سورة النجم: الآية 6 - ذو مرة فاستوى...

تفسير الآية 6, سورة النجم

ذُو مِرَّةٍ فَٱسْتَوَىٰ

الترجمة الإنجليزية

Thoo mirratin faistawa

تفسير الآية 6

علَّم محمدًا صلى الله عليه وسلم مَلَك شديد القوة، ذو منظر حسن، وهو جبريل عليه السلام، الذي ظهر واستوى على صورته الحقيقية للرسول صلى الله عليه وسلم في الأفق الأعلى، وهو أفق الشمس عند مطلعها، ثم دنا جبريل من الرسول صلى الله عليه وسلم، فزاد في القرب، فكان دنوُّه مقدار قوسين أو أقرب من ذلك. فأوحى الله سبحانه وتعالى إلى عبده محمد صلى الله عليه وسلم ما أوحى بواسطة جبريل عليه السلام. ما كذب قلب محمد صلى الله عليه وسلم ما رآه بصره.

«ذو مرة» قوة وشدة أو منظر حسن، أي جبريل عليه السلام «فاستوى» استقر.

ذُو مِرَّةٍ أي: قوة، وخلق حسن، وجمال ظاهر وباطن. فَاسْتَوَى جبريل عليه السلام

وقال هاهنا : ( ذو مرة ) أي : ذو قوة . قاله مجاهد ، والحسن ، وابن زيد . وقال ابن عباس : ذو منظر حسن .وقال قتادة : ذو خلق طويل حسن .ولا منافاة بين القولين ; فإنه عليه السلام ، ذو منظر حسن ، وقوة شديدة . وقد ورد في الحديث الصحيح من رواية أبي هريرة وابن عمرو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تحل الصدقة لغني ، ولا لذي مرة سوي " .وقوله : ( فاستوى ) يعني جبريل ، عليه السلام . قاله مجاهد والحسن وقتادة ، والربيع بن أنس .

وقوله- تعالى-: ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى صفة أخرى من صفات جبريل- عليه السلام-. والمرة- بكسر الميم- تطلق على قوة الذات، وحصافة العقل ورجاحته، مأخوذ من أمررت الحبل، إذا أحكمت فتله..وشبيه بهاتين الآيتين قوله- تعالى-: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ. ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ. مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ....

( ذو مرة ) قوة وشدة في خلقه يعني جبريل . قال ابن عباس : ذو مرة يعني : ذو منظر حسن . وقال مقاتل : ذو خلق طويل حسن . ( فاستوى ) يعني : جبريل .

ذو مرة على قول الحسن تمام الكلام ، ومعناه ذو قوة والقوة من صفات الله تعالى ; وأصله من شدة فتل الحبل ، كأنه استمر به الفتل حتى بلغ إلى غاية يصعب معها الحل .ثم قال : فاستوى يعني الله عز وجل ; أي : استوى على العرش . روي معناه عن الحسن . وقال الربيع بن أنس والفراء : فاستوى وهو بالأفق الأعلى أي : استوى جبريل ومحمد عليهما الصلاة والسلام . وهذا على العطف على المضمر المرفوع ب " هو " . وأكثر العرب إذا أرادوا العطف في مثل هذا الموضع أظهروا كناية المعطوف عليه ; فيقولون : استوى هو وفلان ; وقلما يقولون استوى وفلان ; وأنشد الفراء :ألم تر أن النبع يصلب عوده ولا يستوي والخروع المتقصفأي لا يستوي هو والخروع ; ونظير هذا : أإذا كنا ترابا وآباؤنا والمعنى أإذا كنا ترابا نحن وآباؤنا . ومعنى الآية : استوى جبريل هو ومحمد عليهما السلام ليلة الإسراء بالأفق الأعلى . وأجاز العطف على الضمير لئلا يتكرر . وأنكر ذلك الزجاج إلا في ضرورة الشعر . وقيل : المعنى فاستوى جبريل بالأفق الأعلى ، وهو أجود . وإذا كان المستوي جبريل فمعنى ذو مرة في وصفه : ذو منطق حسن ; قاله ابن عباس . وقال قتادة : ذو خلق طويل حسن . وقيل : معناه ذو صحة جسم وسلامة من الآفات ; ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم . لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي . وقال امرؤ القيس :كنت فيهم أبدا ذا حيلة محكم المرة مأمون العقدوقد قيل : ذو مرة ذو قوة . قال الكلبي : وكان من شدة جبريل عليه السلام أنه اقتلع مدائن قوم لوط من الأرض السفلى ، فحملها على جناحه حتى رفعها إلى السماء ، حتى سمع أهل السماء نبح كلابهم وصياح ديكتهم ثم قلبها . وكان من شدته أيضا أنه أبصر إبليس يكلم عيسى عليه السلام على بعض عقاب من الأرض المقدسة فنفحه بجناحه نفحة ألقاه بأقصى جبل في الهند . وكان من شدته : صيحته بثمود في عددهم وكثرتهم ، فأصبحوا جاثمين خامدين . وكان من شدته هبوطه من السماء على الأنبياء وصعوده إليها في أسرع من الطرف . وقال قطرب : تقول العرب لكل جزل الرأي حصيف العقل : ذو مرة . قال الشاعر :قد كنت قبل لقاكم ذا مرة عندي لكل مخاصم ميزانهوكان من جزالة رأيه وحصافة عقله أن الله ائتمنه على وحيه إلى جميع رسله . قال الجوهري : والمرة إحدى الطبائع الأربع ، والمرة : القوة وشدة العقل أيضا . ورجل مرير أي قوي ذو مرة . قال :ترى الرجل النحيف فتزدريه وحشو ثيابه أسد مريروقال لقيط :حتى استمرت على شزر مريرته مر العزيمة لا رتا ولا ضرعاوقال مجاهد وقتادة : ذو مرة ذو قوة ; ومنه قول خفاف بن ندبة :إني امرؤ ذو مرة فاستبقني فيما ينوب من الخطوب صليبفالقوة تكون من صفة الله عز وجل ، ومن صفة المخلوق . فاستوى يعني جبريل على ما بينا ; أي : ارتفع وعلا إلى مكان في السماء بعد أن علم محمدا صلى الله عليه وسلم ؛ قاله سعيد بن المسيب وابن جبير . وقيل : فاستوى أي قام في صورته التي خلقه الله تعالى عليها ; لأنه كان يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة الآدميين كما كان يأتي إلى الأنبياء ، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم أن يريه نفسه التي جبله الله عليها فأراه نفسه مرتين : مرة في الأرض ومرة في السماء ; فأما في الأرض ففي الأفق الأعلى ،وكان النبي صلى الله عليه وسلم بحراء ، فطلع له جبريل من المشرق فسد الأرض إلى المغرب ، فخر النبي صلى الله عليه وسلم مغشيا عليه . فنزل إليه في صورة الآدميين وضمه إلى صدره ، وجعل يمسح الغبار عن وجهه ; فلما أفاق النبي صلى الله عليه وسلم قال : يا جبريل ما ظننت أن الله خلق أحدا على مثل هذه الصورة . فقال : يا محمد إنما نشرت جناحين من أجنحتي وإن لي ستمائة جناح سعة كل جناح ما بين المشرق والمغرب . فقال : إن هذا لعظيم فقال : وما أنا في جنب ما خلقه الله إلا يسيرا ، ولقد خلق الله إسرافيل له ستمائة جناح ، كل جناح منها قدر جميع أجنحتي ، وإنه ليتضاءل أحيانا من مخافة الله تعالى حتى يكون بقدر الوصع . يعني العصفور الصغير ; دليله قوله تعالى : ولقد رآه بالأفق المبين وأما في السماء فعند سدرة المنتهى ، ولم يره أحد من الأنبياء على تلك الصورة إلا محمدا صلى الله عليه وسلم . وقول ثالث أن معنى " فاستوى " أي : استوى القرآن في صدره . وفيه على هذا وجهان ؛ أحدهما : في صدر جبريل حين نزل به عليه . الثاني : في صدر محمد صلى الله عليه وسلم حين نزل عليه . وقول رابع أن معنى " فاستوى " فاعتدل يعني محمدا صلى الله عليه وسلم . وفيه على هذا وجهان ؛ أحدهما : فاعتدل في قوته ، الثاني : في رسالته ؛ ذكرهما الماوردي .قلت : وعلى الأول يكون تمام الكلام ذو مرة ، وعلى الثاني شديد القوى . وقول خامس أن معناه فارتفع . وفيه على هذا وجهان ؛ أحدهما : أنه جبريل عليه السلام ارتفع إلى مكانه على ما ذكرنا آنفا ، الثاني : أنه النبي صلى الله عليه وسلم ارتفع بالمعراج . وقول سادس فاستوى يعني الله عز وجل ، أي : استوى على العرش على قول الحسن . وقد مضى القول فيه في " الأعراف " .

وقوله: ( ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ) اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ( ذُو مِرَّةٍ ) فقال بعضهم: معناه: ذو خَلْق حسن.* ذكر من قال ذلك:حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله ( ذُو مِرَّةٍ ) قال: ذو منظر حسن.حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ) : ذو خَلْق طويل حسن.وقال آخرون: بل معنى ذلك: ذو قوّة.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو, قال : ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثني الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ) قال: ذو قوة جبريل.حدثنا ابن حُميد, قال: ثنا مهران عن سفيان ( ذُو مِرَّةٍ ) قال: ذو قوّة.حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ) قال: ذو قوّة, المرّة: القوّة.حدثنا ابن حُميد, قال: ثنا حكام عن أبي جعفر عن الربيع ( ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ) جبريل عليه السلام .وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: عنى بالمرّة: صحة الجسم وسلامته من الآفات والعاهات. والجسم إذا كان كذلك من الإنسان, كان قويا, وإنما قلنا إن ذلك كذلك, لأن المرة واحدة المرر, وإنما أُريد به: ذو مرة سوية. وإذا كانت المرّة صحيحة, كان الإنسان صحيحا. ومنه قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: " لا تَحِلُّ الصَّدقَةَ لِغَنِيّ, وَلا لذي مرةٍ سَويَّ".

ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6(وقوله : { فاستوى } مفرع على ما تقدم من قوله : { علمه شديد القوى } .والفاء لتفصيل { علمه } ، والمستوي هو جبريل . ومعنى استوائه : قيامه بعزيمة لتلقي رسالة الله ، كما يقال : استقل قائماً ، ومثل : بين يدي فلان ، فاستواء جبريل هو مبدأ التهيُّؤ لقبول الرسالة من عند الله ، ولذلك قيد هذا الاستواء بجملة الحال في قوله : { وهو بالأفق الأعلى } . والضمير لجبريل لا محالة ، أي قبل أن ينزل إلى العالم الأرضي .والأفق : اسم للجو الذي يبدو للناظر ملتقى بين طَرَف منتهى النظر من الأرض وبين منتهى ما يلوح كالقبة الزرقاء ، وغلب إطلاقه على ناحية بعيدة عن موطن القوم ومنه أفق المشرق وأفق المغرب .
الآية 6 - سورة النجم: (ذو مرة فاستوى...)