سورة المزمل: الآية 15 - إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا...

تفسير الآية 15, سورة المزمل

إِنَّآ أَرْسَلْنَآ إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَٰهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَآ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ رَسُولًا

الترجمة الإنجليزية

Inna arsalna ilaykum rasoolan shahidan AAalaykum kama arsalna ila firAAawna rasoolan

تفسير الآية 15

إنا أرسلنا إليكم- يا أهل "مكة"- محمدًا رسولا شاهدًا عليكم بما صدر منكم من الكفر والعصيان، كما أرسلنا موسى رسولا إلى الطاغية فرعون، فكذَّب فرعون بموسى، ولم يؤمن برسالته، وعصى أمره، فأهلكناه إهلاكًا شديدًا. وفي هذا تحذير من معصية الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم؛ خشية أن يصيب العاصي مثل ما أصاب فرعون وقومه.

«إنا أرسلنا إليكم» يا أهل مكة «رسولا» هو محمد صلى الله عليه وسلم «شاهدا عليكم» يوم القيامة بما يصدر منكم من العصيان «كما أرسلنا إلى فرعون رسولا» هو موسى عليه الصلاة والسلام.

يقول تعالى: احمدوا ربكم على إرسال هذا النبي الأمي العربي البشير النذير، الشاهد على الأمة بأعمالهم، واشكروه وقوموا بهذه النعمة الجليلة، وإياكم أن تكفروها.

ثم قال مخاطبا لكفار قريش ، والمراد سائر الناس : ( إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم ) أي : بأعمالكم ، ( كما أرسلنا إلى فرعون رسولا )

ثم يذكر- سبحانه- بعد ذلك هؤلاء المكذبين بما حل بالمكذبين من قبلهم، فيقول:إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شاهِداً عَلَيْكُمْ، كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا. فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلًا.أى: إنا أرسلنا إليكم- أيها المكذبون- رسولا عظيم الشأن، رفيع القدر، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، شاهِداً عَلَيْكُمْ أى: سيكون يوم القيامة شاهدا عليكم، بأنه قد بلغكم رسالة الله- تعالى- دون أن يقصر في ذلك أدنى تقصير.والكاف في قوله- تعالى-: كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا للتشبيه، أى: أرسلنا إليكم- يا أهل مكة- رسولا شاهدا عليكم هو محمد صلى الله عليه وسلم كما أرسلنا من قبلكم إلى فرعون رسولا شاهدا عليه، هو موسى- عليه السلام- وأكد الخبر في قوله- تعالى-: إِنَّا أَرْسَلْنا ... لأن المشركين كانوا ينكرون نبوة النبي صلى الله عليه وسلم.ونكر رسولا، لأنهم كانوا يعرفونه حق المعرفة، وللتعظيم من شأنه صلى الله عليه وسلم أى: أرسلنا إليكم رسولا عظيم الشأن، سامى المنزلة جامعا لكل الصفات الكريمة.

"إنا أرسلنا إليكم رسولاً شاهداً عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً".

قوله تعالى : إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم يريد النبي - صلى الله عليه وسلم - أرسله إلى قريش كما أرسلنا إلى فرعون رسولا وهو موسى

يقول تعالى ذكره: ( إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ ) أيها الناس ( رَسُولا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ ) بإجابة من أجاب منكم دعوتي، وامتناع من امتنع منكم من الإجابة، يوم تلقوني في القيامة ( كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولا ) يقول: مثل إرسالنا من قبلكم إلى فرعون مصر رسولا بدعائه إلى الحقّ.

إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) نقل الكلام إلى مخاطبة المشركين بعد أن كان الخطاب موجهاً إلى النبي صلى الله عليه وسلموالمناسبة لذلك التخلصُ إلى وعيدهم بعد أن أمره بالصبر على ما يقولون وهجرهم هجراً جميلاً إذ قال له { وذرني والمكذبين } إلى قوله : { وعذاباً أليماً } [ المزمل : 1113 ] .فالكلام استئناف ابتدائي ، ولا يُعد هذا الخطاب من الالتفات لأن الكلام نقل إلى غرض غير الغرض الذي كان قبله .فالخطاب فيه جار على مقتضى الظاهر على كلا المذهبين : مذهب الجمهور ومذهب السكاكي .والمقصود من هذا الخبر التعريض بالتهديد أن يصيبهم مثل ما أصاب أمثالهم ممن كذبوا الرسل فهو مثَل مضروب للمشركين .وهذا أول مثَل ضربه الله للمشركين للتهديد بمصير أمثالهم على قول الجمهور في نزول هذه السورة .واختير لهم ضرب المثل بفرعون مع موسى عليه السلام ، لأن الجامع بين حال أهل مكة وحال أهل مصر في سبب الإِعراض عن دعوة الرسول هو مجموع ما هم عليه من عبادة غير الله ، وما يملأ نفوسهم من التكبر والتعاظم على الرسول المبعوث إليهم بزعمهم أن مثلهم لا يطيع مِثله كما حكى الله تعالى عنهم بقوله : { فقالوا أنؤمن لبشرين مثِلنا وقومُهما لنا عابدون } [ المؤمنون : 47 ] وقد قال أهل مكة { لولا نُزِّل هذا القرءان على رجل من القريتين عظيم } [ الزخرف : 31 ] وقد حكى الله عنهم أنهم قالوا { لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربّنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتَوْا عُتُوّاً كبيراً } [ الفرقان : 21 ] . وقد تكرر في القرآن ضرب المثل بفرعون لأبي جهل وهو زعيم المناوين للنبيء صلى الله عليه وسلم والمؤلبين عليه وأشد صناديد قريش كفراً .وأُكد الخبر ب ( إنَّ ) لأن المخاطبين منكرون أن الله أرسل إليهم رسولاً .ونكر { رسولاً } لأنهم يعلمون المعنيَّ به في هذا الكلام ، ولأن مناط التهديد والتنظير ليس شخص الرسول صلى الله عليه وسلم بل هو صفة الإِرسال .وأدمج في التنظير والتهديدِ وصفُ الرسول صلى الله عليه وسلم بكونه شاهداً عليهم .والمراد بالشهادة هنا : الشهادة بتبليغ ما أراده الله من الناس وبذلك يكون وصف { شاهداً } موافقاً لاستعمال الوصف باسم الفاعل في زمن الحال ، أي هو شاهد عليكم الآن بمعاودة الدعوة والإِبلاغ .وأما شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم يوم القيامة فهي شهادة بصدق المسلمين في شهادتهم على الأمم بأن رسلهم أبلغوا إليهم رسالات ربّهم ، وذلك قوله تعالى : { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً } كما ورد تفصيل تفسيرها في الحديث الصحيح ، وقد تقدم في سورة البقرة ( 143 ) .{ وتنكير رسولاً } المرسَل إلى فرعون لأن الاعتبار بالإِرسال لا بشخص المرسل إذ التشبيه تعلق بالإِرسال في قوله : { كما أرسلنا إلى فرعون } إذ تقديره كإرسالنا إلى فرعون رسولاً .
الآية 15 - سورة المزمل: (إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا...)