سورة الإخلاص: الآية 2 - الله الصمد...

تفسير الآية 2, سورة الإخلاص

ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ

الترجمة الإنجليزية

Allahu alssamadu

تفسير الآية 2

الله وحده المقصود في قضاء الحوائج والرغائب.

«الله الصمد» مبتدأ وخبر أي المقصود في الحوائج على الدوام.

اللَّهُ الصَّمَدُ أي: المقصود في جميع الحوائج. فأهل العالم العلوي والسفلي مفتقرون إليه غاية الافتقار، يسألونه حوائجهم، ويرغبون إليه في مهماتهم، لأنه الكامل في أوصافه، العليم الذي قد كمل في علمه، الحليم الذي قد كمل في حلمه، الرحيم الذي [كمل في رحمته الذي] وسعت رحمته كل شيء، وهكذا سائر أوصافه،

وقوله : ( الله الصمد ) قال عكرمة ، عن ابن عباس : يعني الذي يصمد الخلائق إليه في حوائجهم ومسائلهم .قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : هو السيد الذي قد كمل في سؤدده ، والشريف الذي قد كمل في شرفه ، والعظيم الذي قد كمل في عظمته ، والحليم الذي قد كمل في حلمه ، والعليم الذي قد كمل في علمه ، والحكيم الذي قد كمل في حكمته ، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد ، وهو الله سبحانه ، هذه صفته لا تنبغي إلا له ، ليس له كفء ، وليس كمثله شيء ، سبحان الله الواحد القهار .وقال الأعمش ، عن شقيق عن أبي وائل : ( الصمد ) السيد الذي قد انتهى سؤدده ورواه عاصم ، عن أبي وائل ، عن ابن مسعود مثله .وقال مالك عن زيد بن أسلم : ( الصمد ) السيد . وقال الحسن وقتادة : هو الباقي بعد خلقه . وقال الحسن أيضا : ( الصمد ) الحي القيوم الذي لا زوال له . وقال عكرمة : ( الصمد ) الذي لم يخرج منه شيء ولا يطعم .وقال الربيع بن أنس : هو الذي لم يلد ولم يولد . كأنه جعل ما بعده تفسيرا له ، وهو قوله : ( لم يلد ولم يولد ) وهو تفسير جيد . وقد تقدم الحديث من رواية ابن جرير ، عن أبي بن كعب في ذلك ، وهو صريح فيه .وقال ابن مسعود ، وابن عباس ، وسعيد بن المسيب ، ومجاهد ، وعبد الله بن بريدة ، وعكرمة أيضا ، وسعيد بن جبير ، وعطاء بن أبي رباح ، وعطية العوفي ، والضحاك ، والسدي : ( الصمد ) الذي لا جوف له .قال سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد : ( الصمد ) المصمت الذي لا جوف له .وقال الشعبي : هو الذي لا يأكل الطعام ، ولا يشرب الشراب .وقال عبد الله بن بريدة أيضا : ( الصمد ) نور يتلألأ .روى ذلك كله وحكاه : ابن أبي حاتم والبيهقي والطبراني ، وكذا أبو جعفر بن جرير ساق أكثر ذلك بأسانيده ، وقال :حدثني العباس بن أبي طالب ، حدثنا محمد بن عمرو بن رومي ، عن عبيد الله بن سعيد قائد الأعمش ، حدثني صالح بن حيان ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه قال - لا أعلم إلا قد رفعه - قال : ( الصمد ) الذي لا جوف له .وهذا غريب جدا ، والصحيح أنه موقوف على عبد الله بن بريدة .وقد قال الحافظ أبو القاسم الطبراني في كتاب السنة له ، بعد إيراده كثيرا من هذه الأقوال في تفسير " الصمد " : وكل هذه صحيحة ، وهي صفات ربنا عز وجل ، وهو الذي يصمد إليه في الحوائج ، وهو الذي قد انتهى سؤدده ، وهو الصمد الذي لا جوف له ، ولا يأكل ولا يشرب ، وهو الباقي بعد خلقه . وقال البيهقي نحو ذلك [ أيضا ] .

وقوله- سبحانه- اللَّهُ الصَّمَدُ أى: الله- تعالى- هو الذي يصمد إليه الخلق في حوائجهم، ويقصدونه وحده بالسؤال والطلب ... مأخوذ من قولهم صمد فلان إلى فلان. بمعنى توجه إليه بطلب العون والمساعدة.قال صاحب الكشاف: والصمد فعل بمعنى مفعول، من صمد إليه إذا قصده، وهو- سبحانه- المصمود إليه في الحوائج، والمعنى: هو الله الذي تعرفونه وتقرون بأنه خالق السموات والأرض، وخالقكم، وهو واحد متوحد بالإلهية لا يشارك فيها، وهو الذي يصمد إليه كل مخلوق لا يستغنون عنه، وهو الغنى عنهم ... .وجاء لفظ «الصمد» محلى بأل، لإفادة الحصر في الواقع ونفس الأمر، فإن قصد الخلق إليه- سبحانه- في الحوائج، أعم من القصد الإرادى، والقصد الطبيعي، والقصد بحسب الاستعداد الأصلى، الثابت لجميع المخلوقات إذ الكل متجه إليه- تعالى- طوعا وكرها.

( الله الصمد ) قال ابن عباس ، ومجاهد والحسن وسعيد بن جبير : " الصمد " الذي لا جوف له .قال الشعبي : الذي لا يأكل ولا يشرب .وقيل : تفسيره ما بعده ، روى أبو العالية عن أبي بن كعب قال : " الصمد " الذي لم يلد ولم يولد ; لأن من يولد سيموت ، ومن يرث يورث منه .قال أبو وائل شقيق بن سلمة : هو السيد الذي قد انتهى سؤدده ، وهو رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، قال : هو السيد الذي قد كمل في جميع أنواع السؤدد . وعن سعيد بن جبير أيضا : هو الكامل في جميع صفاته وأفعاله . وقيل : هو السيد المقصود في [ الحوائج . وقال السدي ] هو المقصود إليه في الرغائب المستغاث به عند المصائب . تقول العرب : صمدت فلانا أصمده صمدا - بسكون الميم - إذا قصدته [ والمقصود ] : صمد بفتح الميم .وقال قتادة : " الصمد " الباقي بعد فناء خلقه . وقال عكرمة : " الصمد " الذي ليس فوقه أحد ، وهو قول علي . وقال الربيع : الذي لا تعتريه الآفات . قال مقاتل بن حيان : الذي لا عيب فيه .

الله الصمد أي الذي يصمد إليه في الحاجات . كذا روى الضحاك عن ابن عباس ، قال : الذي يصمد إليه في الحاجات ؛ كما قال - عز وجل - : ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون . قال أهل اللغة : الصمد : السيد الذي يصمد إليه في النوازل والحوائج . قال :ألا بكر الناعي بخير بني أسد بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمدوقال قوم : الصمد : الدائم الباقي ، الذي لم يزل ولا يزال . وقيل : تفسيره ما بعده لم يلد ولم يولد . قال أبي بن كعب : الصمد : الذي لا يلد ولا يولد ؛ لأنه ليس شيء إلا سيموت ، وليس شيء يموت إلا يورث . وقال علي وابن عباس أيضا وأبو وائل شقيق بن سلمة وسفيان : الصمد : هو السيد الذي قد انتهى سؤدده في أنواع الشرف والسؤدد ؛ ومنه قول الشاعر :علوته بحسام ثم قلت له خذها حذيف فأنت السيد الصمدوقال أبو هريرة : إنه المستغني عن كل أحد ، والمحتاج إليه كل أحد . وقال السدي : إنه : المقصود في الرغائب ، والمستعان به في المصائب . وقال الحسين بن الفضل : إنه : الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد . وقال مقاتل : إنه : الكامل الذي لا عيب فيه ؛ ومنه قول الزبرقان :سيروا جميعا بنصف الليل واعتمدوا ولا رهينة إلا سيد صمدوقال الحسن وعكرمة والضحاك وابن جبير : الصمد : المصمت الذي لا جوف له ؛ قال الشاعر :شهاب حروب لا تزال جياده عوابس يعلكن الشكيم المصمداقلت : قد أتينا على هذه الأقوال مبينة في الصمد ، في ( كتاب الأسنى ) وأن الصحيح منها . ما شهد له الاشتقاق ؛ وهو القول الأول ، ذكره الخطابي . وقد أسقط من هذه السورة من أبعده الله وأخزاه ، وجعل النار مقامه ومثواه ، وقرأ الله الواحد الصمد في الصلاة ، والناس يستمعون ، فأسقط : قل هو ، وزعم أنه ليس من القرآن . وغير لفظ أحد ، وادعى أن هذا هو الصواب ، والذي عليه الناس هو الباطل والمحال ، فأبطل معنى الآية ؛ لأن أهل التفسير قالوا : نزلت الآية جوابا لأهل الشرك لما قالوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : صف لنا ربك ، أمن ذهب هو أم من نحاس أم من صفر ؟ فقال الله - عز وجل - ردا عليهم : قل هو الله أحد ففي ( هو ) دلالة على موضع الرد ، ومكان الجواب ؛ فإذا سقط بطل معنى الآية ، وصح الافتراء على الله - عز وجل - ، والتكذيب لرسوله - صلى الله عليه وسلم - .

وقوله: ( اللَّهُ الصَّمَدُ ) يقول تعالى ذكره: المعبود الذي لا تصلح العبادة إلا له الصمد.واختلف أهل التأويل في معنى الصمد, فقال بعضهم: هو الذي ليس بأجوف, ولا يأكل ولا يشرب.* ذكر من قال ذلك:حدثنا عبد الرحمن بن الأسود, قال: ثنا محمد بن ربيعة, عن سلمة بن سابور, عن عطية, عن ابن عباس, قال: ( الصمد ): الذي ليس بأجوف .حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد, قال: ( الصمد ): المُصْمَت الذي لا جوف له .حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا وكيع, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد, مثلَه سواء.حدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: ( الصمد ): المصمت الذي ليس له جوف .حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن ووكيع, قالا ثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: ( الصَّمَد ): الذي لا جوف له .حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا وكيع; وحدثنا ابن حميد, قال: ثنا مهران جميعا, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثلَه.حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا الربيع بن مسلم, عن الحسن, قال: ( الصمد ): الذي لا جوف له .قال: ثنا الربيع بن مسلم, عن إبراهيم بن ميسرة, قال: أرسلني مجاهد إلى سعيد بن جبير أساله عن ( الصمد ), فقال: الذي لا جوف له .حدثنا ابن بشار, قال: ثنا يحيى, قال: ثنا إسماعيل بن أبي خالد, عن الشعبي, قال: ( الصمد ) الذي لا يطعم الطعام .حدثنا يعقوب, قال: ثنا هشيم, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن الشعبي أنه قال: ( الصمد ): الذي لا يأكل الطعام, ولا يشرب الشراب .حدثنا أبو كُرَيب وابن بشار, قالا ثنا وكيع, عن سلمة بن نبيط, عن الضحاك, قال: ( الصمد ): الذي لا جوف له .حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا ابن أبي زائدة, عن إسماعيل, عن عامر, قال: ( الصمد ): الذي لا يأكل الطعام .حدثنا ابن بشار وزيد بن أخزم, قالا ثنا ابن داود, عن المستقيم بن عبد الملك, عن سعيد بن المسيب قال: ( الصمد ): الذي لا حِشوة له .حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( الصمدُ ): الذي لا جوف له .حدثني العباس بن أبي طالب, قال: ثنا محمد بن عمر بن رومي, عن عبيد الله بن سعيد قائد الأعمش, قال: ثني صالح بن حيان, عن عبد الله بن بريدة, عن أبيه, قال: لا أعلمه إلا قد رفعه, قال: ( الصَّمَد ) الذي لا جوف له .حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا بشر بن المفضل, عن الربيع بن مسلم, قال: سمعت الحسن يقول: ( الصَّمَد ): الذي لا جوف له .حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن عكرمة, قال: ( الصمد ): الذي لا جوف له .وقال آخرون: هو الذي لا يخرج منه شيء.* ذكر من قال ذلك:حدثني يعقوب, قال: ثنا ابن علية, عن أبي رجاء قال: سمعت عكرمة, قال في قوله: ( الصمد ): الذي لم يخرج منه شيء, ولم يلد, ولم يولد .حدثنا ابن بشار, قال: ثنا محمد بن جعفر, قال: ثنا شعبة, عن أبي رجاء محمد بن يوسف, عن عكرمة قال: ( الصمد ): الذي لا يخرج منه شيء .وقال آخرون: هو الذي لم يَلِد ولم يُولَد.* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن حميد, قال: ثنا مهران, عن أبي جعفر, عن الربيع, عن أبي العالية, قال: ( الصمد ): الذي لم يلد ولم يولد, لأنه ليس شيء يلد إلا سيورث, ولا شيء يولد إلا سيموت, فأخبرهم تعالى ذكره أنه لا يورث ولا يموت .حدثنا أحمد بن منيع ومحمود بن خداش قالا ثنا أبو سعيد الصنعاني, قال: قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم أنسب لنا ربك فأنزل الله: ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ) لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت, وليس شيء يموت إلا سيورث, وإن الله جلّ ثناؤه لا يموت ولا يورث ( وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ) : ولم يكن لَه شبيه ولا عِدل, وليس كمثله شيء .حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا وكيع, عن أبي معشر, عن محمد بن كعب: الصمد: الذي لم يلد ولم يولد, ولم يكن له كفوا أحد .وقال آخرون: قد انتهى سُؤدده.* ذكر من قال ذلك:حدثني أبو السائب, قال: ثني أبو معاوية, عن الأعمش, عن شقيق, قال: الصمد: هو السيد الذي قد انتهى سؤدده.حدثنا أبو كُرَيب وابن بشار وابن عبد الأعلى, قالوا: ثنا وكيع, عن الأعمش, عن أبي وائل, قال: ( الصَّمَد ): السيد الذي قد انتهى سؤدده; ولم يقل أبو كُرَيب وابن عبد الأعلى سؤدده.حدثنا ابن حميد, قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن الأعمش, عن أبي وائل مثله.حدثنا علي, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس, في قوله: ( الصَّمَدُ ) يقول: السيد الذي قد كمُل في سُؤدَده, والشريف الذي قد كمل في شرفه, والعظيم الذي قد عظم في عظمته, والحليم الذي قد كمل في حلمه, والغني الذي قد كمل في غناه, والجبَّار الذي قد كمل في جبروته, والعالم الذي قد كمل في علمه, والحكيم الذي قد كمل في حكمته, وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد, وهو الله سبحانه هذه صفته, لا تنبغي إلا له .وقال آخرون: بل هو الباقي الذي لا يفنَى.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, في قوله: ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ) قال: كان الحسن وقتادة يقولان: الباقي بعد خلقه, قال: هذه سورة خالصة, ليس فيها ذكر شيء من أمر الدنيا والآخرة .حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قال: ( الصمد ): الدائم .قال أبو جعفر: الصمد عند العرب: هو السيد الذي يُصمد إليه, الذي لا أحد فوقه, وكذلك تسمى أشرافها; ومنه قول الشاعر:ألا بَكَرَ النَّاعي بِخَيْرَيْ بَنِي أسَدْبِعَمْرِو بْنِ مَسْعُودٍ وبالسَّيِّدِ الصَّمَدْ (3)وقال الزبرقان:وَلا رَهِينَةً إلا سَيِّدٌ صَمَدُ (4)فإذا كان ذلك كذلك, فالذي هو أولى بتأويل الكلمة, المعنى المعروف من كلام من نزل القرآن بلسانه; ولو كان حديث ابن بُريدة, عن أبيه صحيحا, كان أولى الأقوال بالصحة, لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بما عنى الله جل ثناؤه, وبما أنزل عليه.

اللَّهُ الصَّمَدُ (2)جملة ثانية محكية بالقول المحكية به جملة : { اللَّه أحد } ، فهي خبر ثان عن الضمير . والخبر المتعدد يجوز عطفه وفصله ، وإنما فصلت عن التي قبلها لأن هذه الجملة مسوقة لتلقين السامعين فكانت جديرة بأن تكون كل جملة مستقلة بذاتها غيرَ ملحقة بالتي قبلها بالعطف ، على طريقة إلقاء المسائل على المتعلم نحو أن يقول : الحوزُ شرط صحة الحُبس ، الحوز لا يتم إلا بالمعانية ، ونحو قولك : عنترة من فحول الشعراء ، عنترة من أبطال الفرسان .ولهذا الاعتبار وقع إظهار اسم الجلالة في قوله : { اللَّه الصمد } وكان مقتضى الظاهر أن يقال : هو الصمد .و { الصَمد } : السيد الذي لا يستغنى عنه في المهمات ، وهو سيد القوم المطاع فيهم .قال في «الكشاف» : وهو فَعَل بمعنى مفعول من : صَمَد إليه ، إذا قصده ، فالصمد المصمود في الحوائج . قلت : ونظيره السَّند الذي تُسند إليه الأمور المهمة . والفَلَق اسم الصباح لأنه يتفلق عنه الليل .و { الصمد } : من صفات الله ، والله هو الصمد الحق الكامل الصمدية على وجه العموم .فالصمد من الأسماء التسعة والتسعين في حديث أبي هريرة عند الترمذي . ومعناه : المفتقر إليه كلُّ ما عداه ، فالمعدوم مفتقر وجودُه إليه والموجود مفتقر في شؤونه إليه .وقد كثرت عبارات المفسرين من السلف في معنى الصمد ، وكلها مندرجة تحت هذا المعنى الجامع ، وقد أنهاها فخر الدين إلى ثمانية عشر قولاً . ويشمل هذا الاسمُ صفاتتِ الله المعنويةَ الإِضافية وهي كونه تعالى حيّاً ، عالماً ، مريداً ، قادراً ، متكلماً ، سميعاً ، بصيراً ، لأنه لو انتفى عنه أحد هذه الصفات لم يكن مصموداً إليه .وصيغة { اللَّه الصمد } صيغة قصر بسبب تعريف المسند فتفيد قصر صفة الصمدية على الله تعالى ، وهو قصر قلب لإِبطال ما تعوّده أهل الشرك في الجاهلية من دعائهم أصنامهم في حوائجهم والفزع إليها في نوائبهم حتى نَسُوا الله . قال أبو سفيان ليلة فتح مكة وهو بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وقال له النبي صلى الله عليه وسلم " أما آن لك أن تشهد أن لا إله إلا الله : «لقد علمتُ أن لو كان معه إله آخر لقد أغنى عني شيئاً " .
الآية 2 - سورة الإخلاص: (الله الصمد...)