سورة النجم: الآية 11 - ما كذب الفؤاد ما رأى...

تفسير الآية 11, سورة النجم

مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ

الترجمة الإنجليزية

Ma kathaba alfuadu ma raa

تفسير الآية 11

علَّم محمدًا صلى الله عليه وسلم مَلَك شديد القوة، ذو منظر حسن، وهو جبريل عليه السلام، الذي ظهر واستوى على صورته الحقيقية للرسول صلى الله عليه وسلم في الأفق الأعلى، وهو أفق الشمس عند مطلعها، ثم دنا جبريل من الرسول صلى الله عليه وسلم، فزاد في القرب، فكان دنوُّه مقدار قوسين أو أقرب من ذلك. فأوحى الله سبحانه وتعالى إلى عبده محمد صلى الله عليه وسلم ما أوحى بواسطة جبريل عليه السلام. ما كذب قلب محمد صلى الله عليه وسلم ما رآه بصره.

«ما كذب» بالتخفيف والتشديد أنكر «الفؤاد» فؤاد النبي «ما رأى» ببصره من صورة جبريل.

مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى أي: اتفق فؤاد الرسول صلى الله عليه وسلم ورؤيته على الوحي الذي أوحاه الله إليه، وتواطأ عليه سمعه وقلبه وبصره، وهذا دليل على كمال الوحي الذي أوحاه الله إليه، وأنه تلقاه منه تلقيا لا شك فيه ولا شبهة ولا ريب، فلم يكذب فؤاده ما رأى بصره، ولم يشك بذلك. ويحتمل أن المراد بذلك ما رأى صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به، من آيات الله العظيمة، وأنه تيقنه حقا بقلبه ورؤيته، هذا [هو] الصحيح في تأويل الآية الكريمة، وقيل: إن المراد بذلك رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لربه ليلة الإسراء، وتكليمه إياه، وهذا اختيار كثير من العلماء رحمهم الله، فأثبتوا بهذا رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لربه في الدنيا، ولكن الصحيح القول الأول، وأن المراد به جبريل عليه السلام، كما يدل عليه السياق، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى جبريل في صورته الأصلية [التي هو عليها] مرتين، مرة في الأفق الأعلى، تحت السماء الدنيا كما تقدم، والمرة الثانية فوق السماء السابعة ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقوله : ( ما كذب الفؤاد ما رأى أفتمارونه على ما يرى ) قال مسلم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا وكيع ، حدثنا الأعمش ، عن زياد بن حصين ، عن أبي العالية ، عن ابن عباس : ( ما كذب الفؤاد ما رأى ) ، ( ولقد رآه نزلة أخرى ) قال : رآه بفؤاده مرتين .وكذا رواه سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، مثله . وكذا قال أبو صالح والسدي وغيرهما : إنه رآه بفؤاده مرتين [ أو مرة ] ، وقد خالفه ابن مسعود وغيره ، وفي رواية عنه أنه أطلق الرؤية ، وهي محمولة على المقيدة بالفؤاد . ومن روى عنه بالبصر فقد أغرب ، فإنه لا يصح في ذلك شيء عن الصحابة رضي الله عنهم ، وقول البغوي في تفسيره : وذهب جماعة إلى أنه رآه بعينه ، وهو قول أنس والحسن وعكرمة . فيه نظر ، والله أعلم .وقال الترمذي : حدثنا محمد بن عمرو بن نبهان بن صفوان ، حدثنا يحيى بن كثير العنبري ، عن سلم بن جعفر ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : رأى محمد ربه . قلت : أليس الله يقول : ( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ) [ الأنعام : 103 ] قال : ويحك ! ذاك إذا تجلى بنوره الذي هو نوره ، وقد رأى ربه مرتين .ثم قال : حسن غريب .وقال أيضا : حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا سفيان ، عن مجالد ، عن الشعبي قال : لقي ابن عباس كعبا بعرفة ، فسأله عن شيء فكبر حتى جاوبته الجبال ، فقال ابن عباس : إنا بنو هاشم فقال كعب : إن الله قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى ، فكلم موسى مرتين ورآه محمد مرتين . وقال مسروق : دخلت على عائشة فقلت : هل رأى محمد ربه ؟ فقالت : لقد تكلمت بشيء قف له شعري . فقلت : رويدا ، ثم قرأت : ( لقد رأى من آيات ربه الكبرى )فقالت : أين يذهب بك ؟ إنما هو جبريل ، من أخبرك أن محمدا رأى ربه أو كتم شيئا مما أمر به ، أو يعلم الخمس التي قال الله تعالى : ( إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ) [ لقمان : 34 ] ، فقد أعظم الفرية ، ولكنه رأى جبريل ، لم يره في صورته إلا مرتين ، مرة عند سدرة المنتهى ومرة في جياد ، وله ستمائة جناح قد سد الأفق .وقال النسائي : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا معاذ بن هشام ، حدثني أبي ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : أتعجبون أن تكون الحلة لإبراهيم ، والكلام لموسى ، والرؤية لمحمد عليهم السلام ؟ ! .وفي صحيح مسلم ، عن أبي ذر قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : هل رأيت ربك ؟ فقال : " نور أنى أراه " . وفي رواية : " رأيت نورا " .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو خالد ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب قال : قالوا : يا رسول الله ، رأيت ربك ؟ قال : " رأيته بفؤادي مرتين " ثم قرأ : ( ما كذب الفؤاد ما رأى ) .ورواه ابن جرير ، عن ابن حميد ، عن مهران ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب ، عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : قلنا : يا رسول الله ، هل رأيت ربك ؟ قال : " لم أره بعيني ، ورأيته بفؤادي مرتين " ثم تلا ( ثم دنا فتدلى ) .ثم قال ابن أبي حاتم : وحدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ، حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، أخبرني عباد بن منصور قال : سألت عكرمة : ( ما كذب الفؤاد ما رأى ) ، فقال عكرمة : تريد أن أخبرك أنه قد رآه ؟ قلت : نعم . قال : قد رآه ، ثم قد رآه . قال : فسألت عنه الحسن فقال : رأى جلاله وعظمته ورداءه .وحدثنا أبي ، حدثنا محمد بن مجاهد ، حدثنا أبو عامر العقدي ، أخبرنا أبو خلدة ، عن أبي العالية قال : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هل رأيت ربك ؟ قال : " رأيت نهرا ، ورأيت وراء النهر حجابا ، ورأيت وراء الحجاب نورا لم أر غير " .وذلك غريب جدا ، فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد :حدثنا أسود بن عامر ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " رأيت ربي عز وجل " .فإنه حديث إسناده على شرط الصحيح ، لكنه مختصر من حديث المنام كما رواه الإمام أحمد أيضا :حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن أيوب ، عن أبي قلابة عن ابن عباس ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " أتاني ربي الليلة في أحسن صورة - أحسبه يعني في النوم - فقال : يا محمد ، أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ " قال : " قلت : لا . فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي - أو قال : نحري - فعلمت ما في السماوات وما في الأرض ، ثم قال : يا محمد ، هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ " قال : " قلت : نعم ، يختصمون في الكفارات والدرجات " . قال : " وما الكفارات والدرجات ؟ " قال : " قلت : المكث في المساجد بعد الصلوات ، والمشي على الأقدام إلى الجمعات ، وإبلاغ الوضوء في المكاره ، من فعل ذلك عاش بخير ومات بخير ، وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه . وقال : قل يا محمد إذا صليت : اللهم ، إني أسألك الخيرات وترك المنكرات ، وحب المساكين ، وإذا أردت بعبادك فتنة أن تقبضني إليك غير مفتون " . قال : " والدرجات بذل الطعام ، وإفشاء السلام ، والصلاة بالليل والناس نيام " .وقد تقدم في آخر سورة " ص " ، عن معاذ نحوه . وقد رواه ابن جرير من وجه آخر عن ابن عباس ، وفيه سياق آخر وزيادة غريبة فقال :حدثني أحمد بن عيسى التميمي ، حدثني سليمان بن عمر بن سيار ، حدثني أبي ، عن سعيد بن زربي ، عن عمر بن سليمان ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " رأيت ربي في أحسن صورة فقال لي : يا محمد ، هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ فقلت : لا يا رب . فوضع يده بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي ، فعلمت ما في السماوات والأرض ، فقلت : يا رب ، في الدرجات والكفارات ، ونقل الأقدام إلى الجمعات ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة . فقلت : يا رب إنك اتخذت إبراهيم خليلا وكلمت موسى تكليما ، وفعلت وفعلت ، فقال : ألم أشرح لك صدرك ؟ ألم أضع عنك وزرك ؟ ألم أفعل بك ؟ ألم أفعل ؟ قال : " فأفضى إلي بأشياء لم يؤذن لي أن أحدثكموها " قال : " فذاك قوله في كتابه : ( ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى ما كذب الفؤاد ما رأى ) ، فجعل نور بصري في فؤادي ، فنظرت إليه بفؤادي " . إسناده ضعيف .وقد ذكر الحافظ ابن عساكر بسنده إلى هبار بن الأسود ، رضي الله عنه ; أن عتبة بن أبي لهب لما خرج في تجارة إلى الشام قال لأهل مكة : اعلموا أني كافر بالذي دنا فتدلى . فبلغ قوله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " سلط الله عليه كلبا من كلابه " . قال هبار : فكنت معهم ، فنزلنا بأرض كثيرة الأسد ، قال : فلقد رأيت الأسد جاء فجعل يشم رءوس القوم واحدا واحدا ، حتى تخطى إلى عتبة فاقتطع رأسه من بينهم .وذكر ابن إسحاق وغيره في السيرة : أن ذلك كان بأرض الزرقاء ، وقيل : بالسراة ، وأنه خاف ليلتئذ ، وأنهم جعلوه بينهم وناموا من حوله ، فجاء الأسد فجعل يزأر ، ثم تخطاهم إليه فضغم رأسه ، لعنه الله .

وقوله: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى رد على المشركين، وتكذيب لهم، فيما زعموه من أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتلق الوحى عن جبريل، ولم يشاهده.واللام في قوله الْفُؤادُ عوض عن المضاف إليه، والفؤاد: العقل أو القلب، ومنه قوله- تعالى-: وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ.. .وقراءة الجمهور كَذَبَ بفتح الذال مع التخفيف، وقرأ ابن عامر بفتحها مع التشديد، و «ما» موصولة، والعائد محذوف.أى: ما كذب فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم وما أنكر، الذي رآه ببصره من صورة جبريل- عليه السلام- لأنه لم يكن يجهله، بل كان معروفا لديه، وصاحب الوحى إليه، فهو صلى الله عليه وسلم عرفه بقلبه، وتأكدت هذه المعرفة برؤيته له بعينيه.فالكذب هنا: بمعنى الإنكار والتردد والشك في صحة ما يراه.قال صاحب الكشاف قوله: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى أى: ما كذب فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم ما رآه ببصره من صورة جبريل- عليه السلام-.أى: ما قال فؤاده لما رآه لم أعرفك، ولو قال ذلك- على سبيل الفرض- لكان كاذبا لأنه عرفه، يعنى أنه رآه بعينه، وعرفه بقلبه، ولم يشك في أن ما رآه حق.وقرئ. ما كَذَبَ- بالتشديد-، أى: صدقه ولم يشك أنه جبريل بصورته.

( ما كذب الفؤاد ما رأى ) قرأ أبو جعفر " ما كذب الفؤاد " بتشديد الذال أي : ما كذب قلب محمد - صلى الله عليه وسلم - ما رأى بعينه تلك الليلة ، بل صدقه وحققه ، وقرأ الآخرون بالتخفيف أي : ما كذب فؤاد محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي رأى بل صدقه ، يقال : كذبه إذا قال له الكذب مجازه : ما كذب الفؤاد فيما رأى ، واختلفوا في الذي رآه ، فقال قوم : رأى جبريل ، وهو قول ابن مسعود وعائشة .أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أخبرنا عبد الغافر بن محمد ، أخبرنا محمد بن عيسى ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا حفص هو ابن غياث عن الشيباني عن زر عن عبد الله قال : " ما كذب الفؤاد ما رأى " قال : رأى جبريل له ستمائة جناح .وقال آخرون : هو الله - عز وجل - . ثم اختلفوا في معنى الرؤية ، فقال بعضهم : جعل بصره في فؤاده فرآه بفؤاده ، وهو قول ابن عباس .أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أخبرنا عبد الغافر بن محمد ، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن حجاج ، حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا وكيع ، حدثنا الأعمش عن زياد بن الحصين عن أبي العالية عن ابن عباس : " ما كذب الفؤاد ما رأى " . " ولقد رآه نزلة أخرى " قال : رآه بفؤاده مرتين .وذهب جماعة إلى أنه رآه بعينه وهو قول أنس والحسن وعكرمة ، قالوا : رأى محمد ربه ، وروى عكرمة عن ابن عباس قال : إن الله اصطفى إبراهيم بالخلة ، واصطفى موسى بالكلام ، واصطفى محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالرؤية .وكانت عائشة رضي الله عنها تقول : لم ير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ربه ، وتحمل الآية على رؤيته جبريل عليه السلام :أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا يحيى ، حدثنا وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن عامر عن مسروق قال : قلت لعائشة يا أماه هل رأى محمد - صلى الله عليه وسلم - ربه ؟ فقالت : لقد قف شعري مما قلت : أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب ؟ من حدثك أن محمدا رأى ربه فقد كذب ، ثم قرأت : " لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير " ، ( الأنعام - 103 ) " وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب " ( الشورى - 51 ) ومن حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ، ثم قرأت : " وما تدري نفس ماذا تكسب غدا " ( لقمان - 34 ) ومن حدثك أنه كتم شيئا فقد كذب ، ثم قرأت : " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك " ( المائدة - 67 ) الآية ، ولكنه رأى جبريل في صورته مرتين .أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أخبرنا عبد الغافر بن محمد ، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا وكيع عن يزيد بن إبراهيم عن قتادة عن عبد الله بن [ شقيق ] عن أبي ذر قال : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هل رأيت ربك ؟ قال : " نور أنى أراه " .

قوله تعالى : ما كذب الفؤاد ما رأى أي لم يكذب قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج ; وذلك أن الله تعالى جعل بصره في فؤاده حتى رأى ربه تعالى وجعل الله تلك رؤية . وقيل : كانت رؤية حقيقة بالبصر . والأول مروي عن ابن عباس . وفي صحيح مسلم أنه رآه بقلبه . وهو قول أبي ذر وجماعة من الصحابة . والثاني قول أنس وجماعة . وروي عن ابن عباس أيضا أنه قال : أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم ، والكلام لموسى ، والرؤية لمحمد صلى الله عليه وسلم . وروي عن ابن عباس أيضا أنه قال : أما نحن بني هاشم فنقول إن محمدا رأى ربه مرتين . وقد مضى القول في هذا في " الأنعام " عند قوله : لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار . وروى محمد بن كعب قال : قلنا يا رسول الله صلى الله عليك ، رأيت ربك ؟ قال : رأيته بفؤادي مرتين ثم قرأ : ما كذب الفؤاد ما رأى . وقول ثالث أنه رأى جلاله وعظمته ; قاله الحسن . وروى أبو العالية قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل رأيت ربك ؟ قال : رأيت نهرا ورأيت وراء النهر حجابا ورأيت وراء الحجاب نورا لم أر غير ذلك . وفي صحيح مسلم عن أبي ذر قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك ؟ قال : نور أنى أراه المعنى غلبني من النور وبهرني منه ما منعني من رؤيته . ودل على هذا الرواية الأخرى رأيت نورا . وقال ابن مسعود : رأى جبريل على صورته مرتين . وقرأ هشام عن ابن عامر وأهل الشام " ما كذب " بالتشديد أي ما كذب قلب محمد ما رأى بعينه تلك الليلة بل صدقه . ف " ما " مفعوله بغير حرف مقدر ; لأنه يتعدى مشددا بغير حرف . ويجوز أن تكون " ما " بمعنى الذي والعائد محذوف ، ويجوز أن يكون مع الفعل مصدرا . الباقون مخففا ; أي ما كذب فؤاد محمد فيما رأى ; فأسقط حرف الصفة . قال حسان رضي الله عنه :لو كنت صادقة الذي حدثتني لنجوت منجى الحارث بن هشامأي في الذي حدثتني . ويجوز أن يكون مع الفعل مصدرا . ويجوز أن يكون بمعنى الذي ; أي ما كذب فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم الذي رأى .

وقوله ( فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم: معناه: فأوحى الله إلى عبده محمد وحيه, وجعلوا قوله: ( مَا أَوْحَى ) بمعنى المصدر.* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن بشار, قال: ثنا معاذ بن هشام, قال: ثنا أبي, عن قتادة, عن عكرمة, عن ابن عباس, في قوله ( فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ) قال: عبده محمد صلى الله عليه وسلم ما أوحى إليه ربه.وقد يتوجه على هذا التأويل " مَا " للوجهين: أحدهما: أن تكون بمعنى " الذي"، فيكون معنى الكلام فأوحى إلى عبده الذي أوحاه إليه ربه. والآخر: أن يكون بمعنى المصدر.* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن بشار, قال: ثنا معاذ بن هشام قال: ثني أبي, عن قتادة ( فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ) , قال الحسن: جبريل.حدثنا ابن حُميد, قال: ثنا مهران, عن أبي جعفر, عن الربيع ( فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ) قال: على لسان جبريل.حدثنا ابن حُميد, قال: ثنا حكام, عن أبى جعفر, عن الربيع, مثله.حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ) قال: أوحى جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أوحى الله إليه.وأولى القولين في ذلك عندنا بالصواب قول من قال: معنى ذلك: فأوحى جبريل إلى عبده محمد صلى الله عليه وسلم ما أوحى إليه ربه, لأن افتتاح الكلام جرى في أوّل السورة بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , وعن جبريل عليه السلام , وقوله ( فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ) في سياق ذلك ولم يأت ما يدلّ على انصراف الخبر عنهما, فيوجه ذلك إلى ما صرف إليه.

مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11(الأظهر أن هذا ردّ لتكذيب من المشركين فيما بلغهم من الخبر عن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم الملَك جبريل وهو الذي يؤذن به قوله بعد : { أفتمارونه على ما يرى } .واللام في قوله : { الفؤاد } عوض عن المضاف إليه ، أي فؤاده وعليه فيكون تفريع الاستفهام في قوله : { أفتمارونه على ما يرى } استفهاماً إنكارياً لأنهم مَارَوْه .ويجوز أن يكون قوله : { ما كذب الفؤاد ما رأى } تأكيداً لمضمون قوله : { فكان قاب قوسين } [ النجم : 9 ] فإنه يؤذن بأنه بمرأى من النبي صلى الله عليه وسلم لرفع احتمال المجاز في تشبيه القرب ، أي هو قرب حسي وليس مجرد اتصال رُوحاني فيكون الاستفهام في قوله : { أفتمارونه على ما يرى } مستعملاً في الفرض والتقدير ، أي أفستكذبونه فيما يرى بعينيه كما كذبتموه فيما بلغكم عن الله ، كما يقول قائل : «أتحسبني غافلاً» وقول عمر بن الخطاب للعباس وعليّ في قضيتهما «أتحاولان مني قضاءً غير ذلك» .وقرأ الجمهور { ما كذب } بتخفيف الذال ، وقرأه هشام عن ابن عامر وأبو جعفر بتشديد الذال ، والفاعل والمفعول على حالهما كما في قراءة الجمهور .والفؤاد : العقل في كلام العرب قال تعالى : { وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً } [ القصص : 10 ] .والكذب : أطلق على التخييل والتلبيس من الحواس كما يقال : كذبته عينه .و { ما } موصولة ، والرابط محذوف ، وهو ضمير عائد إلى { عبده } في قوله : { فأوحى إلى عبده } [ النجم : 10 ] أي ما رآه عبده ببصره .
الآية 11 - سورة النجم: (ما كذب الفؤاد ما رأى...)