سورة التكوير: الآية 24 - وما هو على الغيب بضنين...

تفسير الآية 24, سورة التكوير

وَمَا هُوَ عَلَى ٱلْغَيْبِ بِضَنِينٍ

الترجمة الإنجليزية

Wama huwa AAala alghaybi bidaneenin

تفسير الآية 24

وما محمد الذي تعرفونه بمجنون، ولقد رأى محمد جبريل الذي يأتيه بالرسالة في الأفق العظيم، وما هو ببخيل في تبليغ الوحي. وما هذا القرآن بقول شيطان رجيم، مطرود من رحمة الله، ولكنه كلام الله ووحيه.

«وما هو» محمد صلى الله عليه وسلم «على الغيب» ما غاب من الوحي وخبر السماء «بظنين» أي بمتهم، وفي قراءة بالضاد، أي ببخيل فينتقص شيئا منه.

وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ أي: وما هو على ما أوحاه الله إليه بمتهم يزيد فيه أو ينقص أو يكتم بعضه، بل هو صلى الله عليه وسلم أمين أهل السماء وأهل الأرض، الذي بلغ رسالات ربه البلاغ المبين، فلم يشح بشيء منه، عن غني ولا فقير، ولا رئيس ولا مرءوس، ولا ذكر ولا أنثى، ولا حضري ولا بدوي، ولذلك بعثه الله في أمة أمية، جاهلة جهلاء، فلم يمت صلى الله عليه وسلم حتى كانوا علماء ربانيين، وأحبارا متفرسين، إليهم الغاية في العلوم، وإليهم المنتهى في استخراج الدقائق والفهوم، وهم الأساتذة، وغيرهم قصاراه أن يكون من تلاميذهم.

وقوله ( وما هو على الغيب بضنين ) أي وما محمد على ما أنزله الله إليه بظنين أي : بمتهم ومنهم من قرأ ذلك بالضاد أي : ببخيل بل يبذله لكل أحدقال سفيان بن عيينة ظنين وضنين سواء أي ما هو بكاذب وما هو بفاجر والظنين المتهم والضنين : البخيلوقال قتادة كان القرآن غيبا فأنزله الله على محمد فما ضن به على الناس بل بلغه ونشره وبذله لكل من أراده وكذا قال عكرمة وابن زيد وغير واحد واختار ابن جرير قراءة الضاد .قلت وكلاهما متواتر ومعناه صحيح كما تقدم

والضمير في قوله- تعالى-: وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ يعود إلى الرسول صلى الله عليه وسلم المعبر عنه قبل ذلك بِصاحِبِكُمْ.والغيب: ما غاب عن مدارك الناس وحواسهم، لأن الله- تعالى- قد استأثر بعلمه.والضنين: هو البخيل بالشيء، مأخوذ من الضن- بالكسر والفتح- بمعنى البخل.قال الآلوسى: «وما هو» أى: رسول الله صلى الله عليه وسلم «على الغيب» أى: على ما يخبر به من الوحى إليه وغيره من الغيوب «بضنين» من الضن- بكسر الضاد وفتحها- بمعنى البخل، أى: ببخيل، أى: لا يبخل بالوحي، ولا يقصر في التعليم والتبليغ، ومنح كل ما هو مستعد له من العلوم، على خلاف الكهنة فإنهم لا يطلعون غيرهم على ما يزعمون معرفته إلا بإعطائهم حلوانا.وقرأ ابن كثير والكسائي وأبو عمر بظنين- بالظاء- أى: وما هو على الغيب بمتهم، من الظنة- بالكسر- بمعنى التهمة.ثم قال: ورجحت هذه القراءة، لأنها أنسب بالمقام، لاتهام الكفرة له صلى الله عليه وسلم بذلك، ونفى التهمة، أولى من نفى البخل. .وهذا القول لا نوافق الآلوسى- رحمه الله- عليه، لأن القراءة متى ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز التفاضل بينها وبين غيرها التي هي مثلها في الثبوت، والقراءتان هنا سبعيتان، ومن ثم فلا ينبغي التفاضل بينهما. والمعنى عليهما واضح ولا تعارض فيه.أى: وما محمد صلى الله عليه وسلم ببخيل بتبليغ الوحى، بل هو مبلغ له على أكمل وجه وأتمه، وما هو- أيضا- بمتهم فيما يبلغه عن ربه، لأنه صلى الله عليه وسلم سيد أهل الصدق والأمانة.

( وما هو ) يعني محمدا - صلى الله عليه وسلم - ( على الغيب ) أي الوحي ، وخبر السماء وما اطلع عليه مما كان غائبا عنه من الأنباء والقصص ، ( بضنين ) قرأ أهل مكة والبصرة والكسائي بالظاء أي بمتهم ، يقال : فلان يظن بمال ويزن أي يتهم به : والظنة : التهمة ، وقرأ الآخرون بالضاد أي يبخل ، يقول إنه يأتيه علم الغيب فلا يبخل به عليكم بل يعلمكم ويخبركم به ، ولا يكتمه كما يكتم الكاهن ما عنده حتى يأخذ عليه حلوانا ، تقول العرب : ضننت بالشيء بكسر النون أضن به ضنا وضنانة فأنا به ضنين أي بخيل .

( وما هو على الغيب بظنين ) بالظاء ، قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائي ، أي بمتهم ، والظنة التهمة ; قال الشاعر :أما وكتاب الله لا عن شناءة هجرت ولكن الظنين ظنينواختاره أبو عبيد ; لأنهم لم يبخلوه ولكن كذبوه ; ولأن الأكثر من كلام العرب : ما هو بكذا ، ولا يقولون : ما هو على كذا ، إنما يقولون : ما أنت على هذا بمتهم . وقرأ الباقون بضنين بالضاد : أي ببخيل من ضننت بالشيء أضن ضنا [ فهو ] ضنين . فروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : لا يضن عليكم بما يعلم ، بل يعلم الخلق كلام الله وأحكامه . وقال الشاعر :أجود بمكنون الحديث وإنني بسرك عمن سالني لضنينوالغيب : القرآن وخبر السماء . ثم هذا صفة محمد - عليه السلام - . وقيل : صفة جبريل - عليه السلام - . وقيل : بظنين : بضعيف . حكاه الفراء والمبرد ; يقال : رجل ظنين : أي ضعيف . وبئر ظنون : إذا كانت قليلة الماء ; قال الأعشى :ما جعل الجد الظنون الذي جنب صوب اللجب الماطرمثل الفراتي إذا ما طما يقذف بالبوصي والماهروالظنون : الدين الذي لا يدرى أيقضيه آخذه أم لا ؟ ومنه حديث علي - عليه السلام - في الرجل يكون له الدين الظنون ، قال : يزكيه لما مضى إذا قبضه إن كان صادقا . والظنون : الرجل السيئ الخلق ; فهو لفظ مشترك .

وقوله: ( وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والكوفة ( بِضَنِينٍ ) بالضاد، بمعنى أنه غير بخيل عليهم بتعليمهم ما علَّمه الله، وأنزل إليه من كتابه. وقرأ ذلك بعض المكيين وبعض البصريين وبعض الكوفيين ( بِظَنِينٍ ) بالظاء، بمعنى أنه غير متهم فيما يخبرهم عن الله من الأنباء.ذكر من قال ذلك بالضاد، وتأوّله على ما وصفنا من التأويل من أهل التأويل:حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عاصم، عن زِرّ( وَما هوَ عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ ) قال: الظَّنين: المتهم. وفي قراءتكم: ( بِضَنِينٍ ) والضنين: البخيل، والغيب: القرآن .حدثنا بشر، قال: ثنا خالد بن عبد الله الواسطي، قال: ثنا مغيرة، عن إبراهيم ( وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ) ببخيل .حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ) قال: ما يضنّ عليكم بما يعلم .حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ) قال: إن هذا القرآن غيب، فأعطاه الله محمدا، فبذله وعلَّمه ودعا إليه، والله ما ضنّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم .حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عاصم، عن زرّ( وَما هُوَ عَلى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ ) قال: في قراءتنا بمتهم، ومن قرأها( بِضَنِينٍ ) يقول: ببخيل .حدثنا مهران، عن سفيان ( وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ) قال: ببخيل .حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ( وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ) الغيب: القرآن، لم يضنّ به على أحد من الناس أدّاه وبلَّغه، بعث الله به الروح الأمين جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأدّى جبريل ما استودعه الله إلى محمد، وأدّى محمد ما استودعه الله وجبريل إلى العباد، ليس أحد منهم ضَنَّ، ولا كَتَم، ولا تَخَرَّص .حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء، عن عامر ( وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ) يعني النبيّ صلى الله عليه وسلم .ذكر من قال ذلك بالظاء، وتأوّله على ما ذكرنا من أهل التأويل.حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس، أنه قرأ: ( بظَنينٍ ) قال: ليس بمتهم .حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي المعلَّى، عن سعيد بن جُبير أنه كان يقرأ هذا الحرف ( وَما هُوَ عَلى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ ) فقلت لسعيد بن جُبير: ما الظنين؟ قال: ليس بمتهم .حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي المعلى، عن سعيد بن جُبير أنه قرأ: ( وَما هُوَ عَلى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ ) قلت: وما الظنين؟ قال: المتهم .حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( وَما هُوَ عَلى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ ) يقول: ليس بمتهم على ما جاء به، وليس يظنّ بما أوتي .حدثنا بشر، قال: ثنا خالد بن عبد الله الواسطيّ، قال: ثنا المغيرة، عن إبراهيم ( وَما هُوَ عَلى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ ) قال: بمتهم .حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن عاصم، عن زِرّ( وَما هُوَ عَلى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ ) قال: الغَيب: القرآن. وفي قراءتنا( بِظَنِينٍ ) متهم .حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( بِظَنِينٍ ) قال: ليس على ما أنزل الله بمتهم .وقد تأوّل ذلك بعض أهل العربية أن معناه: وما هو على الغيب بضعيف، ولكنه محتمِل له مطيق، ووجهه إلى قول العرب للرجل الضعيف: هو ظَنُون.وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب: ما عليه خطوط مصاحف المسلمين متفقة، وإن اختلفت قراءتهم به، وذلك ( بِضَنِينٍ ) بالضاد، لأن ذلك كله كذلك في خطوطها. فإذا كان ذلك كذلك، فأولى التأويلين بالصواب في ذلك: تأويل من تأوّله، وما محمد على ما علَّمه الله من وحيه وتنزيله ببخيل بتعليمكموه أيها الناس، بل هو حريص على أن تؤمنوا به وتتعلَّموه.

وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24)الضمير عائد إلى { صاحبكم } [ التكوير : 22 ] كما يقتضيه السياق فإن المشركين لم يدّعوا أن جبريل ضنين على الغيب ، وإنما ادعوا ذلك للنبيء صلى الله عليه وسلم ظلماً وزوراً ، ولقرب المعاد .و { الغيب } : ما غاب عن عِيان الناس ، أو عن علمهم وهو تسمية بالمصدر . والمراد ما استأثر الله بعلمه إلا أن يُطلع عليه بعض أنبيائه ، ومنه وحي الشرائع ، والعلم بصفات الله تعالى وشؤونه ، ومشاهدة مَلك الوحي ، وتقدم في قوله تعالى : { الذين يؤمنون بالغيب } في سورة البقرة ( 3 ) .وكتبت كلمة بضنين } في مصاحف الأمصار بضاد ساقطة كما اتفق عليه القراء .وحكي عن أبي عبيدٍ ، قال الطبري : هو ما عليه مصاحف المسلمين متفقة وإن اختلفت قراءتهم به .وفي «الكشاف» : «هو في مصحف أُبي بالضاد وفي مصحف ابن مسعود بالظاء» وقد اقتصر الشاطبي في منظومته في الرسم على رسمه بالضاد إذ قال: ... والضَادُ في { بضنين } تَجمع البشراوقد اختلف القراء في قراءته فقرأه نافع وابن عامر وعاصم وحمزة وأبو جعفر وخلف وروَح عن يعقوب بالضاد الساقطة التي تخرج من حافة اللسان مما يلي الأضراس وهي القراءة الموافقة لرسم المصحف الإمام .وقرأه الباقون بالظاء المشالة التي تخرج من طرف اللسان وأصول الثنايا العُليا ، وذكر في «الكشاف» أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بهما ، وذلك مما لا يحتاج إلى التنبيه ، لأن القراءتين مَا كانتا متواترتين إلا وقد رُويتا عن النبي صلى الله عليه وسلموالضاد والظاء حرفان مختلفان والكلمات المؤلفة من أحدهما مختلفة المعاني غالباً إلا نحو حُضَضضِ بضادين ساقطتين وحُظظ بظاءين مشالين وحُضظ بضاد ساقطة بعدها ظاء مشالة وثلاثتها بضم الحاء وفتح ما بعد الحاء . فقد قالوا : إنها لغات في كلمة ذات معنى واحد وهو اسم صَمَغ يقال له : خولان .ولا شك أن الذين قرأوه بالظاء المشالة من أهل القراءات المتواترة وهم ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ورويس عن يعقوب قد رووه متواتراً عن النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك فلا يقدح في قراءتهم كونُها مخالفة لجميع نسخ مصاحف الأمصار لأن تواتر القراءة أقوى من تواتر الخط إن اعتبر للخط تواتر .وما ذُكر من شرط موافقة القراءة لما في مصحف عثمان لتكون قراءة صحيحة تجوز القراءة بها ، إنما هو بالنسبة للقراءات التي لم تُرْو متواترة كما بيناه في المقدمة السادسة من مقدمات هذا التفسير .وقد اعتذر أبو عبيدة عن اتفاق مصاحف الإمام على كتابتها بالضاد مع وجود الاختلاف فيها بين الضاد والظاء في القراءات المتواترة ، بأن قال : «ليس هذا بخلاف الكتَّاب لأن الضاد والظاء لا يختلف خطهما في المصاحف إلا بزيادة رأس إحداهما على رأس الأخرى فهذا قد يتشابه ويتدانَى» اه .يريد بهذا الكلام أن ما رسم في المصحف الإمام ليس مخالفة من كتَّاب المصاحف للقراءات المتواترة ، أي أنهم يراعون اختلاف القراءات المتواترة فيكتبون بعض نسخ المصاحف على اعتبار اختلاف القراءات وهو الغالب . وههنا اشتبه الرسم فجاءت الظاء دقيقة الرأس .ولا أرى للاعتذار عن ذلك حاجة لأنه لما كانت القراءتان متواترتين عن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمد كتاب المصاحف على إحداهما وهي التي قرأ بها جمهور الصحابة وخاصة عثمان بن عفان ، وأوكلوا القراءة الأخرى إلى حفظ القارئين .وإذ تواترت قراءة { بضنين } بالضاد الساقطة ، و { بظنين بالظاء المشالة علمنا أن الله أنزله بالوجهين وأنه أراد كلا المعنيين .فأما معنى ضنين بالضاد الساقطة فهو البخيل الذي لا يعطي ما عنده مشتقّ من الضَنّ بالضاد مصدر ضَنَّ ، إذا بخل ، ومضارعه بالفتح والكسر .فيجوز أن يكون على معناه الحقيقي ، أي وما صاحبكم ببخيل أي بما يوحَى إليه وما يخبر به عن الأمور الغيبية طلباً للانتفاع بما يخبر به بحيث لا ينبئكم عنه إلا بِعِوَض تُعطونه ، وذلك كناية عن نفي أن يكون كاهناً أو عرَّافاً يتلقّى الأخبار عن الجننِ إذ كان المشركون يترددون على الكهان ويزعمون أنهم يخبرون بالمغيبات ، قال تعالى : { وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلاً ما تذكرون } [ الحاقة : 41 42 ] فأقام لهم الفرق بين حال الكهان وحال النبي صلى الله عليه وسلم بالإِشارة إلى أن النبي لا يسألهم عوضاً عما يخبرهم به وأن الكاهن يأخذ على ما يخبر به ما يسمونه حُلْواناً ، فيكون هذا المعنى من قبيل قوله تعالى : { قل ما أسألكم عليه من أجر } [ الفرقان : 57 ] { قل لا أسألكم عليه أجراً } [ الأنعام : 90 ] ونحو ذلك .ويجوز أن يكون «ضنين» مجازاً مرسلاً في الكِتمان بعلاقة اللزوم لأن الكتمان بخل بالأمر المعلوم للكاتم ، أي ما هو بكاتم الغيب ، أي ما يوحى إليه ، وذلك أنهم كانوا يقولون : { ايتتِ بقرآن غيرِ هذا أو بَدِّلْه } [ يونس : 15 ] وقالوا : { ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه } [ الإسراء : 93 ] .ويتعلق { على الغيب } بقوله : { بضنين } .وحرف ( على ) على هذا الوجه بمعنى الباء مثل قوله تعالى : { حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق } [ الأعراف : 105 ] أي حقيق بي ، أو لتضمين «ضنين» معنى حريص ، والحرص : شدة البخل وما محمد بكاتم شيئاً من الغيب فما أخبركم به فهو عين ما أوحيناه إليه . وقد يكون البخيل على هذه كناية عن كاتم وهو كناية بمرتبة أخرى عن عدم التغيير . والمعنى : وما صاحبكم بكاتم شيئاً من الغيب ، أي ما أخبرَكم به فهو الحق .وأما معنى «ظنين» بالظاء المشالة فهو فعيل بمعنى مفعول مشتق من الظن بمعنى التهمة ، أي مظنون . ويراد أنه مظنون به سوءٌ ، أي أن يكون كاذباً فيما يخبر به عن الغيب ، وكثر حذف مفعول ظنين بهذا المعنى في الكلام حتى صار الظن يطلق بمعنى التهمة فَعُدّي إلى مفعول واحد . وأصل ذلك أنهم يقولون : ظَنّ به سُوءاً ، فيتعدى إلى متعلّقه الأول بحرف باء الجر فلما كثر استعماله حذفوا الباء ووصلوا الفعل بالمجرور فصار مفعولاً فقالوا ظنه : بمعنى اتهمه ، يقال : سُرِق لي كذا وظَننْت فلاناً .وحرف { على } في هذا الوجه للاستعلاء المجازي الذي هو بمعنى الظرفية نحو { أو أجِدُ على النار هدى } [ طه : 10 ] ، أي ما هو بمتهم في أمر الغيب وهو الوحي أن لا يكون كما بلغه ، أي أن ما بَلَّغَهُ هو الغيب لا ريب فيه ، وعكسه قولهم : ائتمنه على كذا .
الآية 24 - سورة التكوير: (وما هو على الغيب بضنين...)