سورة الروم: الآية 5 - بنصر الله ۚ ينصر من...

تفسير الآية 5, سورة الروم

بِنَصْرِ ٱللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَآءُ ۖ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ

الترجمة الإنجليزية

Binasri Allahi yansuru man yashao wahuwa alAAazeezu alrraheemu

تفسير الآية 5

غَلَبت فارسُ الرومَ في أدنى أرض "الشام" إلى "فارس"، وسوف يَغْلِب الرومُ الفرسَ في مدة من الزمن، لا تزيد على عشر سنوات ولا تنقص عن ثلاث. لله سبحانه وتعالى الأمر كله قبل انتصار الروم وبعده، ويوم ينتصر الروم على الفرس يفرح المؤمنون بنصر الله للروم على الفرس. والله سبحانه وتعالى ينصر من يشاء، ويخذل من يشاء، وهو العزيز الذي لا يغالَب، الرحيم بمن شاء من خلقه. وقد تحقق ذلك فغَلَبَت الرومُ الفرسَ بعد سبع سنين، وفرح المسلمون بذلك؛ لكون الروم أهل كتاب وإن حرَّفوه.

«بنصر الله» إياهم على فارس وقد فرحوا بذلك وعلموا به يوم وقوعه أي يوم بدر بنزول جبريل بذلك مع فرحهم بنصرهم على قتل المشركين فيه «ينصر من يشاء وهو العزيز» الغالب «الرحيم» بالمؤمنين».

بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ أي: يفرحون بانتصارهم على الفرس وإن كان الجميع كفارا ولكن بعض الشر أهون من بعض ويحزن يومئذ المشركون. وَهُوَ الْعَزِيزُ الذي له العزة التي قهر بها الخلائق أجمعين يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء. الرَّحيم بعباده المؤمنين حيث قيض لهم من الأسباب التي تسعدهم وتنصرهم ما لا يدخل في الحساب.

وقوله : ( لله الأمر من قبل ومن بعد ) أي : من قبل ذلك ومن بعده ، فبني على الضم لما قطع المضاف ، وهو قوله : ( قبل ) عن الإضافة ، ونويت .( ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ) أي : للروم أصحاب قيصر ملك الشام ، على فارس أصحاب كسرى ، وهم المجوس . وقد كانت نصرة الروم على فارس يوم وقعة بدر في قول طائفة كبيرة من العلماء ، كابن عباس ، والثوري ، والسدي ، وغيرهم . وقد ورد في الحديث الذي رواه الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم والبزار ، من حديث الأعمش ، عن عطية عن أبي سعيد قال : لما كان يوم بدر ، ظهرت الروم على فارس ، فأعجب ذلك المؤمنين وفرحوا به ، وأنزل الله : ( ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم ) .وقال آخرون : بل كان نصرة الروم على فارس عام الحديبية; قاله عكرمة ، والزهري ، وقتادة ، وغيرهم . ووجه بعضهم هذا القول بأن قيصر كان قد نذر لئن أظفره الله بكسرى ليمشين من حمص إلى إيليا - وهو بيت المقدس - شكرا لله عز وجل ، ففعل ، فلما بلغ بيت المقدس لم يخرج منه حتى وافاه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي بعثه مع دحية بن خليفة ، فأعطاه دحية لعظيم بصرى ، فدفعه عظيم بصرى إلى قيصر . فلما وصل إليه سأل من بالشام من عرب الحجاز ، فأحضر له أبو سفيان صخر بن حرب الأموي في جماعة من كفار قريش كانوا في غزة ، فجيء بهم إليه ، فجلسوا بين يديه ، فقال : أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ؟ فقال أبو سفيان : أنا . فقال لأصحابه - وأجلسهم خلفه - : إني سائل هذا عن هذا الرجل ، فإن كذب فكذبوه . فقال أبو سفيان : فوالله لولا أن يأثروا علي الكذب لكذبت . فسأله هرقل عن نسبه وصفته ، فكان فيما سأله أن قال : فهل يغدر ؟ قال : قلت : لا ونحن منه في مدة لا ندري ما هو صانع فيها - يعني بذلك الهدنة التي كانت قد وقعت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفار قريش يوم الحديبية على وضع الحرب بينهم عشر سنين ، فاستدلوا بهذا على أن نصر الروم على فارس كان عام الحديبية; لأن قيصر إنما وفى بنذره بعد الحديبية ، والله أعلم .ولأصحاب القول الأول أن يجيبوا عن هذا بأن بلاده كانت قد خربت وتشعثت ، فما تمكن من وفاء نذره حتى أصلح ما ينبغي إصلاحه وتفقد بلاده ، ثم بعد أربع سنين من نصرته وفى بنذره ، والله أعلم .والأمر في هذا سهل قريب ، إلا أنه لما انتصرت فارس على الروم ساء ذلك المؤمنين ، فلما انتصرت الروم على فارس فرح المؤمنون بذلك; لأن الروم أهل كتاب في الجملة ، فهم أقرب إلى المؤمنين من المجوس ، كما قال [ الله ] تعالى : ( لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين ) [ المائدة : 82 ، 83 ] ، وقال تعالى هاهنا : ( ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم ) .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا صفوان ، حدثنا الوليد ، حدثني أسيد الكلابي ، قال : سمعت العلاء بن الزبير الكلابي يحدث عن أبيه ، قال : رأيت غلبة فارس الروم ، ثم رأيت غلبة الروم فارس ، ثم رأيت غلبة المسلمين فارس والروم ، كل ذلك في خمس عشرة سنة .وقوله : ( وهو العزيز ) أي : في انتصاره وانتقامه من أعدائه ، ( الرحيم ) بعباده المؤمنين .

وقوله- سبحانه-: يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ مؤكد لما قبله. أى:ينصر- سبحانه- من يريد نصره، ويهزم من يريد هزيمته، وهو، العزيز الذي لا يغلبه غالب، الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء.

(بنصر الله ) الروم على فارس . قال السدي : فرح النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنون بظهورهم على المشركين يوم بدر ، وظهور أهل الكتاب على أهل الشرك ( ينصر من يشاء وهو العزيز ) الغالب ) ( الرحيم ) بالمؤمنين .

بنصر الله تقدم ذكره . ينصر من يشاء يعني من أوليائه ; لأن نصره مختص بغلبة أوليائه لأعدائه ، فأما غلبة أعدائه لأوليائه فليس بنصره ؛ وإنما هو ابتلاء ، وقد يسمى ظفرا . وهو العزيز في نقمته ، الرحيم لأهل طاعته .

فذلك قول الله: ( وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ ) يوم أديلت الروم على فارس.حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا معاوية بن عمرو، عن أبي إسحاق الفزاري، عن سفيان، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس ( الم غُلِبَتِ الرُّومُ ) قال: غُلبت وغَلبت؛ فأما الذين قرءوا ذلك: (غَلَبَتِ الرُّومُ) بفتح الغين، فإنهم قالوا: نزلت هذه الآية خبرا من الله نبيه صلى الله عليه وسلم عن غلبة الروم.* ذكر من قال ذلك:حدثنا نصر بن عليّ، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن سليمان -يعني الأعمش- عن عطية، عن أبي سعيد، قال: لما كان يوم ظهر الروم على فارس، فأعجب ذلك المؤمنين، فنزلت (الم غُلِبَتِ الرُّومُ ) على فارس.حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا يحيى بن حماد، قال: ثنا أبو عوانة، عن سليمان، عن عطية، عن أبي سعيد، قال: لما كان يوم بدر، غلبت الروم على فارس، ففرح المسلمون بذلك، فأنزل الله (الم غُلِبَتِ الرُّومُ ...) إلى آخر الآية.حدثنا يحيى بن إبراهيم المسعودي، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن الأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد، قال: لما كان يوم بدر، ظهرت الروم على فارس، فأعجب ذلك المؤمنين؛ لأنهم أهل كتاب، فأنزل الله ( الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأرْضِ ) قال: كانوا قد غلبوا قبل ذلك، ثم قرأ حتى بلغ ( وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ ).وقوله: (فِي أَدْنَى الأرْضِ) قد ذكرت قول بعضهم فيما تقدّم قبل، وأذكر قول من لم يذكر قوله.حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس قوله: (فِي أَدْنَى الأرْضِ) يقول: في طرف الشام. ومعنى قوله أدنى: أقرب، وهو أفعل من الدنوّ والقرب. وإنما معناه: في أدنى الأرض من فارس، فترك ذكر فارس استغناء بدلالة ما ظهر من قوله: (فِي أَدْنَى الأرْضِ) عليه منه. وقوله: (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ) يقول: والروم من بعد غلبة فارس إياهم سيغلبون فارس.وقوله: (مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ) مصدر من قول القائل: غلبته غلبة، فحذفت الهاء من الغلبة. وقيل: من بعد غلبهم، ولم يقل: من بعد غلبتهم للإضافة، كما حذفت من قوله: وَإِقَامَ الصَّلاةِ للإضافة. وإنما الكلام: وإقامة الصلاة.وأما قوله: (سَيَغْلِبُونَ) فإن القرّاء أجمعين على فتح الياء فيها، والواجب على قراءة من قرأ: (الم غَلَبَتِ الرُّومُ) بفتح الغين، أن يقرأ قوله: (سَيُغْلَبُونَ) بضم الياء، فيكون معناه: وهم من بعد غلبتهم فارس سيغلبهم المسلمون، حتى يصحّ معنى الكلام، وإلا لم يكن للكلام كبير معنى إن فتحت الياء، لأن الخبر عما قد كان يصير إلى الخبر عن أنه سيكون، وذلك إفساد أحد الخبرين بالآخر.وقوله: (فِي بضْعِ سِنِينَ) قد ذكرنا اختلاف أهل التأويل في معنى البضع فيما مضى، وأتينا على الصحيح من أقوالهم، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.وقد حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكم بن بشير، قال: ثنا خلاد بن أسلم الصفار، عن عبد الله بن عيسى، عن عبد الرحمن بن الحارث، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، قال: قلت له: ما البضع؟ قال: زعم أهل الكتاب أنه تسع أو سبع.وأما قوله: ( لِلَّهِ الأمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ) فإن القاسم حدثنا، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج قوله: (لِلهِ الأمْرُ مِنْ قَبْلُ) دولة فارس على الروم، (وَمِنْ بَعْدُ) دولة الروم على فارس.وأما قوله: ( وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ ) فقد ذكرنا الرواية في تأويله قبل، وبيَّنا معناه.

بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)* بِنَصْرِ الله يَنصُرُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ العزيز الرحيم }عطف على جملة { وهُمْ مِن بعد غلبهم الخ أي : ويوم إذ يغلبون يفرح المؤمنون بنصر الله أي بنصر الله إياهم على الذين كانوا غلبوهم من قبل ، وكان غلبهم السابق أيضاً بنصر الله إياهم على الروم لحكمة اقتضت هذا التعاقب وهي تهيئة أسباب انتصار المسلمين على الفريقين إذا حاربوهم بعد ذلك لنشر دين الله في بلاديْهم ، وقد أومأ إلى هذا قوله لله الأمْرُ مِنْ قَبْلُ ومِنْ بَعْدُ } .والجملة المضافة إلى { إذ } في قوله { ويَوْمَئِذٍ } محذوفة عوض عنها التنوين . والتقدير : ويوم إذ يغلبون يفرحُ المؤمنون ، ف { يومَ } منصوب على الظرفية وعامله { يَفْرَحُ المُؤْمِنُون . وأضيف النصر إلى اسم الجلالة للتنويه بذلك النصر وأنه عناية لأجل المسلمين .وجملة ينصر من يشاء } تذييل لأن النصر المذكور فيها عامّ بعموم مفعوله وهو { من يشاء } فكل منصور داخل في هذا العموم ، أي من يشاء نصره لحِكَم يعلمها ، فالمشيئة هي الإرادة ، أي : ينصر من يريد نصره ، وإرادته تعالى لا يُسأل عنها ، ولذلك عُقب بقوله { وَهُوَ العَزِيزُ } فإن العزيز المطلق هو الذي يغلب كل مغالب له ، وعقبه ب { الرَّحِيم } للإشارة إلى أن عزّته تعالى لا تخلو من رحمة بعباده ولولا رحمته لما أدال للمغلوب دولة على غالبه مع أنه تعالى هو الذي أراد غلبة الغالب الأول ، فكان الأمر الأول بعزته والأمر الثاني برحمته للمغلوب المنكوب وترتيب الصفتين العليتين منظور فيه لمقابلة كل صفة منهما بالذي يناسب ذكره من الغلبين ، فالمراد رحمته في الدنيا .
الآية 5 - سورة الروم: (بنصر الله ۚ ينصر من يشاء ۖ وهو العزيز الرحيم...)