سورة القيامة: الآية 7 - فإذا برق البصر...

تفسير الآية 7, سورة القيامة

فَإِذَا بَرِقَ ٱلْبَصَرُ

الترجمة الإنجليزية

Faitha bariqa albasaru

تفسير الآية 7

فإذا تحيَّر البصر ودُهش فزعًا مما رأى من أهوال يوم القيامة، وذهب نور القمر، وجُمِع بين الشمس والقمر في ذهاب الضوء، فلا ضوء لواحد منهما، يقول الإنسان وقتها: أين المهرب من العذاب؟

«فإذا برق البصر» بكسر الراء وفتحها دهش وتحير لما رأى مما كان يكذبه.

أي: إذا كانت القيامة برقت الأبصار من الهول العظيم، وشخصت فلا تطرف كما قال تعالى: إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ

وقال تعالى هاهنا : ( فإذا برق البصر ) قال أبو عمرو بن العلاء : ( برق ) بكسر الراء ، أي : حار . وهذا الذي قاله شبيه بقوله تعالى : ( لا يرتد إليهم طرفهم ) [ إبراهيم : 43 ] ، بل ينظرون من الفزع هكذا وهكذا ، لا يستقر لهم بصر على شيء ; من شدة الرعب .وقرأ آخرون : " برق " بالفتح ، وهو قريب في المعنى من الأول . والمقصود أن الأبصار تنبهر يوم القيامة وتخشع وتحار وتذل من شدة الأهوال ، ومن عظم ما تشاهده يوم القيامة من الأمور .

ثم ساق- سبحانه- جانبا من أهوال يوم القيامة، على سبيل التهديد والوعيد لهؤلاء المكذبين.فقال: فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ. وَخَسَفَ الْقَمَرُ. وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ. يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ.و «برق» - بكسر الراء وفتحها- دهش وفزع وتحير ولمع من شدة شخوصه وخوفه.يقال: برق بصر فلان- كفرح ونصر- إذا نظر إلى البرق فدهش وتحير.

قال الله تعالى : ( فإذا برق البصر ) قرأ أهل المدينة " برق " بفتح الراء ، وقرأ الآخرون بكسرها ، وهما لغتان .قال قتادة ومقاتل : شخص البصر فلا يطرف مما يرى من العجائب التي كان يكذب بها في الدنيا . قيل : ذلك عند الموت .وقال الكلبي : عند رؤية جهنم برق أبصار الكفار .وقال الفراء والخليل " برق " - بالكسر - أي : فزع وتحير لما يرى من العجائب و " برق " بالفتح ، أي : شق عينه وفتحها ، من البريق ، وهو التلألؤ

قوله تعالى : فإذا برق البصر قرأ نافع وأبان عن عاصم برق بفتح الراء ، معناه : لمع بصره من شدة شخوصه ، فتراه لا يطرف . قال مجاهد وغيره : هذا عند الموت . وقال الحسن : هذا يوم القيامة . وقال فيه معنى الجواب عما سأل عنه الإنسان كأنه يوم القيامة فإذا برق البصر وخسف القمر والباقون بالكسر برق ومعناه : تحير فلم يطرف ; قاله أبو عمرو والزجاج وغيرهما . قال ذو الرمة :ولو أن لقمان الحكيم تعرضت لعينيه مي سافرا كاد يبرقالفراء والخليل : برق بالكسر : فزع وبهت وتحير . والعرب تقول للإنسان المتحير المبهوت : قد برق فهو برق ; وأنشد الفراء :فنفسك فانع ولا تنعني وداو الكلوم ولا تبرقأي لا تفزع من كثرة الكلوم التي بك . وقيل : برق يبرق بالفتح : شق عينيه وفتحهما . قاله أبو عبيدة ; وأنشد قول الكلابي :لما أتاني ابن عمير راغبا أعطيته عيسا صهابا فبرقأي فتح عينيه . وقيل : إن كسر الراء وفتحها لغتان بمعنى

وقوله : ( فإذا برق البصر ) اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأه أبو جعفر القارئ ونافع وابن أبي إسحاق ( فإذا برق ) بفتح الراء ، بمعنى شخص ، وفتح عند الموت ; وقرأ ذلك شيبة وأبو عمرو وعامة قراء الكوفة ( برق ) بكسر الراء ، بمعنى : فزع وشق .وقد حدثني أحمد بن يوسف ، قال : ثنا القاسم ، قال : ثني حجاج ، عن هارون ، قال : سألت أبا عمرو ابن العلاء عنها ، فقال : ( برق ) بالكسر بمعنى حار ، [ ص: 55 ] قال : وسألت عنها عبد الله بن أبي إسحاق فقال : ( برق ) بالفتح ، إنما برق الخيطل والنار والبرق . وأما البصر فبرق عند الموت . قال : وأخبرت بذلك ابن أبي إسحاق ، فقال : أخذت قراءتي عن الأشياخ نصر بن عاصم وأصحابه ، فذكرت لأبي عمرو ، فقال : لكن لا آخذ عن نصر ولا عن أصحابه ، فكأنه يقول : آخذ عن أهل الحجاز .وأولى القراءتين في ذلك عندنا بالصواب كسر الراء ( فإذا برق ) بمعنى : فزع فشق وفتح من هول القيامة وفزع الموت . وبذلك جاءت أشعار العرب . أنشدني بعض الرواة عن أبي عبيدة الكلابي :لما أتاني ابن صبيح راغبا أعطيته عيساء منها فبرقوحدثت عن أبي زكريا الفراء قال : أنشدني بعض العرب :نعاني حنانة طوبالة تسف يبيسا من العشرقفنفسك فانع ولا تنعني وداو الكلوم ولا تبرق[ ص: 56 ]بفتح الراء ، وفسره أنه يقول : لا تفزع من هول الجراح التي بك ; قال : وكذلك يبرق البصر يوم القيامة .وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .ذكر من قال ذلك :حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( فإذا برق البصر ) يعني : ببرق البصر : الموت ، وبروق البصر : هي الساعة .حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( برق البصر ) قال : عند الموت .حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( فإذا برق البصر ) شخص البصر .

فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) عُدل عن أن يجابوا بتعيين وقت ليوم القيامة إلى أن يهدَّدوا بأهواله ، لأنهم لم يَكونوا جادِّين في سؤالهم فكان من مقتضى حالهم أن يُنذروا بما يقع من الأهوال عند حلول هذا اليوم مع تضمين تحقيق وقوعه فإن كلام القرآن إرشاد وهدْي ما يترك فُرصَة للهدي والإِرشاد إلاّ انتهزها ، وهذا تهديد في ابتدائه جاء في صورة التعيين لوقت يوم القيامة إيهاماً بالجواب عن سؤالهم كأنه حملٌ لكلامهم على خلاف الاستهزاء على طريقة الأسلوب الحكيم . وفيه تعريض بالتوبيخ على أن فرطوا في التوقي من ذلك اليوم واشتغلوا بالسؤال عن وقته . وقريب منه ما روي أن رجلاً من المسلمين سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم «متى الساعة؟ فقال له : مَاذا أعددت لها» .فإن هذه الأحوال المذكورة في الآية مما يقع عند حلول الساعة وقيام القيامة فكان ذلك شيئاً من تعيين وقته بتعيين أشراطه .والفاء لتفريع الجواب عن السؤال .و { بَرِق } قرأه الجمهور بكسر الراء ، ومعناه : دُهِش وبُهت ، يقال : برِق يَبرَق فهو بَرِق من باب فرح فهو من أحوال الإِنسان .وإنما أسند في الآية إلى البصر على سبيل المجاز العقلي تنزيلاً له منزلة مكان البرق لأنه إذا بهت شخص بصره . كما أسند الأعشى البَرَق إلى الأعين في قوله :كذلك فافْعَلْ ما حييت إِذَا شتواوأقدِمْ إذا ما أعينُ الناس تفرَقوقرأه نافع وأبو جعفر بفتح الراء من البريق بمعنى اللمعان ، أي لَمَع البصر من شدة شخوصه ، ومضارعه يبرُق بضم الراء . وإسناده إلى البصر حقيقة .ومآل معنى القراءتين واحد وهو الكناية عن الفزع والرعب كقوله تعالى : { واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا } [ الأنبياء : 97 ] ، فلا وجه لترجيح الطبري قراءة الجمهور على قراءة نافع وأبي جعفر ، لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى ولا من مقتضى التفسير .والتعريف في { البصر } للجنس المرادِ به الاستغراق ، أي أبصار الناس كلهم من الشدة الحاصلة في ذلك الوقت على أنهم متفاوتون في الرعب الحاصل لهم على تفاوتهم فيما يُعرضون عليه من طرائققِ منازلهم .
الآية 7 - سورة القيامة: (فإذا برق البصر...)