي ذكرت.حدثنا حميد بن مسعدة, قال: ثنا بشر بن المفضل, قال: ثنا داود, عن عامر ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ) قال: الحديبية.حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ) قال: نحرُه بالحديبية وحَلْقُه.حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع, قال: ثنا أبو بحر, قال: ثنا شعبة, قال: ثنا جامع بن شدّاد, عن عبد الرحمن بن أبي علقمة, قال: سمعت عبد الله بن مسعود يقول " لما أقبلنا من الحُديبية أعرسنا فنمنا, فلم نستيقظ إلا بالشمس قد طلعت, فاستيقظنا ورسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم نائم, قال: فقلنا أيقظوه, فاستيقظ رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فقال: افْعَلُوا كمَا كُنْتُمْ تَفْعَلُونَ, فكذلك من نام أو نسي قال: وفقدنا ناقة رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فوجدناها قد تعلَّق خطامها بشجرة, فأتيته بها, فركب فبينا نحن نسير, إذ أتاه الوحي, قال: وكان إذا أتاه اشتدّ عليه; فلما سري عنه أخبرنا أنه أُنزل عليه ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ) ".حدثنا أحمد بن المقدام, قال: ثنا المعتمر, قال: سمعت أبي يحدّث عن قتادة, عن أنس بن مالك, قال: " لما رجعنا من غزوة الحديبية, وقد حيل بيننا وبين نسكنا, قال: فنحن بين الحزن والكآبة, قال: فأنزل الله عزّ وجلّ: ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ) , أو كما شاء الله, فقال نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: لَقَدْ أُنزلَتْ عَليَّ آيَةٌ أحَبُّ إلي مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعا ".حدثنا ابن بشار, قال: ثنا ابن أبي عديّ, عن سعيد بن أبي عروبة, عن قتادة, عن أنس بن مالك, في قوله ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ) قال: نزلت على النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم مرجعه من الحديبية, وقد حيل بينهم وبين نسكهم, فنحر الهدي بالحديبية, وأصحابه مخالطو الكآبة والحزن, فقال: لَقَدْ أُنزلَتْ عَلي آيَةٌ أحَبُّ إليَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعا, فَقَرَأَ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ )... إلى قوله ( عَزِيزًا ) فقال أصحابه هنيئا لك يا رسول الله قد بين الله لنا ماذا يفعل بك, فماذا يفعل بنا, فأنزل الله هذه الآية بعدها لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ... إلى قوله وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا .حدثنا ابن المثنى, قال: ثنا أبو داود, قال: ثنا همام, قال: ثنا قتادة, عن أنس, قال: أُنزلت هذه الآية, فذكر نحوه.حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, عن أنس بنحوه, غير أنه قال في حديثه: " فَقال رجل من القوم: هنيئا لك مريئا يا رسول الله, وقال أيضا: فبين الله ماذا يفعل بنبيه عليه الصلاة والسلام, وماذا يفعل بهم ".حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قال: " ونزلت على النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ( لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ) مرجعه من الحديبية, فقال النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: لَقَدْ نزلَتْ عَليَّ آيَةٌ أحَبُّ إليَّ مِمَّا عَلى الأرْضِ, ثم قرأها عليهم, فقالوا: هنيئا مريئا يا نبيّ الله, قد بين الله تعالى ذكره لك ماذا يفعل بك, فماذا يفعل بنا؟ فنزلت عليه لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ... إلى قوله فَوْزًا عَظِيمًا .حدثنا ابن بشار وابن المثنى, قالا ثنا محمد بن جعفر, قال: ثنا شعبة, عن قتادة, عن عكرمة, قال: لما نزلت هذه الآية ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا &; 22-201 &; لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ) قالوا: هنيئا مريئا لك يا رسول الله, فماذا لنا؟ فنزلت لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ .حدثنا محمد بن المثنى, قال: ثنا محمد بن جعفر, قال: ثنا شعبة, قال: سمعت قتادة يحدّث عن أنس في هذه الآية ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ) قال: الحديبية.حدثنا ابن المثنى, قال: ثنا يحيى بن حماد, قال: ثنا أبو عوانة, عن الأعمش, عن أبي سفيان, عن جابر قال: ما كنا نعدّ فتح مكة إلا يوم الحديبية.حدثنا أبو كُريب, قال: ثنا يعلى بن عبيد, عن عبد العزيز بن سياه, عن حبيب بن أبي ثابت, عن أبي وائل, قال: تكلم سهل بن حنيف يوم صفِّين, فقال: يا أيها الناس اتهموا أنفسكم, لقد رأيتنا يوم الحديبية, يعني الصلح الذي كان بين رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وبين المشركين, ولو نرى قتالا لقاتلنا, فجاء عمر إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فقال: يا رسول الله, ألسنا على حق وهم على باطل ؟ أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: بَلى, قال: ففيم نعطى الدنية في ديننا, ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقال: يا ابْنَ الخَطَّابِ, إنّي رَسُولُ الله, وَلَنْ يُضَيَّعَنِي أَبَدًا ", قال: فرجع وهو متغيظ, فلم يصبر حتى أتى أبا بكر, فقال: يا أبا بكر ألسنا على حقّ وهم على باطل ؟ أليس قتلانا في الجنة, وقتلاهم في النار؟ قال: بلى, قال: ففيم نعطي الدنية في ديننا, ونرجع ولمَّا يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقال: يا ابن الخطاب إنه رسول الله, لَن يضيعه الله أبدأ, قال: فنزلت سورة الفتح, فأرسل رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إلى عمر, فأقرأه إياها, فقال: يا رسول الله, أوفتح هو؟ قال: نَعَمْ " .حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي, قال: ثنا أبي, عن أبيه, عن جدّه, عن الأعمش, عن أبي سفيان, عن جابر, قال: ما كنا نعد الفتح إلا يوم الحديبية.حدثنا ابن وكيع, قال: ثنا أبي, عن إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن البراء, قال: تعدّون أنتم الفتح فتح مكة, وقد كان فتح مكة فتحا, ونحن نعدّ الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية, كنا مع رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم خمس عشرة مِئة, والحديبية: بئر.حدثني موسى بن سهل الرملي, ثنا محمد بن عيسى, قال: ثنا مُجَمع بن يعقوب الأنصاري, قال: سمعت أبي يحدّث عن عمه عبد الرحمن بن يزيد, عن عمه مجمِّع بن جارية الأنصاري, وكان أحد القرّاء الذين قرءوا القرآن, قال: " شهدنا الحديبية مع رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فلما انصرفنا عنها, إذا الناس يهزّون الأباعر, فقال بعض الناس لبعض: ما للناس, قالوا: أوحي إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ) فقال رجل: أوَفتح هو يا رسول الله؟ قال: نَعَمْ, والَذِّي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ لَفَتْحٌ, قال: فَقُسِّمَت خيبر على أهل الحديبية, لم يدخل معهم فيها أحد إلا من شهد الحديبية, وكان الجيش ألفا وخمسمائة, فيهم ثلاث مئة فارس, فقسمها رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم على ثمانية عشر سهما, فأعطى الفارس سهمين, وأعطى الراجل سهما ".حدثنا ابن حميد, قال: ثنا جرير, عن مغيرة, عن الشعبيّ, قال: " نزلت ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ) بالحديبية, وأصاب في تلك الغزوة ما لم يصبه في غزوة, أصاب أن بُويع بيعة الرضوان, وغفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر, وظهرت الروم على فارس, وبلغ الهَدْيُ مَحِله, وأطعموا نخل خبير, وفرح المؤمنون بتصديق النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, وبظهور الروم على فارس ".وقوله تعالى ( وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ ) بإظهاره إياك على عدوّك, ورفعه ذكرك في الدنيا, وغفرانه ذنوبك في الآخرة ( وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ) يقول: ويرشدك &; 22-203 &; طريقا من الدين لا اعوجاج فيه, يستقيم بك إلى رضا ربك .

لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2(وقوله : { ليغفر لك الله } بدل اشتمال من ضمير { لك } . والتقدير : إنا فتحنا فتحاً مبيناً لأجلك لغفران الله لك وإتمام نعمته عليك ، وهدايتك صراطاً مستقيماً ونصرك نصراً عزيزاً . . . وجُعلت مغفرة الله للنبيء صلى الله عليه وسلم علة للفتح لأنها من جملة ما أراد الله حصوله بسبب الفتح ، وليست لام التعليل مُقتضية حَصْرَ الغرض من الفعل المعلل في تلك العلة ، فإن كثيراً من الأشياء تكون لها أسباب كثيرة فيذكر بعضها ممّا يقتضيه المقام وإذ قد كان الفتح لكرامة النبيء صلى الله عليه وسلم على ربه تعالى كان من علته أن يغفر الله لنبيئه صلى الله عليه وسلم مغفرة عامة إتماماً للكرامة فهذه مغفرة خاصة بالنبيء صلى الله عليه وسلم هي غير المغفرة الحاصلة للمجاهدين بسبب الجهاد والفتح .فالمعنى : أن الله جعل عند حصول هذا الفتح غفران جميع ما قد يؤاخذ الله على مثله رسلَه حتى لا يبقى لرسوله صلى الله عليه وسلم ما يقصر به عن بلوغ نهاية الفضل بين المخلوقات . فجعل هذه المغفرة جزاء له على إتمام أعماله التي أرسل لأجلها من التبليغ والجهاد والنَصب والرغبة إلى الله . فلما كان الفتح حاصلاً بسعيه وتسببه بتيسير الله له ذلك جعل الله جزاءه غفران ذنوبه بعظم أثر ذلك الفتح بإزاحة الشرك وعلوّ كلمة الله تعالى وتكميل النفوس وتزكيتها بالإيمان وصالح الأعمال حتى ينتشر الخير بانتشار الدين ويصير الصلاح خُلقاً للناس يقتدي فيه بعضُهم ببعض وكل هذا إنما يناسب فتح مكة وهذا هو ما تضمنته سورة { إذا جاء نصر الله } من قوله : { إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا } [ النصر : 1 3 ] أي إنه حينئذٍ قد غفر لك أعظم مغفرة وهي المغفرة التي تليق بأعظممِ من تَابَ على تائب ، وليست إلا مغفرة جميع الذنوب سابقها وما عسى أن يأتي منها مِما يعده النبيء صلى الله عليه وسلم ذنباً لشدة الخشية من أقل التقصير كما يقال : حسنات الأبرار سيئات المقربين ، وإن كان النبيء صلى الله عليه وسلم معصوماً من أن يأتي بعدها بما يؤاخَذ عليه . وقال ابن عطية : وإنما المعنى التشريف بهذا الحكم ولو لم تكن له ذنوب ، ولهذا المعنى اللَّطيف الجليل كانت سورة { إذا جاء نصر الله } مؤذنة باقتراب أجل النبيء صلى الله عليه وسلم فيما فهم عمر بن الخطاب وابن عباس ، وقد روي ذلك عن النبيء صلى الله عليه وسلموالتقدم والتأخر من الأحوال النسبية للموجودات الحقيقية أو الاعتبارية يقال : تقدم السائر في سيره على الركب ، ويقال : تقدم نزول سورة كذا على سورة كذا ولذلك يكثر الاحتياج إلى بيان ما كان بينهما تقدم وتأخر بذكر متعلق بفعل تقدم وتأخّر .وقد يترك ذلك اعتماداً على القرينة ، وقد يقطع النظر على اعتبار متعلِّق فيُنزَّل الفعل منزلة الأفعال غير النسبية لقصد التعميم في المتعلقات وأكثر ذلك إذا جمع بين الفعلين كقوله هنا { ما تقدم من ذنبك وما تأخر } [ الفتح : 2 ] . والمراد ب { ما تقدم } : تعميم المغفرة للذنب كقوله : { يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم } [ البقرة : 255 ] ، فلا يقتضي ذلك أنه فرط منه ذنب أو أنه سيقع منه ذنب وإنما المقصود أنه تعالى رَفَعَ قَدره رفعَة عدم المؤاخذة بذنب لو قُدر صدوره منه وقد مضى شيء من بيان معنى الذنب عند قوله تعالى : { واستغفر لذنبك } في سورة القتال ( 55 ( .وإنما أسند فعل ليغفر } إلى اسم الجلالة العلَم وكان مقتضى الظاهر أن يسند إلى الضمير المستتر قصداً للتنويه بهذه المغفرة لأن الاسم الظاهر أنفذ في السمع وأجلب للتنبيه وذلك للاهتمام بالمسند وبمتعلقه لأن هذا الخبر أُنف لم يكن للرسول صلى الله عليه وسلم علم به ولذلك لم يبرز الفاعل في { ويُتمّ نعمته عليك ويهديك } لأن إنعام الله عليه معلوم وهدايته معلومة وإنما أخبر بازديادهما .وإتمام النعمة : إعطاء ما لم يكن أعطاه إياه من أنواع النعمة مثل إسلام قريش وخلاص بلاد الحجاز كلّها للدخول تحت حكمه ، وخضوع من عانده وحاربه ، وهذا ينظر إلى قوله تعالى : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي } [ المائدة : 3 ] فذلك ما وعد به الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الآية وحصل بعد سنين .ومعنى { ويهديك صراطاً مستقيماً } : يزيدك هديا لم يسبق وذلك بالتوسيع في بيان الشريعة والتعريف بما لم يسبق تعريفه به منها ، فالهداية إلى الصراط المستقيم ثابتة للنبيء صلى الله عليه وسلم من وقت بعثته ولكنها تزداد بزيادة بيان الشريعة وبسعة بلاد الإسلام وكثرة المسلمين مما يدعو إلى سلوك طرائق كثيرة في إرشادهم وسياستهم وحماية أوطانهم ودفع أعدائهم ، فهذه الهداية متجمعة من الثبات على ما سبق هديُه إليه ، ومن الهداية إلى ما لم يسبق إليه وكل ذلك من الهداية .والصراط المستقيم : مستعار للدين الحق كما تقدم في سورة الفاتحة . وتنوين { صراطاً } للتعظيم . وانتصب { صراطاً } على أنه مفعول ثان ل { يهدي } بتضمين معنى الإعطاء ، أو بنزع الخافض كما تقدّم في الفاتحة .والنصر العزيز : غير نصر الفتح المذكور لأنه جعل علة الفتح فهو ما كان من فتح مكة وما عقبه من دخول قبائل العرب في الإسلام بدون قتال .وبعثهم الوفود إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليتلقوا أحكام الإسلام ويُعلموا أقوامهم إذا رجعوا إليهم . ووصف النصر بالعزيز مجاز عقلي وإنما العزيز هو النبي صلى الله عليه وسلم المنصور ، أو أريد بالعزيز المعز كالسميع في قول عمرو بن معد يكرب :آمِنْ ريحانة الداعي السميع ... أي المسمع ، وكالحكيم على أحد تأويلين .والعزة : المنعة .
الآية 2 - سورة الفتح: (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما...)