سورة المنافقون: الآية 2 - اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن...

تفسير الآية 2, سورة المنافقون

ٱتَّخَذُوٓا۟ أَيْمَٰنَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا۟ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ

الترجمة الإنجليزية

Ittakhathoo aymanahum junnatan fasaddoo AAan sabeeli Allahi innahum saa ma kanoo yaAAmaloona

تفسير الآية 2

إنما جعل المنافقون أيمانهم التي أقسموها سترة ووقاية لهم من المؤاخذة والعذاب، ومنعوا أنفسهم، ومنعوا الناس عن طريق الله المستقيم، إنهم بئس ما كانوا يعملون؛ ذلك لأنهم آمنوا في الظاهر، ثم كفروا في الباطن، فختم الله على قلوبهم بسبب كفرهم، فهم لا يفهمون ما فيه صلاحهم.

«اتخذوا أَيْمانهم جُنَّةً» سترة على أموالهم ودمائهم «فصدوا» بها «عن سبيل الله» أي عن الجهاد فيهم «إنهم ساء ما كانوا يعملون».

اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً أي: ترسًا يتترسون بها من نسبتهم إلى النفاق.فصدوا عن سبيله بأنفسهم، وصدوا غيرهم ممن يخفى عليه حالهم، إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ حيث أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر، وأقسموا على ذلك وأوهموا صدقهم.

وقوله : ( اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله ) أي : اتقوا الناس بالأيمان الكاذبة ، والحلفات الآثمة ، ليصدقوا فيما يقولون ، فاغتر بهم من لا يعرف جلية أمرهم ، فاعتقدوا أنهم مسلمون فربما اقتدى بهم فيما يفعلون وصدقهم فيما يقولون ، وهم من شأنهم أنهم كانوا في الباطن لا يألون الإسلام وأهله خبلا فحصل بهذا القدر ضرر كبير على كثير من الناس ولهذا قال تعالى : ( فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون ) ولهذا كان الضحاك بن مزاحم يقرؤها : " اتخذوا إيمانهم جنة " أي : تصديقهم الظاهر جنة ، أي : تقية يتقون به القتل . والجمهور يقرؤها : ( أيمانهم ) جمع يمين .

ثم بين- سبحانه- جانبا من الوسائل التي كانوا يستعملونها لكي يصدقهم من يسمعهم فقال- تعالى-: اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً..والأيمان: - بفتح الهمزة- جمع يمين، والجنّة- بضم الجيم- ما يستتر به المقاتل ليتقى ضربات السيوف والرماح والنبال..أى: أن هؤلاء المنافقين إذا ظهر كذبهم، أو إذا جوبهوا بما يدل على كفرهم ونفاقهم، أقسموا، بالأيمان المغلظة بأنهم ما قالوا أو فعلوا ما يسيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى المؤمنين..فهم يستترون بالحلف الكاذب، حتى لا يصيبهم أذى من المؤمنين، كما يستتر المقاتل بترسه من الضربات.وقد حكى القرآن كثيرا من أيمانهم الكاذبة، ومن ذلك قوله- تعالى-: وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ، وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ .وقوله- سبحانه-: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا، وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ، وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا ... .وقوله- عز وجل-: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ، وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ .قال الآلوسى: قال قتادة: كلما ظهر شيء منهم يوجب مؤاخذتهم، حلفوا كاذبين، عصمة لأموالهم ودمائهم.. .والفاء في قوله- تعالى-: فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ... للتفريع على ما تقدم.أى: اتخذوا أيمانهم الفاجرة ذريعة أمام المؤمنين لكي يصدقوهم، فتمكنوا عن طريق هذه الأيمان الكاذبة، من صد بعض الناس عن الصراط المستقيم، ومن تشكيكهم في صحة ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.فهم قد جمعوا بين رذيلتين كبيرتين: إحداهما: تعمّد الأيمان الكاذبة، والثانية: إعراضهم عن الحق، ومحاولتهم صرف غيرهم عنه.وقوله- سبحانه-: إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ تذييل قصد به بيان قبح أحوالهم، وسوء عاقبتهم.و «ساء» : فعل ماض بمعنى بئس في إفادة الذم، و «ما» موصولة والعائد محذوف.أى: إن هؤلاء المنافقين بئس ما كانوا يقولونه من أقوال كاذبة، وساء ما كانوا يفعلونه من أفعال قبيحة، سيكونون بسببها يوم القيامة في الدرك الأسفل من النار.

"اتخذوا أيمانهم جنةً"، سترة، "فصدوا عن سبيل الله"، منعوا الناس عن الجهاد والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم. "إنهم ساء ما كانوا يعملون".

قوله تعالى : اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملونفيه ثلاث مسائل :الأولى : قوله تعالى : اتخذوا أيمانهم جنة أي سترة . وليس يرجع إلى قوله : نشهد إنك لرسول الله وإنما يرجع إلى سبب الآية التي نزلت عليه ، حسب ما ذكره البخاري والترمذي عن ابن أبي أنه حلف ما قال وقد قال . وقال الضحاك : يعني حلفهم بالله إنهم لمنكم . وقيل : يعني بأيمانهم ما أخبر الرب عنهم في سورة " التوبة " إذ قال : يحلفون بالله ما قالوا .الثانية : من قال : أقسم بالله أو أشهد بالله أو أعزم بالله أو أحلف بالله ، أو أقسمت بالله أو أشهدت بالله أو أعزمت بالله أو أحلفت بالله ، فقال في ذلك كله " بالله " فلا خلاف أنها يمين . وكذلك عند مالك وأصحابه إن قال : أقسم أو أشهد أو أعزم أو أحلف ، ولم يقل " بالله " ، إذا أراد " بالله " . وإن لم يرد " بالله " فليس بيمين . وحكاه الكيا عن الشافعي ، قال الشافعي : إذا قال : أشهد بالله ، ونوى اليمين كان يمينا . وقال أبو حنيفة وأصحابه : لو قال : أشهد بالله ، لقد كان كذا ، كان يمينا ، ولو قال : أشهد لقد كان كذا ، دون النية كان يمينا لهذه الآية ، لأن الله تعالى ذكر منهم الشهادة ثم قال : اتخذوا أيمانهم جنة .وعند الشافعي لا يكون ذلك يمينا وإن نوى اليمين ، لأن قوله تعالى : اتخذوا أيمانهم جنة ليس يرجع إلى قوله : " قالوا نشهد " وإنما يرجع إلى ما في " التوبة " من قوله تعالى : يحلفون بالله ما قالوا .الثالثة : قوله تعالى : فصدوا عن سبيل الله أي أعرضوا ، وهو من الصدود . أو صرفوا المؤمنين عن إقامة حكم الله عليهم من القتل والسبي وأخذ الأموال ، فهو من الصد ، أو منعوا الناس عن الجهاد بأن يتخلفوا ويقتدي بهم غيرهم . وقيل : فصدوا اليهود والمشركين عن الدخول في الإسلام ، بأن يقولوا ها نحن كافرون بهم ، ولو كان محمد حقا لعرف هذا منا ، ولجعلنا نكالا . فبين الله أن حالهم لا يخفى عليه ، ولكن حكمه أن من أظهر الإيمان أجري عليه في الظاهر حكم الإيمان .إنهم ساء ما كانوا يعملون أي بئست أعمالهم الخبيثة - من نفاقهم وأيمانهم الكاذبة وصدهم عن سبيل الله - أعمالا .

يقول تعالى ذكره: اتخذ المنافقون أيمانهم جنة، وهي حلفهم.كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً ) : أي حلفهم جنة.حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً ) قال: يجتنون بها، قال ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا.حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً ) يقول: حلفهم بالله إنهم لمنكم جنة.وقوله: (جُنَّةٍ ) : سترة يستترون بها كما يستتر المستجنّ بجنته في حرب وقتال، فيمنعون بها أنفسهم وذراريهم وأموالهم، ويدفعون بها عنها.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك :حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد ، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (جُنَّةٍ ) ليعصموا بها دماءهم وأموالهم.وقوله.(فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) يقول: فأعرضوا عن دين الله الذي بَعَث به نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وشريعته التي شرعها لخلقه (إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) يقول: إن هؤلاء المنافقين الذين أتخذوا أيمانهم جنة ساء ما كانوا يعملون في اتخاذهم أيمانهم جُنة، لكذبهم ونفاقهم، وغير ذلك من أمورهم.

اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2)استئناف بياني لأن تكذيب الله تعالى إياهم في قولهم للنبيء صلى الله عليه وسلم { نشهد إنك لرسول الله } [ المنافقون : 1 ] يثير في أنفس السامعين سؤالاً عن أيْمانهم لدى النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم مؤمنون به وأنهم لا يضمرون بغضه فأخبر الله عنهم بأنهم اتخذوا أيمانهم تقية يتقون بها وقد وصفهم الله بالحلف بالأيمان الكاذبة في آيات كثيرة من القرآن .والجُنة : ما يستتر به ويُتَّقَى ومنه سميت الدرع جُنة .والمعنى : جعلوا أيمانهم كالجُنّة يتّقي بها ما يَلْحق من أذى . فلما شبهت الأيمان بالجُنّة على طريقة التشبيه البليغ ، أُتبع ذلك بتشبيه الحَلف باتخاذ الجنة ، أي استعمالها ، ففي { اتخذوا } استعارة تبعية ، وليس هذا خاصاً بحلف عبد الله بن أُبَيّ أنه قال : «لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل» ، كما تقدم في ذكر سبب نزولها ، بل هو أعمّ ، ولذلك فالوجه حمل ضمائر الجمع في قوله : { اتخذوا أيمانهم } الآية على حقيقتها ، أي اتخذ المنافقون كلُّهم أيمانهم جُنة ، أي كانت تلك تقيتهم ، أي تلك شنشنة معروفة فيهم .{ فصدوا عن سبيل الله } تفريع لصدهم عن سبيل الله على الحلف الكاذب لأن اليمين الفاجرة من كبائر الإِثم لما فيها من الاستخفاف بجانب الله تعالى ولأنهم لما حلفوا على الكذب ظنوا أنهم قد أمنوا اتّهام المسلمين إياهم بالنفاق فاستمروا على الكفر والمكر بالمسلمين وذلك صدّ عن سبيل الله ، أي إعراض عن الأعمال التي أمر الله بسلوكها .وفعل ( صدّوا ) هنا قاصر الذي قياس مضارعه يَصِدُّ بكسر الصاد .وجملة { إنهم ساء ما كانوا يعملون } تذييل لتفظيع حالهم عن السامع . وساء من أفعال الذم تُلحق ببئس على تقدير تحويل صيغة فعْلها عن فَعَل المفتوح العين إلى فَعُل المضمومِها لقصد إفادة الذم مع إفادة التعجب بسبب ذلك التحويل كما نبه عليه صاحب «الكشاف» وأشار إليه صاحب «التسهيل» .
الآية 2 - سورة المنافقون: (اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله ۚ إنهم ساء ما كانوا يعملون...)