سورة المزمل: الآية 19 - إن هذه تذكرة ۖ فمن...

تفسير الآية 19, سورة المزمل

إِنَّ هَٰذِهِۦ تَذْكِرَةٌ ۖ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ سَبِيلًا

الترجمة الإنجليزية

Inna hathihi tathkiratun faman shaa ittakhatha ila rabbihi sabeelan

تفسير الآية 19

إن هذه الآيات المخوفة التي فيها القوارع والزواجر عظة وعبرة للناس، فمن أراد الاتعاظ والانتفاع بها اتخذ الطاعة والتقوى طريقًا توصله إلى رضوان ربه الذي خلقه وربَّاه.

«إن هذه» الآيات المخوِّفة «تذكرة» عظة للخلق «فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا» طريقا بالإيمان والطاعة.

إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا [أي:] إن هذه الموعظة التي نبأ الله بها من أحوال يوم القيامة وأهواله ، تذكرة يتذكر بها المتقون، وينزجر بها المؤمنون، فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا أي: طريقا موصلا إليه، وذلك باتباع شرعه، فإنه قد أبانه كل البيان، وأوضحه غاية الإيضاح، وفي هذا دليل على أن الله تعالى أقدر العباد على أفعالهم، ومكنهم منها، لا كما يقوله الجبرية: إن أفعالهم تقع بغير مشيئتهم، فإن هذا خلاف النقل والعقل.

يقول تعالى : ( إن هذه ) أي : السورة ) تذكرة ) أي : يتذكر بها أولو الألباب ; ولهذا قال : ( فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ) أي : ممن شاء الله هدايته ، كما قيده في السورة الأخرى : ( وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما ) [ الإنسان : 30 ] .

ثم ختم- سبحانه- هذه التهديدات بقوله: إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا.واسم الإشارة «هذه» يعود إلى الآيات المتقدمة، المشتملة على الكثير من القوارع والزواجر.والتذكرة: اسم مصدر بمعنى التذكير والاتعاظ والاعتبار. ومفعول «شاء» محذوف.والمعنى: إن هذه الآيات التي سقناها لكم تذكرة وموعظة، فمن شاء النجاة من أهوال يوم القيامة، فعليه أن يؤمن بالله- تعالى- إيمانا حقا، وأن يتخذ بسبب إيمانه وعمله الصالح، طريقا وسبيلا إلى رضا ربه ورحمته ومغفرته.والتعبير بقوله: فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ ... ليس من قبيل التخيير، وإنما المقصود به الحض والحث على سلوك الطريق الموصل إلى الله- تعالى- بدليل قوله- تعالى- قبل ذلك:إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ أى: هذه الآيات تذكرة وموعظة، فمن ترك العمل بها ساءت عاقبته، ولم يكن من الذين سلكوا طريق النجاة.وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ هذا، والمتأمل في هذه الآيات الكريمة، - من أول السورة إلى هنا-، يراها قد نادت الرسول صلى الله عليه وسلم نداء فيه ما فيه من الملاطفة والمؤانسة، وأمرته بأن يقوم الليل إلا قليلا متعبدا لربه، كما أمرته بالصبر على أذى المشركين، حتى يحكم الله- تعالى- بينه وبينهم.كما يراها قد هددت المكذبين بأشد أنواع التهديد. وذكرتهم بأهوال يوم القيامة، وبما حل بالمكذبين من قبلهم، وحرضتهم على سلوك الطريق المستقيم.وبعد هذه الإنذارات المتعددة للمكذبين، عادت السورة الكريمة إلى الحديث عن قيام الليل لعبادة الله- تعالى- وطاعته ... فقال- سبحانه-:

"إن هذه"، أي: آيات القرآن "تذكرة"، تذكير وموعظة، "فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً"، بالإيمان والطاعة.

قوله تعالى : إن هذه تذكرة يريد : هذه السورة أو الآيات عظة . وقيل : آيات القرآن ، إذ هو كالسورة الواحدة .فمن شاء اتخذ إلى ربه أي من أراد أن يؤمن ويتخذ بذلك إلى ربه سبيلا أي طريقا إلى رضاه ورحمته فليرغب ، فقد أمكن له ; لأنه أظهر له الحجج والدلائل . ثم قيل : نسخت بآية السيف ، وكذلك قوله تعالى : فمن شاء ذكره قال الثعلبي : والأشبه أنه غير منسوخ .

يعني تعالى ذكره بقوله : إن هذه الآيات التي ذكر فيها أمر القيامة وأهوالها ، [ ص: 697 ] وما هو فاعل فيها بأهل الكفر تذكرة ، يقول : عبرة وعظة لمن اعتبر بها واتعظ ( فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ) يقول : فمن شاء من الخلق اتخذ إلى ربه طريقا بالإيمان به ، والعمل بطاعته .وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .ذكر من قال ذلك :حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( إن هذه تذكرة ) يعني القرآن ( فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ) بطاعة الله .

إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (19)تذييل أي تذكرة لمن يتذكر فإن كان من منكري البعث آمن به وإن كان مؤمناً استفاق من بعض الغفلة التي تعرض للمؤمن فاستدرك ما فاته ، وبهذا العموم الشامل لأحوال المتحدث عنهم وأحوال غيرهم كانت الجملة تذييلاً .والإِشارة ب { هذه } إلى الآيات المتقدمة من قوله : { إنا أرسلنا إليكم رسولاً شاهداً عليكم } [ المزمل : 15 ] .وتأكيد الكلام بحرف التأكيد لأن المواجَهين به ابتداءً هم منكرون كون القرآن تذكرة وهدًى فإنهم كذبوا بأنه من عند الله ووسموه بالسحر وبالأساطير ، وذلك من أقوالهم التي أرشد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصبر عليها قال تعالى : { واصبر على ما يقولون } [ المزمل : 10 ] .والتذكِرة : اسم لمصدر الذُكر بضم الذال ، الذي هو خطور الشيء في البال ، فالتذكرة : الموعظة لأنه تذكر الغافل عن سوء العواقب ، وهذا تنويه بآيات القرآن وتجديد للتحريض على التدبر فيه والتفكر على طريقة التعريض .وفرع على هذا التحريض التعريضيَّ تحريضٌ صريح بقوله : { فمن شاء اتخذ إلى ربّه سبيلاً } أي من كان يريد أن يتخذ إلى ربّه سبيلاً فقد تهيأ له اتخاذ السبيل إلى الله بهذه التذكرة فلم تَبق للمتغافل معذرة .والإِتيان بموصول { من شاء } من قبيل التحريض لأنه يقتضي أن هذا السبيل موصل إلى الخير فلا حائل يحول بين طالب الخير وبين سلوك هذا السبيل إلاّ مشيئته ، لأن قوله : { إن هذه تذكرة } قرينة على ذلك . ومن هذا القبيل قوله تعالى : { وقل الحقُ من ربّكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } [ الكهف : 29 ] . فليس ذلك إباحةً للإِيمان والكفر ولكنه تحريض على الإِيمان ، وما بعده تحذير من الكفر ، أي تبعة التفريط في ذلك على المفرط . ولذلك قال ابن عطية : ليس معناه إباحة الأمر وضده بل يتضمن معنى الوعد والوعيد .وفي تفسير ابن عرفة الذي كان بعض شيوخنا يحملها على أنه مخير في تعيين السبيل فمتعلق التخيير عنده أن يبين سبيلاً ما من السُبل قال : وهو حسن ، فيبقى ظاهر الآية على حاله من التّخيير اه .وقد علمت ممّا قرّرناه أنه لا حاجة إليه وأن ليس في الآية شيء بمعنى التخيير . وفي قوله : { إلى ربّه } تمثيل لحال طالب الفوز والهُدى بحال السائر إلى ناصر أو كريم قد أريَ السبيلَ الذي يبلِّغه إلى مقصده فلم يبق له ما يعوقه عن سلوكه .
الآية 19 - سورة المزمل: (إن هذه تذكرة ۖ فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا...)