سورة القلم (68): مكتوبة كاملة مع التفسير التحميل

تحتوي هذه الصفحة على جميع آيات سورة القلم بالإضافة إلى تفسير جميع الآيات من قبل تنوير المقباس من تفسير ابن عباس (عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي). في الجزء الأول يمكنك قراءة سورة القلم مرتبة في صفحات تماما كما هو موجود في القرآن. لقراءة تفسير لآية ما انقر على رقمها.

معلومات عن سورة القلم

سُورَةُ القَلَمِ
الصفحة 565 (آيات من 16 إلى 42)

سَنَسِمُهُۥ عَلَى ٱلْخُرْطُومِ إِنَّا بَلَوْنَٰهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَٰبَ ٱلْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا۟ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَٱلصَّرِيمِ فَتَنَادَوْا۟ مُصْبِحِينَ أَنِ ٱغْدُوا۟ عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَٰرِمِينَ فَٱنطَلَقُوا۟ وَهُمْ يَتَخَٰفَتُونَ أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا ٱلْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ وَغَدَوْا۟ عَلَىٰ حَرْدٍ قَٰدِرِينَ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوٓا۟ إِنَّا لَضَآلُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ قَالُوا۟ سُبْحَٰنَ رَبِّنَآ إِنَّا كُنَّا ظَٰلِمِينَ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلَٰوَمُونَ قَالُوا۟ يَٰوَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا طَٰغِينَ عَسَىٰ رَبُّنَآ أَن يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِّنْهَآ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا رَٰغِبُونَ كَذَٰلِكَ ٱلْعَذَابُ ۖ وَلَعَذَابُ ٱلْءَاخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا۟ يَعْلَمُونَ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ كَٱلْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَمْ لَكُمْ كِتَٰبٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ أَمْ لَكُمْ أَيْمَٰنٌ عَلَيْنَا بَٰلِغَةٌ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ ۙ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَٰلِكَ زَعِيمٌ أَمْ لَهُمْ شُرَكَآءُ فَلْيَأْتُوا۟ بِشُرَكَآئِهِمْ إِن كَانُوا۟ صَٰدِقِينَ يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ
565

الاستماع إلى سورة القلم

تفسير سورة القلم (تنوير المقباس من تفسير ابن عباس: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي)

الترجمة الإنجليزية

Sanasimuhu AAala alkhurtoomi

سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16)استئناف بياني جواباً لسؤال ينشأ عن الصفات الذميمة التي وصفوا بها أن يسأل السامع : ما جزاء أصحاب هذه الأوصاف من الله على ما أتوه من القبائح والاجتراء على ربِّهم .وضمير المفرد الغائب في قوله : { سنسمه } عائد إلى كُل حلاّف باعتبار لفظه وإن كان معناه الجماعات فإفراد ضميره كإفراد ما أضيف إليه { كلَّ } [ القلم : 10 ] من الصفات التي جاءت بحالة الإِفراد .والمعنى : سنسم كل هؤلاء على الخراطيم ، وقد علمت آنفاً أن ذلك تعريض بمعيّن بصفة قوله : { أساطير الأولين } [ القلم : 15 ] وبأنه ذو مال وبنين .و { الخرطوم } : أريد به الأنف . والظاهر أن حقيقة الخرطوم الأنف المستطيل كأنف الفيل والخنزير ونحوهما من كل أنف مستطيل . وقد خلط أصحاب اللّغة في ذكر معانيه خلطاً لم تتبين منه حقيقته من مجازه .وذكر الزمخشري في «الأساس» معانيه المجازية ولم يذكر معناه الحقيقي ، وانبهم كلامه في «الكشاف» إلاّ أن قوله فيه : وفي لفظ { الخُرطوم } استخفاف وإهانة ، يقتضي أن إطلاقه على أنف الإِنسان مجاز مرسل ، وجزم ابن عطية : أن حقيقة الخرطوم مَخْطَممِ السَبع أي أنف مثل الأسد ، فإطلاق الخرطوم على أنف الإِنسان هنا استعارة كإِطلاق المِشفر وهو شفة البعير على شفة الإِنسان في قول الفرزدق :فلو كنتَ ضبيّاً عرفتَ قرابتي ... ولكنَّ زنجيّ غَليظُ المشافروكإطلاق الجحفلة على شفة الإِنسان ( وهي للخيل والبغال والحمير ) في قول النابغة يهجو لبيد بنَ ربيعة :ألا مَن مبلغٌ عني لبيداً ... أبا الوَرداء جَحْفَلةَ الأَتانوالوسم للإبل ونحوها ، جعل سِمة لها أنها من مملوكات القبيلة أو المالك المعيَّن .فالمعنى : سنعامله معاملةً يُعرف بها أنه عبدُنا وأنه لا يغني عنه ماله وولده منا شيئاً .فالوسم : تمثيل تتبعه كناية عن التمكن منه وإظهار عجزه .وأصل ( نسمه ) نَوْسِمه مثل : يَعِد ويَصِل .وذِكر الخرطوم فيه جمع بين التشويه والإِهانة فإن الوسم يقتضي التمكن وكونَه في الوجه إذلالاً وإهانة ، وكونه على الأنف أشد إذلالاً ، والتعبير عن الأنف بالخرطوم تشويه ، والضرب والوسم ونحوهما على الأنف كناية عن قوة التمكن وتمام الغلبة وعجز صاحب الأنف عن المقاومة لأن الأنف أبرز ما في الوجه وهو مجرى النفَس ، ولذلك غلَب ذكر الأنف في التعبير عن إظهار العزة في قولهم : شمخ بأنفه ، وهُو أشمّ الأنف ، وهُم شمّ العرانين ، وعبر عن ظهور الذلة والاستكانة بكسر الأنف ، وجَدْعِه ، ووقوعه في التراب في قولهم : رَغِم أنفه ، وعلَى رغْم أنفه ، قال جرير :لما وَضَعْت على الفرزدق ميسَمي ... وعلى البعيث جَدَعْتُ أنفَ الأخطلومُعظم المفسرين على أن المعنيَّ بهذا الوعيد هو الوليد بن المغيرة . وقال أبو مسلم الأصفهاني في تفسيره قوله : { سنسمه على الخرطوم } هو ما ابتلاه الله به في نفسه وماله وأهله من سوء وذل وصغار . يريد : ما نالهم يوم بدر وما بعده إلى فتح مكة .وعن ابن عباس معنى { سنسمه على الخرطوم } سنخطمه بالسيف قال : وقد خُطم الذي نزلت فيه بالسيف يوم بدر فلم يزل مخطوماً إلى أن مات ولم يعيّن ابن عباس من هو .وقد كانوا إذا ضربوا بالسيوف قصدوا الوجوه والرؤوس . قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر لعمر بن الخطاب لما بلغه قول أبي حذيفة لئن لقيتُ العباس لألجمنَّه السيفَ ، فقال رسول الله : «يا أبا حفص أيضرب وجه عم رسول الله بالسيف؟» .وقيل هذا وعيد بتشويه أنفه يوم القيامة مثل قوله : { يوم تبيض وجوه وتسودّ وجوه } [ آل عمران : 106 ] وجعل تشويهه يومئذٍ في أنفه لأنه إنما بالغ في عداوة الرسول والطعن في الدين بسبب الأنفة والكبرياء ، وقد كان الأنف مظهر الكِبر ولذلك سمي الكِبر أنفة اشتقاقاً من اسم الأنف فجعلت شوهته في مظهر آثار كبريائه .

الترجمة الإنجليزية

Inna balawnahum kama balawna ashaba aljannati ith aqsamoo layasrimunnaha musbiheena

إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) ضمير الغائيبن في قوله : { بلوناهم } يعود إلى المكذبين في قوله : { فلا تطع المكذبين } [ القلم : 8 ] . والجملة مستأنفة استئنافاً ابتدائياً دَعت إليه مناسبة قوله : { أن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه ءاياتُنا قال أساطير الأولين } [ القلم : 1415 ] فإن الازدهاء والغرور بسعة الرزق المفضيين إلى الاستخفاف بدعوة الحق وإهمال النظر في كنهها ودلائلها قد أوقعا من قديم الزمان أصحابهما في بَطَر النعمة وإهمال الشكر فجَرَّ ذلك عليهم شر العواقب ، فضرب الله للمشركين مثلاً بحال أصحاب هذه الجَنة لعلهم يستفيقون من غفلتهم وغرورهم . كما ضرب المثل بقريب منه في سورة الكهف ، وضرب مثلاً بقارون في سورة القصص .والبلْوى حقيقتها : الاختبار وهي هنا تمثيل بحال المبتلَى في إرخاء الحبل له بالنعمة ليشكر أو يكفر ، فالبلوى المذكورة هنا بلوى بالخير فإن الله أمدّ أهل مكة بنعمة الأمن ، ونعمة الرزق ، وجعل الرزق يأتيهم من كل جهة ، ويسر لهم سبل التجارة في الآفاق بنعمة الإِيلاف برحلة الشتاء ورحلة الصيف ، فلما أكمل لهم النعمة بإرسال رسول منهم ليكمل لهم صلاح أحوالهم ويهديهم إلى ما فيه النعيم الدائم فدعاهم وذكرهم بنعم الله أعرضوا وطَغوا ولم يتوجهوا إلى النظر في النعم السالفة ولا في النعمة الكاملة التي أكمَلَتْ لهم النعم .ووجه المشابهة بين حالهم وحال أصحاب الجنّة المذكورة هنا هو الإِعراض عن طلب مرضاة الله وعن شكر نعمته .وهذا التمثيل تعريض بالتهديد بأن يلحقهم ما لحق أصحاب الجنة من البؤس بعد النعيم والقحط بعد الخصب ، وإن اختلف السبب في نوعه فقد اتحد جنسه . وقد حصل ذلك بعد سنين إذْ أخذهم الله بسبع سنين بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة .وهذه القصة المضروب بها المثل قصة معروفة بينهم وهي أنه كانت ببلد يقال له : ضَرَوان ( بضاد معجمة وراء وواو مفتوحات وألف ونون ) من بلاد اليمن بقرب صنعاء . وقيل : ضروان اسم هذه الجنة ، وكانت جنّة عظيمة غرسها رجل من أهل الصلاح والإيمان من أهل الكتاب قاله ابن عباس . ولم يبين من أي أهل الكتاب هو : أمِن اليهود أم من النصارى؟ فقيل : كان يهودياً ، أي لأن أهل اليمن كانوا تديّنوا باليهودية من عهد بلقيس كما قيل أو بعدها بِهجرة بعض جنود سليمان ، وكانت زكاة الثمار من شريعة التوراة كما في الإِصحاح السادس والعشرين من سفر اللاويين .وقال بعض المفسرين : كان أصحابُ هذه الجنة بعد عيسى بقليل ، أي قبل انتشار النصرانية في اليمن لأنها ما دخلت اليمن إلاّ بعد دخول الأحباش إلى اليمن في قصة القَليس وكان ذلك زمان عام الفيل . وعن عكرمة : كانوا من الحبشة كانت لأبيهم جنة وجعل في ثمرها حقاً للمساكين وكان يدخل معه المساكين ليأخذوا من ثمارها فكان يعيش منها اليتامى والأَرامل والمساكين وكان له ثلاثة بنين ، فلما توفي صاحب الجنة وصارت لأولاده أصبحوا ذوي ثروة وكانوا أشحة أو كان بعضهم شحيحاً وبعضهم دونه فتمالؤوا على حرمان اليتامى والمساكين والأَرامل وقالوا : لنغدون إلى الجنة في سدفة من الليل قبل انبلاج الصباح مثل وقت خروج الناس إلى جناتهم للجذاذ فلنجذنها قبل أن يأتي المساكين .فبيتوا ذلك وأقسموا أيماناً على ذلك ، ولعلهم أقسموا ليُلزموا أنفسهم بتنفيذ ما تداعَوا إليه . وهذا يقتضي أن بعضهم كان متردداً في موافقتهم على ما عَزموا عليه وأنهم ألجموه بالقسم وهذا الذي يلتئم مع قوله تعالى : { قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون } [ القلم : 28 ] ، قيل كان يقول لهم : اتقوا الله واعدلوا عن خبث نيتكم من منع المساكين ، وذكرهم انتقام الله من المجرمين ، أي فغلبوه ومضَوا لما عزموا عليه ، ولعلهم أقسموا على أن يفعلوا وأقسموا عليه أن يفعل معهم ذلك فأقسم معهم أو وافقهم على ما أقسموا عليه ، ولهذا الاعتبار أسند القسم إلى جميع أصحاب الجنة .فلما جاءوا جنتهم وجدوها مسودّة قد أصَابها ما يشبه الاحتراق فلما رأوها بتلك الحالة علموا أن ذلك أصابهم دون غيرهم لعزمهم على قطع ما كان ينتفع به الضعفاء من قومهم وأنابوا إلى الله رجاء أن يعطيهم خيراً منها .قيل : كانت هذه الجنة من أعناب .والصرم : قطع الثمرة وجذاذها .ومعنى { مُصبحين } داخلين في الصباح أي في أوَائل الفجر .

الترجمة الإنجليزية

Wala yastathnoona

وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18) ومعنى { لا يستثنون } : أنهم لا يستثنون من الثمرة شيئاً للمساكين ، أي أقسموا ليَصْرِمُنّ جميع الثمر ولا يتركون منه شيئاً . وهذا التعميم مستفاد مما في الصرم من معنى الخزن والانتفاع بالثمرة وإلاّ فإن الصرم لا ينافي إعطاءَ شيء من المجذوذ لمن يريدون . وأُجمل ذلك اعتماداً على ما هو معلوم للسامعين من تفصيل هذه القصة على عادة القرآن في إيجاز حكاية القصص بالاقتصار على موضع العبرة منها .وقيل معناه : { لا يستثنون } لإِيمانهم بأن يقولوا إن شاء الله كما قال تعالى : { ولا تقولنّ لشيء إني فاعل ذلك غداً إلاّ أن يشاء الله } [ الكهف : 2324 ] . ووجه تسميته استثناء أن أصل صيغته فيها حرف الاستثناء وهو ( إلاّ ) ، فإذا اقتصر أحد على «إن شاء الله» دون حرف الاستثناء أطلق على قوله ذلك استثناءٌ لأنه على تقدير : إلا أن يشاء الله . على أنه لما كان الشرط يؤول إلى معنى الاستثناء أطلق عليه استثناء نظراً إلى المعنى وإلى مادة اشتقاق الاستثناء .وعلى هذا التفسير يكون قوله : { ولا يستثنون } من قبيل الإِدماج ، أي لِمبلغ غرورهم بقوة أنفسهم صاروا إذا عزموا على فعل شيء لا يتوقعون له عائقاً ، والجملة في موضع الحال ، والتعبير بالفعل المضارع لاستحضار حالتهم العجيبة من بُخلِهم على الفقراء والأيتام .وعلى الروايات كلها يعلم أن أهل هذه الجنة لم يكونوا كفاراً ، فوجه الشبه بينهم وبين المشركين المضروب لهم هذا المثل هو بطر النعمة والاغترار بالقوة .وقوله : { فطاف عليها طائف من ربّك ، } الطواف : المشي حول شيء من كل جوانبه يُقال : طاف بالكعبة ، وأريد به هنا تمثيل حالة الإِصابة لشيء كله بحال من يطوف بمكان ، قال تعالى : { إذا مسهم طائف من الشيطان } الآية [ الأعراف : 201 ] .

الترجمة الإنجليزية

Fatafa AAalayha taifun min rabbika wahum naimoona

فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) وعُدّي ( طاف ) بحرف ( على ) لتضمينه معنى : تسلط أو نزل .ولم يعين جنس الطائف لظهور أنه من جنس ما يصيب الجنات من الهلاك ، ولا يتعلق غرض بتعيين نوعه لأن العبرة في الحاصل به ، فإسناد فعل ( طاف ) إلى { طائف } بمنزلة إسناد الفعل المبني للمجهول كأنه قيل : فطِيف عليها وهم نائمون .وعن الفراء : أن الطائف لا يكون إلاّ بالليل ، يعني ومنه سمي الخيال الذي يراه النائم في نومه طَيفاً . قيل هو مشتق من الطائفة وهي الجزء من الليل ، وفي هذا نظر .فقوله : { وهم نائمون } تقييد لوقت الطائف على التفسير الأول ، وهو تأكيد لمعنى { طائف } على تفسير الفراء ، وفائدته تصوير الحالة .وتنوين { طائف } للتعظيم ، أي أمر عظيم وقد بينه بقوله : { فأصبحت كالصريم } فهو طائف سوء ، قيل : أصابها عنق من نار فاحترقت .و { من ربّك } أي جائياً من قِبَل ربّك ، ف { مِن } للابتداء يعني : أنه عذاب أرسل إليهم عقاباً لهم على عدم شكر النعمة .وعُجل العقاب لهم قبل التلبس بمنع الصدقة لأن عزمهم على المنع وتقاسمهم عليه حقق أنهم مانعون صدقاتهم فكانوا مانعين . ويؤخذ من الآية موعظة للذين لا يواسون بأموالهم .وإذْ كان عقاب أصحاب هذه الجنة دنيوياً لم يكن في الآية ما يدل على أن أصحاب الجنة منعوا صدقة واجبة .والصريم قيل : هو الليل ، والصريم من أسماء الليل ومن أسماء النهار لأن كل واحد منهما ينصرم عن الآخر كما سمي كل من الليل والنهار مَلْواً فيقال : المَلوَاننِ

الترجمة الإنجليزية

Faasbahat kaalssareemi

فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) ، وعلى هذا ففي الجمع بين ( أصبحتْ ) و ( الصريم ) محسن الطباق .وقيل الصريم : الرماد الأسود بلغة جذيمة أو خزيمة .وقيل الصريم : اسم رملة معروفة باليمن لا تُنبت شيئاً .وإيثار كلمة الصريم هنا لكثرة معانيها وصلاحية جميع تلك المعاني لأن تراد في الآية .وبين ( يصرِمُنَّها ) و ( الصريم ) الجناس .

الترجمة الإنجليزية

Fatanadaw musbiheena

فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) . وفاء { فتنادوا } للتفريع على { أقسموا ليَصْرِمُنَّها مُصْبِحين ، } أي فلما أصبحوا تنادوا لإنجاز ما بيّتوا عليه أمرهم .والتنادي : أي ينادي بعضُهم بعضاً وهو مشعر بالتحريض على الغدوّ إلى جنتهم مبكرين .

الترجمة الإنجليزية

Ani ighdoo AAala harthikum in kuntum sarimeena

أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22) والغدوّ : الخروج ومغادرة المكان في غُدوة النهار ، أي أوله .وليس قوله : { إن كنتم صارمين } بشرط تعليق ولكنه مستعمل في الاستبطاء فكأنهم لإبطاء بعضهم في الغُدوِّ قد عدل عن الجذاذ ذلك اليوم . ومنه قول عبد الله بن عُمر للحجاج عند زوال عرفة يحرضه على التهجير بالرواح إلى الموقف الرواحَ إن كنت تُريد السنة . ونظير ذلك كثير في الكلام .و { على } من قوله : { على حرثكم } مستعملة في تمكن الوصول إليه كأنه قيل : اغدوا تكونوا على حرثكم ، أي مستقرين عليه .ويجوز أن يضمن فعل الغدوّ معنى الإِقبال كما يقال : يُغدى عليه بالجَفْنة ويُراح . قال الطيبي : «ومثله قيل في حق المطلب تَغدُو دِرَّتُه ( التي يضرب بها ) على السفهاء ، وجَفنته على الحُلماء» .والحرث : شق الأرض بحديدة ونحوها ليوضع فيها الزريعة أو الشجر وليزال منها العشب .ويطلق الحرث على الجنة لأنهم يتعاهدونها بالحرث لإِصلاح شجرها ، وهو المارد هنا كقوله تعالى : { وحرثٌ حِجْر } في سورة الأنعام ( 138 ) ، وتقدم في قوله : { والأَنعاممِ والحرثِ } في سورة آل عمران ( 14 ) .

الترجمة الإنجليزية

Faintalaqoo wahum yatakhafatoona

فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) والتخافت : تفاعل من خَفَتَ إذا أسرّ الكَلام .

الترجمة الإنجليزية

An la yadkhulannaha alyawma AAalaykum miskeenun

أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وأن لا يدخلنَّها اليوم عليكم مسكين } تفسير لفعل { يتخافتون } و { أن } تفسيرية لأن التخافت فيه معنى القول دون حروفه .وتأكيد فعل النهي بنون التوكيد لزيادة تحقيق ما تقاسموا عليه .وأسند إلى { مسكين } فعل النهي عن الدخول والمراد نهي بعضهم بعضاً عن دخول المسكين إلى جنتهم ، أي لا يترك أحد مسكيناً يدخلها . وهذا من قبيل الكناية وهو كثير في استعمال النهي كقولهم : لا أعرفنَّك تَفْعَلُ كذا .وجملة { وغَدوا على حَردٍ قادرين } في موضع الحال بتقدير ( قد ) ، أي انطلقوا في حال كونهم غادين قادرين على حَرد .

الترجمة الإنجليزية

Waghadaw AAala hardin qadireena

وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25)وذُكِر فعل { غَدَوا } في جملة الحال لقصد التعجيب من ذلك الغدوِّ النحس كقول امرىء القيس :وباتَ وباتت له ليلة ... كليلة ذي العائر الأرمدبعد قوله :تَطاول ليلك بالأثمُد ... وباتَ الخَلي ولم تَرْقُديخاطب نفسه على طريقة فيها التفات أو التفاتان .والحرد : يطلق على المنع وعلى القصد القوي ، أي السرعة وعلى الغضب .وفي إيثار كلمة { حَرْد } في الآية نكتة من نكت الإِعجاز المتعلق بشرف اللفظ ورشاقته من حيث المعنى ، ومن جهة تعلق المجرور به بما يناسب كل معنى من معانيه ، أي بأن يتعلق { على حرد } ب { قادرين } ، أو بقوله { غَدوا ، } فإذا علق ب { قادرين ، } فتقديم المتعلِّق يفيد تخصيصاً ، أي قادرين على المنع ، أي منع الخير أو منع ثمر جنتهم غير قادرين على النفع .والتعبير بقادرين على حرد دون أن يقول : وغدوا حاردين تهكم لأن شأن فعل القدرة أن يذكر في الأفعال التي يشق على الناس إتيانها قال تعالى : { لا يَقدرون على شيء مما كسبوا } [ البقرة : 264 ] وقال : { بلى قادرين على أن نسوي بنانه } [ القيامة : 4 ] فقوله : { على حرد قادرين } على هذا الاحتمال من باب قولهم : فلان لا يملك إلاّ الحِرمان أو لا يقدر إلاّ على الخيبة .وإذا حمل الحرد على معنى السرعة والقصد كان { على حرد } متعلقاً ب { غَدَوا } مبيناً لنوع الغُدو ، أي غدوا غدُوَّ سرعة واعتناء ، فتكون { على } بمعنى باء المصاحبة ، والمعنى : غدوا بسرعة ونشاط ، ويكون { قادرين } حالاً من ضمير { غدوا } حالاً مقدَّرة ، أي مقدرين أنهم قادرون على تحقيق ما أرادوا .وفي الكلام تعريض بأنهم خابوا ، دل عليه قوله بعده { فلما رأوها قالوا إنا لضالون } [ القلم : 26 ] ، وقولُه قبله { فطاف عليها طائف من ربّك وهم نائمون } .وإذا أريد بالحرد الغضب والحَنق فإنه يقال : حَرَدٌ بالتحريك وحَرْدٌ بسكون الراء ويتعلق المجرور ب { قادرين } وتقديمه للحصر ، أي غدوا لا قدرة لهم إلاّ على الحَنق والغضب على المساكين لأنهم يقتحمون عليهم جنتهم كل يوم فتحيلوا عليهم بالتبكير إلى جذاذها ، أي لم يقدروا إلاّ على الغضب والحنق ولم يقدروا على ما أرادوه من اجتناء ثمر الجنة .وعن السدي : أن { حَرد } اسم قريتهم ، أي جنتهم . وأحسب أنه تفسير ملفق وكأنَّ صاحبه تصيده من فعلي { اغْدُوا وغَدوا } .

الترجمة الإنجليزية

Falamma raawha qaloo inna ladalloona

فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) أي استفاقوا من غفلتهم ورجعوا على أنفسهم باللائمَة على بطرهم وإهمال شكر النعمة التي سيقت إليهم ، وعلموا أنهم أُخذوا بسبب ذلك ، قال تعالى : { وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون } [ الأعراف : 168 ] . ومن حِكم الشيخ ابن عطاء الله الإسكندري «مَن لَم يشكر النعم فقد تَعَرَّض لزوالها ، ومن شكرها فقد قيَّدها بعِقالها» .وأفادت ( لَمَّا ) اقتران جوابها بشرطها بالفور والبداهة . والمقصود من هذا التعريضُ للمشركين بأن يكون حالهم في تدارك أمرهم وسرعة إنابتهم كحال أصحاب هذه الجنة إذ بادروا بالندم وسألوا الله عوض خير .وإسناد هذه المقالة إلى ضمير { أصحاب الجنة } [ القلم : 17 ] يقتضي أنهم قالوه جميعاً ، أي اتفقوا على إدراك سبب ما أصابهم .ومعنى { إنا لضالون } أنهم علموا أنهم كانوا في ضلال أي عن طريق الشكر ، أي كانوا غير مهتدين وهو كناية عن كون ما أصابهم عقاباً على إهمال الشكر ، فالضلال مجاز .وأكَّدوا الكلام لتنزيل أنفسهم منزلة من يشك في أنهم ضالون طريق الخير لقرب عهدهم بالغفلة عن ضلالهم ففيه إيذان بالتحسر والتندم .

الترجمة الإنجليزية

Bal nahnu mahroomoona

بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) و { بل نحن محرومون } إضراب للانتقال إلى ما هو أهم بالنظر لحال تبييتهم إذ بيَتوا حرمان المساكين من فضول ثمرتهم فكانوا هم المحرومين من جميع الثمار ، فالحرمان الأعظم قد اختص بهم إذ ليس حرمان المساكين بشيء في جانب حرمانهم .والكلام يفيد ذلك إما بطريق تقديم المسند إليه بأن أُتي به ضميراً بارزاً مع أن مقتضى الظاهر أن يكون ضميراً مستتراً في اسم المفعول مقدَّراً مؤخراً عنه لأنه لا يتصور إلاّ بعد سماع متحمِّله . فلما أبرز الضمير وقُدم كان تقديمه مؤذناً بمعنى الاختصاص ، أي القصر ، وهو قصر إضافي ، وهذا من مستتبعات التراكيب والتعويل على القرائن .ويحتمل أن يكون الضلال حقيقياً ، أي ضلال طريق الجنة ، أي قالوا : إنا أخطأنا الطريق في السير إلى جنتنا لأنهم توهموا أنهم شاهدوا جنة أخرى غير جنتهم التي عهدوها ، قالوا ذلك تحيراً في أمرهم .ويكون الإِضراب إبطالياً ، أي أبطلوا أن يكونوا ضَلّوا طريق جنتهم ، وأثبتوا أنهم محرومون من خير جنتهم فيكون المعنى أنها هي جنتهم ولكنها هلكت فحرموا خيراتها بأن أتلفها الله .

الترجمة الإنجليزية

Qala awsatuhum alam aqul lakum lawla tusabbihoona

قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28) و { أوسطهم } أفضلهم وأقربهم إلى الخير وهو أحد الإِخوة الثلاثة . والوسط : يطلق على الأخْيَر الأفضللِ ، قال تعالى : { وكذلك جعلناكم أمة وسَطاً } [ البقرة : 143 ] ، وقال : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوُسطى } [ البقرة : 238 ] ويقال هو من سِطَة قومه ، وأعطني من سِطَة مالِك .وحكي هذا القول بدون عاطف لأنه قول في مَجرى المحاورة جواباً عن قولهم { بل نحن محرومون } قاله لهم على وجه توقيفهم على تصويب رأيه وخَطل رأيهم .والاستفهام تقريري و { لولا } حرف تحضيض . والمراد ب { تسبحون } تنزيه الله عن أن يُعصى أمره في شأن إعطاء زكاة ثمارهم .

الترجمة الإنجليزية

Qaloo subhana rabbina inna kunna thalimeena

قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29) وكان جوابهم يتضمن إقراراً بأنه وعظهم فعصوه ودلوا على ذلك بالتسبيح حين ندمِهم على عدم الأخذ بنصيحته فقالوا : { سبحان ربّنا إنا كنا ظالمين } أرادوا إجابة تقريره بإقرار بتسبيح الله عن أن يُعصى أمره في إعطاء حق المساكين فإن من أصول التوبة تدارك ما يمكن تداركه ، واعترافهم بظلم المساكين من أصول التوبة لأنه خبر مستعمل في التندم ، والتسبيح مقدمة الاستغفار من الذنب قال تعالى :{ فسبح بحمد ربّك واستغفره إنه كان تواباً } [ النصر : 3 ] .وجملة { إنا كنا ظالمين } إقرار بالذنب ، والتأكيد لتحقيق الإِقرار والاهتمام به . ويفيد حرفُ ( إنّ ) مع ذلك تعليلاً للتسبيح الذي قبله . وحذف مفعول { ظالمين } ليعم ظلمهم أنفسهم بما جرَّوه على أنفسهم من سلب النعمة ، وظلم المساكين بمنَعهم من حقهم فى المال .وجرت حكاية جوابهم على طريقة المحاورة فلم تعطف وهي الطريقة التي نبّهنا عليها عند قوله تعالى : { قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها } في سورة البقرة ( 30 ) .

الترجمة الإنجليزية

Faaqbala baAAduhum AAala baAAdin yatalawamoona

فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (30) ولما استقرّ حالهم على المشاركة في منع المساكين حقَّهم أخذَ بعضهم يلوم بعضاً على ما فرط من فعلهم : كل يلوم غيره بما كان قد تلبس به في هذا الشأن من ابتكار فكرة منع المساكين ما كان حقاً لهم من حياة الأب ، ومن الممالاة على ذلك ، ومن الاقتناع بتصميم البقية ، ومن تنفيذ جميعهم ذلك العزم الذميم ، فصوَّر قولُه : فأقبلَ بعضهم على بعض يتلاومون } هذه الحالة والتقاذفَ الواقع بينهم بهذا الإِجمال البالغ غاية الإِيجاز ، ألا ترى أن إقبال بعضهم على بعض يصور حالة تشبه المهاجمة والتقريع ، وأن صيغة التلاوم مع حذف متعلق التلاوم تصوّر في ذهن السامع صوراً من لوم بعضهم على بعض .

الترجمة الإنجليزية

Qaloo ya waylana inna kunna tagheena

قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31) وقد تلقى كل واحد منهم لوم غيره عليه بإحقاق نفسه بالملامة وإشراك بقيتهم فيها فقال كل واحد منهم : { يا ويلنا إنّا كنّا طاغين } إلى آخره ، فأسند هذا القول إلى جميعهم لذلك .فجملة { قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين } إلى آخرها يجوز أن تكون مبينة لجملة { يتلاومون ، } أي يلوم بعضهم بعضاً بهذا الكلام فتكون خبراً مستعملاً في التقريع على طريقة التعريض بغيره والإِقرار على نفسه ، مع التحسر والتندم بما أفاده { يا ويلنا . } وذلك كلام جامع للملامة كلها ولَم تعطف الجملة لأنها مبينة .ويجوز أن تكون جوابَ بعضهم بعضاً عن لومه غيره ، فكما أجمعوا على لوم بعضهم بعضاً كذلك أجمعوا على إجابة بعضهم بعضاً عن ذلك الملام فقال كل مَلُوم للائِمِه { يا ويلنا إنا كنّا طاغين } الخ جواباً بتقرير ملامه والاعتراف بالذنب ورجاء العفو من الله وتعويضِهم عن جنتهم خيراً منها إذا قبل توبتهم وجعل لهم ثواب الدنيا مع ثواب الآخرة ، فيكون ترك العطف لأن فعل القول جرى في طريقة المحاورة .والإِقبال : حقيقته المجيء إلى الغير من جهة وجهه وهو مشتق من القُبُل وهو ما يبدو من الإِنسان من جهة وجهه ضد الإِدبار ، وهو هنا تمثيل لحال العناية باللَّوم .واللوم : إنكار متوسط على فعل أو قوللٍ وهو دون التوبيخ وفوق العتاب ، وتقدم عند قوله تعالى :{ فإنهم غير مَلومين } في سورة المؤمنين ( 6 ) .والطغيان : تجاوز الحدّ المتعارف في الكِبْر والتعاظم والمعنى : إنا كنا طاغين على حدود الله .

الترجمة الإنجليزية

AAasa rabbuna an yubdilana khayran minha inna ila rabbina raghiboona

عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32)ثم استأنفوا عن ندامتهم وتوبتهم رجاءَهم من الله أن يتوب عليهم فلا يؤاخذهم بذنبهم في الآخرة ولا في الدّنيا فيمحوَ عقابه في الدنيا محواً كاملاً بأن يعوضهم عن جنتهم التي قدر إتلافها بجنة أخرى خيراً منها .وجملة إنا إلى ربّنا راغبون } بدل من جملة الرجاء ، أي هو رجاء مشتمل على رغبة إليه بالقبول والاستجابة .والتأكيد في { إنا إلى ربّنا راغبون } للاهتمام بهذا التوجه .والمقصود من الإِطناب في قولهم بعد حلول العذاب بهم تلقين الذين ضرب لهم هذا المثل بأن في مكنتهم الإِنابة إلى الله بنبذ الكفران لنعمته إذ أشركوا به من لا إنعام لهم عليه .روي عن ابن مسعود أنه قال : بلغني أنهم أخلصوا وعرف الله منهم الصدقَ فأبدلهم جنة يقال لها : الحَيَوان ، ذات عنب يُحمَل العنقودُ الواحد منه على بغل .وعن أبي خالد اليماني أنه قال : دخلت تلك الجنة فرأيت كل عنقود منها كالرجل الأسود القائم .وقرأ الجمهور { أن يبْدِلنا } بسكون الموحدة وتخفيف الدال . وقرأه نافع وأبو عمرو وأبو جعفر { يُبَدِّلَنا } بفتح الموحدة وتشديد الدال وهما بمعنى واحد .قال ابن الفرس في «أحكام القرآن» : استدل بهذه الآية أبو محمد عبد الوهاب على أن من تعمد إلى نقص النصاب قبل الحول قصداً للفرار من الزكاة أو خالط غيره ، أو فارقه بعد الخلطة فإن ذلك لا يسقط الزكاة عنه خلافاً للشافعي .ووجه الاستدلال بالآية أن أصحاب الجنة قصدوا بجذ الثمار إسقاط حق المساكين فعاقبهم الله بإتلاف ثمارهم .

الترجمة الإنجليزية

Kathalika alAAathabu walaAAathabu alakhirati akbaru law kanoo yaAAlamoona

كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (33)رجوع إلى تهديد المشركين المبدوء من قوله : { إنا بلوناهم } [ القلم : 17 ] ، فالكلام فذلكة وخلاصة لما قبله وهو استئناف ابتدائي .والمشار إليه باسم الإشارة هو ما تضمنته القصة من تلف جنتهم وما أحسوا به عند رؤيتها على تلك الحالة ، وتندمهم وحسرتهم ، أي مثل ذلك المذكور يَكون العذاب في الدنيا ، فقوله : { كذلك } مسند مقدم و { العذاب } مسند إليه ، وتقديم المسند للاهتمام بإحضار صورته في ذهن السامع .والتعريف في { العذاب } تعريف الجنس وفيه توجيه بالعهد الذهني ، أي عذابكم الموعد مثل عذاب أولئك والمماثلة في إتلاف الأرزاق والإِصابة بقطع الثمرات .وليس التشبيه في قوله : { كذلك العذاب } مثل التشبيه في قوله : { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً } [ البقرة : 143 ] ، ونحوه ما تقدم في سورة البقرة بل ما هنا من قبيل التشبيه المتعارف لوجود ما يصلح لأن يكون مشبهاً به العذابُ وهو كون المشبه به غير المشبه ، ونظيره قوله تعالى : { وكذلك أخْذُ ربّك إذا أخَذَ القرى وهي ظالمة } [ هود : 102 ] بخلاف ما في سورة البقرة فإن المشبه به هو عين المشبه لقصد المبالغة في بلوغ المشبه غاية ما يكون فيه وجه الشبه بحيث إذا أريد تشبيهه لا يلجأ إلاّ إلى تشبيهه بنفسه فيكون كناية عن بلوغه أقصى مراتب وجه الشبه .والمماثلةُ بين المشبه والمشبه به مماثلة في النوع وإلاّ فإن ما تُوعدوا به من القحط أشد مما أصاب أصحاب الجنة وأطولُ .وقوله { ولعذاب الآخرة أكبر } دال على أن المراد بقوله : { كذلك العذاب } عذاب الدنيا .وضمير { لو كانوا يعلمون } عائد إلى ما عاد إليه ضمير الغائب في قوله : { بلوناهم } [ القلم : 17 ] ، وهم المشركون فإنهم كانوا ينكرون عذاب الآخرة فهددوا بعذاب الدنيا ، ولا يصح عوده إلى { أصحاب الجنة } [ القلم : 17 ] لأنهم كانوا مؤمنين بعذاب الآخرة وشدته .

الترجمة الإنجليزية

Inna lilmuttaqeena AAinda rabbihim jannati alnnaAAeemi

إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34)استئناف بياني لأن من شأن ما ذكر من عذاب الآخرة للمجرمين أن ينشأ عنه سؤال في نفس السامع يقول : فما جزاء المتقين؟ وهو كلام معترض بين أجزاء الوعيد والتهديد وبين قوله : { سنسمه على الخرطوم } [ القلم : 16 ] وقوله : { كذلك العذاب } [ القلم : 33 ] . وقد أشعر بتوقع هذا السؤال قوله بعده : { أفنجعل المسلمين كالمجرمين } [ القلم : 35 ] كما سيأتي .وتقديم المسند على المسند إليه للاهتمام بشأن المتقين ليسبق ذكرُ صفتهم العظيمة ذكْرَ جزائها .واللام للاستحقاق . و { عند } ظرف متعلق بمعنى الكون الذي يقتضيه حرف الجر ، ولذلك قُدم متعلَّقُه معه على المسند إليه لأجل ذلك الاهتمام . وقد حصل من تقديم المسند بما معه طولٌ يثير تشويق السامع إلى المسند إليه . والعِندية هنا عندية كرامةٍ واعتناء .وإضافة { جنات } إلى { النعيم } تفيد أنها عُرفت به فيشار بذلك إلى ملازمة النعيم لها لأن أصل الإِضافة أنها بتقدير لام الاستحقاق ف { جنات النعيم } مفيد أنها استحَقها النعيم لأنها ليس في أحوالها إلاّ حال نعيم أهلها ، فلا يكون فيها ما يكون في جنات الدّنيا من المتاعب مثل الحَرّ في بعض الأوقات أو شدة البرد أو مثل الحشرات والزنانير ، أو ما يؤذي مثل شوك الأزهار والأشجار وروث الدواب وذرق الطير .

الترجمة الإنجليزية

AfanajAAalu almuslimeena kaalmujrimeena

أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) فاء التفريع تقتضي أن هذا الكلام متفرع على ما قبله من استحقاق المتقين جنات النعيم ، ومقابلته بتهديد المشركين بعذاب الدّنيا والآخرة ، ولكن ذلك غير مصرح فيه بما يناسب أن يتفرع عليه هذا الإنكار والتوبيخ فتعيَّن تقدير إنكار من المعرض بهم ليتوجه إليهم هذا الاستفهام المفرع ، وهو ما أشرنا إليه آنفاً من توقع أو وقوعَ سؤال .والاستفهام وما بعده من التوبيخ ، والتخطئة ، والتهكم على إدلالهم الكاذب ، مؤذن بأن ما أنكر عليهم ووبخوا عليه وسُفهوا على اعتقاده كان حديثاً قد جرى في نواديهم أو استسخروا به على المسلمين في معرض جحود أن يكون بَعث ، وفرضهم أنه على تقدير وقوع البعث والجزاء لا يكون للمسلمين مزية وفضل عند وقوعه .وعن مقاتل لما نزلت آية { إن للمتقين عند ربّهم جنات النعيم } [ القلم : 34 ] قالت قريش : إن كان ثمة جنة نعيم فلنا فيها مثل حظنا وحظهم في الدّنيا ، وعن ابن عباس أنهم قالوا : إنا نعطى يومئذٍ خيراً مما تُعطون فنزل قوله : { أفنجعل المسلمين كالمجرمين } الآية .

الترجمة الإنجليزية

Ma lakum kayfa tahkumoona

مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)والهمزة للاستفهام الإِنكاري ، فرع إنكار التساوي بين المسلمين والكافرين على ما سبق من اختلاف جزاء الفريقين فالإِنكار متسلط على ما دار بين المشركين من القول عند نزول الآية السابقة أو عند نزول ما سبقها من آي القرآن التي قابلت بين جزاء المؤمنين وجزاء المشركين كما يقتضيه صريحاً قوله : { ما لكم كيف تحكمون } إلى قوله : { إن لكم لما تحكمون } [ القلم : 39 ] .وإنكار جعل الفريقين متشابهين كناية عن إعطاء المسلمين جزاء الخير في الآخرة وحرمان المشركين منه ، لأن نفي التساوي وارد في معنى التضاد في الخير والشر في القرآن وكلام العرب قال تعالى : { أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون } [ السجدة : 18 ] ، وقال : { لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة } [ الحشر : 20 ] ، وقال : { أم نجعل الذين ءامنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار } [ ص : 28 ] وقال السموأل أو الحارثي :سَلي إن جَهِلْتتِ الناسَ عنّا وعنهمُ ... فليس سواءً عالم وجهولوإذا انتفى أن يكون للمشركين حظ في جزاء الخير انتفى ما قالوه من أنهم أفضل حظاً في الآخرة من المسلمين كما هو حالهم في الدّنيا بطريق فحوى الخطاب .وقوله : { أفنجعل المسلمين كالمجرمين } كلام موجه إلى المشركين وهم المقصود ب { المجرمين ، } عُبر عنهم بطريق الإِظهار دون ضمير الخطاب لما في وصف { المجرمين } من المقابلة ليكون في الوصفين إيماء إلى سبب نفي المماثلة بين الفريقين .فلذلك لم يكن ضمير الخطاب في قوله : { ما لكم كيف تحكمون } التفاتاً عن ضمائر الغيبة من قوله : { ودُّوا لو تدهن فيدهنون } [ القلم : 9 ] وقوله { إنا بلوناهم } [ القلم : 17 ] .وإنما تغير الضمير إلى ضمير الخطاب تبعاً لتغير توجيه الكلام ، لأن شرط الالتفات أن يتغير الضمير في سياق واحد .و { ما لكم } استفهام إنكاري لحالة حكمهم ، ف { ما لكم } مبتدأ وخبر وقد تقدم في قوله تعالى : { قالوا وما لنا أن لا نقاتل في سبيل الله } في سورة البقرة ( 246 ) .وكيف تحكمون } استفهام إنكاري ثان في موضع الحال من ضمير { لكم ، } أي انتفى أن يكون لكم شيء في حال حكمكم ، أي فإن ثبت لهم كان منكراً باعتبار حالة حكمهم .والمعنى : لا تحكمون أنكم مساوون للمسلمين في جزاء الآخرة أو مفضلون عليهم .

الترجمة الإنجليزية

Am lakum kitabun feehi tadrusoona

أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37) إضراب انتقال من توبيخ إلى احتجاج على كذبهم .والاستفهام المقدر مع { أم } إنكار لأن يكون لهم كتاب إنكاراً مبنياً على الفرض وإن كانوا لم يدّعوه .وحاصل هذا الانتقال والانتقالات الثلاثة بعده وهي { أم لكم أيمان علينا } [ القلم : 39 ] الخ ، { سلهم أيهم بذلك زعيم } [ القلم : 40 ] { أم لهم شركاء } [ القلم : 41 ] الخ أن حكمكم هذا لا يخلو من أن يكون سنده كتاباً سماوياً نزل من لدنا ، وإما أن يكون سنده عَهْداً منا بأنا نعطيكم ما تقترحون ، وإما أن يكون لكم كفيل علينا ، وأما أن يكون تعويلاً على نصر شركائكم .وتقديم { لكم } على المبتدأ وهو { كِتاب } لأن المبتدأ نكرة وتنكيره مقصود للنوعية فكان تقديم الخبر لازماً .وضمير { فيه } عائد إلى الحكم المفاد من قوله : { كيف تحكمون } [ القلم : 36 ] ، أي كتاب في الحكم .و ( في ) للتعليل أو الظرفية المجازية كما تقول ورد كتاب في الأمر بكذا أو في النهي عن كذا فيكون { فيه } ظرفاً مستقراً صفة ل { كتاب . } ويجوز أن يكون الضمير عائداً إلى { كتاب } ويتعلق المجرور بفعل { تدرسون } جعلت الدراسة العميقة بمزيد التبصر في ما يتضمنه الكتاب بمنزلة الشيء المظروف في الكتاب كما تقول : لنا درس في كتاب سيبويه .وفي هذا إدماج بالتعريض بأنهم أمِّيُّون ليسوا أهل كتاب وأنهم لما جاءَهم كتاب لهديهم وإلحاقهم بالأمم ذات الكتاب كفروا نعمته وكذبوه قال تعالى : { لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم أفلا تعقلون } [ الأنبياء : 10 ] وقال : { أو تقولوا لَوْ أنا أُنزل علينا الكتاب لكُنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربّكم وهدى ورحمة } [ الأنعام : 157 ] .

الترجمة الإنجليزية

Inna lakum feehi lama takhayyaroona

إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ (38)وجملة { إنّ لكم فيه لما تخيَّرون } في موضع مفعول { تدرسون } على أنها محكي لفظها ، أي تدرسون هذه العبارة كما جاء قوله تعالى : { وتركنا عليه في الآخرين سلامٌ على نوح في العالمين } [ الصافات : 78 ، 79 ] أي تدرسون جملة { إِنَّ لكم فيه لَما تَخيَّرون .ويكون فيه } توكيداً لفظياً لنظيرها من قوله : { فيه تدرسون ، } قصد من إعادتها مزيد ربط الجملة بالتي قبلها كما أعيدت كلمة ( من ) في قوله تعالى : { ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سَكَراً } [ النحل : 67 ] وأصله : تتخذون سَكَراً .و { تخيرون } أصله تتخيرون بتاءين ، حذفت إحداهما تخفيفاً . والتخير : تكلف الخَير ، أي تطلب ما هو في أخير . والمعنى : إن في ذلك الكتاب لكم ما تختارون من خير الجزاء .

الترجمة الإنجليزية

Am lakum aymanun AAalayna balighatun ila yawmi alqiyamati inna lakum lama tahkumoona

أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ (39){ أم } للانتقال إلى دليل آخر وهو نفي أن يكون مستند زعمهم عهداً أخذوه على الله لأنفسهم أن يعاملهم يوم القيامة بما يحكمون به لأنفسهم ، فالاستفهام اللازم تقديره بعد { أم } إنكاري و { بالغة } مؤكَّدة . وأصل البالغة : الواصلة إلى ما يُطلب بها ، وذلك استعارة لمعنى مغلظة ، شبهت بالشيء البالغ إلى نهاية سيره وذلك كقوله تعالى : { قل فللَّه الحجة البالغة } [ الأنعام : 149 ] .وقوله : { علينا } صفة ثانية ل { أيمان } أي أقسمناها لكم لإِثبات حقكم علينا .و { إلى يوم القيامة } صفة ثالثة ل { أيمان ، } أي أيمان مُؤبدة لا تَحلَّة منها فحصل من الوصفين أنها عهود مؤكدة ومستمرة طول الدّهر ، فليس يومُ القيامة منتهى الأخذ بتلك الأيمان بل هو تنصيص على التأييد كما في قوله تعالى : { ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة } في سورة الأحقاف ( 5 ) .ويتعلق إلى يوم القيامة } بالاستقرار الذي في الخبر في قوله : { لكم أيمان } ولا يحسن تعلقه ب { بالغة } تعلق الظرف اللغو لأنه يصير { بالغة } مستعملاً في معنى مشهور قريب من الحقيقة ، ومحملُ { بالغة } على الاستعارة التي ذكرنا أجزل وجملة { إن لكم لَما تحكمون } بيان ل { أيمان ، } أي أيمان بهذا اللفظ .ومعنى ( ما تحكمون ) تأمرون به دون مراجَعة ، يقال : نزلوا على حكم فلان ، أي لم يعينوا طِلبة خاصة ولكنهم وكلوا تعيين حقهم إلى فلان ، قال خَطاب أو حطان بن المُعلَّى :أنزلني الدّهر على حكمه ... من شامخخٍ عاللٍ إلى خفضأي دون اختيار لي ولا عمل عملته فكأنني حكمت الدّهر فأنزلني من معاقلي وتصرف فيَّ كما شاء .ومن أقوالهم السائرة مسرى الأمثال «حُكْمُكَ مُسَمَّطاً» ( بضم الميم وفتح السين وفتح الميم الثانية مشددة ) أي لك حكمك نافذاً لا اعتراض عليك فيه . وقال ابن عَثمة :لك المِرباع منها والصفايا ... وحكْمُك والنشيطةُ والفُضول

الترجمة الإنجليزية

Salhum ayyuhum bithalika zaAAeemun

سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ (40)استئناف بياني عن جملة { أم لكم أيمان علينا بالغة } [ القلم : 39 ] ، لأن الأيمان وهي العهود تقتضي الكفلاء عادة قال الحارث بن حِلِّزة :واذكُروا حِلف ذِي المَجاز وما قُدِّ ... م فيه العهودُ والكفلاءفلما ذُكر إنكار أن يكون لهم عهود ، كُمل ذلك بأن يطلب منهم أن يعينوا من هم الزعماء بتلك الأيمان .فالاستفهام في قوله : { سلهم أيهم بذلك زعيم } مستعمل في التهكم زيادة على الإِنكار عليهم .والزعيم : الكفيل وقد جعل الزعيم أحداً منهم زيادة في التهكم وهو أن جعل الزعيم لهم واحداً منهم لعزتهم ومناغاتهم لكبرياء الله تعالى .

الترجمة الإنجليزية

Am lahum shurakao falyatoo bishurakaihim in kanoo sadiqeena

أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (41){ أم } إضراب انتقالي ثالث إلى إبطال مستند آخر مفروض لهم في سند قولهم : إِنا نعْطَى مثل ما يُعطَى المسلمون أو خيراً مما يُعطونه ، وهو أن يُفرض أن أصنامهم تنصرهم وتجعل لهم حَظاً من جزاء الخير في الآخرة .والمعنى : بل أثبتت لهم ، أي لأجلهم ونفعهم شركاءُ ، أي شركاء لنا في الإلهية في زعمهم ، فحذف متعلق { شركاء } لشهرته عندهم فصار شركاء بمنزلة اللقب ، أي أم آلهتهم لهم فليأتوا بهم لينفعوهم يوم القيامة .واللام في { لهم } لام الأجل ، أي لأجلهم بتقدير مضاف ، أي لأجل نصرهم ، فاللام كاللام في قول أبي سفيان يوم أحد «لنا العزى ولا عزى لكم» .وتنكير { شركاء } في حيز الاستفهام المستعمل في الإِنكار يفيد انتفاء أن يكون أحد من الشركاء ، أي الأصنام لهم ، أي لنفعهم فيعم أصنام جميع قبائل العرب المشترك في عبادتها بين القبائل ، والمخصوصةَ ببعض القبائل .وقد نقل أسلوب الكلام من الخطاب إلى الغيبة لمناسبة وقوعه بعد { سلْهُم أيهم بذلك زعيم } [ القلم : 40 ] ، لأن أخص الناس بمعرفة أحقّية هذا الإِبطال هو النبي صلى الله عليه وسلم وذلك يستتبع توجيهَ هذا الإِبطال إليهم بطريقة التعريض .والتفريع في قوله : { فليأتوا بشركائهم } تفريع على نفي أن تنفعهم آلهتهم ، فتعين أن أمر { فليأتوا } أمر تعجيز .وإضافة { شركاء } إلى ضميرهم في قوله : { فليأتوا بشركائهم } لإِبطال صفة الشركة في الإلهية عنهم ، أي ليسوا شركاء في الإلهية إلاّ عند هؤلاء فإن الإلهية الحق لا تكون نسبية بالنسبة إلى فريق أو قبيلة .ومثل هذا الإِطلاق كثير في القرآن ومنه قوله : { قل ادعوا شركاءكم ثم كِيدُون فلا تُنظرون } [ الأعراف : 195 ] .

الترجمة الإنجليزية

Yawma yukshafu AAan saqin wayudAAawna ila alssujoodi fala yastateeAAoona

يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42) يجوز أن يكون { يوم يُكشف } متعلقاً بقوله : { فليأتوا بشركائهم } [ القلم : 41 ] ، أي فليأتوا بالمزعومين يومَ القيامة ، وهذا من حُسن التخلص إلى ذكر أهوال القيامة عليهم .ويجوز أن يكون استئنافاً متعلقاً بمحذوف تقديره : اذكُرْ يوم يُكشف عن ساق ويُدعون إلى السجود الخ للتذكير بأهوال ذلك اليوم .وعلى كلا الوجهين في تعلق { يوم } فالمراد باليوم يوم القيامة .والكشف عن ساق : مثَل لشدة الحال وصعوبة الخطب والهول ، وأصله أن المرء إذا هلع أن يسرع في المشي ويشمر ثيابه فيكشف عن ساقه كما يقال : شمر عن ساعد الجد ، وأيضاً كانوا في الروع والهزيمة تشمر الحرائر عن سوقهن في الهرب أو في العمل فتنكشف سوقهن بحيث يشغلهن هول الأمر عن الاحتراز من إبداء ما لا تبدينه عادةً ، فيقال : كشفت عن ساقها أو شَمَّرت عن ساقها ، أو أبْدت عن ساقها ، قال عبد الله بن قيس الرقيات :كيف نوْمي على الفراش ولما ... تشملْ الشامَ غارةٌ شَعْواءتُذهل الشيخ عن بنيه وتبدي ... عن خِدَام العقيلة العذراءوفي حديث غزوة أحد قال أنس بن مالك : «انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم ولقد رأيت عائشة وأم سليم وأنهما لمشمّرتان أرى خَدَم سوقهمَا تنقلان القِرَب على متُونهما ثم تُفْرِغَانها في أفواه القوم ثم ترجعان فتملآنها» الخ ، فإذا قالوا : كشف المرء عن ساقه فهو كناية عن هول أصابه وإن لم يكن كشف ساقه . وإذا قالوا : كشف الأمر عن ساق ، فقد مثلوه بالمرأة المروعة ، وكذلك كشفت الحرب عن ساقها ، كل ذلك تمثيل إذ ليس ثمة ساق قال حاتم :فتى الحرب عضّت به لحرب الحرب عضها ... وإن شمرت عن سَاقها الحرب شمَّراوقال جد طرفة من الحماسة :كشفتْ لهم عن ساقها ... وبدا من الشر البَواحوقرأ ابن عباس { يوم تَكشف } بمثناة فوقية وبصيغة البناء للفاعل على تقدير تكشف الشدة عن ساقها أو تكشف القيامة ، وقريب من هذا قولهم : قامت الحرب على ساق .والمعنى : يوم تبلغ أحوال الناس منتهى الشدة والروْع ، قال ابن عباس : يكشف عن ساق : عن كرب وشدة ، وهي أشد ساعة في يوم القيامة .وروى عبد بن حميد وغيره عن عكرمة عن ابن عباس أنه سئل عن هذا ، فقال : «إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر فإنه ديوان العرب» ، أما سمعتم قول الشاعر :صبراً عَنَاقُ إنه لشِرْباقْ ... فقد سنّ لي قومُككِ ضربَ الأعناقْوقامت الحرب بنا على ساق ... وقال مجاهد : { يكشف عن ساق } : شدّة الأمر .وجملة { ويُدْعون } ليس عائداً إلى المشركين مثل ضمير { إِنا بلوناهم } [ القلم : 17 ] إذ لا يساعد قوله : { وقد كانوا يدعون إلى السجود } فإن المشركين لم يكونوا في الدنيا يُدْعَون إلى السجود . فالوجه أن يكون عائداً إلى غير مذكور ، أي ويُدعَى مدعوون فيكون تعريضاً بالمنافقين بأنهم يحشرون مع المسلمين ويمتحن الناس بدعائهم إلى السجود ليتميز المؤمنون الخُلص عن غيرهم تَميز تشريف فلا يستطيع المنافقون السجود فيفتضح كفرهم ، قال القرطبي عن قيس بن السكن عن عبد الله بن مسعود : فمن كان يعبد الله مخلصاً يخِرُّ ساجداً له ويبقى المنافقون لا يستطيعون كأنَّ في ظهورهم السفافيد اه .فيكون قوله تعالى : { ويدعون إلى السجود } إدماجاً لذكر بعض ما يحصل من أحوال ذلك اليوم .وفي «صحيح مسلم» من حديث الرؤية وحديث الشفاعة عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " فيُكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلاّ أذن الله له بالسجود ، ولا يبقى من كان يسجد رياء إلاّ جعل الله ظهره طبقَة واحدة كلما أراد أن يسجد خرّ على قفاه " الحديث ، فيصلح ذلك تفسيراً لهذه الآية .وقد اتبع فريق من المفسرين هذه الرواية وقالوا : يكشِف الله عن ساقه ، أي عن مثل الرِجْل ليراها الناس ثم قالوا هذا من المتشابه ، على أنه روي عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : { عن ساقِ } قال يكشف عن نور عظيم يَخرون له سجداً .ورُويت أخبار أخرى ضعيفة لا جدوى في ذكرها .و { السجود } الذي يُدعون إليه : سجودُ الضراعة والخضوع لأجل الخلاص من أهوال الموقف .وعدم استطاعتهم السجود لسلب الله منهم الاستطاعة على السجود ليعلموا أنهم لا رجاء لهم في النجاة .والذي يدعوهم إلى السجود الملائكة الموكلون بالمحشر بأمر الله تعالى كقوله تعالى : { يَوم يدعو الداعي إلى شيء نكر إلى قوله : { مهطعين إلى الداعي } [ القمر : 68 ] ، أو يدعو بعضهم بعضاً بإلهام من الله تعالى ، وهو نظير الدعوة إلى الشفاعة في الأثر المروي «فيقول بعضهم لبعض : لو استشفعنا إلى ربّنا حتى يريحنا من موقفنا هذا» .
565