سورة المزمل: الآية 9 - رب المشرق والمغرب لا إله...

تفسير الآية 9, سورة المزمل

رَّبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَٱتَّخِذْهُ وَكِيلًا

الترجمة الإنجليزية

Rabbu almashriqi waalmaghribi la ilaha illa huwa faittakhithhu wakeelan

تفسير الآية 9

واذكر -أيها النبي- اسم ربك، فادعه به، وانقطع إليه انقطاعًا تامًا في عبادتك، وتوكل عليه. هو مالك المشرق والمغرب لا معبود بحق إلا هو، فاعتمد عليه، وفوِّض أمورك إليه.

هو «ربُّ المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا» موكلا له أمورك.

رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وهذا اسم جنس يشمل المشارق والمغارب [كلها]، فهو تعالى رب المشارق والمغارب، وما يكون فيها من الأنوار، وما هي مصلحة له من العالم العلوي والسفلي، فهو رب كل شيء وخالقه ومدبره. لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ أي: لا معبود إلا وجهه الأعلى، الذي يستحق أن يخص بالمحبة والتعظيم، والإجلال والتكريم، ولهذا قال: فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا أي: حافظا ومدبرا لأمورك كلها.

وقوله : ( رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا ) أي : هو المالك المتصرف في المشارق والمغارب لا إله إلا هو ، وكما أفردته بالعبادة فأفرده بالتوكل ، ( فاتخذه وكيلا ) كما قال في الآية الأخرى : ( فاعبده وتوكل عليه ) [ هود : 123 ] وكقوله : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) وآيات كثيرة في هذا المعنى ، فيها الأمر بإفراد العبادة والطاعة لله ، وتخصيصه بالتوكل عليه .

فربك- عز وجل- هو رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ. أى: هو- سبحانه- رب جهتي الشروق والغروب للشمس.لا إِلهَ إِلَّا هُوَ مستحق للعبادة والطاعة، وما دام الأمر كذلك فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا.أى: فاتخذه وكيلك الذي تفوض إليه أمرك، وتلجأ إليه في كل أحوالك ... إذ الوكيل هو الذي توكل إليه الأمور، ويترك له التصرف فيها.ووصف- سبحانه- ذاته بأنه رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، لمناسبة الأمر بذكره في الليل والنهار، وهما وقت ابتداء طلوع الشمس وغروبها، فكأنه- سبحانه- يقول: داوم على طاعتي لأنى أنا رب جميع جهات الأرض، التي فيها تشرق الشمس وتغرب.والمراد بالمشرق والمغرب هنا جنسهما، فهما صادقان على كل مشرق من مشارق الشمس، التي هي ثلاثمائة وستون مشرقا- كما يقول العلماء- وعلى كل مغرب من مغاربها التي هي كذلك.والمراد بالمشرقين والمغربين كما جاء في سورة الرحمن: مشرق ومغرب الشتاء والصيف.والمراد بالمشارق والمغارب كما جاء في سورة المعارج: مشرق ومغرب كل يوم للشمس والكواكب.

"رب المشرق والمغرب"، قرأ أهل الحجاز، وأبو عمرو، وحفص: "رب" برفع الباء الابتداء، وقرأ الآخرون بالجر على نعت الرب في قوله: "واذكر اسم ربك". "لا إله إلا هو فاتخذه وكيلاً"، قيماً بأمورك ففوضها إليه.

قوله تعالى : رب المشرق والمغرب قرأ أهل الحرمين وابن محيصن ومجاهد وأبو عمرو وابن أبي إسحاق وحفص رب بالرفع على الابتداء والخبر لا إله إلا هو . وقيل : على إضمار ( هو ) . الباقون ( رب ) بالخفض على نعت الرب تعالى في قوله تعالى : واذكر اسم ربك رب المشرق ومن علم أنه رب المشارق والمغارب انقطع بعمله وأمله إليه .فاتخذه وكيلا أي قائما بأمورك . وقيل : كفيلا بما وعدك .

وقوله: ( رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة بالرفع على الابتداء، إذ كان ابتداء آية بعد أخرى تامة. وقرا ذلك عامة قرّاء الكوفة بالخفض على وجه النعت، والردّ على الهاء التي في قوله: ( وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ ).والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان قد قرأ بكلّ واحدة منهما علماء من القرّاء، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. ومعنى الكلام: ربّ المشرق والمغرب وما بينهما من العالم.وقوله: ( لا إِلَهَ إِلا هُوَ ) يقول: لا ينبغي أن يُعبد إله سوى الله الذي هو ربّ المشرق والمغرب.وقوله: ( فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا ) فيما يأمرك وفوّض إليه أسبابك.وقوله: ( وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلا ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : اصبر يا محمد على ما يقول المشركون من قومك لك، وعلى أذاهم، واهجرهم في الله هجرا جميلا. والهجر الجميل: هو الهجر في ذات الله، كما قال عزّ وجلّ: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ... الآية، وقيل: إن ذلك نُسخ.* ذكر من قال ذلك:

رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9)ومن أكبر التبتل إلى الله الانقطاع عن الإِشراك ، وهو معنى الحنيفيّة ، ولذلك عقب قوله : { وتبتل إليه تبتيلاً } بقوله : { ربّ المشرق والمغرب لا إله إلاّ هو } .وخلاصة المعنى : أن النبي صلى الله عليه وسلم مأمور أن لا تخلو أوقاته عن إقبال على عبادة الله ومراقبته والانقطاع للدعوة لدين الحق ، وإذ قد كان النبي صلى الله عليه وسلم من قبلُ غير غافل عن هذا الانقطاع بإرشاد من الله كما ألهمه التحنّث في غار حراء ثم بما أفاضه عليه من الوحي والرسالة .فالأمر في قوله : { واذكر اسم ربّك وتبتّل إليه } مراد به الدوام على ذلك فإنه قد كان يذكر الله فيما قبل فإن في سورة القلم ( 51 ) ( وقد نزلت قبل المزمل ) { وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر } على أن القرآن الذي أنزل أولاً أكثره إرشاد للنبي صلى الله عليه وسلم إلى طرائق دعوة الرسالة فلذلك كان غالب ما في هذه السورِ الأوللِ منه مقتصراً على سَن التكاليف الخاصة بالرسول صلى الله عليه وسلمووصف الله بأنه { ربّ المشرق والمغرب } لمناسبة الأمر بذكره في الليل وذكرِه في النهار وهما وقتا ابتداء غياب الشمس وطلوعها ، وذلك يشعر بامتداد كل زمان منهما إلى أن يأتي ضده؛ فيصح أن يكون المشرق والمغرب جهتي الشروق والغروب ، فيكون لاستيعاب جهات الأرض ، أي رب جميع العالم وذلك يشعر بوقتي الشروق والغروب .ويصح أن يراد بهما وقتا الشروق والغروب ، أي مبدأ ذينك الوقتين ومُنتهاهما ، كما يقال : سبحوا لله كلَّ مشرق شمس ، وكما يقال : صلاة المغرب .وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وحفص عن عاصم وأبو جعفر برفع { ربُّ } على أنه خبر لمبتدأ محذوف حذفاً جرى على الاستعمال في مثله مما يسبق في الكلام حديث عنه . ثم أريد الإِخبار عنه بخبر جامع لصفاته ، وهو من قبيل النعت المقطوع المرفوع بتقدير مبتدأ . وقرأه ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم ويعقوب وخلف بخفض { ربِّ } على البدل من { ربِّك } .وعُقِّب وصفُ الله ب { رب المشرق والمغرب ، } بالإِخبار عنه أو بوصفه بأنه لا إله إلاّ هو لأن تفرده بالإلهية بمنزلة النتيجة لربوبية المشرق والمغرب فلما كانت ربُوبيته للعالم لا ينازع فيها المشركون أعقبت بما يقتضي إبطال دعوى المشركين تعدد الآلهة بقوله : { لا إله إلاّ هو } تعريضاً بهم في أثناء الكلام وإن كان الكلام مسوقاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك فرع عليه قوله : { فاتخذه وكيلاً ، } وإذ كان الأمر باتخاذ وكيلاً مسبباً عن كونه لا إله إلاّ هو كان ذلك في قوة النهي عن اتخاذ وكيل غيره ، إذ ليس غيره بأهل لاتخاذه وكيلاً .والوكيل : الذي يُوكَل إليه الأمور ، أي يُفوض إلى تصرفه ، ومن أهم التفويض أمر الانتصار لمن توكل عليه ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه قول المشركين فيه اغتم لذلك ، وقد روي أن ذلك سبب تزمله من مَوْجدة الحزن فأمره الله بأن لا يعتمد إلاّ عليه ، وهذا تكفل بالنصر ولذلك عقب بقوله : { واصبر على ما يقولون } [ المزمل : 10 ] .
الآية 9 - سورة المزمل: (رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا...)